نشر قبل 21 سنة
تقيمك هو: 3. مجموع الأصوات: 309
القراءات: 58173

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

لماذا بعث الله الانبياء و أرسل الرسل ؟

بما أن إيصال الانسان الى الكمال و السعادة الأبدية هو الهدف الذي خلق الله تعالى من أجله الإنسان ، فان حكمة الباري تعالى اقتضت بخلق الظروف المناسبة لوصول الإنسان إلى الكمال ، بل إلى ذروته و قمته .
هذا و لأن الكمال الحقيقي للإنسان لا يحصل إلا إذا كان و صوله إليه عن طريق الاختيار و الانتخاب ، لا الجبر و الاضطرار ، و ذلك إنما يتحقق إذا كان أمام الإنسان أكثر من خَيار .
لذا فان من الحكمة وجود طريقين و خيارين أمام الإنسان ، هو حصول الانتخاب في حال الاختيار و في أجواء مناسبة .
و من الواضح أن الملاك في الاختيار هو الاختيار النابع عن العلم و المعرفة المستقاة من المعلومات الصحيحة .
هذا مضافا إلى أنه يجب أن يكون الإنسان بعد الانتخاب قادراً على السير في الطريق المنتخب ، و إلا فالنتيجة لا تحصل .
كما و يلزم أن تكون لدى الإنسان رغبة تشده نحو المسار المنتخب ، و هكذا تتوفر الأسباب التي من شأنها إيصال الإنسان إلى شاطئ السعادة المتوخاة ، كل هذا لكي يكون انتخاب الإنسان و اختياره عن إرادة و علم ، لا عن جهل و اضطرار .
ثم أنه من الطبيعي أن الحكمة الإلهية عندما تقتضي بان يصل الإنسان إلى كماله ، لا بد و إن يكون الله تعالى قد هيأ الوسائل و الشروط الكفيلة بخلق الأجواء المساعدة على حصول هذا الأمر ، و إلا لكان ذلك مخالفاً للعدالة و الحكمة الإلهية ، و يكون كما لو دعا الإنسانُ الضَّيفَ و لم يُعرِّفه عنوان محل الضيافة ، و لم يُرشده إلى الطريق الذي يؤدي إلى المكان المقصود .
إن المعارف العادية و المتعارفة إنما تحصل للإنسان عن طريق تعاون العقل و الحس ، و هذه المعارف رغم أهميتها غير كافية لأن تساعد الإنسان في اكتشاف الطريق المؤدي إلى السعادة الحقيقية الشاملة لجميع الأبعاد الفردية و الاجتماعية ، المادية و المعنوية ، الدنيوية و الأخروية التي يتوخاها الإنسان ، و التي قد خُلق من أجل الوصول إليها .
ذلك لأن الإنسان يفتقر إلى معرفة أخرى ينكشف بها ما خفي على حسّه و عقله ، و هذا النوع من المعرفة لا تتوفر للإنسان إلا من قبل الله تعالى بصفته خالقاً للإنسان و لكل ما في الوجود و محيطا بكل تفاصيل الحياة و الخلق .
نعم لو أحاط الإنسان علماً بكل تفاصيل الحياة و الخلق ، من بداية خلق الإنسان و الكون و سائر المخلوقات ، و معرفة العلاقة بين كل مخلوق و غيره ، و معرفة التأثيرات المتقابلة بينها ، و معرفة كل ما له علاقة أو تأثير على سعادته و شقائه من قريب أو بعيد لتمكن من معرفة ما يصلحه و ما يفسده ، و ما ينفعه و ما يضره ، و لتمكن من رسم دستور متقن يوصله إلى السعادة المتوخاة ، و هذا ما لا يمكن و لا يتيسر لأي إنسان من الوصول إلى هذا الكم الهائل من المعلومات ، و لا يتسنى ذلك حتى للآلاف من اللجان المتخصصة في العلوم المختلفة التي لها علاقة بالإنسان بشكل أو بآخر ، إذ أن الإنسان أعجز من أن يتمكن من كشف رموز هذه الحياة و قوانينها بصورة دقيقة ، حتى يتمكن على أساسها من تقنين القوانين الكفيلة بإسعاد الإنسان و إيصاله إلى الكمال المنشود ، و هذا أمر واضح لا يحتاج إلى كثير من الأدلة ، و أعظم دليل على ذلك هو المجهود الكبير و الهائل الذي بذله الإنسان طيلة آلاف السنين لسن قانون متكامل يكفل فلاح الإنسان و سعادته ، و هو ما لم تتوصل إليه المجامع العلمية و المؤسسات القانونية المتفرغة لذلك ، و رغم إصلاحاتها المتكررة للقوانين بعد تجربتها و معرفة نواقصها ، فلم يصل الإنسان إلى القانون القطعي في أي مجال من مجالات الحياة الحسّية ، فضلا عن غيرها ، علماً بان تلك المؤسسات قد استفادت بصورة مباشرة أو غير مباشرة من بعض تعاليم الوحي ، و إن هذه القوانين مع ما فيها من النقص و التناقض فهي لا تخلو عن تأثيرات الوحي الإلهي .
هذا بالإضافة إلى أن هذه المؤسسات إنما تهتم بالجانب المادي للإنسان فقط أما الجانب الروحي فهو متروك غالباً ، كما إن الحياة الأخروية للإنسان هي أيضا مغفولة عنها في هذه المؤسسات .
و من الواضح أن هذه المؤسسات لا تتمكن من أن تلعب دوراً في الجانب الأخروي أبداً ، إذ ليست هي من قبيل الأمور الحسية التجريبية ، فهي خارجة عن نطاق فهم الإنسان و قدرته بالمرَّة .
و من هنا يُفهم أنه لا بد و إن يكون أول إنسان يبدأ حياته و تجربته نبياً حتى يستطيع بمساعدة الوحي التوصل إلى الطريق الصحيح للحياة كي يتحقق هدف الخلق بالنسبة إليه و يصبح واسطة لإرشاد غير من أفراد البشر .

تعليق واحد