الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الخرافات و الاساطير في عاشوراء

الأساطير و الحقائق في عاشوراء

قد نسب إلى الشهيد السعيد العلامة الشيخ مرتضى مطهري من خلال خطابات مسجلة في أشرطة ، وأوراق وجدت بعد وفاته : إنه ساق طائفة من الموارد التي اعتبرها مصنوعة وموضوعة ، أضيفت إلى تاريخ عاشوراء بعد أن لم تكن ، وحين تتبعناها ، وجدنا أن القسم الأعظم منها لا يمكن قبول هذا الحكم القاسي عليه . .

ونستطيع أن نقسم هذه الموارد إلى أقسام ثلاثة ، هي

1ـ ما هو مكذوب بالفعل ، مما يرتبط بالسيرة الحسينية ، ويتحدث عن أحداث كربلاء ، أو عن ما يتصل بها من المبدأ إلى المنتهى . .
2ـ ما لا يصح الحكم عليه بأنه مكذوب من تلك الأحداث العاشورائية ، أو ما يتصل بها ، مما سبقها ولحقها . .
3ـ ما لا يرتبط بأحداث عاشوراء ، ولا يتعرض لما سبقها ولحقها في شيء ، وإنما هو أمور يدّعى أنها حصلت بعد عشرات السنين ، قد يكون منها السليم والسقيم ، سواء أكان يدخل في نطاق الكرامات ، أو المنامات ، أو الأحداث أو غيرها ، مثل قصة قاطع الطريق ومنامه حول غبار زوار الإمام الحسين عليه السلام ، وما أشبهها من قصص وحكايات .
ولا يعنينا هنا هذا القسم الأخير في شيء ، ولا يهمنا تمييز الصحيح منه من غير الصحيح ، والحقيقة من الأسطورة فيه .
اما القسمان الأولان فنحن نختصر الحديث عن كل واحد منهما بطريقة واضحة وصريحة ، تضع النقاط على الحروف ، فنقول :

القسم الأول : المكذوب والمختلق

إن عدداً من تلك الموارد التي أشار إليها الشهيد المطهري رحمه الله ـ على ما في الملحمة الحسينية ـ هي أشبه بالقصص التي تنتجها أوهام الكذابين ، حينما يتبارون فيما بينهم في مجال اجتراح حكايا التضخيم و التهويل لغرض التسلية ، والتباهي الفارغ . .
وهي قصص قاصرة عن ان تصبح تاريخاً يألفه العقلاء ، أو يُدخِلها الكتّاب والمؤلفون ولو في دائرة الاحتمالات البعيدة لتشكلات عناصر الحدث التاريخي . .
وقد نسب الى الشهيد السعيد انه ذكر طائفة من هذا القسم ، وانه قد اقام الدنيا ، ولم يكد يقعدها في هجمات صاعقة ماحقة ، تثير رياحاً عاصفة هوجاء ، وأجواء محمومة ومخيفة . .
مع ان الأمر ابسط من ذلك ، فان أكثر هذه الأكاذيب لا يمكن أن يدخل في وجدان أو في عقل أي انسان ، مهما كان أمياً وجاهلاً ، وحتى ساذجاً ايضاً . .
وبعضها الآخر : يكتشِف زيفه أيٍ كان من الناس بأدنى مراجعة للكتب الحديثية والتاريخية . .

وهذه الموارد هي التالية

1 ـ ان طول رمح سنان بن أنس لعنه الله ، والذي يقال انه هو الذي احتز رأس الامام الحسين عليه السلام ، ستون ذراعاً ، وان هذا الرمح قد بعثه الله إليه من الجنة . . 1 .
2 ـ ان عدد الذين حاربوا الإمام الحسين عليه السلام كان ست مئة ألف من الخيالة ، ومليوناً من المشاة . . 2 أو ان عددهم ثمان مئة ألف 3 .
وان الإمام الحسين عليه السلام قد قتل منهم ثلاث مئة ألف ، وقتل العباس منهم خمسة وعشرين الفاً 4 .
وفي حديث آخر لهم : ان الإمام الحسين عليه السلام قد قام بعدة حملات ، يقتل في كل حملة منها عشرة الآف 5 .
مع ان النص التاريخي المعتمد يقول : ان عدد جيش يزيد لعنه الله كان ثلاثين الفاً 6 أو ثمانين ، أو مئة الف في اكثر الروايات 7 .
كما ان المسعودي في اثبات الوصية يقول : ان من قتلهم الامام الحسين عليه السلام بيده هم 1800رجل ، وذكر محمد بن ابي طالب ان عددهم هو 1950رجلاً 8 .
3 ـ ان هاشم المرقال قد حضر واقعة كربلاء 9 .
ومن الواضح : ان هاشماً رحمه الله قد استشهد في حرب صفين التي سبقت واقعة كربلاء بنيف وعشرين سنة .
وان كنا نحتمل ان يكون ثمة سقط من الرواية ، بحيث يكون الحاضر في كربلاء هو أحد ابنائه . فسقط المضاف ، وبقي المضاف اليه . والاسقاط في الروايات يحصل بكثرة ، ولكن قولهم ان لحربته ثمانية عشر شقاً يبقى بلا معنى مفهوم .
4 ـ عرس القاسم 10 فانه ايضاً من الأمور التي قد لا نجد لها مبرراً مقبولاً أو معقولاً .
5 ـ ان طول يوم عاشوراء ( 70 ) ساعة 11 حيث يمكن عدّ هذا الأمر من هذا القسم ايضاً .
6 ـ وقد تكون قصة ترتيب الإمام السجاد عليه السلام لأحذية الحاضرين في مأتم الإمام الحسين عليه السلام من هذا القبيل كذلك 12 .

النتيجة

فتلاحظ قارئي العزيز : ان عدد ما يصح اعتباره مكذوباً مما يتصل بأحداث عاشوراء ، وما سبقها وما لحقها مما يرتبط بهذا الحدث العظيم . . لم يتجاوز الستة موارد ، بل هو قد لا يصل اليها ، ما دام ان بعضها لا يستحيل ثبوته واثباته . اذا توفرت المرونة العلمية اللازمة لذلك .

القسم الثاني : ما لا مبرر لتكذيبه

وأما ما لا نجد مبرراً مقبولاً للحكم عليه بأنه مكذوب ومفتعل ، سوى مجرد الاستبعاد الذي لا يستند الى دليل ، أو ان دليله ضعيف ومردود ، أو انه يحتاج الى المزيد من التقصِّي والتتبع والشواهد والدلائل . فهو الموارد التالية :
1 ـ ما عن الشهيد المطهري من انه قال : " ليس صحيحاً بانهم لم يذوقوا طعم الماء لثلاثة أيام متوالية ، كما يدعي أصحاب الاساطير " .
وحجته على ذلك : انهم و ان " كانوا قد مُنِعوا عن الوصول الى الشريعة ، لكنهم بفضل العباس استطاعوا الوصول الى الشريعة ، وجلب الماء ، لا سيما ليلة العاشر من المحرم ، حيث استطاعوا الاغتسال في تلك الليلة " 13 .

ونقول:

أولاً : لا ندري كيف اغتسلوا في تلك الليلة ، وصرفوا جميع ما عندهم من ماء ، وهم يعلمون أنهم محاصرون ممنوعون من الماء ؟! فلماذا لم يحسبوا لهذا الأمر أيَّ حسابٍ ، وهم يعرفون أن معهم أطفالاً ونساءاً و شيوخاً ؟! .
ثانياً : قد عرفنا : ان سبب استشهاد العباس عليه السلام هو محاولته جلب الماء من الشريعة ، فخرقوا قربته ، وقطعوا يديه . إلى آخر ما هناك مما هو معروف ومشهور ، وفي كتب التاريخ مسطور ، وقد ذكره أيضاً نفس مؤلف كتاب الملحمة في نفس الجزء والصفحة .
وواضح : انه لو كان العباس رضوان الله تعالى عليه قد بذل أية محاولة قبل ذلك الوقت لكان قد تعرض للممانعة الشديدة من قبل أربعة آلاف فارس ، كان ابن سعد قد وكّلهم بالشريعة ، لمنعه عن الاستقاء منها 14 . ولكانت القربة خرقت ، والجريمة في حقه ارتكبت .
2 ـ دعوى قدوم السيدة زينب ، ووقوعها على جسد أبي عبد الله ، وهو يحتضر ، وقيل : " فرمقها بطرفه ، وقال لها أخوها : إرجعي إلى الخيمة ، فقد كسرت قلبي ، وزدت كربي " 15 .
ولا ندري لماذا تجعل هذه الحادثة من الوقائع الكاذبة والمحرّفة ، إلا إذا كان الكاتب ومن سبقه يعتبر : ان كلام الإمام عليه السلام الموجه لها يدل على انها قد أساءت في مجيئها اليه .
والحقيقة هي انه لا يدل على أكثر من انه عليه السلام قد رثى لحالها ، وتألم لما يجري لها .
كما أن نفس مؤلف كتاب الملحمة الحسينية سيقول لنا : إن الإمام عليه السلام كان يتعمد صنع مشاهد كربلائية دموية وغيرها ، من أجل الإعلام للحركة الجهادية المباركة التي يخوضها .
3 ـ قصة زيارة الاربعين ، حيث عرج الأسرى على كربلاء في العشرين من صفر ، أي بعد أربعين يوماً من الوقعة . فان هذا الأمر لم يذكره إلا السيد ابن طاووس في اللهوف ، ونقله من بعده ابن نما في كتابه مثير الأحزان ، وقد تم تأليفه بعد وفاة ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً 16 . بالإضافة إلى انه ليس هناك أي دليل عقلي على حصولها ، وان الطريق الى المدينة لا يمر عبر كربلاء ، بل يفترق عنه من الشام نفسها 17 .
ونقول :
أولاً : إن اعتبار هذا الأمر من جملة المكذوب والمحرف ؛ لمجرد عدم وجدانه في كتب من عدا ابن طاووس ، لا يدل على عدم الوجود ، فلعل السيد ابن طاووس قـد نقل ذلك عن كتب لم تصل إلينا .
ثانياً : إن شأن السيد ابن طاووس أجل من أن يتهم باختراع الأكاذيب .
ثالثاً : هل الحدث التاريخي يحتاج إلى دليل عقلي يدل على حصوله ؟
رابعاً : هل الطريق إلى كربلاء الذي يفترق عن طريق المدينة من الشام هو نفسه الذي كان يسلكه أهل ذلك الزمان ؟!
وهل كان هو الطريق الوحيد الذي يسلكه المسافرون الى هذين البلدين ؟! .
خامساً : لقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى بسنده ، عن فاطمة بنت علي صلوات الله وسلامه عليه ، نصاً يقول : " ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن ، مع علي بن الحسين ، في محبس لا يكنهم من حر ولا قرّ ، حتى تقشرت وجوههم . إلى أن تقول : إلى أن خرج علي بن الحسين عليه السلام بالنسوة ، ورد رأس الحسين إلى كربلاء " 18 وصرح البيروني ـ المتوفي سنة 420 هـ ـ أن الرأس رد في العشرين من صفر 19 . وكذا قال غيره كابن حجر 20 . والقزويني المتوفي سنة 682 هـ . فالقزويني معاصر لإبن طاووس تقريباً ، والبيروني ومتقدم عليه بحوالي250 سنة .
ومن الواضح أن الأسرى لم يبقوا في الشام إلى السنة الثانية ، بل عادوا في نفس السنة ، بل عن مصباح المتهجد أنهم وصلوا إلى المدينة في يوم العشرين من صفر 21 .
فكيف صح قولهم : إن أول من تحدث عن ذلك هو إبن طاووس .
4 ـ حكاية حامل الرسالة إلى الإمام الحسين عليه السلام بالمدينة ، حيث إنه حين مجيئه إليه صادف أن رأى خروجه إلى مكة ، وحوله بنو هاشم ، وحولهم الرجال ، والحراس ، والأحصنة المزينة ، المحملة بالأمتعة ، وأنواع الديباج والحرير 22 .
ونقول :
إن كان رحمه الله قد حكم على هذه الرواية بالوضع والتحريف لجهة أن الإمام عليه السلام لم يخرج معلناً ، كما يفهم من هذه الرواية ، وإنما خرج خائفاً يترقب .
فان حديث هذا الرسول لا ينافي سرّية الخروج . لأن اجتماع بني هاشم حول الامام حين خروجه بعياله لا يمنع من كون الاجتماع سرّياً بالنسبة للهيئة الحاكمة .
وان كان حكمه عليها بذلك بسبب ذكر الديباج والحرير . فذلك لا يعني ان الإمام عليه السلام قد لبس ذلك الحرير ، وارتكب بذلك محرماً ، بل هو لا يعني ان ذلك الديباج والحرير كان ملكاً له عليه السلام ، فلعله لبعض من معه ، من الرجال أو النساء .
5 ـ دعوى ان الحوراء زينب قد خرجت ليلة العاشر ، فاطّلعت على اجتماعين : احدهما لبني هاشم ، والآخر للأصحاب ، يظهرون فيهما استعدادهم للحرب؛ فأخبرت أخاها الحسين بذلك 23 .
ولا ندري لماذا يحكون على هذه القضية بأنها مكذوبة أو محرفة؟! .
6 ـ مجيء زينب إلى أخيها الحسين وهو صريع يجود بنفسه ، فرمت بنفسها عليه ، وهي تقول : أنت أخي ، أنت رجاؤنا ، أنت كهفنا ، أنت حمانا 24 .
ولا نعلم سبب عدّهم هذه القضية ايضاً من الأكاذيب ، فان الإمام الحسين كان يهتم برسم المشاهد العاطفية ، انسجاماً مع رسالته الإعلامية ، حسبما ذكر عن الشهيد المطهري ، في الكتاب المسمى بالملحمة الحسينية .
7 ـ دعوى أن الإمام عليه السلام قد دخل على ولده السجاد ، بعد استشهاد أهل بيته وأصحابه ، وصار الإمام السجاد عليه السلام يسأله عما جرى ، وعن الأصحاب ، فرداً فرداً ، وجواب الإمام عليه السلام له بأن الحرب قد وقعت ، وإنه لم يبق من الرجال غيرهما .
مما يوحي بأن الإمام السجاد عليه السلام لم يكن واعياً لما كان يجري 25 .
وما المانع من حدوث هذه الأسئلة بهدف إظهار حجم المأساة ، وتقرير وقائعها ، و لغير ذلك من أهداف؟ فان ذلك لا يستدعي الحكم على الإمام عليه السلام أنه كان فاقداً لوعيه .
8 ـ دعوى عدم وجود أحد من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ليقدم له جواده ، فقامت السيدة زينب بذلك .
وكذلك الحوار الذي جرى له معها عليهما السلام 26 .
والحديث عن هذه القضية ايضاً يعلم مما قدمناه في سابقاتها .
9 ـ إن زينب أثناء وداعها لأخيها تذكرت وصية أمها بأن تقبّله عليه السلام في هذا الموقف في عنقه ، فقبّلته في هذا الموضع نيابة عنها . مع ان عمر العقيلة لدى وفاة أمها الزهراء لم يكن يتجاوز الخمس سنوات 26 .
ونقول :
إننا لا نرى مانعاً من أن تعي العقيلة وصية أمها ، وهي في هذا السن المبكر ، وهي التي شهد لها الإمام السجاد عليه السلام بتميزها العظيم حين قال لها : " أنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة " 27 .
والطفل يتذكر أشياء كثيرة ، خصوصاً ما له جهة عاطفية ، فكيف اذا كان هذا الطفل هو السيدة زينب عليها السلام .
10 ـ حكاية عدم انطلاق الفرس مع الإمام الحسين عليه السلام إلا بعد وصول أحد أطفال أهل البيت ، ولقائه بالحسين عليه السلام 28 .
وما المانع من ذلك إذا كان الله يريد إظهار هذا الجانب العاطفي بواسطة هذه الكرامة في هذه اللحظات الحرجة .
11 ـ قدوم أبي حمزة الثمالي إلى بيت الإمام السجاد ، ففتحت له الجارية التي فرحت بقدومه ، لأنه سيسلي الامام المضطرب ، والغائب عن الوعي ، فدخل على الإمام وصار يواسيه . فأخبره الإمام بحال الأسرى ، من النساء ، والأهل ، والأطفال 29 .
ونقول :
ما المانع من صحة هذه الرواية . وما هو السبب في اعتبارها خرافة ؟! اللهم إلا عبارة " المضطرب والغائب عن الوعي " التي نحتمل احتمالاً قوياً أن يكون ذلك سوء تعبير من الراوي .
كما انه قد يكون تعبيراً منها عن شدة الأسى الذي كان يظهر على الإمام إلى درجة انه كان لا يهتم بما تهتم به تلك الجارية ، ولا يدير له بالاً . .
12 ـ حكاية حضور هشام بن الحكم لمجلس عزاء ، ثم أخبر الإمام الصادق عليه السلام بالأمر ، فأعلمه عليه السلام : أنه كان حاضراً في ذلك المجلس ، دون أن يراه أحد . وذكر له الإمام كشاهد على ذلك : ان رداءه قد وقع عن كتفه عند الباب ، في حال خروجهم من ذلك المجلس . فعرف هشام صحة ذلك 30 .
ولا ندري ايضاً سبب الحكم على هذه الرواية بأنها مكذوبة . . وما المانع من صحتها فان للأئمة كرامات أعظم من ذلك .
13 ـ " اختلاق بنات من الذرية الطاهرة ، لا سيما لأبي عبد الله عليه السلام ، ومنهن من قالوا : إنها بقيت في المدينة ، وأخرى زوجوها في كربلاء ، وثالثة أماتوها من العطش تصديقاً لكلام جبرائيل . صغيرهم يميتهم العطش . واخرى قتلت في ساحة الوغى ، مثل عبد الله بن الحسن " 31 .
ونقول :
إن مراجعة التواريخ التي هي في أعلى درجات الاعتبار عند هؤلاء تظهر لكل احد إلى أي حد بلغت الاختلافات والأقوال المتهافتة وغير المتهافتة في مثل هذه الأمور ، التي يقع الرواة في الوهم والخطأ ، والخلط فيها ، وفيما بينها لأكثر من سبب .
كما أن الوهم والخلط قد يقع في أزمنة متأخرة عن عصر الرواة ، بسبب خطأ النساخ ، وما يقع من سقط وتصحيف وذهول أثناء نسخهم الكتب ، وما الى ذلك .
ولو كان هذا سبباً للحكم على المؤلفين بالكذب ، لم يبق لنا كتاب نعتمد عليه .
14 ـ " قصة الطفل الذي كان لأبي عبد الله الحسين في الشام . وكيف انه أراد رؤية أبيه ، فجاؤوه برأس الحسين ، ومات هناك " 32 . كما عن نفس المهموم .
ونقول :
لعل سبب حكمهم على هذه القضية بالكذب : إنهم يعتقدون انه لم يبق للإمام الحسين عليه السلام ولد بعد واقعة عاشوراء ، إلا الإمام السجاد عليه السلام .
وجوابنا : إن ذلك لا يوجب رد هذه الرواية ، والحكم عليها بالاختلاق ، لاحتمال وجود تحريف أو إسقاط فيها ، بحيث يكون الطفل المذكور ليس من أولاده عليه السلام ، بل يكون احد أبناء الشهداء من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه . وما أكثر ما يحصل من هذا القبيل .
15 ـ الطفل الأسير الذي سحله ( أي سحبه ) أحد الفرسان بواسطة الخيل حتى خنق ومات 33 .
ولا ندري ما هو المانع من أن تكون هذه القصة صحيحة ايضاً ، فان الحديث فيها لا يبعد عن الحديث في سابقاتها .
16 ـ قصة الفتاة اليهودية المشلولة التي شفيت بتزريق الطير نقطة من دم الحسين عليه السلام في بدنها 32 .
17 ـ قصة بقاء فاطمة الصغرى في المدينة ، وابلاغ الطير الاخبار لها 34 .
فان هاتين الحادثتين ربما يكون لهما نصيب من الصحة ، حتى لو أمكنت المناقشة في بعض الخصوصيات المذكورة فيهما . .
18 ـ بعض القراءات أو العبارات التي ترد في المآتم ، التي تظهر أهل البيت ، أو أصحاب الحسين يلتمسون شربة الماء بكل ذل من الأعداء 35 .
وقد تقدم : ان الإمام الحسين عليه السلام كان يهتم بإظهار الحالة المأساوية ، ومستوى الإجرام لدى أولئك المجرمين الحاقدين .
وكذلك بإظهار مقامات الصبر ، والتحدي ، والتحمل ، واليقين ، والمعرفة بالله لدى أصحابه . .
وهذه هي الحقيقة التي أكدها الكتاب الذي جمع بعد وفاة الشهيد المطهري نفسه حيث قال : " التكتيك الخامس كان في خلقه وإيجاده لمشاهد أكثر مساعدة لإيصال رسالته التبليغية . وذلك من خلال صبغ المشاهد الحساسة للمعركة بلون الدم القاني ، كرمي دم الرضيع نحو السماء ، وقوله عليه السلام : عند الله احتسبه ، ومن ثم تخضيب وجهه ورأسه بذلك الدم ، وقوله : انه يريد لقاء الله بتلك الحالة . والى جانب ذلك يمكن ذكر مشاهد عناق الإمام للقاسم ، ولحبيب بن مظاهر " 36 .
وقد تكرر هذا المعنى أكثر من مرة في هذا الكتاب فراجع 37 .
بل يقول : " إن واقعة الإمام الحسين يبدو أنها جاءت لتعبر عن عرض مسرحي حماسي ، ونهضوي ، ومأساوي ، وعظي ، وتبلور للعشق الإلهي ، والمساواة الإسلامية ، والعواطف الإنسانية . وكل ذلك في أعلى أوج ممكن . . الخ 38 .
19 ـ حديث وجود ليلى في كربلاء . . وسيأتي الحديث عن ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى .

خلاصة وبيان

ونعود إلى التذكير هنا بعدة أمور :
أولها : إن من الواضح : إنّه إن كان ثمة من مكذوب في حديث كربلاء ، فهو الشاذ النادر جداً ، والقليل الذي لم يستطيعوا رغم كل ما بذلوه من جهد وعناء أن يبلغوا به إلى عدد أصابع اليدين ، بل هو ربما لا يصل الى ستة موارد في قضية تزيد أحداثها ، وما سبقها ، ولحقها مما يتصل بها على العشرات والمئات ، خصوصاً فيما يرتبط بالجزئيات والتفاصيل .
وقد جاء هذا المكذوب مفضوحاً مقبوحاً ، شواهد الكذب ظاهرة عليه ، ظهور الشمس في رابعة النهار ، ولا يكاد يخفى ذلك على ذي مسكة .
كما انه لم يدخل في ثقافة الناس ، ولن يتسنى له الدخول ، ولن يكون جزءاً من تاريخ عاشوراء في أي وقت .
فلا يستحق كل هذا الصخب ، والضجيج ، والعجيج ، والتهويل ، والتطويل ، والتهديد والوعيد ، والتحذير ، والهتك ، والفضيحة ، والتشكيك . وما إلى ذلك .
الثاني : إن هنا طائفة من الأحداث قد توهموا أنها مكذوبة ومختلقة ، وليس ثمة ما يشير أو ما يصلح للإشارة أو للدلالة على ذلك . ومجرد الدعوى ، لا تصلح دليلاً على نفسها .
وما اعتقدوه شاهداً لذلك ، لا يصلح شاهداً عليه ، وبإمكان أي إنسان عاقل أن يلتفت إلى وجه الخلل في الاستدلال به .
هذا على الرغم من أننا لا نمانع من أن تكون بعض التشويهات أو التصحيفات أو السقطات ، أو الأخطاء قد لحقت ببعض النصوص ، لأسباب مختلفة ، قد تكون لدى الراوي ، بسبب نسيانه ، أو اختلاط الأمور عليه . أو بسبب تكرر نسخ المؤلفات وتداولها . وما إلى ذلك .
ولكن ذلك لا يسقط هذا النصوص عن ان تكون ذات قيمة علمية ، فان هذا الأمر حاصل في مختلف المصنفات والمؤلفات ، حتى في تلك التي هي في أعلا درجات الاعتبار .
الثالث : إن وجود نص يعلم بأنه مكذوب أو غير صحيح في كتاب مّا ، لا يسقط ذلك الكتاب ولا مؤلفه عن الاعتبار ، وإلا لكان اللازم إسقاط أوثق الكتب, وأعظم المؤلفين عن درجة الاعتبار ، إذ ربما لا يخلو كتاب من أمثال هذه الأمور ، باستثناء كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
الرابع : إن الحديث الذي يعلم أنه مكذوب ، إذا وجد في كتاب فان ذلك لا يعني أن مؤلف ذلك الكتاب هو الذي اختلقه ووضعه . . ما دام أن من الممكن أن يكون قد نقله عن غيره ممن يثق بنقله ، أو انه وضعه في كتابه وهو يشك فيه؛ لان هدفه الاستقصاء لكل شيء ، ثم ترك الحكم بالصحة والفساد للعلماء والباحثين ، أو لأي سبب آخر .
ولأجل ذلك ، فنحن لا نوافق على ما ورد في كتاب ٍ" الملحمة الحسينية " من تجريح في علماء عرفوا بالاستقامة ، وبالدين ، والتقوى ، والورع . . من أمثال الدربندي ، والطريحي وغيرهما 39 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. الملحمة الحسينية ج 1 ص 21.
  • 2. راجع الملحمة الحسينية ج 1 ص 34 و ج 3 ص 239 و 248.
  • 3. المصدر السابق ج 3 ص 239.
  • 4. المصدر السابق ج 1 ص 21 و 22 و ج 3 ص 254 عن اللؤلؤ و المرجان ص 195.
  • 5. المصدر السابق ج 3 ص246 عن اللؤلؤ والمرجان ص 92.
  • 6. راجع : مقتل الحسين للمقرم ص 240 عن آمالي الصدوق .
  • 7. راجع : مقتل الحسين للمقرم ص 239 و 240 متناً و هامشاً .
  • 8. الملحمة الحسينية ج 3 ص 254 عن اللؤلؤ والمرجان ص 195.
  • 9. الملحمة الحسينية ج 3 ص 236 و 247 و 239 . و راجع ج 1 ص 21 و عن اللؤلؤ والمرجان ص 163.
  • 10. راجع : المصدر السابق ج 1 ص 20 و 42 ؛ ج 3 ص 239 و 254 عن اللؤلؤ و المرجان ص 193.
  • 11. الملحمة الحسينية ج 3 ص 248 و راجع : ص 239 عن اللؤلؤ و المرجان ص 168.
  • 12. الملحمة الحسينية ج 3 ص 252 .
  • 13. الملحمة الحسينية ج 1 ص 48.
  • 14. راجع الملحمة الحسينية ج 1 ص 48 .
  • 15. الملحمة الحسينية ج 3 ص 246 عن كتاب اللؤلؤ و المرجان للنوري ص 92 .
  • 16. الملحمة الحسينية ج 3 ص 246 عن اللؤلؤ و المرجان ص 142 .
  • 17. الملحمة الحسينية ج 1 ص 22 و راجع ج 3 ص 239 .
  • 18. أمالي الشيخ الصدوق ص 142 و روضة الواعظين ص 54 .
  • 19. الآثار الباقية ج 1 ص 331 و عجائب المخلوقات للقزويني ج 1ص 115 .
  • 20. روي ذلك عن ابن حجر . راجع زيارة الأربعين لكمال زهر ص 42 .
  • 21. اقبال الأعمال ص 589.
  • 22. الملحمة الحسينية ج 3 ص 249 عن اللؤلؤ و المرجان ص 175 .
  • 23. الملحمة الحسينية ج3 ص250 عن اللؤلؤ والمرجان ص177.
  • 24. الملحمة الحسينية ج 3 ص 251 عن اللؤلؤ و المرجان ص 179 .
  • 25. الملحمة الحسينية ج 1 ص 46 و ج 3 ص 250 و251 عن اللؤلؤ و المرجان ص 178 .
  • 26. a. b. المصدر السابق عنه .
  • 27. الاحتجاج ج 1 ص 114 و مقتل الحسين للمقرم ص 388 والبحار ج 45 ص 164 .
  • 28. الملحمة الحسينية ج 3 ص 250 و 251 عن اللؤلؤ والمرجان ص 178 .
  • 29. الملحمة الحسينية ج 3 ص 251 عن اللؤلؤ والمرجان ص 179.
  • 30. المصدر السابق ج 3 ص 251 و 252 عنه .
  • 31. المصدر السابق ج 3 ص 256 عن اللؤلؤ و المرجان ص 202 .
  • 32. a. b. الملحمة الحسينية ج 3 ص 239 .
  • 33. المصدر السابق ج 3 ص 240 .
  • 34. المصدر السابق .
  • 35. الملحمة الحسينية ج 3 ص 240.
  • 36. الملحمة الحسينية ج 3 ص 314 .
  • 37. الملحمة الحسينية ج 3 ص 315 و 316 .
  • 38. الملحمة الحسينية ج 3 ص 317 .
  • 39. كتاب : كربلاء فوق الشبهات للسيد جعفر مرتضى العاملي ، الفصل الثاني ، الطبعة الثانية 1422 هـ . الموافق 2002 م .