تقيمك هو: 3. مجموع الأصوات: 65
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 6239

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

دعوة لإنشاء هيئة للكتاب السعوديين

لقد جاء إنشاء هيئة الصحفيين السعوديين في شباط ـ فبراير الماضي، والذي كان تفعيلا للمادة 27 من نظام المؤسسات الصحفية الصادر في تموز ـ يوليو 2001م، وذلك في إطار استكمال بناء المؤسسات الأهلية والرسمية والمشتركة، ليس في هذا الحقل الصحفي و الإعلامي فحسب، وإنما من المفترض أن يشمل كافة الحقول والمجالات الحيوية والأساسية التي ترتكز عليها الدول وتتقوّم بها في مناشطها الداخلية والخارجية، وبما يستجيب ويتناغم مع منظومة التحديث والتطوير الشامل والمتعدد الأبعاد. فالمجالات التي تتسع دائرتها ومساحتها، وتفرض حضورها وفاعليتها، وتتأكد أهميتها وضرورتها، هي المجالات التي بحاجة إلى الالتفات إليها والعناية بها، والعمل على تنظيمها إدارياً وقانونياً، وتحويلها إلى مؤسسات لها كياناتها وشخصياتها الاعتبارية والقانونية. وهكذا المجالات التي مازالت تشكل مناطق الفراغ ولم يشملها الاهتمام الكافي، هي الأخرى بحاجة إلى التفات وضم وربط بمنظومة التحديث والتطوير. و في هذا النطاق تتأكد الحاجة لإنشاء هيئة للكتاب السعوديين، والتي أظن أنها تمثل رغبة وتطلعاً عاماً عند جميع الكتاب والمشتغلين في هذا الشأن، ولا شك أن خطوة من هذا القبيل سوف تبعث في نفوس الجميع فيضاً من الأمل والسرور. ومع افتراض وضوح الدواعي والضرورات لإنشاء مثل هذه الهيئة إلا إننا نشير إليها لتأكيدها وللتذكير بها. ومن هذه الضرورات، ضرورة أن يكون هناك إطار وطني عام يلتقي فيه الكتاب، ويتواصلون من خلاله، ويتبادلون الرأي والمعرفة والخبرة، ويعنى بشؤونهم، ورعاية حقوقهم، وحفظ مصالحهم، وتسوية قضاياهم ومشكلاتهم، ولتطوير وإنماء مجالات الثقافة والفكر والمعرفة والأدب، ولإعطاء الكتاب والباحثين والمؤلفين شخصيتهم الاعتبارية تقديراً واحتراماً لما يقدمون من إبداعات وإسهامات يرفدون بها عمليات البناء والتحديث والتطوير، وتأكيداً لقيمة الثقافة تلك القوة الخلاقة التي تستنهض الأمم والمجتمعات، وتلك الطاقة التي لها فيض من الإلهام الإنساني والأخلاقي الذي لا ينفذ أو ينقطع، فالثقافة هي التي تشكل الرؤية وتكون بمثابة الطريق المستقيم الواصل نحو المستقبل، وتبعث الروح التي تجعل من الممكن الاندفاع نحو بناء التقدم. فالثقافة كما يقول عنها عالم الإنثربولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس هي وراءنا وحولنا وأمامنا. الثقافة التي هي بهذه الطاقة والروح والإلهام إنما تقدر وتحترم بتقدير واحترام من يساهم بها وينتسب إليها، ويحملها ويدافع عنها، ويكون علماً لها. والكتّاب هم من المكونات اللامعة لصورة أية دولة، لو أحسنت هذه الدول التعامل معهم والاستفادة منهم، ورفعت من شأنهم، وفتحت لهم مجالات المشاركة والعطاء، وحرضتهم لأن يتحولوا إلى طاقة فاعلة وخلاقة، يبعثون في الأمة روح النهضة، وإرادة التقدم، والأمل بالمستقبل. ويدافعون عن وحدة الأمة وتضامنها وتكاملها، ويرسخون قيم التنوير والعقلانية وحب المعرفة وطلب العلم وإعمال الفكر. فمن الكتاب من يكون ضميراً لأمة ينبض بالخير والعطاء والإيثار، ومنهم من يكون عقلاً لأمة يسطع بالنور ويبدد الظلام، ومنهم من يكون بوصلة لأمة يخرجها من التيه إلى طريق الرشاد، ومنهم من يكون جسراً لأمة يعبر بها من زمن التراجع إلى زمن التقدم. وهذه القدرة عند الكتاب مصدرها اقتران قوة الإرادة مع قوة المعرفة. الإرادة التي تنبعث منها العزيمة والشجاعة والصبر والصمود، والمعرفة التي تنبعث منها الاستقامة والنظر البعيد، فقوة الإرادة هي قوة الروح وقوة المعرفة هي قوة العقل.
ومن هذه الضرورات أيضاً ما يتصل بعلاقة الكتاب السعوديين مع العالم العربي وتطوير وإنماء أشكال التواصل والتفاعل الثقافي والفكري والأدبي والنقدي بصورة جماعية ومبرمجة ومستدامة. فهناك إدراك يتنامى ويتسع في أذهان الكتاب والباحثين والمفكرين السعوديين بضرورة أن يسجلوا لأنفسهم حضوراً فاعلاً، ويعرفوا بنتاجهم وعطائهم، ويتداركوا فترة الغياب التي كانوا عليها من قبل، وينخرطوا في الحياة الثقافية العربية، لكي يبدد شكوك الآخرين في إستنقاص ما يمكن أن يقدمه هؤلاء الكتاب من إسهامات وإنجازات فكرية وثقافية ونقدية. و المفترض من وجود هيئة للكتاب السعوديين هو أن تساهم في تفعيل وتطوير مثل هذه المشاركات والتعريف بها، كما تساهم في تعميق مجالات التواصل والتفاعل والتضامن بين الكتاب السعوديين وزملائهم في العالم العربي. من جهة أخرى قد تعترض الكتاب السعوديين بعض القضايا والمشكلات الثقافية أو الإدارية أو القانونية في أشكال علاقاتهم بالخارج، الأمر الذي يقتضي وجود هيئة وطنية متخصصة في هذا الشأن يرجع إليها هؤلاء الكتاب في مثل هذه القضايا والمشكلات التي قد تحتاج إلى أن تكون هذه الهيئة طرفاً مساندا لهم، ومتضامناً معهم، وساعياً لحل خلافاتهم ومعالجة مشكلاتهم. وما يدركه الجميع هو أن العالم العربي قد سبقنا بأشواط في تكوين مثل هذه الهيئات التي تضم فيها الكتاب و المؤلفين، وفي الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقد على المستوى العربي وتجمع فيها الكتاب وأهل العلم وأصحاب القلم، فإن الكتاب السعوديين هم الطرف الغائب عن هذه الاجتماعات، وبالتالي لا صوت لهم ولا فاعلية أو تأثير. الغياب الذي هو مدار تساؤلات الكثيرين في الداخل والخارج، وفي نظر هؤلاء أن ضرورات المشاركة والحضور هي أقوى وأوثق من المحاذير والتحفظات على افتراض وجودها.و إذا كان هناك أساس بالفعل لمثل هذه المحاذير والتحفظات فإنها لم يعد لها تلك الفاعلية أو الأفضلية، وكأنها أصبحت من مخلفات الماضي ونظام التفكير القديم الذي بات يفتقد إلى القدرة على التحصن والممانعة في ظل ثورة المعلومات التي أتاحت إلى الجميع أسرع الطرق للوصول إلى سيل لا ينقطع من المعلومات، وفي ظل حركة العولمة التي جعلت العالم حاضراً في كل شيء ومنفتحاً على بعضه كما لو أنه في قرية صغيرة.
فهناك إذاً ضرورات وطنية تستجيب لتطلعات وطموحات الكتاب السعوديين، وهناك ضرورات تتصل بواقع الثقافة والحاجة إلى إنمائها وتجديدها في النطاق الوطني على وجه خاص، وهناك أيضاً ضرورات تتصل بالحاجة إلى الاندماج والتواصل مع العالم العربي. ونأمل أن تحض هذه الدعوة بالإصغاء والعناية والاستجابة الكريمة1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس 3 أبريل 2003 م، العدد 13368.