تقيمك هو: 2. مجموع الأصوات: 32
نشر قبل 14 سنة
القراءات: 10479

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الحج و دعائم الإيمان

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ 1
ليلة مباركة ، وأرض ميمونة ، وجمع حاشد من المؤمنين طهرتهم مراسم العمرة وأعدتهم ليوم الحج الأكبر .
ونسائم رضوان الله بدأت تهب على النفوس فتغيرها ، ودعوة الرب الرؤوف الرحيم لهذه القلوب الخاشعة بدأ صداها يتردد في الآفاق ، فإذا بالأفئدة تهوي إلى رحمة الله الواسعة ومغفرته ورضوانه .
ونحن إذ نتحلق حول مائدة القرآن الكريم ، وبالذات حول معاني وآفاق سورة الحج المباركة التي تحوي في طياتها هذه الفريضة التي قصدنا بيت الله لنؤديها ونستفيد من عطرها وروحها وعزمها وجميع منافعها بإذن الله .
والفائدة الكبرى للحاج من فريضته هي أن يعود متزوداً بالتقوى . . وكلما كان تزوده لهذه الجوهرة الثمينة التي لا تقدر عظمتها ، كان حجة أقرب إلى حج إبراهيم الخليل سلام الله عليه ، وإلى حج النبيين والأئمة والأولياء الأبرار . . فكيف نستطيع التزود بهذه الجوهرة الثمينة وهذا الفضل العظيم الذي أمرنا ربنا الكريم بالاغتراف منه بقوله : ﴿ ... وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ... 2 ؟
إننا قوم رحّلٌ في صحراء قاحلة ، لا كلأ فيها ولا ماء ، وليس أمامنا إلا هذه المحطة الأخيرة وهذه الفرصة الذهبية . . فمن تزود منها استطاع الانتفاع من هذه الرحلة ؛ أي رحلة الحياة التي تتصل من الدنيا بعالم البرزخ ، ومن عالم البرزخ بعالم اللانهاية .
فأبناء آدم في هذه الدنيا ليسوا مجرد مخلوقات حية وجدت لتموت ثم لتتحول إلى تراب ؛ بل كان البشر قبل هذا العالم في عالم الأظلة والأشباح ، ثم أخرجوا إلى عالم الذر ، وبعد إلى عالم الأصلاب ، وهذا عالم الأنساب ، وبعد عالم البرزخ ، وتليه القيامة التي يعدل يومها خمسين ألف سنة من سنين الدنيا ، ومن ثم إما إلى جنة فيها كل نعيم ، وإما إلى نار فيها كل عذاب ونقمة . . وهاهي الدنيا ؛ فرصتنا الوحيدة التي تحوي نفحات الله المباركة .
وعلى هذا الأساس ينبغي للإنسان المسلم المنشغل بأداء فريضة الحج ، أن يعلم بأنه الإنسان الذي انتخبه الله تبارك وتعالى من بين مئات الآلاف من أمثاله ، ولذلك عليه أن يتعرف على حكمة هذا الانتخاب ، وأن يسعى إلى استغلال هذه الفرصة وفي هذه الفترة المحدودة .
أما التقوى التي يأمر الله عز وجل الحجاج بالتزود بها ، ويعلمهم بأنها خير زاد ، فإن محورها الأصلي هو الإيمان بالله ، ثم إن للإيمان بالله ناحيتين ؛ إحداهما تسبق الأخرى .
فالجنبة الأولى للإيمان هي تصفية القلب من عبادة غير الرب الخالق ، لأن القلب إذا ما حجب بعبادة غير الله سبحانه وتعالى ، فإنه لن ينتفع بشيءٍ ، وإذ ذاك سيكون مثله مثل من يجلس في قصر مغلق على نفسه . . فلا ينتفع بالفضاء الرائع الذي يحيط بقصره ، أو أنه لا ينتفع بأشعة الشمس مهما أشرقت عليه ، لأنه محروم عنها بالجدران الضخمة التي تحجبه عن نور الشمس . ولذلك نجد الحديث الأول في سورة الحج المباركة مختص بالبحث عن عبادة غير الله عز وجل ، إذ يأمرنا الرب تعالى بنبذ هذه العبادة غير الشرعية وغير العقلية ، وأن نتوجه إليه وحده لا شريك له بكل قلوبنا . فيقول الله عز اسمه : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ... 3 لأنه لما يترسخ الإيمان الحقيقي في قلبه بعد ، فلم تنمو ملكة التقوى في نفسه ، فكان مصداقاً لقوله سبحانه : ﴿ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ... 4 ، حيث لا يتوجه قلبه إلى الله تعالى ، وهذا هو ما يطلق عليه بالشرك الخفي .
إن النبي إبراهيم عليه السلام وهو المؤذن الأول للحج بأمر الله تعالى لم يصل إلى التمكن من رؤية ملكوت السماوات والأرض ، كما يقول القرآن ، إلا بعد أن أزاح كافة الحجب عن قلبه ، حيث قام بتحطيم أنواع الأصنام النفسية والأسرية والاجتماعية والسياسية ، وأخيراً قام بتدمير أصنام الحجارة التي تمثل الرمز التافه لأنواع الأصنام والحجب .
إذن ؛ فالمرحلة الأولى من الإيمان هي أن يصل المرء إلى حقيقة إلغاء غير الله من قلبه فيطهره تطهيراً . .
أما المرحلة الثانية ؛ فتتمثل في تنمية الإيمان و تطويره .
وإنما يمكن تنمية الإيمان بطرق وأساليب ووسائل خاصة ، وقبل توضيح ذلك ، لابد لي من القول بأن الإنسان يتميز بقوة عظيمة ، وهو قوة التخيل التي بإمكانها تقريب البعيد له ، وهي تشبه إلى حد كبير الناظور الكاشف والمقرب . ولذلك تجد الخطيب الماهر الألمعي والشاعر والفنان والرسام الموهوبين هم من يجيدون إثارة الخيال وقدرة التصور والحمل على معايشة ما يريدونه لمخاطبيهم وكأنها أمامهم .
وقدرة التخيل هذي مفيدة للغاية على الصعيد الإيماني وإرادة تنميته . .
فالمؤمن إذا تعرض لفتنة شهوة من الشهوات ـ مثلاً ـ فله أن يتخيل أو يتذكر الجنة وما وعده الله من النعيم حقاً وصدقاً ، وعند ذاك سيتأكد له بأن هذه الشهوة لا تمثل سيئاً يذكر أمام ما وعده الله تعالى .
أما إذا تعرض لضغط أو إرهاب أو قمع أو أي نوع من أنواع الفتن السلبية ، فبوسعه أن يتذكر نار جهنم ، فإن نار جهنم أشد حراً ، وعندها ستهون عليه المصائب والمصاعب ، لأنه مفعم بالإيمان بأنه متصل بالله تعالى عبر الإيمان العميق ، ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ 5 .
إذن ؛ فالمطلوب الأول هو تذكر الله ونعيمه وعقابه عند الشهوات والاغراءات والضغوط والمشاكل ، لأن الدنيا مرحلة سرعان ما تنطوي صفحتها ، وتبقى صفحة الآخرة هي المفتوحة أبداً .
وتبقى القضية المهمة جداً ، ولابد من تسليط الضوء عليها ، وهي وجوب أن يتجلى الإيمان ـ بدرجاته المتفاوته ـ في العمل الصالح ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ 6 . فبعد أن يصل الإنسان إلى مستوى الإيمان والتقوى ، يلزمه التخطيط للأعمال الصالحة وتنفيذ ما يخطط على أحسن وجه مطلوب ، لأن العمل الصالح هو ترجمة لهذا الإيمان ، ومن دون العمل الصالح سيبقى الإيمان بمثابة النص الغامض الذي لا يجد طريقاً يدخل عبره إلى الفكر والقلب .
إن من كرامات الله لأمة النبي محمد صلى الله عليه وآله أنــه يثيبهم حتى على مجرد أمانيهم وتفكيرهم وعزمهم على عمل الخير ، إذ تكتب لهم الحسنات وهم لم يفعلوا شيئاً ، فكيف بهم إذا ما نفذوا خططهم في العمل الصالح ؟ ولا شك أن كثيراً من أعمال الخير لا يمكن تنفيذها دون تعاونٍ من الأفراد المؤمنين ، وقد قال سبحانه ﴿ ... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... 7 . فبالتعاون ينفذ العمل بالكم والكيف والسرعة والمطلوبة .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لأن يكون حجنا في هذا العام حجاً حافلاً بالإنجازات والمكاسب ، وأن يوفقنا للعمل على مضاعفة إيماننا وتنمية تقوانا ، والقيام بالعمل الصالح إن شاء الله 8 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية: