الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بقية الله خير لكم

﴿ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ 1
يعيش المسلمون في هذا العصر وفي هذا الظرف الحساس تحديات خطيرة ، منها ما هي تحديات مادية تحيط بأجسامهم وبلادهم ، ومنها ما هي تحديات وأخطار روحية ومعنوية تحيط بقيمهم ورسالتهم . .
ولا يغيب عنا أن العديد من البلدان الإسلامية تعاني من خطر الإدمان على المخدرات ، هذه اللّعنة التي أخذت وقضت على كثير من شبابنا ، حتى أن بلداً إسلامياً واحداً فقط يوجد فيه حوالي خمسة ملايين مدمن . .
وتواجه العديد من بلدان المسلمين خطر الحروب حتى قيل مؤخّراً أن الغربيين قد جاءوا بالقنبلة النووية إلى منطقة الخليج ، وهم لم يأتوا بها للقضاء على سلطة صدام طبعاً ، إذ هي صنيعتهم دون أدنى شك ؛ فهي ـ إذن ـ موجّهة ضد الشعوب المسلمة في هذه المنطقة ، القنبلة التي يزيد تأثيرها على مفعول قنبلة هيروشيما خمسين مرة ، علماً أن هذه الأخيرة قد قضت على مائتي ألف إنسان ياباني في مدة لا تتجاوز ربع الثانية وحولتهم إلى رماد ودخان .
ونحن نواجه أيضاً خطر الهجوم الثقافي الغربي الشرس على قيمنا وعقولنا ؛ فهذه الأقمار الصناعية بلغ عددها أكثر من خمسمائة قمر صناعي متناثرة في الفضاء ، تبث في كل يوم عشرات الآلاف من الأفلام الرذيلة . فهم أدخلوا العهر والفساد والميوعة إلى عقر ديارنا ومخادع نومنا ، وأولادنا لم يعودوا أولادنا ، بل هم أولاد الغربيين قبل كل شيء ، لأنهم هم الذين يربّونهم ، وهم الذين يستولون على أرواحهم وعقولهم وإرادتهم .
ونحن نواجه مخاطر الجفاف وشحّة الأمطار والمحاصيل الزراعية ، بسبب ضعف البنى التحتية لاقتصادياتنا .
فبماذا نواجه هذه المخاطر وغيرها ؟ وإلى أي موقع نلجأ ؟
هل نلجأ إلى أميركا أم روسيا أم أوروبا ؟
ويجيبنا الله تبارك وتعالى عن كل ذلك بقوله الكريم : ﴿ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ ... 2
فحسب ما نستفيده من بعض النصوص القرآنية وروايات أهل البيت عليهم السلام أن الله عزّ وجل قد نصب الجبال في الأرض لحفظ توازنها ومنعها عن الميلان ، لأنها بمثابة المرساة التي تحافظ على توازن السفينة ، ولكن من يحفظ سكان الأرض من الدمار والانهيار والضياع ؟
إنه الإمام الغائب ؛ الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه ، فهو الإمام لأهل الأرض ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، ولتحول كل شيء إلى كثيب مهيل .
ولكن لا يكفي في أي حال من الأحوال الادعاء بالإيمان بهذا الإمام العظيم ، بل لابد من التمسّك بحبله ؛ تماماً كمن كان غريقاً تتلاقفه أمواج البحر العاتية ، لا يكفيه النظر إلى خشبة طافية فوق سطح الماء ، وإنما يتوجّب عليه امتطاء تلك الخشبة .
والله جل وعلا قد أمرنا بالتمسك بالقرآن وبأهل البيت عليهم السلام ، حيث قال : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ... 3 وأهل البيت هم لا غيرهم سفن النجاة ، مَن ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى .
فيا ترى كيف نتمسك بحبل الله ، وكيف نركب سفينة النجاة ؟
ولتعلم ـ أخي المسلم ـ قبل كل شيء أن الإمام الحجة المنتظر أقرب إليك مما تظن ، وهو عندك وأنت عنده . . ولكنك أنت الذي تحاول التهرب منه بسبب ما تقترفه من ذنوب وأخطاء . .
وقد روي عن سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : مالكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال له رجل : كيف نسوؤه ؟ فقال : أما تعلمون ان أعمالكم تعرض عليه ، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك ، فلا تسوؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسرّوه 4 .
إذن فالرسول والأئمة يسوؤهم أن يروا في قوائم أعمال محبيهم ذنوباً ، كشرب الخمر وسماع الأغاني والغيبة والتهمة والنميمة والتفرقة والعصبية والخمول والتهرب من الجهاد .
إذن ؛ فإن ارتكاب الذنوب إذا كان يحجب العبد العاصي عن ربه ، فكذلك هو يحجب عن أولياء الله وأحبائه .
إن اختراق الحجب الفاصلة بين المؤمنين وإمامهم يتيسّر عبر الالتزام بهذه النقاط التالية :

  1. هجر الذنوب والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منها ، وعدم القنوط من رحمة الله ، وعدم الاستخفاف بمنزلة أولياء الله .
  2. الإكثار من ضمانات الأمن ، كبناء المساجد والحسينيات والمدارس العلمية ، فهي كما الأعمدة في البناء تحافظ عليه ، وهي كالسور الذي يدافع ويحصن المدينة .
  3. الاهتمام بتربية الأولاد تربية صحيحة ، إذ في ذلك ضمانة لاستمرار الدين في الحياة . فالإنسان مسؤول في الدنيا والآخرة عن تربية أولاده ، قبل أن يكون مسؤولاً عن توفير لقمة العيش لهم ، لا سيما إذا عرفنا أن الله سبحانه وتعالى يخلق الإنسان ويكتب رزقه له ، وبالتالي فإن الوالدين يتوجّب عليهما قبل كل شيء تقريب أولادهما إلى تعاليم القرآن وتعاليم النبي وأئمة أهل البيت عليه وعليهم السلام ، ليوفروا بذلك ضمانة عدم انحرافهم أو تقليل فرص الضلال التي يخلقها أعداؤهم لهم .

إننا في عصر الغيبة مدعوون إلى مزيد من التوجه إلى إمامنا الحجة بن الحسن عليهما السلام ، حتى أن في بعض الروايات تأكيد على مخاطبته بلقب بقية الله ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن مائة وأربعة وعشرين ألف نبي قد أدّوا أدوارهم المقدسة ورفعهم الله مكاناً عليّاً ، وأن أضعاف هذا العدد من الأوصياء قد انتهى دورهم ، ولم يبقَ لنا من حبل بين السماء والأرض سوى هذا الإمام العظيم بعد كتاب الله المجيد ؛ فلنتمسك به ونتوجه إليه ، ونطلب منه أن يكون وسيلتنا وشفيعنا إلى الله سبحانه وتعالى 5 . .