الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تابير النخل

نص الشبهة: 

ويقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» لما قدم المدينة مر بقوم يؤبرون النخل، أي يلقحونه ـ أو سمع ضجتهم ـ فقال: لو لم تفعلوا لصلح، فتركوا تلقيحه، فخرج شيصاً (الشيص هو: رديء التمر، وهو الذي لا يشتد نواه)، فمر بهم (أو قيل له) فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت: كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم، أو قال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل (راجع: صحيح مسلم ج7 ص95، وسنن ابن ماجة ج2 ص825، كتاب الرهون باب15، ومسند أحمد ج6 ص123 وج3 ص152، والبرصان والعرجان ص254، ومشكل الآثار ج2 ص294، وكشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص112، ومسند أبي يعلى ج6 ص238 و198، وصحيح ابن حبان ط مؤسسة الرسالة ج1 ص201).

الجواب: 

ونحن نشك في صحة ذلك، إذ مضافاً إلى الاختلاف الظاهر في نصوص الرواية، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة، لا بد أن نسأل:
لماذا يتدخل النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» فيما لا يعنيه، وما ليس من اختصاصه؟!
ألا يعلم: أن الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه، ويرتبون الأثر عليها، ويلتزمون بها؟!
ولماذا يعرض الناس إلى هذا الضرر الجسيم؟!
ومن هو المسؤول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك؟!
ثم إنه كيف يقول ذلك لهم، وهو الذي أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يكتب عنه كل ما يسمع؛ فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق؟!
وقد قدمنا الرواية مع مصادرها في الجزء الأول فلتراجع هناك.
وأيضاً: لقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» يعيش في قلب المنطقة العربية، وقد جاوز الثلاث وخمسين سنة ؛ فهل يمكن أن نصدق أنه لم يكن يعرف تأبير النخل وفائدته، وأن النخل لا ينتج بدونه؟
وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئاً عن ذلك، وهو يعيش بينهم ومعهم؟ أو على الأقل بالقرب منهم؟!
وأخيراً: هل صحيح: أنه ليس على الناس أن يطيعوه في أمور دنياهم؟! وأنه إنما كان يقول برأيه فيها؟!
وهل صحيح: أن الإسلام يفصل بين الدين والدنيا؟ وأن مصب اهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم؟!
أليس هذا بهتاناً على الإسلام وافتراء عليه؟!! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة، ومع الإسلام بمجموعه؟! 1.

  • 1. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ . ق، الجزء الخامس.