الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مكان دفن السيدة زينب

نص الشبهة: 

هناك من يقول أن المرقد المشهور للسيدة زينب عليها السلام هو ليس المكان الذي دفنت فيها . وسبب هذا الادعاء هو أنه كيف يستقيم القول بأنها قد دُفنت في دمشق بينما هي عاصمة الأمويين ، وهي أكبر مكان يحقد فيه أهله على آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت. فكيف يُعقل أن أحد ضحايا الإرهاب والحقد الأموي تذهب لمعقل هذه العصابة وتعيش هناك إلى أن تموت وتدفن في هذا المكان؟

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
1 ـ فإنه لم يكن ليزيد في ظلم بني أمية لأهل البيت عليهم السلام سكناهم في دمشق الشام عاصمة الحكم الأموي ، ولا ليخفف منه سكناهم في مصر ، أو في المدينة ، أو فيما سواهما من البلاد . .
بل قد يكون ظلم بعض ولاتهم أبلغ وأعظم ، إذا كانوا يرون أن ذلك يؤكد مواقعهم لدى حكامهم ، ويرسخ ثقة مستخدميهم بهم . كما ظهر من حال الحجاج بن يوسف ، وخالد القسري ، وسواهما . .
2 ـ إنه قد كان ثمة قرار بإضعاف تأثير المدينة في إيقاظ مشاعر الناس ، وفي تحريكهم ضد أهل البغي والانحراف . . وخصوصاً إذا كان ذلك على يد أعلام أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة . .
وفي سياق تنفيذ هذا القرار اشتدت وطأة الحكام على ساكني المدينة من أهل البيت عليهم السلام ، ومارسوا ضدهم مختلف أنواع العسف والظلم ، فهدموا بيوتهم ، وشردوهم في البلاد ، وأخافوا العباد ، من أن يفكر أحد منهم في الاتصال بهم ، والاهتداء بهديهم صلوات الله وسلامه عليهم . .
والشواهد الدالة على أن بني أمية وعمالهم قد هدموا دور بني هاشم ، ما ورد : أنه كان من بر الإمام السجاد عليه السلام بآل عقيل : أن المختار أرسل إلى الإمام عليه السلام أموالاً كثيرة ، عشرين ألف دينار ، فبنى بها دور آل عقيل التي هدمتها بنو أمية . . 1 .
وقال الإمام السجاد عليه السلام :
« ما زالت بيوتنا تهدم ، وحرمنا تنتهك » 2 .
وقال جعفر بن عفان في هذا المعنى :
ما بال بيتكم تخرب سقفه وثيابكم من أرذل الأثواب . . 3 .
وذكروا : « أن مسرف بن عقبة قد خرب بيوت بني هاشم ، ونهب المدينة . . » 4 .
وعن الإمام الباقر عليه السلام في مدح المختار :
« أولم يبن دورنا ، وقتل قاتلينا . . » 5 .
كما أنهم يذكرون : أن الإمام السجاد عليه السلام بعد واقعة كربلاء قد اتخذ منزله بيتاً من الشعر ، أقامه بالبادية . . 6 .
وذلك كله يشير إلى أن الاستمرار في الإقامة في المدينة كان صعباً للغاية بل قد يكون متعذراً أحياناً . .
3 ـ يضاف إلى ذلك أيضاً : أنهم يقولون : إن زينب العقيلة عليها السلام ، قد جاءت إلى الشام مع زوجها عبد الله في أيام عبد الملك بن مروان ، وذلك في سنة المجاعة ، ليقوم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة ، فماتت السيدة زينب عليها السلام هناك ، ودفنت في بعض تلك القرى .
وفي الخيرات الحسان : أنها حمَّت من وعثاء السفر ، أو لسبب آخر غير ذلك . . 7 .
وهذا معناه : أنها عليها السلام لم تسكن في تلك القرية ، بل لحقت بربها بعد مدة يسيرة من وصولها إليها . .
4 ـ ثم إنه قد كان من سياسات الأمويين والعباسيين التضييق على أهل البيت عليهم السلام ، إلى حد أنهم كانوا يفرضون عليهم الإقامة الجبرية في مواضع لا يرغبون بالإقامة فيها . .
كما هو الحال بالنسبة للإمام الرضا عليه السلام ، والهادي ، والعسكري ، وغيرهم من الأئمة صلوات الله عليهم .
وكانوا أحياناً يطالبون الهاشميين بالعرض في كل يوم ، وكانوا يرغمونهم على أن يضمن بعضهم بعضاً . . 8 .
وكانوا يطلبون منهم أيضاً : أن يزوروهم بين الفينة والفينة ، إلى غير ذلك من أساليب القهر ، والظلم ، التي كانوا يمارسونها ضدهم . .
وإذا كانت السيدة زينب عليها السلام هي تلك المرأة المجاهدة التي ضيعت ـ بجرأتها وبحكمتها ـ على طغاة الأمويين ما كانوا يحلمون به ، وبددت جهودهم ، وأبطلت كيدهم ، فإن خوفهم منها سوف يكون كبيراً ، وسيسعون إلى رصد تحركاتها ، والتضييق عليها ، وشل حركتها ، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً . .
وهذا ما يثير احتمال أن يكون ثمة ضغط شديد عليها ، لحملها على أن تكون بالقرب منهم ، وتحت نظرهم . .
ولذلك فإنهم لن يرضوا منها بالسفر إلى مصر ، ولا إلى غيرها من البلاد ، حتى لا تحرك البلاد والعباد ضدهم ، لاسيما وهي تملك أعظم سند إدانة ضدهم ـ وهو ما سوف يكون له أعظم الآثار في تعريف الناس بحقيقتهم ، وبأهدافهم ، وبمؤهلاتهم ـ وهو جريمة قتلهم لريحانة الرسول ، وسبطه ، وأهل بيته ، وأصحابه ، وسبي نسائه صلى الله عليه وآله . .
فهل تراهم سوف يغضون الطرف عن نشاطات السيدة زينب عليها السلام ، ويسكتون على تحركاتها ، ويطلقون يدها في التصرف ؟ وهل يمكن أن يعطوها الحرية بالتنقل والاتصال بالناس ؟! خصوصاً في المناطق البعيدة عن أنظارهم ، وحيث يصعب عليهم مراقبة الأحوال فيها بدقة وفعالية ؟! . .
ألا يروا أن إقامتها في ذلك المكان المعزول في تلك القرية هو الأنسب والأولى لهم والأوفق بمصالحهم ؟!
إن مقام الزهراء عليها السلام كان أعظم في الأمة من مقام زينب عليها السلام ، ومع ذلك فقد حاول الأولون منعها حتى من البكاء على أبيها ، وأخرجوها من بيتها ، حين رأوا : أن وجودها هناك سوف يؤثر عليهم ، وسيثير تساؤلات الناس حول ما صدر منهم تجاهها .
وأظن أن هذا الذي ذكرناه أو بعضه يكفي في بيان معقولية أن تأتي السيدة زينب صلوات الله عليها إلى الشام . . لتعيش فيها أياماً يسيرة ، ثم يوافيها الأجل . ويصبح قبرها علماً شامخاً ، يشع بالهداية ، وينير الطريق للحق . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 9 . .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. غاية الاختصار ص 160 والبحار ج 45 ص 344 وسفينة البحار ج 2 ص 754 وراجع : رجال الكشي ص 128 .
  • 2. تفسير فرات ص 136 والبحار ج 46 ص 206 وسفينة البحار ج 8 ص 631 .
  • 3. سفينة البحار ج 8 ص 631 .
  • 4. شجرة طوبى ج 1 ص 113 .
  • 5. رجال الكشي ص 126 .
  • 6. معالي السبطين ج 2 ص 212 .
  • 7. راجع معالي السبطين ج 2 ص 224 عن كتاب نزهة أهل الحرمين ص 67 للسيد حسن الصدر ، وعن الخيرات الحسان وراجع مرقد العقيلة زينب ص 189 و190 و191 عن مراقد المعارف ج 1 ص 240 و324 وعن الثمر المجتنى للبراقي ، والخيرات الحسان ج 2 ص29 وتحفة العالم ج 1 ص 235 ونفس المهموم ص 297 وهدية الزائرين ص353 ومنتخب التواريخ ص 103 وغير ذلك . .
  • 8. راجع : مقاتل الطالبيين ص 443 .
  • 9. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة السابعة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1423 ـ 2002 ، السؤال (402) .