الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رأي الصحابة بعضهم في بعض

 

1 - شهادتهم على أنفسهم بتغيير سنة النبي

عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يخرج يوم الفطر و الأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقول مقابل الناس و الناس جلوس على صفوفهم فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بحثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف ، قال أبو سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان و هو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل أن يصلي فقلت له غيرتم و الله ، فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم .
فقلت ، ما أعلم و الله خير مما لا أعلم ، فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة 1.
و قد بحثت كثيرا عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و اكتشفت أن الأمويين و أغلبهم من صحابة النبي و على رأسهم معاوية بن أبي سفيان " كاتب الوحي " كما يسمونه كان يحمل الناس و يجبرهم على سب علي بن أبي طالب و لعنه من فوق منابر المساجد ، كما ذكر ذلك المؤرخون ، و قد أخرج مسلم في صحيحه في باب " فضائل علي بن أبي طالب " مثل ذلك ، و أمر - يعني معاوية - عماله في كل الأمصار بإتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر ، و لما استاء من ذلك بعض الصحابة و استنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم و حرقهم و قد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي و أصحابه و دفن بعضهم أحياء لأنهم امتنعوا عن لعن علي و استنكروه و قد أخرج أبو الأعلى المودودي في كتابه " الخلافة و الملك " نقلا عن الحسن البصري قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له :
( 1 ) أخذه الأمر من غير مشورة و فيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة .
( 2 ) استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير و يضرب الطنابير .
( 3 ) ادعاؤه زيادا و قد قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) الولد للفراش و للعاهر الحجر .
( 4 ) قتله حجرا و أصحاب حجر فياويلا له من حجر و ياويلا له من حجر و أصحاب حجر 2.
و كان بعض المؤمنين من الصحابة يفرون من المسجد بعد الفراغ من الصلاة حتى لا يحضروا الخطبة التي تختم بلعن علي و أهل بيته ، و من أجل ذلك غير بنو أمية سنة رسول الله و قدموا الخطبة على الصلاة حتى يحضرها الناس و يرغموا بذلك أنوفهم .
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين لا يتورعون عن تغيير سنة الرسول و حتى أحكام الله للوصول إلى أغراضهم الدنيئة و أحقادهم الدفينة و مطامعهم الخسيسة ، و يلعنون رجلا أذهب الله عنه الرجس و طهره تطهيرا و أوجب الصلاة عليه كالصلاة على رسوله ، و أوجب الله و رسوله مودته و حبه حتى قال النبي : " حب علي إيمان و بغضه نفاق " 3.
و لكن هؤلاء الصحابة بدلوا و غيروا و قالوا سمعنا و عصينا و بدلا من أن يصلوا عليه و يحبوه و يطيعوه ، شتموه و لعنوه طيلة ستين عاما كما جاء في كتب التاريخ .
فإذا كان أصحاب موسى قد تآمروا على هارون و كادوا يقتلونه ، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه و تتبعوا أولاده و شيعته تحت كل حجر و مدر و محوا أسماءهم من الديوان و منعوا أن يتسمى أحد باسمه ، و لم يكتفوا بكل ذلك بل لعنوه و حملوا الصحابة المخلصين على ذلك قهرا و ظلما .
و إني و الله لاقف حائرا مبهوتا عندما أقرأ صحاحنا و ما سجل فيها من حب الرسول لأخيه و ابن عمه علي و تقديمه على كل الصحابة حتى قال فيه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي 4.
و قال له : أنت مني و أنا منك 5 و قال : حب علي إيمان و بغضه نفاق 6، و قال أنا مدينة العلم و علي بابها 7 و قال : علي و لي كل مؤمن بعدي 8.
و قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه 9، و لو أردنا استقصاء الفضائل التي ذكرها النبي في علي و التي أخرجها علماؤنا معترفين بصحتها لاستوجب كتابا خاصا ، فكيف يا ترى يتجاهل الصحابة هذه النصوص و يسبون عليا و ينصبون له العداء و يلعنونه فوق المنابر و كيف يقاتلونه و يقتلونه .
و إني أحاول عبثا أن أجد مبررا لهؤلاء فلا أجد غير حب الدنيا و التنافس فيها أو النفاق أو الارتداء و الانقلاب على الأعقاب ، و أحاول أيضا إلصاق هذه المسؤولية بحثالة الصحابة و بعض المنافقين ، و لكن هؤلاء - للأسف الشديد - معدودون من أكابرهم و أفاضلهم و مشاهيرهم ، فأول من هدد بحرق بيته - بمن فيه - هو عمر بن الخطاب ، و أول من حاربه هو طلحة و الزبير و أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، و معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و أمثالهم كثيرون .
و إن عجبي لكبير و سوف لن ينتهي ، كما يؤيدني في ذلك كل مفكر حر ، عاقل ، كيف يجمع علماء أهل السنة و الجماعة على عدالة الصحابة كافة و يترضون عليهم بل و يصلّون عليهم أجمعين ، لا يستثنون منهم واحدا حتى قال بعضهم : " إلعن يزيد و لا تزيد " فأين يزيد من هذه المآسي التي لا يقرها دين و لا عقل ، و إنني أربأ بأهل السنة و الجماعة إن كانوا حقا يتبعون سنة الرسول ، أن يحكموا بعدالة من حكم القرآن و السنة بفسقه و ارتداده و كفره و قد قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) " من سب عليا فقد سبني و من سبني فقد سب الله ، و من سب الله أكبه على منخريه في النار " 10.
هذا جزاء من سب عليا فما بالك بمن لعنه و حاربه و قاتله فأين علماؤنا من كل هذه الحقائق ، أم على قلوب أقفالها .
و قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين و أعوذ بك رب أن يحضرون .

2 - الصحابة غيروا حتى في الصلاة

قال أنس بن مالك : ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبي ( صلى الله عليه و آله ) مثل الصلاة ، قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها .
و قال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق و هو يبكي فقلت ما يبكيك فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة و قد ضيعت 11.
و حتى لا يتوهم أحد أن التابعين هم الذين غيروا ما غيروا بعد تلك الفتن و الحروب ، أود أن أذكر بأن أول من غير سنة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين نفسه عثمان بن عفان و كذلك أم المؤمنين عائشة ، فقد أخرج الشيخان البخاري و مسلم في صحيحيهما : أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، صلى بمنى ركعتين ، و أبو بكر بعده ، و عمر بعد أبي بكر و عثمان صدرا من خلافته ، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا 12.
كما أخرج مسلم في صحيحه ، قال الزهري قلت لعروة ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر ؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان 13.
سبحان الله ! و هل هناك تأويل يمحق السنة النبوية غير هذا و أمثاله من التأويلات ؟ و هل يلوم أحد بعد هذا أبا حنيفة . أو أحد الأئمة أصحاب المذاهب الذين تأولوا ، فحللوا و حرموا وفق تأويلهم و اجتهادهم مقتدين في ذلك بسنة هؤلاء الصحابة .
و كان عمر بن الخطاب يجتهد و يتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه ، كقوله : " متعتان كانتا على عهد رسول الله و أنا أنهي عنهما و أعاقب عليهما " ، و يقول لمن أجنب و لم يجد ماء : " لا تصلّ " . رغم قول الله تعالى في سورة المائدة :﴿ ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ... 14.
أخرج البخاري في صحيحه في باب " إذا خاف الجنب على نفسه " قال : سمعت شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبد الله و أبي موسى فقال له أبو موسى أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبد الله لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي ( صلى الله عليه و آله ) كان يكفيك أن تضرب ضربتين و علمه التيمم ، قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول، فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه و يتيمم فقلت لشقيق : فإنما كره عبد الله لهذا ، قال : نعم 15.
ما شاء الله ! لقد نصب عبد الله هذا نفسه إماما على الأمة فأفتى بما يحلو له و بما شاء هو ، لا بما اقتضته أحكام الله التي أنزلها في القرآن ، و رغم استدلال أبي موسى الأشعري بآية التيمم يقول عبد الله : " إنا لو رخصنا لهم في هذا " فمن أنت يا هذا ؟ ؟ حتى تحلل و تحرم و ترخص و تمنع كما تريد ، و لعمري إنك اتبعت في ذلك سنة من قبلك و أصررت على العناد لتأييد رأيه الذي كان يفتي بترك الصلاة عند فقدان الماء و لم يقتنع باحتجاج عمار بن ياسر عليه بالسنة النبوية كما لم تقتنع أنت باحتجاج أبي موسى بالآية القرآنية ! ، أ فبعد هذا يدعي علماؤنا بأن الصحابة كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا، ﴿ أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ 16.

3 - الصحابة يشهدون على أنفسهم

روى أنس بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قال للأنصار : إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله و رسوله على الحوض . قال أنس فلم نصبر 17.
و عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي ( صلى الله عليه و آله ) و بايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده 18  .
و إذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين الذين بايعوا النبي ( صلى الله عليه و آله ) تحت الشجرة ، و رضي الله عنهم و علم ما في قلوبهم فأثابهم فتحا قريبا ، يشهد على نفسه و على أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي و هذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به ( صلى الله عليه و آله ) و تنبأ به من أن أصحابه سيحدثون بعده و يرتدون على أدبارهم فهل يمكن لعاقل بعد هذا أن يصدق بعدالة الصحابة كلهم أجمعين ( أكتعين أبصعين ) على ما يقول به أهل السنة و الجماعة ، و الذي يقول هذا القول فإنه يخالف العقل و النقل و لا يبقى للباحث أي مقاييس فكرية يعتمدها للوصول إلى الحقيقة 19.

4 - شهادة الشيخين على نفسيهما

 

 

  • 1. صحيح البخاري ج 1 ص 122 من كتاب العيدين . باب الخروج إلى المصلى بغير منبر .
  • 2. أبو الأعلى المودودي كتاب الخلافة و الملك ص 106 .
  • 3. صحيح مسلم ج 1 ص 61 .
  • 4. صحيح البخاري ج 2 ص 305 ، مسلم ج 2 ص 360 ، مستدرك الحاكم ج 3 ص 109 .
  • 5. صحيح البخاري ج 2 ص 76 ، صحيح الترمذي ج 5 ص 300 ، سنن إبن ماجه ج 1 ص 44 .
  • 6. صحيح مسلم ج 1 ص 61 ، سنن النسائي ج 6 ص 117 صحيح الترمذي ج 8 ص 306 .
  • 7. صحيح الترمذي ج 5 ص 201 مستدرك الحاكم ج 3 ص 126 .
  • 8. مسند الإمام أحمد ج 5 ص 25 مستدرك الحاكم ج 3 ص 134 ، صحيح الترمذي ج 5 ص 296 .
  • 9. صحيح مسلم ج 2 ص 362 مستدرك الحاكم ج 3 ص 109 مسند أحمد ج 4 ص 281 .
  • 10. مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 خصائص النسائي ص 24 . مسند الإمام أحمد ج 6 ص 33 المناقب للخوارزمي ص 81 . الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 219 . تاريخ السيوطي ص 73 .
  • 11. صحيح البخاري ج 1 ص 74 .
  • 12. صحيح البخاري ج 2 ص 154 ، صحيح مسلم ج 1 ص 260 .
  • 13. صحيح مسلم ج 2 ص 143 كتاب صلاة المسافرين .
  • 14. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 43، الصفحة: 85.
  • 15. صحيح البخاري ج 1 ص 54 .
  • 16. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآيات: 59 - 61، الصفحة: 528.
  • 17. صحيح البخاري ج 2 ص 135 .
  • 18. صحيح البخاري ج 3 ص 32 باب غزوة الحديبية .
  • 19. المصدر:كتاب ثم إهتديت، للشيخ محمد التيجاني.