الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اين مكانة الامة الاسلامية في هذا العالم

حالة الهيمنة للاستكبار العالمي على الدول والشعوب ومختلف المناطق تتغير تدريجياً، تماماً مثل التغيير الذي حدث أثناء الحركات المناهضة للاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد انتفضت الدول، دولة تلو أخرى، ضد الاستعمار المباشر في منتصف القرن العشرين - في آسيا على نحو، وأفريقيا على نحو، وأمريكا اللاتينية على نحو - وقد شهدت الخريطة السياسية للعالم تغييراً كبيراً ذلك اليوم. اليوم أيضاً هناك تغيير أساسي يحدث. هذه التحرّكات المستبدة، الخافتة والهامدة، للاستكبار العالمي ضد الشعوب تفقد شرعيتها تدريجياً بوضوح. منذ البداية، لم تكن شرعية في نظر الشعوب، لكن نظرتهم صارت أكثر وضوحاً تجاه هذا [الأمر]. حسناً، سيحدث وضع جديد وسيتشكل عالم جديد. قد لا نكون قادرين على تخمين الشكل الذي سيبدو عليه هذا العالم بدقة لكننا متأكدون أن هناك عالماً جديداً في طور التشكّل تدريجياً على مر السنين.

حسناً، أين مكانة الأمّة الإسلاميّة في هذا العالم الجديد؟ هذا سؤالٌ مهمّ.

الأمّة الإسلاميّة، [أي] أكثر من مليار ونصف من الأنفس البشريّة، مع ما لدينا من تاريخ علميّ عظيم ومشعشع – نعم بالطّبع، لقد سقطنا من الناحية العلميّة خلال القرون الأخيرة القليلة، لكن قبل ذلك، كانت ذروة قمم العلم ملكاً لنا نحن المسلمين؛ هذا ميراثنا وهو بحوزتنا – ومع امتلاك الثروات الطبيعيّة والإنسانيّة، وامتلاك الدوافع الجديدة من أجل التجدّد... مع تلك الخصائص، أين هي مكانة هذا العالم الإسلاميّ وهذه الأمّة؟ أين سنكون في هذا العالم الجديد الذي هو في طور التشكل؟ أين نقطة تموضعنا ووجودنا؟ هذا أمرٌ فائق الأهميّة، وهو قضيّة لا بدّ أن تفكّر الأمّة الإسلاميّة فيها. فالأحداث التي تقع في العالم الغربي وأوروبا ليست أحداثاً عاديّة؛ إنها تشير إلى تغييرات أساسيّة.

حسناً، يُمكن أن يكون لنا دورٌ مهمّ. نحن - الأمّة والبلدان والشعوب الإسلاميّة - يمكن أن نمتلك مكانة رفيعة في العالم الجديد الذي يتكوّن تدريجياً، ويُمكن أن نُطرَح أنموذجاً، ويُمكن أن نُطرَح روّاداً، لكن بشرط واحد. ما الشرط لهذا الأمر؟  الاتّحاد، ونبذ الفرقة، والتخلّص من شرّ وساوس العدوّ، ووساوس أمريكا، ووساوس الصهاينة، ووساوس الشركات. [التخلّص] من شرّ الوساوس من هؤلاء، ففي بعض الأحيان تُسمع هذه الوساوس من ألسن الأصدقاء. نرى في العالم الإسلاميّ بعض الأشخاص من داخل هذا العالم يكرّرون كلام أولئك نفسه ويقولون ذلك الكلام عينه. أن نتخلّص من شرّ هؤلاء عبر الاتّحاد، ونبذ التفرقة، والانسجام الداخلي. هذا هو الشرط لذلك الأمر. إذا استطعنا تحقيق هذا الشّرط، فلا شكّ في أنّنا سنكون قادرين على جعل الأمّة الإسلاميّة في مكانة رفيعة في العالم المقبل وضمن الشكل المستقبلي للجغرافيا السياسيّة للعالم.

هل هذا ممكن؟ بعض الأشخاص يبادرون في القضايا المهمّة كافّة ويكون ردّ فعلهم الأوّلي النفي والإنكار والإحباط: «يا رجل! لا يمكن هذا الأمر ولا فائدة منه». نحن لا نوافق على هذا، بل نقول إنّه ممكن. الاتفاق والوحدة بين الشعوب الإسلامية أمر ممكن لكنه يحتاج إلى العمل والفعل. قلت إننا لسنا يائسين من سياسيي الدول الإسلامية وقياداتها وحكامها، ولكن أملنا الأكبر في خواص العالم الإسلامي. أي كما قلنا: علماء الدين والمثقفين وأساتذة الجامعات والشباب أصحاب البصيرة والحكماء والأدباء والشعراء والكُتاب ومديري الصحافة... أملنا في هؤلاء. [يجب] أن يشعر هؤلاء بالاستقلال والمسؤولية والواجب. عندما يسلك الخواص طريقاً ما، يحرّكون الرأي العام في ذاك الاتجاه. وعندما يتشكل الرأي العام في بلد ما، تتحرك السياسات الإدارية للبلاد تلقائياً في ذاك الاتجاه، مجبرين على ذلك ولا مفرّ لهم. إذاً، هذا أمرٌ ممكنٌ، لكن لا يمكن أن يتم دون عمل. لا شيء في هذا العالم يمكن أن يتم دون عمل، سواء أكان إنجازاً دنيوياً أم إنجازاً أُخروياً وإلهياً.  ﴿ ... لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ 1. يجب السعي والعمل. إذا عملنا، فهذا ممكن.

الآن سوف أذكر لكم مثالاً صغيراً. نحن الجمهورية الإسلاميّة مثالٌ صغيرٌ على ذلك، فقد وقفنا ضد القوى العظمى. ذات يوم، كان هذا العالم في أيدي قوتين عظميين: أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق. هاتان القوّتان اللتان اختلفتا في عشرات القضايا كانتا قد اتفقتا على مسألة واحدة هي معارضة الجمهورية الإسلامية. الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، رغم كل خلافاتهما، كانتا متفقتين ضد الجمهورية الإسلامية وتمتلكان الرأي نفسه. وقف الإمام [الخميني] (رض) أمامهم ولم يستسلم، وقال بوضوح: «لا شرقية، ولا غربية». لا هذا ولا ذاك. وقد وقع [ذلك]. ظنوا أنه غير ممكن، وظنوا أن في إمكانهم اقتلاع هذه الشتلة. اليوم تحولت هذه الشتلة إلى شجرة ضخمة. فليخسأ أن يفكر أي شخص في اقتلاعها. صمدنا وتقدّمنا. هناك صعوبات طبعاً. الأشياء كافة لها مشقّاتها، فلا يمكن [المضي قدماً] دون صعوبات. حتى أولئك الذين يستسلمون لديهم صعوبات أيضاً. الصعوبات ليست في الصمود فقط، فالاستسلام له مشقاته أيضاً، مع فارق أنه عندما يصمد الإنسان، تدفعه الصعوبات إلى الأمام. نحن نتحمّل الصعوبات لكننا نتقدّم، أما ذاك الذي يستسلم، فيعاني الصعوبات لكن لديه تراجع، ولا يتقدّم أيضاً. لذلك، ورغم الاختلافات كلها، ففي رأينا يُمكن العمل وبذل الجهد والتحرّك نحو الوحدة التي ينشدها الإسلام والقرآن للأمة الإسلامية 2 3.

 

 

  • 1. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 39، الصفحة: 527.
  • 2. مقتبس من كلمة قائد الثورة الإسلامية خلال إستقباله جمع من المشاركين في المؤتمر الدولي الـ36 للوحدة الإسلامية.
  • 3. المصدر: موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي دامت بركاته.