من هو الفرزدق ؟

الفرزدق ، هو الشاعر المعروف أبو فراس همّام بن غالب ، لقب بالفرزدق لغلاضة وجهه على ما قيل 1 .
ولد سنة : 10هجرية في البصرة ، و نشأ في باديتها ، و نظم الشعر صغيراً ، فجاء به ـ كما يروى ـ أبوه إلى الإمام علي ( عليه السَّلام ) و قال له : إن ابني هذا من شعراء مضر فاسمع منه ، فأجابه الإمام ( عليه السَّلام ) : " أن علِّمه القران " فلما كبُر تعلَّمه .
كان متعصباً لأهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، شديد التشيع لهم ، مجاهراً بحبهم ، معلناً له .
كان أول من رسم النحو ، حيث تعلم ذلك من أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) .
و للفرزدق مواقف شجاعة و جريئة لنصرة الحق ، منها ما روي ـ من عدة طرق ـ أن هشام بن عبد الملك حجَّ في أيام أبيه عبد الملك بن مروان فطاف بالكعبة المشرفة ، فلما أراد أن يستلم الحجر الأسود لم يتمكن بسبب الزحام ، و كان أهل الشام حوله ، و بينما هو كذلك إذ أقبل الامام علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) ، فلما دنا من الحجر ليستلم تنحى عنه الناس إجلالاً له و هيبةً و احتراماً حتى استلم الحجر بسهولة و يسر ، و هشام و أصحابه ينظرون و الغيظ و الحسد قد أخذ منهم مأخذاً عظيماً .
فقال رجل من الشاميين لهشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟
فقال هشام ـ كذباً ـ : لا أعرفه .
فسمع الفرزدق ذلك ـ و كان حاضراً ـ فاندفع و قال : أنا أعرفه ، ثم أنشد قصيدته الرائعة 2 :
القصيدة الفرزدقية العلوية :
هذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِاللَّهِ كُلِّهِمُ * هذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطّاهِرُ الْعَلَمُ
هذَا ابْنُ فاطِمَةَ إِنْ كُنْتَ جاهِلَهُ * بِجَدِّهِ أنْبِياءُاللَّهِ قَدْ خُتِموا
هذَا الَّذي تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وطْأَتَهُ * و الْبَيْتُ يَعْرِفُهُ و الْحِلُّ و الْحَرَمُ
مَنْ جَدُّهُ دانَ فَضْلُ الْأَنْبِياءِ لَهُ * و فَضْلُ أُمَّتِهِ دانَتْ لَهُ الْأُمَمُ
وَ لَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ * ألْعُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ و الْعَجَمُ
أللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْماً و فَضَّلَهُ * جَرى بِذاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ القَلَمُ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ * طابَتْ عَناصِرُهُ و الخِيمُ و الشِّيَمُ
يَنْشَقُّ ثَوْبُ‏ الدُّجى عَنْ نورِ غُرَّتِهِ * كاَلشَّمْسِ يَنْجابُ عَنْ إِشْراقِهَا الْقَتَمُ
إِذا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قالَ قائِلُها * إِلى مَكارِمِ هذا يَنْتَهي الْكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً و يُغْضى مِنْ مَهابَتِهِ * فَما يُكَلَّمُ إِلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرفانَ راحَتِهِ * رُكْنُ الْحَطِيمِ إِذا ما جاءَ يَسْتَلِمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِياثٌ عَمَّ نَفْعُهُما * يَسْتَوْكِفانِ و لا يَعْروُهُمَا الْعَدَمُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا تُخْشى بَوادِرُهُ * يُزِينُهُ إِثْنانِ حُسْنُ الْخُلْقِ و الْكَرَمُ
حَمّالُ أَثْقالِ أَقْوامٍ إِذا فُدِحوا * حُلْوُ الشَّمائلِ تَحْلوُ عِنْدَهُ نَعَمُ
لا يُخْلِفُ الْوَعْدَ مَيْمُونٌ نَقيبَتُهُ * رَحْبُ الْفِناءِ أَريبٌ حِينَ يَعْتَزِمُ
عَمَّ الْبَرِيَّةَ بِالْإِحْسانِ فَانْقَشَعَتْ * عَنْهاَ الغَيابَةُ و الْإِمْلاقُ و الْعَدَمُ
يُنْمى إِلى ذُرْوَةِ الْعِزِّ الَّتي قَصُرَتْ * عَنْ نَّيْلِها عَرَبُ الْإِسْلامِ و الْعَجَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دينٌ و بُغْضُهُمُ * كُفْرٌ و قُرْبُهُمُ مَنْجى و مُعْتَصَمُ
إِنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقى كانوا أَئِمَّتَهُمْ * أَوْ قِيلَ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ ‏الْأرْضِ‏ قِيلَ هُمُ
لا يَسْتَطِيعُ جَوادٌ بُعْدَ غايَتِهِمْ * و لايُدانِيِهِمُ قَوْمٌ و إِنْ كَرُموا
هُمُ الْغُيوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْ * و الْأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى و الْبَأْسُ مُحْتَدِمُ
لا يَقْبِضُ الْعُسْرُ بَسْطاً مِنْ أَكُفِّهِمُ * سِيِّانَ ذلكَ إِنْ أَثْرَوْا و إِنْ عَدِموا
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ و الْبَلْوى بِحُبِّهِمُ * و يُسْتَرَبُّ بِهِ الْإِحْسانُ و النِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ ذِكْرُهُمُ * في كُلِّ بَدْءٍ و مَخْتومٍ بِهِ الْكَلِمُ
يَأْبى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَمُّ ساحَتَهُمْ * خِيمٌ كرِيمٌ و أَيْدٍ بِالنَّدى هُضُمُ
أَيُّ الْخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقابِهِمُ * لِأَوَّلِيَّةِ هذا أَوْلَهُ نَعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللَّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذا * فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هذا نالَهُ الْأُمَمُ 3
ثم قال الفرزدق هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السَّلام ) .
فثار هشام و أمر باعتقال الفرزدق ، فاعتقل و اُودع في سجون عسفان 4 ، و بلغ ذلك الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) فبعث إليه بإثني عشر ألف درهم ، فردَّها الفرزدق ، و قال : إني لم أقل ما قلت إلا غضباً لله و لرسوله ، و لا آخذ على طاعة الله أجراً ، فأعادها الإمام ( عليه السَّلام ) و أرسل إليه : نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما اعطينا ، فقبلها الفرزدق .

توفي الفرزدق سنة 110 هجرية عن عمر يناهز المائة سنة.

  • 1. انظر ترجمته في : الكنى و الألقاب 3 : 17 ، معالم العلماء : 151 ، تأسيس الشيعة : 46 و 186 .
  • 2. قال الشيخ أبو زهرة : لقد روت كتب التاريخ و السير و الأدب هذه القصيدة منسوبة إلى الفرزدق الشاعر، و لم يتشكك الرواة والمؤرخون في نسبتها اليه ، و أكثر كتب الأدب لم تثر عجاجة شك حولها .
  • 3. يراجع شرح قصيدة الفرزدق و تخاميسها ، للشاعر الأديب العلامة الشيخ سلطان علي الصابري الحائري .
  • 4. عسفان : منزل يقع ما بين مكة و المدينة .

4 تعليقات