الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بساطة العقيدة و يسر التكليف في الاسلام

جاء رسول الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) لنشر التوحيد ومكافحة الوثنية والدعوة إلى الاعتقاد باليوم الآخر ، كما جاء بمجموعة من الفرائض والمحرمات التي تضمن إسعاد الإنسان في الدارين وتكفُل خيرَه ورُقيّة .
وقد كان لانتشار الدين الإسلامي في المجتمعات البشرية بصورة سريعة وواسعة ، أسباب وعلل منها : بساطة العقيدة ويسر التكاليف في هذا الدين .

فالعقيدة التي عرضها سيّد المرسلين على البشر لم تكن عقيدة معقّدة كما هو الحال في العقيدة النصرانية التي لا يستطيع المتدّين بها أن يفسر مسألة التثليث و الأقانيم الثلاثة فيها .
فالعقيدة الإسلامية في خالق الكون والإنسان تتمثّل في سورة التوحيد :
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ 1 .
وكان الإسلام ولا يزال يقنع من المسلم في مجال الاعتقاد ، بهذا القدر ، ولم يُلزم الوحيُ ولا العقلُ أحداً بالغور في المسائل العقلية الفلسفية ، ولم يجعل الإيمان دائراً مدارها أبداً .
وأمّا يسر التكاليف وسهولة الشريعة فحدّث عنهما ولا حرج ، وقد أشار إليها الكتاب العزيز بقوله :
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ 2 .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 3 .
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 4 .
﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 5 .
فهذه الآيات تصرّحُ بأنّ تعالى رفع عن أُمة محمّد الآصار ، ولم يفرض عليهم حكماً حرجيّاً صعباً ، ممّا كان في الأُمم الماضية .
وقد ورد في حديث عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : " مما أعطى الله أُمتي وفضّلهم على سائر الأُمم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلاّ نبي ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كان إذا بعث نبيّاً قال له : اجتهد في دينك ولا حرجَ عليك ، وإنّ الله تبارك وتعالى أعطى ذلك أُمّتي حيث يقول : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ 2 يقول : من ضيق " 6 .
وظاهر هذا الحديث أنّ رفع الحرج الذي منّ الله به على هذه الأُمة المرحومة كان في الأُمم الماضية خاصّاً بالأنبياء وأنّ الله أعطى هذه الأُمة ما لم يُعطِ إلاّ الأنبياء الماضين (صلوات الله عليهم أجمعين ).
وسُئل علي ( عليه السلام ) : أيُتوضّأ من فضلِ وضوء جماعة المسلمين أحبُّ إليك أو يتوضّأ من ركوٍ أبيضٍ مخمّر ؟ فقال : " لا ، بل من فضلِ وضوء جماعة المسلمين ، فإنّ أحبّ دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة " 7 .
واشتهر عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قوله : " بُعثتُ بالحنيفيّة السمحة السهلة " 8 .
و للتأكد من هذه الحقيقة ينبغي أن نستعرض أركان الإسلام التي يكفي تحقّقها لتحقّق عنوان المسلم ، وصدقه على الشخص .

اركان الاسلام في ضوء الكتاب والسنة

لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقنع في قبول الإسلام من الذين يريدون الانضواء تحت رايته ، والإيمان به وبرسالته ، بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فإذا فَعَلها أحدٌ حُقن دمه وعِرضه ومالُه وكان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم . وقد قامت سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذه على أصلٍ قرآنيٍ ثابت حيث يقول الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 9 .
وجاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " بُني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة ، والحجّ ، وصوم رمضان " 10 .
بل كان ( صلى الله عليه وآله ) يكتفي بأقل من هذا ، رغم سعة رقعة التكاليف الإسلامية ، وكثرة جزئياتها وتفاصيلها .
فقد أخرج البخاري ومسلم في باب فضائل علي ( عليه السلام ) أنّه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر : " لأُعطينّ هذه الرايةَ رجلاً يحبّ الله ورسوله يفتح الله على يديه " .
قال عمر بن الخطاب : ما أحببتُ الإمارة إلاّ يومئذٍ ، قال : فتساورتُ لها رجاءَ أن أُدعى لها ، قال فدعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليَّ بن أبي طالب فأعطاه إيّاها وقال : " امشِ ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك " فسار "عليٌّ " شيئاً ثم وقف ولم يلتفت وصرخ : يا رسول الله على ماذا أُقاتل الناس ؟
قال ( صلى الله عليه وآله ) : " قاتِلهُم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمَّداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله " 11 .
قال الشافعيّ في كتاب " الأُم " عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " لا أزال أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوا لا إله إلاّ الله فقد عصمُوا منّي دماءَهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله " .
قال الشافعي : فأعلَمَ رسول الله أنّ فَرضَ الله أن يقاتلهم حتّى يُظهروا أن لا إله إلاّ الله فإذا فعَلوا مَنَعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها ، يعني إلاّ بما يحكمُ الله عليهم فيها وحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم ، اللهُ العالم بسرائرهم ، المتولّي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكاّم خلقه ، وبذلك مضت أحكام رسول الله فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق ، وأعلَمَهُمْ أنَّ جميع أحكامه على ما يظهرون وأنّ الله يدين بالسرائر 12 .
قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " من شهد أن لا إله إلاّ الله واستقبل قبلتنا وصلَّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلمُ له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم " 13 .
وقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) روى أنس قال : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلُّوا صلاتنا ، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقّها " .
كل هذه الأحاديث تصرّح بأنّ ما تُحقَن به الدماء وتُصان به الأعراض ويدخل به الإنسان في عداد المسلمين هو الاعتقاد بتوحيده سبحانه ورسالة الرسول ، وهكذا يتّضح ما ذكرناه من بساطة العقيدة وسهولة التكاليف الإسلامية.

النهي عن تكفير المسلم في السنة

ثمّ إنّه قد وردت أحاديث كثيرة تنهى عن تكفير المسلم الذي أقرّ بالشهادتين فضلاً عنّا إذا كان يمارس الواجبات الدينية ، وإليك طائفة من هذه الأحاديث :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
1. " بُني الإسلام على خصال : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله والإقرار بما جاء من عند الله ، والجهاد ماضٍ منذُ بعث رُسُله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين . . . فلا تكفّروهم بذنبٍ ولا تشهدوا عليهم بشركٍ " .
2. " لا تكفّروا أهل ملّتكم وإن عملوا الكبائر " 14 .
3. " لا تكفّروا أحداً من أهل القبلة بذنب وإن عملوا الكبائر " .
4. " بُني الإسلام على ثلاث : . . . أهل لا إله إلاّ الله لا تكفّروهم بذنب و لا تشهدوا لهم بشرك " .
5. عن أبي ذرّ : أنّه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسق أو بالكفر إلاّ ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " .
6. عن ابن عمر : أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " مَن قال لأخيه يا كافر فقد باءَ بها أحدهما " .
7. " مَن قذف مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتلِه ، ومن قتل نفسه بشيء عذّبه الله بما قَتَل " .
8. " من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما " .
9. " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله ، ولعنُ المؤمن كقتله " .
10. " أيّما رجل مسلمٍ كفّر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلاّ كان هو الكافر " .
11. " كُفّوا عن أهل لا إله إلاّ الله لا تكفّروهم بذنبٍ فمن أكفر أهل لا إله إلاّ الله فهو إلى الكفر أقرب " .
12. " أيّما امرئ قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه " .
13. " ما أكفر رجل رجلاً قطّ إلاّ باء بها أحد هما " .
14. " إذا قال الرجلُ لأخيه يا كافر فقد باء به أحدُهما إن كان الذي قيل له كافراً فهو كافر ، وإلاّ رجع إلى من قال " .
15. " ما شَهِد رجلٌ على رجل بكفر إلاّ باء بها أحدُهما إن كان كافراً فهو كما قال وإن لم يكن كافراً فقد كفر بتكفيره إيّاه " .
16. عن علي : ّ في الرجل يقول للرجل : يا كافر يا خبيث يا فاسق يا حمار قال : " ليس عليه حدّ معلومٌ ، يعزّر الوالي بما رأى" 15 .

الاسلام و وحدة المسلمين

هذا مضافاً إلى أنّ الإسلام يؤكّد على وحدة المسلمين ونبذ كل ما يهدم هذه الوحدة من التهمة والظنّة والغيبة والتكفير والتفسيق ، والنميمة .
وإليك نبذة ممّا جاء في الكتاب العزيز والسنة المقدسة من الترغيب في الاجتماع والأُلفة ، قال الله تعالى :
1. ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... 16 .
2. ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ... 17 .
3. ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ... 18 .
4. ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 19 .
5. ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ... 20 .
6. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ 21 .
7. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... 22 .
هذا من الكتاب وأمّا السنّة فإليك طائفة من الأحاديث في هذا المجال :
1. قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " لا تدخلون الجنّة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتّى تحابّوا ، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم " 23 .
2. قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " الدين النصيحة ؟ قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين ولعامّتهم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتّى يُحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " 23 .
3. " ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم يد على من سواهم ، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبَل منه يوم القيامة صرف ولا عدل " 24 .
4. " إيّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام " 25 .
5. " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه يوم القيامة " .
إلى غير ذلك من الأحاديث الحاثّة للمسلمين على الوئام والتآلف والتوادد ونبذ الفرقة والاختلاف ، والتشاجر والتشاحن ، والطرد والإقصاء 25 .

موقف علماء الاسلام من تكفير المسلم 

وقد تشدّد علماء الإسلام في تكفير المسلم ونهوا عنه بقوّة ، وبالغوا في النهي عنه .
قال ابن حزم حيث تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفر 26 : وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفَّر ولا يفسَّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فُتيا ، وأن كلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحق فإنّه مأجورٌ على كلِّ حال ، إن أصابَ فأجران ، وإن أخطأ فأجرٌ واحدٌ.
( قال ) : وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة ( رض ) لا نعلم منهم خلافاً في ذلك أصلاً .
وقال شيخ الإسلام تقي الدين السُبكي : إنّ الإقدام على تكفير المؤمنين عَسِر جداً ، وكُلّ من كان في قلبه إيمان يستعظم القولَ بتكفير أهل الأهواء والبدع مع قولهم لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فإنّ التكفير أمرٌ هائل عظيم الخطر ( إلى آخر كلامه وقد أطال في تعظيم التكفير وتفظيع خطره ) 27 .
وكان أحمد بن زاهر السرخسي ـ وهو أجل أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري ـ يقول : لمّا حَضَرَتِ الشيخَ أبا الحسن الأشعري الوفاةُ بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتُهُم له فقال : إشهَدوا عليَّ أنّني لا أُكفّرُ أحداً من أهل القبلة بذنبٍ ، لأنّي رأيتهم كلّهم يشيرون إلى معبودٍ واحدٍ ، والإسلام يشملهم ويعمّهم 27 .
وقال القاضي عبد الرحمان الايجيّ : جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفَّر أحد من أهل القبلة – ثمّ استدلّ قائلاً - : إنّ المسائل التي اختلف فيها أهل القبلة من كون الله تعالى عالماً بعلم ، أو موجداً لفعل العبد أو غير متحيّز ولا في جهة ونحوها لم يبحث النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن اعتقاد من حكم باسلامه فيها ولا الصحابة ولا التابعون ، فعلم أنّ الخطأ فيها ليس قادحاً في حقيقة الإسلام 28 .
وقال السيد محمّد رشيد رضا : إنّ من أعظم ما بُليَت به الفرق الإسلامية رمي بعضهم بعضاً بالفسق والكفر مع أنّ قصد الكلِّ الوصول إلى الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده ، واعتقاده والدعوة إليه ، فالمجتهد وإن أخطأ معذور ... 29 .

ما يترتب على هذا الاصل

إذا كان الكتاب والسنة يكتفيان في الحكم على الشخص بالإسلام بذكر الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان ، والحجّ وما مرّ عليك في الحديث المنقول عن البخاري وغيره ، فيجب علينا :
1. الحكم بأنّ جميع الفرق الإسلامية – إلاّ من قام الدليل القطعي على كفره – يندرجون تحت عنوان الإسلام ، وحكمه ، ولا يصحّ لأحد أن يكفّر أحداً فرداً أو طائفة بمجرّد أنّه يرتكب عملاً صحيحاً مشروعاً وغير شرك عنده ، غير صحيح وغير صحيح وغير مشروع بل شرك عند المكفّر .
إنّ النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) كان يقبل إسلام من اعترف بوحدانية الإله ورسالة نبيّه الخاتم من دون أن يسأله عن الأمور التي زعم ابن تيمية أنّها شرك في العبادة ، وتأليه لغيره سبحانه ، مع شيوع هذه الأمور بين الأمم المتحضّرة في الشامات واليمن آنذاك .
ولو كان الاعتقاد بحرمتها والاجتناب عنها عملاً ، من مُقوّمات الإيمان والإسلام لكان على النبي ( صلى الله عليه وآله ) التصريح بذلك ، ولو مرّة واحدة عند وفود الأُمم علنه ودخولهم في دين الله بأن يقول : وعليك أن تترك :
البناء على القبور من غير فرق بين الصالح وغيره .
وبناء المساجد على قبور الصالحين .
والصلاة والدعاء في مشاهدهم ومراقدهم .
والتبرّكَ والاستشفاءَ بآثارهم .
والتوسّلَ بهم وبحرمتهم ومقامهم و . . .
مع أنّه لم يُرَ منه ( صلى الله عليه وآله ) كما لم يُنقل أنّه أخذ الاعترافَ بهذه الأُمور .
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنذها ليست من مقوّمات الإيمان ولا من موجبات الكفر والشرك بل هي من الأُمور الفقهية التي يُبحث عنها في الفقه حرمةً وجوازاً.
إنّ المسلمين اليوم بأمسّ الحاجة إلى توحيد الكلمة ورصّ الصفوف ، والابتعاد عن كل ما يُفرّق جمعهم ، ويشتّتُ كلمتهم . ولكننّا لو جَعَلنا هذه الفوارق وما شابهها ممّا يوجب خروج هذه الجماعة أو تلك من الإسلام لتمزّقت وحدة الأُمة ، وسهل حينئذٍ ابتلاعها جميعاً من قبل أعداء الإسلام المتربصين الطامعين .
2. التأسّف على ما مضى من إقدام المذاهب الإسلامية المختلفة على تكفير بعضها بعضاً من دون تورّع وتحرّج ، سابقاً . فأخل الحديث والحنابلة يكفّرون المعتزلة ، والمعتزلة يكفّرون أهل الحديث والحنابلة .
ثمّ لمّا ظهر الأشعري ، وحاول إصلاح عقائد أهل الحديث والحنابلة ، ثارت ثائرة تلك الطائفة ضدَّه فأخذ الحنابلة يكفّرون الأشاعرة ، ويلعنونهم ويسبّونهم على صهوات المنابر .
فهذا هو السُبكي يقول حول تكفير الحنابلة للأشاعرة : هذه هي الفتنة التي طار شررها فملأ الآفاق وطال ضرَرها فشمل خراسان والشام والحجاز والعراق وعظم خطبُها وبلاؤها وقام في سبّ أهل السنّة ( يريد بهم الأشاعرة ) خطيبها وسفهاؤها ، إذ أدّى هذا الأمر إلى التصريح بلعن أهل السنّة في الجمع ، وتوظيف سبِّهم على المنابر ، وصار لأبي الحسن الأشعري – كرّم الله وجهه – بها أسوةٌ بعليّ بن أبي طالب – كرّم الله وجهه – في زمن بعض بني أُمية حيث استولت النواصب على المناصب ، واستعلى أولئك السفهاء في المجامع والمراتب 30 .
3. التأسف على سريان هذه الحالة إلى مجال الفروع فإذا بأصحاب المذاهب الفقهية الأربعة تختلف و تتشاحن و تتنازع وتحدث فتنٌ كثيرةٌ وداميةٌ بينها .
فقد وقعت فتنةٌ بين الحنفية والشافعية في نيسابور ذهب تحت هياجها خلقٌ كثير ، وأُحرقت الأسواق والمدارس وكثُر القتل في الشافعية فانتصروا بعد ذلك على الحنفية وأسرفوا في أخذ الثأر منهم في سنة 554 هجرية ، ووقعت حوادثُ وفتنٌ مشابهةٌ بين الشافعية والحنابلة واضطرت السلطات إلى التدخّل بالقوّة لحسم النزاع في سنة 716 وكثُر القتلُ وحرق المساكن والأسواق في أصبهان ، و وقعت حوادثُ مشابهةٌ بين أصحاب هذه المذاهب وأتباعها في بغداد ودمشق وكلُ واحد منها إلى تكفير الآخر . فهذا يقول : من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم ، وذاك يغري الجهلة بالطرف الآخر فتقع منهم الإساءة على العلماء والفضلاء منهم وتقع الجرائم الفضيعة 31 .
4. الاستنكار لما ذهب إليه ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، حيث كفّرا جميع الأُمّة قاطبة سنّيها وشيعيّها ، بحجّة أنّهم يتوسّلون بالنبيّ والعترة وأنّهم يدعونهم و يستغيثون بهم ، وأنّهم يعمّرون قبورهم ويتبرّكون بها و . . .
فهل كان النبيّ يسأل الوافدين عليه المُظهرين للشهادة هل يتوسّلون بالأنبياء والصالحين أو لا ؟ هل يدعونهم ويستغيثون بهم أو لا ؟ هل يعمّرون قبورهم أو لا ؟ هل يتبرّكون بآثارهم أو لا ؟
أو أنّه كان يكتفي في الحكم عليهم بالإسلام والإيمان بما تضافرت عليه النصوص التي أوقفناك على طائفةٍ كبيرةٍ منها ، مع أنّه لم تكن حياة العرب ولا غيرهم خالية عن هذه الأُمور ، بل كانت زاخرة بها وبأمثالها كما أسلفنا .
ولعلّ في القرّاء من يستبعد أنّ ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب ، كانا يكفّران المسلمين ، ولأجل ذلك فإنّنا نأتي هنا بنصوص من الثاني لكون آرائه أكثر رواجاً الآن .
يقول محمّد بن عبد الوهاب :
إنّ الكفّار الذين قاتلهم رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) مُقرّون بأنّ الله هو الخالق الرازقَ المدبّرُ ولم يُدخلهم ذلك في الإسلام لقوله تعالى : ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ 32 .
ثمّ إنّهم يقولون ما دعونا الأصنام وتوجّهنا إليهم إلاّ لطلب القرب والشفاعة ، لقوله تعالى : ﴿ ... وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ... 33 .
وقوله تعالى : ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ... 34 .
ثمّ يقول : إنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ظهر على قومٍ متفرقين في عبادتهم ، فبعضهم يعبد الملائكة ، وبعضهم الأنبياء والصالحين ، وبعضهم الأشجار والأحجار ، وبعضهم الشمس والقمر فقاتلهم ولم يفرّق بينهم .
ثمّ يُنهي كلامه قائلاً : إنّ مُشركي زماننا أغلظُ شركاً من الأوّلين لأنّ أُولئك يُشركون في الرخاء ، ويُخلصون في الشدة وهؤلاء شركهم في الحالتين لقوله تعالى :
﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ 35 . 36
هكذا يرمي محمد بن عبد الوهاب المسلمين بالشرك الغليظ لكونهم يتوسّلون بالنبي والأئمّة والأولياء ويستشفعون بهم .
ثمّ يقول في كتابه كشف الشبهات : " إنّ التوحيد الذي جَحَدوه هو توحيد العبادة الذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا لهم أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبيّاً مثل عيسى " 37 .
وحاصل كلامه أنّ المسلمين اليوم ، موحّدون من جهةٍ ومُشركون من جهةٍ أُخرى ، أمّا الجهة الأولى فلقولهم بأنّ الله سبحانه هو الخالق الرازق المدبّر . وأمّا الجهة الثانية فلأنّهم يعبدون الأنبياء والصالحين بدعائهم والتوسّل بهم والتبرّك بآثارهم وتعمير قبورهم . ويسمّي الأُولى : التوحيد في الربوبية ، والثانية التوحيد في الألوهية ، وهو يرتكب الخطأ في تسمية القسم الأوّل بالربوبية ، والثانية بالألوهية ، وهو يرتكب الخطأ في تسمية القسم الأوّل بالربوبية ، والثانية بالألوهية ، وكذا تسمية دعاء الأنبياء والصالحين عبادةً ، ويتَّضح كلّ ذلك عند البحث عن ميزان التوحيد والشرك في العبادة فانتظر .
هذا وقد كتب مفكّرون وكتّابٌ عديدون عن ظاهرة تكفير محمد بن عبد الوهاب وأتباعه للمسلمين قاطبةً ، نذكر بعضهم وما كتبوه على سبيل المثال :
يقول جميل صدقي الزهاويّ : " كان محمدُ بن عبد الوهاب يسمّي جماعته من أهل بلده : الأنصار ، وكان يسمّي متابعيه من الخارج : المهاجرين .
وكان يأمر من حجَّ حجَة الإسلام قبل إتّباعه أن يحجَ ثانياً قائلاً : إنّ حجَّتك الأُولى غير مقبولة لأنّك حججتها وأنت مشرك .
ويقول لمن أراد أن يدخل في دينه : إشهد على نفسك أنّك كنت كافراً ، واشهد على والديكَ أنّهما ماتا كافرين واشهد على فلان وفلان ( يسمّي جماعة من أكابر العلماء الماضين ) أنّهم كانوا كفّاراً فإن شهِدَ بذلك قَبِلَهُ .
وكان يصرّح بتكفير الأُمّة منذ ستمائة سنة ويكفّر كل من لا يتّبعه وإن كان من اتقى المسلمين ، ويسمّيهم مشركين ، ويستحلّ دماءهم وأموالهم ، ويُثبتُ الإيمان لمن اتّبعه " 38 .
وكتب الآلوسي في تاريخ " نجد " عن سعود بن عبد العزيز : " أنّه قاد الجيوش وأذعنت له صناديدُ العرب ورؤساؤهُم بَيْدَ أنّه منع الناس عن الحجّ . . . وغالى في تكفير من خالفَه وشدّد في بعض الحكام " 39 .
إنّ وظيفتنا في العصر الحاضر الذي تقاربت فيه الشعوب المتباعدة وتصادقت الدول المتعادية ، على اختلاف مسالكها ومشاربها المتباينة ، ومدارسها وأيديولوجياتها المتناقضة ، فتصافحت وتعانقت ، واتّحدت وتوحَّدت ، أن نعمل على توحيد الصف الإسلامي وذلك بأن نرجِعَ إلى الكتاب والسنَّة ، وأن يُحتَرمَ جميع المسلمين ، المنضوين تحت لوائهما ، ويُتركَ خلافُ كلّ فرقة إلى نفسها ، ولا يُعدَّ ذلك فارقاً ، وفاصلاً بينها وبين الفرق الأُخرى .
نعم انّ هذا لا يعني ترك البحث العلميّ والنقاش الموضوعيّ في القضايا المختلف فيها ، بل المقصود هو أن لا تُتخذ تلك القضايا وسيلة للتفرّق والتمزّق ، والتنازع والتشاحن ، فلا ضيرَ في أن يجتمع العلماء في مكانٍ واحدٍ ويتناقشوا ويتناظروا في جوٍّ هادئٍ لتقريبِ وجهات النظر فيما بينهم ومعرفة فوارقهم وجوامعهم ، بل يتعين ذلك خدمة للإسلام ورحمة بالمسلمين .
ثمّ ممّا يدلّ على سهولة التكليف في عامة الشرائع ، والشريعة الإسلامية الغرّاء خاصة أنّ الأصل في الأفعال هو الإباحة لا الحظر والحرمة ، وذلك آية التسهيل وعلامة التيسير وهذا هو ما نبحث عنه في الأصل القادم الذي يلي هذا الأصل .
ولكن نلفت نظر القارئ إلى الجواب الذي صَدَر من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المؤرخ 8 / 3 / 1407 برقم 717/2 على السؤال الذي وُجِّه إليه حول الإئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الرؤية يوم القيامة – أي رؤية الله جلّ وعلا من قِبَلِ أهل الجنّة - . حيث يكفّر من لا يقول بذلك ولا يعتقده وحيث نَقَل عن عدّةٍ منهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم ، بأنّه كافر حيث قال الأوّل : والذي عليه جمهور السلف أنّ من جَحَدَ رؤية الله في الدار الآخرة فهو كافر ، فإن كان ممّن لم يبلغه العلم في ذلك عُرِّف ذلك كما يُعرَّف من لم تبلغه شرائع الإسلام ، فإن أصّرَ على الجحود بعد بلوغ العلم فهو كافر .
إن هذه الفتوى تضادّ ما تضافر عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من أنّ أركان الإسلام عبارة عن التوحيد والإقرار بالرسالة وغيرهما ممّا مضى ذكره فهل كان النبيّ يوجب على من يعترف بالشهادتين الاعتقاد برؤية الله ؟
إنّ الرؤية مسألةٌ اجتهاديةٌ تضاربت فيها أقوال المفسّرين ، ومن نفى الرؤية فإنّما اجتهد في النصوص التي زعم القائل دلالتها عليها ، فلو كان مُصيباً فله أجران ، ولو كان مُخطئاً فله أجرٌ واحد لا أنّه كافر خارج عن الإسلام .
هذا ولقد بسطنا الكلام في دلالة قوله سبحانه : ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ 40 على الرؤية وخرجنا بنتيجة واضحة وهي أنّ الآية لا دلالة لها على ما يتبنَّاه أصحابُ الرؤية ، بل أنّ القول بالرؤية من البدع التي دَخَلت إلى الأوساط الإسلامية من جانب الأحبار والرهبان 41 .