الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل يقبل الاسلام ان تبقى الزوجة حبيسة ارهاب الزوج واستبداده

إنّ مشكلة المسلمين مع المرأة ليست في المبادىء والحقوق المعطاة لها في الإسلام بل في فهم هذه المبادىء والحقوق وتطبيقهما على أرض الواقع. نحن نقول إن الإسلام قد أنصف المرأة لكن كمسلمين لا نفعل ما يكفي لإنصاف المرأة. ونقول إن الاسلام أعلى من قيمة وشأن المرأة وكذلك لا نقوم بالأشياء الكفيلة بإعلاء قيمتها وشأنها. فما زال أمامنا مهام كثيرة وأعمال كبيرة لإزالة الحواجز النفسية والاجتماعية أمام انطلاق المرأة وتعزيز كينونتها الإنسانية. وعلى المسلمين أن يلتزموا بالنصوص الواضحة غير القابلة للتأويل وهي نصوص كثيرة كافية في قلب ظروف المرأة رأساً على عقب وكافية ليكون للمرأة القيمة الإنسانية العالية في المجتمع والدور البارز إلى جانب الرجل على صعيد صناعة الحياة بكل أوجهها.
إن المرأة تواجه في مجتمعاتنا الحالية ظروفاً معقدة. وعلى الجميع أن يسعى لإقرار القوانين التي تحمي المرأة. كما نحتاج إلى تعميم ثقافة جديدة تحترم حقوق المرأة وتجعلها غير قابلة للتحريف أو النقيصة، في الوقت نفسه الذي يجب علينا أن نحمي المرأة من الاستغلال الدعائي ومن انخراطها في أجواء الفساد والانحراف والابتذال. و في المقابل فإنّ من ينادي اليوم بمساواة المرأة بالرجل وإعلاء شأن المرأة أن يعمل في السياق نفسه على احترام إنسانية المرأة وكرامتها وعدم السكوت عن العمليات التي تدفع المرأة إلى أوضاع اجتماعية وأخلاقية خطيرة.
وفي هذا السياق فإن الإسلام لا يقبل أن تعيش الزوجة تحت قيد الزوج بالظلم والإكراه. ولا يرضى لها أن تكون حبيسة إرهاب الرجل واستبداده وأهوائه. ومن غير الجائز للرجل أن يأخذ امرأته رهينة إلى نهاية العمر إذا لم يكن مستعداً لمعاشرتها بالمعروف والإحسان والإكرام والإحترام.
إن الإسلام نظم العلاقة الزوجية على أساس الرضى المتبادل والحب المتبادل والتعاون المتبادل ومن الخطير أن يعمد الرجل إلى تجويف المبادىء والقيم الإسلامية ومصادرة حرية المرأة بالاحتجاج والتظلم وفي التعبير عن حالة الإجحاف اللاحقة بها أمام القضاء والرأي العام.
ومن المؤسف أن نجد الرجل المسلم هذه الأيام يقفز فوق الكثير من الاعتبارات الأخلاقية والحقوقية فيترك زوجته في حالة يأس وقلق فلا هو يعاشرها معاشرة الأزواج ولا هو يقبل بتطليقها وإنما يذرها كالمعلقة مما يجعل المسألة تتعقد على المستوى النفسي والاجتماعي.
إن الأزمة التي نواجهها في مجتمعنا الإسلامي في لبنان ليست أزمة نصوص فالإسلام يختزن كل القواعد التي تحافظ على وجود المرأة كياناً وكرامة وحركة وإنما أزمة نفوس وتطبيقات وممارسات بحيث بدأنا نشعر أن العديد من الرجال يتحللون من الضوابط الشرعية ولا يعيشون إنسانيتهم وإيمانهم في العلاقة مع الزوجة حيث ذهب البعض لاعتماد أسلوب الضغط والابتزاز والمطالبة بدفع بدلٍ مالي لقاء تخليته لزوجته وهذا الأسلوب مما لا يُقرّه الشرع ويتعارض مع أبسط القواعد الحقوقية والأخلاقية في الإسلام. في الحقيقة إني أواجه أسبوعياً عشرات الحالات المحزنة والمفجعة، حيث نجد على سبيل المثال إحدى النساء تقول: إنني أعمل منذ الصباح بعد إيصال أولادي إلى المدرسة في أحد المحال التجارية حتى الخامسة مساء، ثم بعد أن أعود إلى المنزل أبدأ بالواجبات المتعلقة بالأسرة والتي لا تنتهي حتى ساعة متأخرة من الليل. زوجي نادراً ما يعمل لأنه يعاقر الخمر. عندما يجلس في البيت يكون في حالة هستيريا، وعندما يخرج لا يأتي إلا بعد أيام، لا ينفق على أسرته، لا يتحمل مسؤولية التربية والإعالة، يلزمني بحقه الزوجي، وعندما أطلب الطلاق منه بعد أن أسقطت حقي في كل شيء لأنني والأولاد لم نعد نحتمل هذا الوضع الجنوني وتهديده إيانا بقتلنا أو قتل نفسه يقبل بشرط دفع بدل مالي كبير. فماذا بقي من العلاقة الزوجية غير الإهانة وامتهان كرامة المرأة. أذهب إلى المحاكم الشرعية الجعفرية يطلبون من زوجي أن يحضر وهو يتهرب ثم يهددني بالقتل إذا ما توجهت إلى المحاكم مرة أخرى. أذهب بالسر إلى القاضي فيقول عليك أن تقنعي زوجك بالطلاق. وهو لن يقتنع ويعمل على الدوام لابتزازي. فهل الدين مع الظلم إلى هذا الحد!؟ وأخرى تقول إن زوجي يتعاطى المخدرات. ذهبت إلى القاضي فقال عليكِ أن تثبتي ذلك وكيف أثبت ذلك. قلت له إنه يضربني ويهينني وطلب مني مالاً، فأرجوك أن تعمل شيئاً لطلاقي. فكان جوابه أعطه المال الذي يريده. فهذا أسهل طريق؟ قلت له إذاً أنتم تشرّعون أن يأكل مالي بالحرام ! فهل يجوز إذا لم أرضَ بالعيش في هذا الوضع أن يسرق مالي بعد أن سرق حياتي ودمرها. فهل تعينون الظالم على ظلمه أم أنكم يجب أن تقفوا إلى جنب المظلوم في استعادة حريته وكرامته وحقوقه!. وأخرى جاءتني مؤخرأ وكانت تعيش مع زوجها في الاغتراب. لم يتكفل بشيء في كل زواجه وتمت مساعدته من قبل أقارب زوجته بمال وفير ليؤسس مصلحة ففشل، ما اضطره إلى إرسال زوجته إلى لبنان مع طفلها وبعد شهور عاد إلى لبنان طالباً رؤية طفله فتم إعطاؤه الطفل. وما زال الطفل في عهدة والده لا يقبل أن تشاهده أمه ولا يقبل أن يطلق زوجته التي كرهت العيش معه بسبب الإهانات المستمرة وانعدام الحياة الأسرية القائمة على الود والسكينة، إلا لقاء مبلغ كبير. وهكذا تتوالى الأمثلة من دون أن تتدخل المحاكم أو هي لا تستطيع نتيجة الاهتراء الكبير في الوسائل والأليات وانحراف بعض القضاة عن الأخلاق والمناقبية، ما يجعل المرأة في حال من البؤس والشقاء نتيجة عجز المحاكم والقضاة على حد سواء من العمل وفق مقتضيات العدل وما يجب أن يكون هناك من سرعة في بت هذه المشاكل الاجتماعية، حتى لا يلصق بالدين الإسلامي أنه يقر أن تعيش المرأة تحت نير الظلم والعسف والإكراه، وأنه يقبل بهذا الواقع. إنّ مسؤولية العلماء الربانيين أن ينبهوا إلى مثل ذلك ويعملوا في سبيل إنسانية كاملة للمرأة غير منتقصة ولا خاضعة لمزاجية وتفضل الرجال والمجتمع الذكوري، وإن ّعلى القيمين أن يبادروا إلى إنشاء غرف قضائية خاصة مسؤولة عن النظر في الحالات التي يمتنع فيها الزوج عن تطليق زوجته فلا تترك الأمور مقفلة من دون قدرة المدعي والمتظلم من أن يصل إلى خاتمة في شأن قضيته1.

  • 1. المصدر: نشرت في جريدة السفير - العدد 11884- الخميس 12 أيار 2011، لسماحة الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله.