تقيمك هو: 4. مجموع الأصوات: 20
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 4073

حقول مرتبطة: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تلاوة القرآن

قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ 1، وقال تعالى:﴿ ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ... 2: وقال كذلك:﴿ ... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ... 3.
تشير الآية الأولى إلى أن الله قد بعث رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله) إلى جماعة من الأميين الجهلاء، والأمّية هنا لا بمعنى جهل القراءة والكتابة، بل بمعنى الجهل بالله عز وجل وأنبيائه وكتبه وملائكته، لأن هذا الجهل سوف يدفع الإنسان ثمنه غالياً يوم القيامة عندما يرى أن صحيفة أعماله مليئة بالكفر والبعد عن الله والغرق في شهوات الدنيا وملذاتها التي كانت طاغية على قلبه وعقله فلم يفكر في وجوده أثناء مرحلة الحياة الدنيا من أين جاء وماذا يفعل في الحياة، وإلى أين يذهب بعدها، وهذا ما تعنيه الآية في مقطعها الأخير ﴿ ... وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ 1

وتشير الآية الثانية إلى الفارق بين "من يعلم ومن لا يعلم" وأنهما غير متساويين، لأن العالِم وفق مراد الآية هو الذي يعرف من أين جاء ، ويعرف لماذا هو موجود في الحياة الدنيا وماذا ينبغي عليه أن يفعل فيها من العبادة والطاعة والإخلاص والعمل الصالح المقبول عند الله، وبعلمه يكون يداً تبني ونبراساً ينير الطريق للحائرين والتائهين والضائعين، وليأخذهم إلى سلوك الصراط المستقيم الذين به نجاتهم في الدنيا والآخرة وهو بالتالي يعرف إلى أين يذهب بعد الموت، ولذا فهو لا يسير في الدنيا على هواه، فلا يعتدي ولا يظلم ولا ينحرف ولا يركض وراء زينة الدنيا وبهجتها وملذاتها لأنه يعلم مما علمه الله أن ثمن ذلك هو الخسران المبين يوم القيامة، ويوم الحسرة والندامة للكافرين، ومن هنا نفهم المعنى المراد من الآية الثالثة والتي تشير إلى أن العالم هو الذي يعيش الخشية من الله والخوف الدائم من الوقوع في فعل الحرام والمعصية أو ترك الواجب، فهو الملتفت إلى نفسه دائما يراقبها ويؤنبها ويزجرها ويعمل جاهداً لردعها عن كل ما تحاول أن توسوس له لتبعده عن خط الالتزام والتكليف الإلهي المتوجب عليه.

من هنا نرى أن النصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) تؤكد على ضرورة أن يكون المسلم في موقع المعلم للقرآن إن كان أهلاً لذلك، أو في موقع المتعلم للكتاب العزيز، ولذا يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما أستطعتم)، وقال أيضاً: (صلى الله عليه وآله): (خياركم من تعلم القرآن وعلمه)، وورد عن أمير المؤمنين: “عليه السلام”: (تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه انفع القصص).

ومن هذه النماذج من القرآن والسنة تتضح أهمية مسألة "تعلم القرآن وتعليمه" وأنها مسألة لا يمكن التهاون بها أو التساهل بشأنها، لأن ذلك سيكون على حساب توجهات المسلمين التي ينبغي أن لا تحيد عن الوظيفة الأساسية لهم في هذه الحياة الدنيا وذلك لأن إهمال هذة المسألة سيجر المسلمين إلى إهمال أشياء أخرى في حياتهم كما هو الملاحظ في هذا الزمن الذي تمر فيه الأمّة بأوضاع حرجة وصعبة نتيجة عدم العمل بكتاب الله وتطبيق نصوصه في واقع المسلمين ولا شك أن عدم العمل بالقرآن ناتج عن عدم تعلمه وتعليمه بالنمو الصحيح والمطلوب.

ولهذا كله ينبغي على كل مسلم أن يسعى ليكون المصداق لقول النبي: (صلى الله عليه وآله) ألا من تعلم القرآن وعلمه وعمل بما فيه فأنا له سائق إلى الجنة ودليل إلى الجنة وعلى كل مسلم أيضاً أن يبدأ بتعليم أولاده كتاب الله منذ نعومة أظفارهم ليصبح القرآن صاحباً لهم وأنيساً عندما يكبرون ويدخلون معترك الحياة، ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من علم ولداً له القرآن قلده قلادة يعجب منها الأولون والآخرون يوم القيامة، ومضافاً إلى الأجر والثواب للأب فإنه يكون قد أعطى ولده السلاح الأقوى في مواجهة صعوبات الحياة وفتنها ومغرياتها، وسيكون القرآن هو القائد لولده عندما يكبر والسائق به إلى ما فيه رضا الله ونيل مغفرته ورضوانه يوم القيامة.

والحمد لله رب العالمين4