الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل مات زرارة ولم يكن قد عرف إمام زمانه؟

نص الشبهة: 

قال: «وقد كان زرارة من أعظم تلاميذ الإمامين الباقر والصادق، ولكنه لم يعرف خليفة الإمام الصادق فأرسل ابنه عبيد الله إلى المدينة لكي يستطلع له الإمام الجديد، فمات قبل أن يعود إليه ابنه ومن دون أن يعرف من هو الإمام، وانه وضع المصحف على صدره قائلا (اللهم إني ائتم بمن اثبت إمامته هذا المصحف» ( الشورى العدد العاشر ص 11 . ) .

الجواب: 

أقول: وردت الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال: ان زرارة كان يعرف أمر أبي (عليه السلام) ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي (عليه السلام) هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه... وانه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قول في أبي (عليه السلام) فلم يحب ان يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللهم ان إمامي من اثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد (عليه السلام).

الرد على الشبهة

أقول:

لا يخفى ان هذه الشبهة هي للزيدية أيضاً كانوا قد أثاروها أمام خبر الائمة الاثني عشر حيث قالوا: «لو كان خبر الأئمة الإثني عشر صحيحاً لما كان الناس يشُكُّون بعد الصادق جعفر بن محمد في الإمام... ولَما مات فقيه الشيعة زرارة وهو يقول والمصحف على صدره اللهم...».
لقد أجاب الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن هذه الشبهة بقوله:
«ان هذا كله غرور من القول وزخرف وذلك أنا لم ندَّع انَّ جميع الشيعة في ذلك العصر عرف الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهم وإنما قلنا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخبر ان الأئمة بعده اثنا عشر، الذين هم خلفاؤه وان علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر ان يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث.
فأما زرارة بن أعين 1 فإنه مات قبل انصراف من كان بعثه ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر (عليهما السلام) من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الذي هو القرآن على صدره، وقال: اللهم إني ائتم بمن يثبت هذا المصحف إمامته، و هل يفعل الفقيه المتدين عند اختلاف الأمر عليه إلا ما فعله زرارة، على انه قد قيل ان زرارة قد كان علم بأمر موسى بن جعفر (عليهما السلام) وبإمامته وإنما بعث ابنه عبيداً ليتعرف من موسى بن جعفر (عليهما السلام) هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.
حدثنا احمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت للرضا (عليه السلام) يا ابن رسول الله اخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك فقال: نعم، فقلت له: فلم بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)؟
فقال (عليه السلام): ان زرارة كان يعرف أمر أبي ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي هل يجوز له ان يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه وانه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قول في أبي فلم يحب ان يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللهم ان إمامي من اثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد (عليهما السلام).
والخبر الذي احتجت به الزيدية ليس فيه ان زرارة لم يعرف إمامة موسى بن جعفر (عليهما السلام) وإنما فيه انه بعث ابنه عبيدا ليسأل عن الخبر.
حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن احمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن احمد بن هلال، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن أبيه قال: لما بعث زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله فلما اشتد به الأمر اخذ المصحف وقال من اثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي.
وهذا الخبر لا يوجب انه لم يعرف، على ان راوي هذا الخبر احمد بن هلال وهو مجروح عند مشايخنا رضى الله عنهم.
وقد روى الصدوق أيضاً عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد 2 قال سمعت سعد بن عبد الله 3 يقول ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا احمد بن هلال وكانوا يقولون ما تفرد بروايته احمد بن هلال فلا يجوز استعماله».

أقول:

بعد هذا فهل يصح قول صاحب النشرة: (ان الزيدية اعترضوا على الإمامية وقالوا ان الرواية التي دلت على ان الأئمة اثنا عشر قول أحدثه الإمامية قريباً وولَّدوا فيه أحاديث كاذبة.. وان الصدوق لم ينف التهمة ولم يرد عليها)؟! و (ان الصدوق قال باحتمال علم زرارة بالحديث وإخفائه للتقية وانه تراجع عن هذا الاحتمال؟)
ان قول الشيخ الصدوق في زرارة واضح جداً فهو حين أورد الخبر عن الامام (عليه السلام) الذي يفيد ان زرارة كان قد بعث ابنه عبيداً ليتعرف من الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام) هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه؟ قال بعده: «وهذا أشبه لفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته، فالصدوق إذن يرجِّح هذا الخبر في أمر زرارة ولا يعرضه كخبر مجرد عن الترجيح».

الخلاصة

ان صاحب النشرة استشهد بشبهة الزيدية حول موت زرارة وعدم اعلانه عن إمامة الكاظم (عليه السلام) عندما سئل وهو على فراش الموت ثم مات ولم يعرف إمام زمانه، وانه لو كانت ثمة قائمة مسبقة بأسماء الأئمة الإثني عشر لكان زرارة وهو فقيه الشيعة قد عرف بها، وادعى صاحب النشرة أيضاً ان الصدوق لم يرد على هذه الشبهة، وقد اتضح من خلال البحث ان الشيخ الصدوق قد رد عليها بما لا لُبس فيه ولا غموض ثم بين ان زرارة مات عارفاً بإمامة الكاظم (عليه السلام) وانه لم يفصح بها لما سألوه وهو على فراش الموت بسبب التقية الشديدة والظرف السياسي العصيب الذي أحاط بإمامة الكاظم (عليه السلام) وفي أيامها الاولى 4.

  • 1. اسمه عبد ربه و يكنى أبا الحسن وأبا علي و زرارة لقب له، وله عدة أولاد منهم الحسن والحسين ورومي وعبيد وعبد الله ويحيى، و لزرارة اخوة منهم حمران وله ابنان حمزة بن حمران ومحمد بن حمران، وبكير بن أعين وابنه عبد الله بن بكير وعبد الرحمن بن أعين وعبد الملك بن أعين وابنه ضريس بن عبد الملك، ولهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف قال النجاشي: زرارة شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم وكان قاريا فقيها متكلما شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقا فيما يرويه مات سنة خمسين ومائة. وقد روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة، وعنه (عليه السلام) أيضا قال هم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا يحيون ذكر أبي (عليه السلام) بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين. وعنه (عليه السلام) قال رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي. قال ابن أبي عمير قلت لجميل بن دراج ما احسن محضرك وازين مجلسك قال أي والله ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم.
    أقول: وقد وردت روايات عن الإمام الصادق تذم زرارة وتلعنه وقد صدرت منه تقية للمحافظة على زرارة من السلطة العباسية في عهد المنصور لما قلب ظهر المجن على الامام الصادق (عليه السلام) وصار يتتبع شيعته. قال عبد الله بن زرارة قال لي أبو عبد الله عليه السلام اقرأ مني على والدك السلام وقل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لادخال الاذى في من نحبه وقتله ويحمدون كل من عبناه وإنما أعيبك لانك قد اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الاثر بمودتك لنا فأحببت ان أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين ويكون بذلك دافع شرهم عنك بقول الله عز وجل: ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا أما والله ما عابها إلا لكي تسلم عن الملك ولا تعطب على يديه فافهم المثل يرحمك الله فانك والله احب الناس إلىَّ واحب أصحاب أبي (عليه السلام) إلىَّ حياً وميتاً...). قال أبو غالب الزراري روي ان زرارة كان وسيما جسيما ابيض وكان يخرج إلى الجمعة وعلى رأسه برنس اسود وبين عينيه سجادة في يديه عصا يقوم الناس له سماطين وينظرون إليه لحسن هيئته وكان خصما جدلا لا يقوم أحد بحجته صاحب إلزام وحجة قاطعة إلا ان العبادة شغلته عن الكلام والمتكلمون من الشيعة تلاميذه ويقال انه عاش تسعين سنة.
  • 2. قال النجاشي (هو أبو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ويقال انه نزيل قم وما كان اصله منها ثقة ثقة عين مسكون إليه). وقال الشيخ الطوسي في الفهرست (جليل القدر عارف بالرجال موثوق به) وقال أيضا (بصير بالفقه ثقة) مات سنة 343هـ. قال الصدوق في ذيل خبر صلوة الغدير (ان ابن الوليد لم يصححه وكلما لم يحكم بصحته فهو عندنا متروك غير صحيح) قال العلامة التستري « رحمه الله »: (وكذا اتبعه في من استثناه من رجال نوادر محمد بن احمد بن يحيى كما صرح به ابن نوح ولنعم نقاد الاخبار كان ولم أر مثله في الاجلاء ولم يرو بصائر شيخه الصفار لاشتماله على نوادر ولم يرو منتخبات سعد ولم يرو اصلي الزيدين وكتاب خالد بن عبد الله واستثنى من روايات محمد بن سنان وابن اورمة وابن الجمهور ما فيها من تخليط أو غلط وتدليس ومن كتب يونس ما تفرد به العبيدي.
  • 3. قال الشيخ الطوسي في الفهرست سعد بن عبد الله القمي يكنى أبا القاسم جليل القدر واسع الاخبار كثير التصانيف ثقة وقال النجاشى: هو شيخ الطائفة فقيهها و وجهها وكان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا وسافر في طلب الحديث لقي من وجوههم الحسن بن عرفة ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وأبا حاتم الرازي وعباس البرقعي توفي سنة 299 وقيل مات سنة ثلاثمائة.
  • 4. كتاب: شبهات وردود ـ الرد على الشبهات التي أثارها أحمد الكاتب حول العقيدة الإثني عشرية: الفصل الرابع.