الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بين "مرو" و"مران" حلفاء القرآن يصنعون التاريخ

على عتبات العام الخامس للعدوان والحصار والتجويع الذي يشنه تحالف العدوان بقيادة أمريكا على شعب اليمن العربي العظيم، أتشرف بزيارة سلطان ايران المهيب، أنيس النفوس الامام الغريب علي بن موسى الرضا"ع" في مشهد المقدسة، وهي روضة من رياض الجنة تضم بضعة من رسول الله (ص) وكوكب من كواكب الإمامة ومعالم الكرامة، الذي يؤم قبره الشريف الملايين من أحرار العالم، وتهفو إلى بقعته الطاهرة جموع الوالهين أبناء العائلات الروحية الاسلامية من داخل إيران وخارجها، ليرووا ظمأهم من آثار بيت الوحي ومعدن الرسالة.

على خطى الرضا، غربة اليمانيون في سبيل القيم

وفي اللحظة التي أقف بين يدي هذا الإمام، لأكتب كلماتي القاصرة، مستذكرا رحلة غربته بالجبر والإكراه نحو "مرو" مركز خراسان عاصمة المأمون العباسي، يأخذني الفكر إلى الخلص من أهل المقاومة في اليمن القوي الغريب، وتلفيني أردد الزيارة الجواديّة المباركة: السّلام عليك أيّها العالمُ النبيه، والقدَر الوجيه، النازحُ عن تربة جدّه وأبيه صلوات الله عليهما، هي غربة اذا، كغربة اليمنيين بين أبناء جلدتهم من العرب،، ومن العرب أهل فلسطين، الذين لم يقابلوا حتى الآن كما ينبغي الوفاء بالوفاء، وسط الدعاية السعودية الوهابية التكفيرية الزائفة عن إعادة شرعية، لكنها في الحقيقة حرب ممنهجة لإبادة شعب، لا زال يتمسك بإرث "بيت النبوة" ويأبى الضيم والخنوع للظالمين وزعمائهم الصهاينة، وأذنابهم العصابة اللاإنسانية الحاكمة في الرياض، لكنه عهد اليمانيين وشرفهم، منذ تشرفت "رياض الشهداء" صعدة الاباء بشقيق الرضا "ع"، ونجل كاظم الغيط ابراهيم بن موسى سلام الله عليهم جميعا، قال عنه الشيخ المفيد في (الإرشاد 309)، والطبرسيّ في (إعلام الورى 312): كان إبراهيم بن موسى شجاعاً كريماً، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيّام المأمون من قِبل محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة، ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان [حيث قُتل]، وقد حكى العامليّ في (أعيان الشيعة 229:2) عن السيّد ابن زهرة في كتابه (غاية الاختصار) قوله في قصة إبراهيم بن موسى قائلاً: مضى إلى اليمن وتغلّب عليها في أيّام أبي السرايا، ويُقال: إنّه ظهر داعياً إلى أخيه الرضا..."

فرادة اليمنيين وافتخارهم بالهداية دون سائر الشعوب

هزني من الأعماق غبطة وفرحا، السنة الحسنة التي سنها اليمانيون تحت قيادة "انصار الله"، فهم باتوا اليوم الشعب الوحيد الذي يحتفل بذكرى إسلامه، بإيمانَهم المتصل سندا للنبي الكريم "ص"، حيث تعلّموا على يد المقرَّبين كالإمام علي، ومعاذ بن جبل، وبكل مذاهبهم زيدية وشافعية واسماعيلية يتشرفون بالتمسك بالثقلين كتاب الله وعترة رسوله "ص" وقد صدق عليه السلام: "الايمان يمان"، لقد عضوا على هذه الهوية بالنواجذ، فاستدعى ذلك في وجههم، هذا العداء الجنوني من كل قوى الاستكبار والرجعية بقيادة امريكا واسرائيل، اليمن الحكيم الوفي لبيت الرسالة ومرجعية الاسلام، الذي حافظ على مسلك العدلية في اختيار الانسان ومسؤوليته، في مقابل مدارس الجبر والحشوية والسلفية.

حلفاء القرآن .. أهل الله وخاصته

تميزت مسيرة مجاهدي اليمن بارتباطها العميق بالقرآن، حتى سميت بالمسيرة القرآنية، لم يسبقهم في ذلك الا حركة مفجر ثورة الاسلام في ايران الامام الخميني "ره" وعلى خطى الامام الرضا"ع" الذي كان أنسه بالقرآن يملك عليه كيانه، والروايات عنه عليه السلام مستفيضة لشدة ايصائه بالقرآن، لأنَّ الذكر الحكيم هو كتابنا الأساس، ولقد انطلقت من جبال مران اليمنية نهضة قرآنية عز والله نظيرها، أسس لها المفكر الشهيد حسين الحوثي "رحمه الله"، فاستحق لقب (حليف القران) وهو الذي كان ذائبا في عشق عترة النبي الطاهرة، حيث لا يفترق القرآن عن آل محمد، حتى ترد الخلائق على حوض المصطفى يوم الدين كما يقر بذلك كل المسلمين، ومن أئمة أهل البيت الرضا عليه السلام الذي اتشرف الساعة بزيارة مرقده المقدس، وهنا يخبرني تلاميذ السيد الشهيد ممن التقيتهم عن شغفه بغريب طوس أي الرضا "ع"، وتعرفه مبكرا على إرثه وفلسفة حركته المباركة التي انطلقت بعد سيطرة جو عام من القمع على البلاد الخاضعة للسلطة العباسية، جو خانق وصفه صاحب الرضا محمد ابن سنان بالقول: (وسيف هارون يقطر الدم)، وما بين (مرو) و(مران) قصة العشق والجهاد والتحدي حتى الشهادة، لقد سيق الرضا إلى"مرو" مكرها، لكنه كان يعلم أن في ذلك عز الإسلام ورفعة قيم الأنبياء، وفي "جبال مران" حف حفظ كرامة اليمنيين والثبات على منهج القران والحق بمكاره الجهاد، ومواجهة الظالمين من أذناب أمريكا وآل سعود، وكان المشروع القرآني لتربية جيل جديد من شباب اليمن يحملون القرآن في جانب وفي الجانب الآخر هم وحدة المسلمين تحت راية القرآن الحكيم، الدستور الحي الذي يزداد غضاضة في كل عصر، فهو الكافل لجميع ما يحتاج إليه الناس من المشاكل واجاباته جديدة نضرة حية متجددة، فكان بحسب تعبير الشهيد الحوثي:"..لا بد للأمة من مشروع يستند إلى القرآن، ولطالما أورد أحاديث الرضا"ع" المختصة بالقرآن، ومنها: (قال الريان ابن السلط للرضا (ع) : ما تقول في القرآن؟ فقال (ع) : كلام الله لاتتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا (مسند الإمام الرضا الجزء الأول كتاب التفسير ص307) وفي حديث آخر (هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى المؤدي إلى الجنة، والمنجي من النار، لا يخلق على الأزمنة، ولا يغث على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، والحجة على كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد (مسند الرضا الجزء الأول باب فضل القران ص309) فهو أي القرآن حي لا يموت، كما أنه حق لا يبطل، لأنه المظهر التام لله سبحانه، الذي هو حياة لاموت فيها، وحق لا يحوم حوله البطلان لأن الله تعالى لم ينزله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس فهو لكل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة.."

ذائب في محبة القرآن مستشهد في سبيله

يصف زميل لي من أهل جيرة الشهيد حاله مع القرآن: لقد استقبل، القنابل بصدره العاري كجده الحسين في كربلاء من أجل إحياء مفاهيم القرآن، هائما في محبته، بل ذائبا في معانيه، لا يقبل بغيره لفهم الدنيا والدين، فالكتاب الكريم منهجه العلمي، والعترة الطاهرة منهجه العملي الناطق، بل انه من كلمات أئمة الهدى عليهم السلام حول القران شد عضده، وأوصل رسالته لتلاميذه، ولم يفرق بينهما عملا بما تواتر من حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فهم بحسب تعبيره "رحمه الله" ورثة الكتاب العظيم، وأهل الذكر الذين يجب على الناس سؤالهم، وهم السابقون بالخيرات، وقد بين الرضا "ع" مصاديق ذلك في قوله: (نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون...) (مسند الإمام الرضا/ الجزء الأول/ كتاب التفسير ص350)، وكان المفكر الشهيد يقول لجلسائه وفق ما نشر من ملازمه النورانية ما معناه: "ان بناء المشروع القرآني لا يستقيم من دون الاعتماد على مرجعية إمامة أهل البيت"ع"، والوقوف على كنوز تراثهم المضيع، لأن العترة الطاهرة أبناء بيت الوحي، هم الأقدر على إنطاق القرآن، وسماع نجواه، وهم الترجمان له، يلزم على الناس الرجوع إليهم، كلزوم رجوعهم إلى القرآن، فهما بنص قول نبي الاسلام المعصوم "ص": "..لن يفترقا.."، ومضمون إشاراته تؤيده كلمات مولى الموحدين علي بن ابي طالب عليه السلام:«فَأَیْنَ تَذْهَبُونَ»؟ «وَ أَنَّى تُؤْفَکُونَ»! وَ الاْعْلاَمُ قَائِمَةٌ، وَ الآیَاتُ وَاضِحَةٌ، وَالْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ. فَأَیْنَ یُتَاهُ بِکُمْ! وَ کَیْفَ تَعْمَهُونَ، وَ بَیْنَکُمْ عِتْرَةُ نَبِیِّکُمْ! وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وَ أَعْلاَمُ الدِّینِ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ! فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ، وَ رِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِیمِ الْعِطَاشِ. 1.

التحسس من المنهج اليهودي في تدمير قيم الانبياء

بحسب تتبعي فإن مؤسس المسيرة القرآنية كان في غاية التحسس من دور اليهود منذ فجر الاسلام، ومحاولاتهم في تحريف رسالات السماء، ولم يكن يقبل المهادنة في ذلك، حتى أن صرخته المدوية: "اللعنة على اليهود، والموت لاسرائيل" كانت منسجمة مع هذه الحساسية العالية ضد عبث الأيادي الصهيونية الأولى في حرف مسيرة الاسلام عن القرآن الصامت والناطق، وكم من الموروث الروائي في مصادر المسلمين مما يخالف روح القران الكريم، بل ويتفق مع نصوص تلمود اليهود الغاصبين، إذ اعتمدت الأمة على منهج استقى الكثير من مروياته بواسطة المتأثرين ببني إسرائيل وأحبارهم، في جفاء مؤسف مع حفظة الاسلام وحماته وبيضته، (آل محمد) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولذلك حذر الرضا(ع) من هذه الروايات مشددا على أن الأولوية للقرآن، وكل ما خالف القرآن يكذبه سلام الله عليه 2، مع كل هذا، ومن نكد الزمان لا زال إعلام الدولة السعودية العميلة والمتحالفة مع اليهود، يبث الكذب لتفرقة المسلمين، وقبل يومين فقط، ظهر على قناة وصال المخابراتية التي يوجهها الأمير المتصهين بندر بن امه، شيوخ الفتنة الوهابية، يعتبرون ان الحرب في اليمن حرب طائفية ضد من يحرفون القرآن بزعمهم المخادع، مع أن أتباع الرضا صلوات الله عليه من مجاهدي الاسلام في اليمن يستشهدون في سبيل مسيرة القرآن، لأنهم عشاق آل الرسول "ص" المعظمين في مأثورهم النوراني للقرآن المجيد، بل يريدون من الناس جميعاً أن يكون القرآن النّور الّذي يشرق في عقولهم، والهدى الّذي يتمثَّل أمام عيونهم، والمنهج الذي ينتهجونه في كلِّ ما يريدون الوصول إليه، والطّريق المستقيم الّذي يقود إلى الجنَّة وينجي من النَّار.

القرآن فيصل المسلمين

التقيت بمشرف من مجاهدي انصار الله، فقال إن أول ما نعلمه لأشبال المجاهدين من ملازم الشهيد الحوثي رضوان الله عليه، أن علينا أن نعرض كلّ حديثٍ يأتينا من أيّ شخصٍ على كتاب الله، فما وافق كتاب الله نأخذ به، وما خالف كتاب الله ندعه، وفي هذا المقام يقول الإمام الرِّضا(ع) فيما ينقل بعض أصحابه وهو (الريان بن الصّلت)، قال قلت للرّضا: "ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله لا تتجاوزوه ـ وهنا يفسر العلامة المرحوم محمد حسين فضل الله عبارة الرضا: "..أي قفوا عنده وادرسوه وتدبَّروه، وخذوا منه مفاهيم الفكر في العقل، وخذوا منه خطوط الحركة في الواقع، وخذوا منه مناهج الحركة فيما تتحركون به في هذا العلم أو ذاك ـ لا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا"، فهو الهدى وهو النّور، وإذا انفتحتم عليه وعرفتم كلَّ معانيه، فإنَّكم ستعرفون الهدى مشرقاً منيراً مضيئاً، أما إذا تجاوزتموه إلى غيره، فقد ترون ظلمات بعضها فوق بعض 3

اللهم اشف صدورنا بانتصار مسيرة القرآن في اليمن، وبسرعة الفرج لهذا الشعب العزيز

  • 1. نهج البلاغة خطبة 87.
  • 2. مسند الرضا الجزء الأول كتاب التوحيد ص16ح7.
  • 3. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 89، ص 118. والشرح من مقالة السيد فضل الله المنشورة في موقع بينات بعنوان(الإمام الرضا(ع).. تراث يغني الإنسانيّة والعالم).