الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سرّ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء

1 ـ امرأة استثنائية

بالقطع واليقين فإن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ليست امرأة عادية ، بل هي استثنائية في جوهر تكوينها كما هي استثنائية في موقفها ، وجهادها ، وعبادتها ، وإيمانها ، وطاعتها أيضاً .
فقد جرت سنة الله تعالى على أن يخلق من الرجال من هم استثنائيون كالأنبياء ، حيث يخلقهم بشكل مختلف كما فعل بالنسبة إلى آدم ، وعيسى بن مريم ، أو يتدخل في شؤونهم ، ويحافظ على وجودهم مثل موسى بن عمران .
وكما في الرجال كذلك في النساء ، فقد اختار الله مريم لتكون سيدة نساء زمانها ، فكان رب العباد يطعمها كما يقول القرآن الكريم : ﴿ ... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ... 1 .
وإذا كان الله تعالى ( يتقبّل ) مريم وينبتها نباتاً حسناً وهي سيدة نساء زمانها ، فكيف بمن أرادها الله تعالى لتكون سيدة نساء العالمين ؟
لقد خلق الله فاطمة لتؤدي دوراً إلهياً . . . وتكون سيدة النساء ، ونموذجاً للمؤمنين والمؤمنات في الحياة الدنيا . . .
ولولا أن فاطمة ( امرأة استثنائية ) لما جعل الله رضاه معلقاً على رضا فاطمة ، وغضبه كذلك معلقاً على غضب فاطمة .
يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( رضا الله من رضا فاطمة وغضبه من غضبها ) .
ويقول : ( من أرضاها فقد أرضى الله ، ومن أغضبها فقد أغضب الله ) .
ولو أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : ( رضا فاطمة من رضا الله ، وغضبها من غضبه ) لكان أمراً مهماً ، حيث كان يعني التزام فاطمة برضا الله . . .
ولكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال العكس ، فعلق رضا الله على رضا فاطمة ، وغضب الله على غضبها . فقال : رضا الله من رضا فاطمة وغضبه من غضبها . . . وكأن الله تعالى ( فوّض ) إلى فاطمة رضاه كما فوض إلى رسول الله دينه . . .
وذلك أمر استثنائي . . . لإمرأة استثنائية .

2 ـ أم النبوة

من الأحاديث النبوية التي أجمع المسلمون على صحتها قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حق فاطمة : ( فاطمة أم أبيها ) .
ترى كيف تكون ( البنت ) أمّاً لوالدها ؟ وماذا تعني هذه الكلمة ؟ في تاريخ الإسلام هنالك ( أمومة ) اعتبارية كان لها أهميتها في حياة المسلمين وهي أمومة نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) للمؤمنين ، ﴿ ... وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ... 2 .
وفي تلك الأمومة امتياز لرسول الله وكرامة لنسائه .
إلاّ أن ( أمومة ) فاطمة لأبيها ليست امتيازاً وكرامة لفاطمة فحسب بل فيها ضمانة لاستقامة الأمة . وميزاناً لمعرفة الحق من الباطل والخير من الشر .
كما أن ( أمومة ) فاطمة كانت ميزاناً لأمومة نساء النبي للمؤمنين . . .
فإذا كنا نرى أن إحدى زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) تخرج على الإمام علي ( عليه السلام ) وهي التي أمرها الله تعالى بأن لا تفعل قائلاً : ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ... 3 ولكن مع ذلك وجدت من يقف معها . ويموت من أجلها لأنها واحدة من أمهات المؤمنين مع أن هذه الأمومة كانت ( عامة ) بينما أمومة فاطمة خاصة بها دون غيرها .
لقد كان رسول الله يريد بإعلان هذه الأمومة الاعتبارية أن يصون ( النبوة ) في ( الولاية ) ويكشف الحق عن الباطل ، ويجد الصراط المستقيم عن المتاهة ، والخير عن الشرّ .
إن أمومة فاطمة التي تمثلت في موقفها الحازم بعد وفاة رسول الله دفاعاً عن الولاية هي بحق موقف رسول الله لو كان حياً ، ومخالفتها كانت مخالفة لرسول الله .
وإذا كان البعض قد استغلّ أمومة نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) للمؤمنين ، فإن أمومة فاطمة تكشف عن بطلانها .
فأين أم النبي من أمّ المؤمنين ؟
وأين فاطمة من بقية النساء ؟

3 ـ فداءاً لفاطمة

لا يُفدى الغالي إلا للأغلى . . .
فحتى في المجاملات فإنك لا تقول لولدك : ( فداك أبي ) ولكنك تقول لأبيك : ( فداك أولادي ) .
إن المؤمنين يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( بأبي أنت وأمي ) لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
ولكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول عن فاطمة : ( فداها . . . أبوها ) .
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فإن لهذه الكلمة تكون ضلالاً بحجم الكون ، وثقلاً بحجم الرسالة .
وهكذا . . .
فإن في فاطمة سرّاً عظيماً . لن يكشف لأحد . . .
ألا نقرأ في الدعاء المأثور : ( اللهم بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها صلي على محمد وآل محمد بعدد ما أحصاه علمك ) 4 .