تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 20
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 745

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حقوق الإنسان في الإسلام.. ونزعة الأسبقية

من الملاحظات التي تلفت الانتباه في الكتابات الإسلامية التي تناولت فكرة حقوق الإنسان، التأكيد المتكرر والدائم لنزعة السبق والتفوق، النزعة التي تجلت بصورة واضحة في معظم هذه الكتابات، إلى درجة يمكن القول أنه لا يكاد يوجد كتاب لم يتطرق إلى هذه النزعة، ويلفت النظر إليها، وفي مقدمة الحديث عادة.
والذين أشاروا إلى هذه النزعة في كتاباتهم يعلمون أنها تتكرر في معظم الكتابات، مع ذلك يعاد الحديث عنها، وبنفس الطريقة التي يغلب عليها الطابع البياني والإنشائي، ليس هذا فحسب وإنما سيظل الحديث يتكرر عنها حتى في الكتابات اللاحقة، وما بعد اللاحقة كذلك، ما لم تتغير الروح العامة في هذه الكتابات، وتتجدد وتتطور بتغليب الجانب المعرفي على الجانب البياني، والجانب البرهاني على الجانب الجدلي، وبعد التخلي عن النزعة الدفاعية المفرطة، واستعادة العقل الاجتهادي المبدع والخلاق.
واللافت في الأمر أن هذه النزعة ظلت تلازم الكتابات الإسلامية المعاصرة منذ أن بدأ الحديث عن فكرة حقوق الإنسان، وبقيت تلازمها إلى اليوم، وبعد نهاية القرن العشرين، والولوج إلى القرن الحادي والعشرين، وكأنها من الثوابت في هذه الكتابات التي لا يجوز نسيانها، أو التغافل عنها، وعدم الاكتراث بها.
فقد أشار إليها الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (حقوق الإنسان في الإسلام) الصادر سنة 1957م، الذي يعد من الكتابات الإسلامية المبكرة في هذا الشأن، أشار إليها بقوله (والحق أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة، وأوسع نطاق، وأن الأمم الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام، والخلفاء الراشدين من بعده كانت أسبق الأمم في السير عليها)
إلى ثمانينيات القرن العشرين، حيث أشار إلى هذه النزعة الدكتور إبراهيم مدكور في كتابه (في الفكر الإسلامي) الصادر سنة 1984م، عند حديثه عن حقوق الإنسان، بقوله إن (حقوق الإنسان المهدورة اليوم، والتي ندعو إلى حمايتها واحترامها، قد أقرها الإسلام وقدسها منذ أربعة عشر قرناً، فسبق بها سبقاً بعيداً عما قال به القرن الثامن عشر الذي عد قرن حقوق الإنسان).
وفي تسعينيات القرن الماضي التفت إلى هذه الملاحظة الدكتور محمد سليم العوا في كتابه (الفقه الإسلامي في طريق التجديد)، عند قوله منذ بدأ الحديث في النصف الأول من هذا القرن ـ العشرين ـ عن حقوق الإنسان، والمفكرون الإسلاميون والدعاة والفقهاء مشتغلون ببيان سبق الإسلام في تقرير هذه الحقوق وإرساء دعائم احترامها.
ومع شدة العناية بهذه النزعة إلا أنني لم أجد في الكتابات الإسلامية من توقف عندها، ووضعها في دائرة النظر، وتعامل معها بوصفها ملاحظة تستدعي أحد أشكال البحث بالتوصيف أو التحليل أو التفسير أو النقد.
والذين التفتوا إلى هذه الملاحظة هم أولئك الذين يتبعون النهج النقدي في حقل الدراسات الإسلامية، فحين توقف الدكتور حسن حنفي أمام هذه الملاحظة في سياق حديثه عن الموقف الإسلامي المعاصر وحقوق الإنسان، وجد فيها أنها تكشف حسب قوله عن نوع من الكسل الفكري.
واعترض على هذه الملاحظة وبقسوته المعتادة الدكتور محمد أركون، الذي يرى أن (الخطاب الإسلامي المعاصر يلحق بذاته، وبشكل شكلاني تجريدي، القيم والمواقف الخاصة بالحداثة. إنه يدعيها أو يدعي امتلاكها عن طريق القول بأنها إسلامية الأصل أو أن الإسلام قد عرفها قبل الحداثة الأوروبية بزمن طويل! وللتدليل على ذلك فإنه يختار بشكل اعتباطي بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بعد انتزاعها من سياقها التاريخي والثقافي الخاص بعصر محدد، ثم يقول بأنها تحتوي على كل قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان.. الخ. وهكذا يقوم بعملية تبجيلية محضة ومغالطة تاريخية حقيقية. بالطبع فإني لا أستطيع إتباعه على الطريق نفسها لكي أبرهن بعد آخرين كثيرين على أن الإنجازات الحديثة الخاصة بالمكانة القانونية والسياسية والفلسفية للشخص البشري في أوروبا كانت قد نص عليها بكل وضوح في القرآن والحديث النبوي والشريعة، فهذا غير صحيح)
وغير صحيح كذلك هذا الادعاء الذي يتمسك به أركون، وهذا التبجيل المفرط للحداثة الأوروبية وكأنها أصل الفضائل، ولا فضيلة قبلها، ولا بعدها كذلك، وبالطبع فإننا لا نستطيع إتباعه أيضاً على الطريق نفسها حين يصور لنا أن كل الإنجازات جاءت لنا من الحداثة الأوروبية.
ونحن لا ننفي على الإطلاق أسبقية الإسلام وتفوقه في تقرير حقوق الإنسان، والاعتراف بهذه الحقوق والتأكيد عليها، لكن المفارقة تكمن في الاختلال الحاصل بين هذا السبق، وبين واقع حقوق الإنسان في المجال العربي والإسلامي، فهل جعل هذا السبق الدول العربية والإسلامية أحسن حالا في مجال حقوق الإنسان، وهل أسهم هذا السبق في تشكيل وعي ناضج عند عموم الناس حول حقوق الإنسان، أو في تأصيل هذه الحقوق وتعميمها وتطوير المعرفة بها، أو في حماية الناس من التعسف والانتهاك لهذه الحقوق، هذا هو مكن الحرج أمام نزعة السبق والتفوق1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 15811.