الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

صفة الاحتكار أو حكمه التكليفي

بصرف النظر عن شروط الاحتكار وقيوده المأخوذة فيه شرعاً وقانوناً، لابدّ أوّلاً من البحث في حكمه إجمالاً، ثم النظر في المرحلة التالية في مساحة هذا الحكم ودائرته.

وعلى أية حال، فإنّ الفقه الإسلامي متفقٌ على مبدأ مرجوحية الاحتكار ولا خلاف في ذلك 1.

بل اعتبره بعضهم من امتدادات نظرية الملكية في الإسلام، حيث تفيد أنّ الملكلية يراد لها في الفقه الإسلامي أن تساوق الانتفاع والاحتكار عبارة عن ملكية بلا انتفاع 2.

إلا أنّهم اختلفوا في أنّ مرجوحيّته على نحو الحرمة أو الكراهة التحريمية «بحسب اصطلاح الفقه الحنفي» والكراهة غير التحريمية، فليس في المسألة ـ بصرف النظر عن القيود والتفاصيل الآتية ـ إلا قولان هما: الحظر والكراهة. وسوف نستعرضهما للنظر في مستنداتهما للتوصّل إلى نتيجة بهذا الخصوص إن شاء الله تعالى.

1 ـ نظرية تحريم الاحتكار

ذهب إلى هذا القول جمعٌ غفير من الفقهاء المسلمين من الفريقين مصرّحين به. ولسنا بحاجة إلى استعراض كلماتهم بعد شهرة هذا القول شهرة عظيمة، وحتى الأحناف الذين عبّروا بالكراهة دون تقييد إضافي يفهم منهم الكراهة التحريمية وفقاً لأصولهم الفقهية، وقد ذكر الشيخ آل عصفور البحراني أنّ القول بالكراهة هو الأشهر دون الحرمة 3.

وما يمكن الاستدلال به للقول بحرمة الاحتكار ما يلي:

1ـ النصّ القرآني ومواجهة ثقافة الحكرة

الدليل الأوّل: الاستناد إلى مجموعة من النصوص القرآنية التي تؤسّس لنهج خاصّ في التعامل مع حركة المال وجمعه وحبسه، وهذه الآيات القرآنية هي:

1 ـقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ... 4.

فإنّ أكل المال عن طريق الاحتكار لا يصنّفه العقلاء إلا أكلاً للمال بالباطل، فيكون مشمولاً للآية الكريمة.

2 ـقوله تعالى : ﴿ ... كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ... 5. ومن الواضح أنّ الاحتكار يجعل المال خاصّاً في تداوله بين الأغنياء دون الفقراء، نظراً لما يستدعيه من ارتفاع الأسعار بما يعجز معه الفقير عن الشراء.

3 ـقوله سبحانه : ﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ * وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ 6، حيث هي ناهيةٌ عن جمع المال وكنزه وعدم إخراجه.

4 ـقوله عز من قائل: ﴿ ... وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ 7، وحاله حال الآية السابقة.

5 ـقوله تبارك اسمه: ﴿ ... وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ... 8.

6 ـقوله تعالى: ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾ 9.

7 ـوقوله تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ 10.

8 ـوقوله تعالى: ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا 11.

9 ـقوله تعالى: ﴿ ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 12.

فإنّ هذه الآيات القرآنية بمجموعها تدلّ دلالةً واضحة على تحريم كلّ ثقافة حكر وشحّ وجمع للمال دون نظر إلى الفقراء والمحتاجين، ومن الواضح أنّ الاحتكار من أجلى مظاهر ما تحدّثت عنه هذه الآيات ونهت وذمّت 13.

وهذه الآيات جيّدة جداً في الدلالة على ثقافة تناقض ثقافة الاحتكار، ولا أقلّ من كونها تحرّمه في بعض مصاديقه لا كلّها مما تحدّث عنه الفقهاء، إلا أنّ الكلام في أنّ هذه الآيات تريد أن تؤسّس مبدأ الإنفاق والصدقة والتداول في مقابل مبدأ منع الحقوق والبخل وحبّ المال، وليس الاحتكار أو المحتكر كذلك بالضرورة، فقد يكون ملتزماً بجوانب الشريعة الأخرى من الزكاة والخمس والصدقات لكنه في بعض تجاراته وبهدف تحقيق المزيد من الربح يقوم بتأخير عرض السلع والبضائع إلى مدّة زمنية محدّدة وليس إلى الأبد، وطلب الربح لا يساوق مفاهيم حبّ المال أو منع الخير أو ما شابه ذلك، فهذا تماماً كالغني غير المحتاج الذي يواصل بحثه عن المزيد من تحقيق الأرباح، فلا يتصوّر أنّ مثل هذه الآيات الكريمة تشمله.

من هنا، فلعلّ أفضل آيتين هنا هما: الأولى والثانية، فإنّ الأولى إذا بنينا في تفسيرها على أنّ المراد منها كلّ سبب باطل، وفهمنا السبب فيها بالمعنى الواسع الذي لا يقف عند حدود نفس العقد الناقل، فلا يبعد أن يكون كذلك بنظر العقلاء، إذا لم نقل بأنّ الشراء بعد الاحتكار يكون عن تراضٍ حينئذٍ، ولو كان المشتري راضياً بوصفه مضطراً، فإنّ الإضطرار لا ينفي عنوان الرضا كما هو واضح، على خلاف الإكراه الرافع للرضا والاختيار.

فإذا نظرنا للظاهرة ككل، فقد يصف العقلاء ما يأكله المحتكر بأنه جاءه عن طريق باطل، وأما إذا فكّكنا الظاهرة فلن يكون الاستدلال بالآية جيداً.

وأما الآية الثانية، فرغم وجودها إلا أنّ الاستدلال بها أيضاً مشكل، لا أقلّ من كونها خاصّة بالفيء، فإنّ موردها الأموال العامة أو أموال بيت المال حيث نهت عن تخصيص تداولها ـ على الطريقة الجاهلية ـ بخصوص الأغنياء وأصحاب المكانة، ومن ثم فلا يمكن تعميمها لمطلق المال ضمن أيّ حركة سوقية تفرض شكلاً محدّداً من أشكال التمركز الذي يجامع الإنفاق الواجب والمندوب من الصدقات والوقوف والزكاة والخمس وغير ذلك.

من هنا، يمكن اعتبار هذه النصوص القرآنية مؤشرات عامة للحكم في الاحتكار، وليست أدلّة حاسمة، ولعلّه لذلك لم نجد ذكراً لها وأمثالها في كلام الفقهاء المسلمين.

2ـ مرجعية حرمة الضرر في حظر الاحتكار

الدليل الثاني: الاستناد إلى الحكم بحرمة الإضرار بالمسلمين؛ فإنّ الاحتكار يحتوي على مضرّة عظيمة للفقراء والمحتاجين، وقد كتبت الدراسات الاقتصادية الكثير حول مضارّ الاحتكار على المجتمع من نوع دوره في التضخّم وارتفاع الأسعار، ودوره في قلّة الإنتاج وانخفاض جودته وزوال المنافسة وكساد السلع، وتحدّث بعضٌ عن دوره في البطالة، وكذلك اتساع الهوّة الطبقية بين الفقراء والأغنياء، بل لا يبتعد الاحتكار بأشكاله الكبرى والدولية عن التأثير في اندلاع الحروب والفتن 14.

وهذا الدليل جيّد، وهو يثبت حرمة الاحتكار في الجملة؛ إذ لا شكّ في أنّ بعض مصاديقه وموارده 15مما يصدق عليه عنوان الإضرار بالمسلمين وكذلك بالدولة الإسلامية فيكون حراماً، إلا أنّ الكلام في مساحة هذا التحريم، وسيأتي لاحقاً بعون الله تعالى، حيث إنّ التأثيرات النوعيّة الكبرى تحتاج إلى رصد من الخبراء في مديات تأثير المحتكرين الصغار مثلاً ـ بصورة مجتمعة أو متكاثرة أو متفرّقة قليلة ـ على الحال الاقتصادي، كما وينبغي التمييز بين التأثير السلبي للاحتكار على الاقتصاد عموماً وبين حيلولته دون ارتفاع مستويات التنمية والتقدّم الاقتصادي، وهي عناصر بأجمعها لا يمكن البتّ في تحريم مختلف أنواع الاحتكار قبل التأكّد مناطقياً أو على مستوى البلد بأكمله من تحقّقها وتأثيراتها السلبية، الأمر الذي يعطي التشخيص البشري دوره هنا في تحديد صدق عنوان الإضرار بمن لا يجوز الإضرار به. ولعلّ غير واحد من الفقهاء الذين قالوا بالكراهة هنا لا يقصدون بلوغ الاحتكار هذا الحدّ. كما لعلّ قول الشيخ جعفر كاشف الغطاء بثبوت الحرمة العقلية للاحتكار إلى جانب الحرمة الشرعية 16 مردّه إلى هذا الأمر من أذية الآخرين والإضرار بهم.

3ـ نصوص السنّة في مسألة الاحتكار

الدليل الثالث: السنّة الشريفة، حيث دلّت مجموعة من الأحاديث على تحريم الاحتكار في الجملة، ومن هذه النصوص الحديثية ما يلي:

1ـ خبر ابن القدّاح،عن أبي عبد الله وبسند آخر عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله : «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون» 17.

فهذا الحديث الوارد عند الفريقين ظاهرٌ في لعن المحتكر، واللعن لابدّ وأن يفهم في سياق التحريم والمبغوضية الشديدة، فيكون دالاً على الحرمة.

لكن يناقش:بأنّ هذا الحديث ضعيف السند، فقد ورد من طرق الإمامية بسند فيه سهل بن زياد، ولم نعتقد بوثاقته كما بحثناه في محلّه، وورد من طرق أهل السنّة بسند فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف 18. هذا مع غضّ الطرف عن مناقشة بعض الفقهاء في دلالة اللعن على التحريم 19.

2ـ النبوي المعروف، والذي جاء فيه: «لا يحتكر الطعام إلا خاطئ 20، بصيغته الواردة في المصادر الشيعية، أما في المصادر السنية فقد ورد تارةً بصيغة: «لا يحتكر إلا خاطئ» 21، وأخرى بصيغة: «من احتكر الطعام فهو خاطئ» 22، وثالثة بصيغة: «من احتكر يريد أن يتغالى بها على المسلمين فهو خاطئ» 23.

والذي يفهم من كلمة «خاطئ» هنا هو الإثم، كما صرّح به بعضهم 24، فتكون الرواية دالّةً على الحرمة.

لكن تلحق هذا الحديث مناقشات:

أولاً: إنه ضعيف السند بالسكوني، حيث توصّلنا في الأبحاث الرجالية إلى عدم ثبوت وثاقته.

إلا أنّ هذا الإشكال، وإن ورد على الحديث بطرق الإمامية، كما ترد إشكالات أخَر على الحديث ببعض طرق أهل السنّة، إلا أنّ الحديث في صحيح مسلم تام السند ومعتبر.

ثانياً: إنّ كلمة «الخاطئ» تحتمل معنى آخر 25، وهو الكراهة؛ لأنه لو كان الاحتكار حراماً فإنّ هذه الرواية ستكون من بيان البديهيات على خلاف فرض الحكم بالكراهة فإنها سوف تقدّم معطى جديداً وهو شدّة الكراهة 26، ومعه تدلّ على مطلق المرجوحية 27.

وناقش العلامة شمس الدين هذا الكلام، تارةً بأنّ الرواية تبيّن حكم الاحتكار ببيان حال المحتكر، فنحن نعرف الحكم بها مع فرض عدم وجود نصّ غيرها، لا أننا عرفنا الحكم قبلها. وأخرى بأنّ الحمل على شدّة الكراهة يكفي فيه مثل جملة «المحتكر خاطئ» أما استخدام أسلوب الحصر في الحديث فهو متناسب مع إفادة الحرمة لا الكراهة 28.

لكنّ هذين الجوابين غير واضحين؛ فإنّ التشديد بهذا المستوى يتناسب ـ مبدئيّاً ـ أيضاً مع الكراهة الشديدة كما نلمس ذلك من أسلوب الأحاديث التي قد تشدّد البيان على مبغوضية شيء بما لا يصل إلى حدّ التحريم، وأما ما ذكره أولاً فهو جيّد لكنه ناقص، ولعلّه أراد ما هو الجواب الصحيح هنا والذي ذكرناه مراراً من أنّ قياس وضوح بعض التشريعات في عصرنا على حالها في العصر الأول أو العكس غير صحيح، فهذا الحديث نبويٌّ، وأيّ مانعٍ من أن يكون قد صدر في بدايات تحريم الشريعة الإسلامية للاحتكار، فكيف تُفرض البداهة في ذلك العصر؟ ومن أين أتت هذه البداهة لولا مثل هذه النصوص؟

فالصحيح التركيز على توصيف «خاطئ»، وهو توصيف نفهم منه التحريم؛ لأنّ الخطأ كما يطلق على حالة الاشتباه غير العمدي، كذا يطلق على حالة العصيان، ولذلك استخدمت الخطيئة والخطايا في القرآن الكريم في معنى الذنب، كما أشار إليه العلامة شمس الدين نفسه، كقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ 29، وقوله سبحانه: ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ 30. بل لو تخطّينا هذا الأمر فلا معنى لتفسير كلمة الخاطئ بمعنى الاشتباه؛ إذلا معنى للاشتباه في فعل المحتكر، فهو لم يقصد شيئاً ثم أخطأة حتى يقال بأنه خاطئ إلا بتكلّف، والتعبير عن فعل المكروهات بمثل ذلك غير مألوف إن لم نقل بأنّه غير صحيح. فهذا الحديث تامّ السند والدلالة على المطلوب.

3 ـ ما جاء في عهد الإمام علي لمالك الأشتر:«واعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحّاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكّماً في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامة وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فإنّ رسول الله منع منه.. فمن قارف حكرةً بعد نهيك إياه فنكّل به وعاقبه في غير إسراف» 31.

فهذا الحديث صريحٌ وواضح في منع الاحتكار، وأنّ رسول الله منع منه، وفيه إشارة جلية إلى مبرّر المنع والتحريم، وهو فتح باب مضرّة على عامة الناس، فينسجم مع ما استدلّينا به من تحريمه بملاك الإضرار بالغير.

لكن قد يناقش في هذا الحديث:

أولاً:إنّ السياق الحافّ بهذا الحديث يعطي طابعاً ولائياً حكومياً، فتعبير: «بعد نهيك إياه» ظاهرٌ في ذلك، وأنه قبل النهي لم يكن يلحقه شيء، بل سياق العهد كلّه إلا ما خرج بالدليل يقتضي ـ بمناسبة صدوره من الخليفة إلى أحد الولاة ـ أن يقتصر فيه على العنصر الولائي حتى يثبت التعميم التشريعي بدليل. ولعلّه لذلك فهم السيد محمد باقر الصدر من الحكم بلزوم التسعير الوارد في المقطع نفسه بأنه ولائي من باب منطقة الفراغ 32.

وقد أجاب الإمام الخميني وآخرون عن هذه الملاحظة بجواب عام، وهو أنّ الأحكام الولائية والسلطانية لرسول الله نافذةٌ أيضاً إلى الأبد، ومجرّد سلطانيّتها لا يلغي نفوذها على الأمّة كلّها حتى بعد عصره 33، وقد أوضح الشيخ المنتظري الفكرة بعد توسعتها لأهل البيت^ بأنّ ذلك راجعٌ إلى عموم ولايتهم، حيث لا تنحصر بأهل زمانهم، من هنا استشهد الإمام علي في العهد نفسه بفعل الرسول؛ لأنّ ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ... 5 تعمّ عصره وغيره، وتعم الحكم الولائي الذي أوتينا من قبله وغيره 34.

إلا أنّ هذا الكلام قابل للمناقشة، وذلك:

أ ـإنّ الاستدلال بالآية الكريمة وأمثالها مما استدلّ به على حجية السنّة لا ينفع هنا؛ لأنّ الذي يناقش في حجية الحكم الولائي بعد عصر النبي لا يرفض الأخذ بما جاء به النبي، وإنما يعتقد بأنّ ما أتى به النبي هو في نفسه غير شامل لما بعد عصره أو لعصرنا، فهذا تقيّد في الصادر منه لا ردّ له بعد إطلاقه، فهذا تماماً مثل عدم تطبيق الرجل الأحكام الخاصّة بالمرأة عليه، فهذا ليس ردّاً لما جاء به الرسول وإنما هو تقيّد في نفس الصادر لا يشمل معه الرجل نفسه.

هذا إضافةً إلى أنّنا بحثنا في محلّه بالتفصيل، وقلنا بأنّ هذه الآية الكريمة لا تدلّ على حجية السنّة 35.

ب ـإنّ الاستدلال باستناد الإمام علي إلى الفعل النبوي بالمنع في عهد الأشتر ليس دليلاً على مرجعية الحكم الولائي في العصور اللاحقة إلا بعد فرض كون المنع النبوي من الاحتكار كان منعاً سلطانياً وليس منعاً إلهياً، وبالإمكان القول بأنّ استشهاد الإمام علي بالمنع النبوي هو بنفسه دليلٌ على إلهية الحكم الصادر من علي لا سلطانيّته، وأنّ هذه القرينة تصلح للخروج من سياق الأحكام السلطانية في عهد الأشتر، فلا موجب للتعديل في نوع الحكم الصادر، بل يكون استناد الإمام علي بنفسه دليلاً على إلهيّة المنع النبوي ومن ثمّ العلوي، وأيّ مرجّح لهذا على ذاك؟

نعم، إذا كان المراد مجرّد الجدل مع القائل بولائية الحكم الوارد في نصّ العهد فلا بأس.

ج ـإنّ الحديث عن عموم ولاية النبي وأهل بيته^ لا بأس به ثبوتاً في حدّ نفسه، إلا أنه وفق الأصول الشيعية لا يبدو واضحاً، بمعنى أنّ وفاة الإمام السابق وفعلية إمامة الإمام اللاحق يستدعيان حينئذٍ ـ أي بناءً على امتداد الولاية السلطانية لما بعد وفاة الإمام السابق ـ سلطانية وولائية أحكام الإمام المتوفى والحيّ معاً، مع أنّ المفروض أنّ الولاية تكون للحيّ بشكل مقدّم على ولاية الميّت بمقتضى قانون الولاية فقهياً، وهنا إذا أمضى الإمام اللاحق ـ ولو من خلال سكوته ـ ما صدر عن السابق كان نافذاً، لكنّه يكون ولائيّاً بالنسبة إلى اللاحق، وتكون مرجعيّته الاعتبارية هي الإمام اللاحق نفسه، وأما إذا خالف الإمام اللاحق هذا الحكم فيؤخذ بما صدر منه؛ لفرض تقدّم ولايته أو لا أقلّ كشف ذلك عن عدم نفوذ الحكم الولائي للإمام السابق في المرحلة اللاحقة. ولا يعقل تصوّر عدم ولاية الإمام اللاحق في عصره؛ إذ ذلك خُلف المقدار المتيقّن من عموم ولايته، فلا يخلو أمره بين موافق على هذا الحكم ومعارض فتكون المرجعية له هو نفسه لا لعمومية الحكم الولائي. هذا كلّه على مستوى مرحلة الثبوت.

وأما على تقدير الشك إثباتاً في إمضائه له، فقد يقال بأنّ مقتضى الاستصحاب عدم الإمضاء، لكنّه يعارض باستصحاب عدم المعارضة بل باستصحاب الإمضاء في فترة حياة الإمام السابق؛ ولا يقال معه بأنّ نفوذ الحكم الولائي في السابق مرتبط بإمضاء الإمام اللاحق نظراً لفعلية ولايته في زمان حياته، لا بعدم معارضته إلا من باب أنّ عدم المعارضة كاشف عقلائي عن الإمضاء.

ولتأكيد ما نقول علينا أن نتصوّر أنّ الإمام علياً مثلاً أصدر حكماً ولائياً فهل ننتظر سائر الأئمة ليحكموا فيه أم يأخذ أبناء عصره بما صدر عنه من أحكام سلطانية؟ هذا يعني أنّ كلّ إمام له المرجعية الفعلية زمان حياته في دائرة الأحكام السلطانية، وهذا لا يمنع من صدور حكم سلطاني نبوي يخصّ الأمّة الإسلامية إلى يوم الدين، إلا أنّ سلطانيته تقع ـ على أبعد تقدير ـ في عرض ولاية الأئمة في زمان فعليّة ولايتهم لا في طولها أو سابقة عليها بعد فرض عصمتهم جميعاً وولايتهم جميعاً.

د ـإن المطلوب هنا هو التأمل في هوية الحكم السلطاني الولائي، فما هو المقصود منه؟

من الواضح أنّ الحكم الولائي غير الولاية التشريعية المعبّر عنها بالتفويض التشريعي والذي نفيناه في محلّه عن أهل البيت وأثبتناه لخصوص النبيّ مع قيد 36؛ لأنّ الولاية التشريعية بمعنى التفويض بناء على ثبوتها عبارة أخرى عن جعل شرعي إلهي غايته يكون من خلال كمال الشخصية النبوية التي تدرك المصالح والمفاسد العامّة. وهذا معناه أنّ الحكم الولائي الذي لا ينبع هو الآخر إلا من المصالح والمفاسد لا من قضايا ذاتية، بحكم كون إعمال الولاية لابد وأن يكون على أساس ذلك، هذا الحكم لا يمكن صدوره أبدياً؛ إذ لو كان في هذا الحكم مصلحةٌ ملزمة فإنّ المفترض أنه حكم إلهي يتعلّق بالبشر إلى يوم الدين على أساس أنه ما من واقعة إلا ولها حكم، وإذا لم يكن عن مصلحة فهذا يعني أنّ هذا الحكم مزاجيٌّ شخصي، وهو غير صحيح في الأحكام الولائية الصادرة عن المعصومين، نعم صورياً يمكن تعقّل الحكم الولائي الأبدي بأن نفرض الأمّة كلّها على امتدادها الزماني والمكاني تحت الولاية، والحاكم يلاحظها بأجمعها ويشخّص لها مصلحةً ويصدر حكماً على أساس الولاية، إلا أنّ ذلك كما قلنا يرجع بالتحليل إلى حكم شرعي. ويصبح تفويضاً تشريعياً.

نعم، يمكن تعقل حكم ولائي ـ بصرف النظر عما تقدّم في النقطة السابقة ـ لمدّة زمنية طويلة ولو بعد وفاة المعصوم، وهذا يصحّح تصوّر شمول الحكم لنا مثلاً لكنه لما كان الحكم زمنياً مقيّداً بزمان خاص فهذا يعني أنه تاريخي، وحيث إننا نشك في أنه شامل لنا أو غير شامل لنا، فلا يصحّ إثبات الشمول، لما قلناه في مباحث تاريخية السنّة 37من أنه لا توجد مرجعية هنا تصحّح الشمول لا من الإطلاق الأزماني ولا من الاستصحاب، وتكون النتيجة عدم إمكان إثبات الحكم لنا مع الشك الحقيقي في الشمول.

ومع قبولنا بإمكان الحكم الولائي لما بعد عصر المعصوم، إلا أننا نميل إلى أنّ الأحكام الولائية أحكام تنطلق من مصالح زمنية ويتحرّك فيها الحاكم من خلال متغيّرات الوضع في زمانه، دون أن يلاحظ الأزمنة اللاحقة البعيدة، فإنّ هذه هي الأحكام السلطانية التي تتسم بطابع زمني، ولو أراد النبي أن يصدر حكماً ولائياً لما بعد عصره فإنّ طبيعة الأشياء تستدعي البيان خصوصاً مع تقيّد هذا الحكم بعمر زمني كقرن أو قرنين، وهذا بخلاف حكمه الولائي المقارن لحياته فإنّ قرينيّة التحديد الزماني موجودة من خلال الربط العقلائي في أحكام الحاكم بفعلية حكومته، ولهذا لا يتوهم الحاكم اليوم شمول حكمه لما بعد فترة ولايته إلا بإمضاء اللاحقين أو بوجود قانون مسبق يفرض ذلك.

وبهذا كلّه، يظهر أنّ من الأفضل الاستعاضة عن جواب الإمام الخميني والشيخ المنتظري بالقول بأنّ الولائية هنا غير محتملة؛ وذلك أنه حتى لو غضضنا الطرف عن استشهاد الإمام علي بالمنع النبوي ممّا يعزّز إلهية الحكم .. وإلا لأسند الحكم إلى نفسه بصفته الخليفة والولي، فإنّ بيان الإمام علي للعلّة في الحكم يكشف عن إلهيّته وثباته من حيث كون حكم العلّة معلوماً شرعاً، وهو الإضرار بالناس، فيكون الحكم المستنتج هو حرمة الاحتكار المضرّ بالناس شرعاً، والإمام ببيانه للعلّة يكون قد أصدر حكماً ـ ولو زمنياً ـ معلّلاً بعلّة إلهية، فيمكن تعميم الحكم بلحاظ العلّة حتى لو نعمّمه بلحاظ ذاته.

يضاف إلى ذلك أنّ تعبير «بعد نهيك إيّاه» لا يفيد ولائية الحكم؛ لأنّ هذه الجملة كما تنسجم مع الولائية تنسجم أيضاً مع قانون: لا عقوبة قبل العلم أو قانون التدرّج في الأمر والنهي.

وبهذا يظهر أنّ الإشكال على الاستناد لعهد الإمام علي إلى الأشتر من حيث السلطانية غير صحيح.

ثانياً:إنّ عهد الإمام علي لمالك الأشتر الوارد في نهج البلاغة لا سند له، فلا يمكن الاعتماد عليه.

ونوقش:

أ ـإنّ مثل هذا العهد لا يحتاج إلى سند؛ لتلقّي الأصحاب له بالقبول، نظراً لعلوّ مضامينه وجودة بيانه ونوارنيّته، مما يفيد الوثوق والاطمئنان بصدوره عنه 38.

وقد ناقشنا في محلّه هذا النحو من الاستدلال فلا نطيل، وعلى أية حال هو أمر شخصي فمن حصل له هذا الاطمئنان بحيث اطمئنّ بصدور كل فقرة فقرة منه فبها وإلا فلا. وأما مسألة تلقي الأصحاب له بالقبول فغير محزر صغروياً.

ب ـإنّه يمكن تعويض السند والحصول على طريق صحيح للعهد، وذلك بالقول: بأنّ الشيخ الطوسي في كتاب الفهرست لدى ترجمته للأصبغ بن نباتة ذكر أنه روى عهد الإمام علي لمالك الأشتر لما ولاه مصر، ذكراً بعد ذلك طريقه إلى الأصبغ في هذا العهد نفسه، وهو طريق صحيح، وبهذا يصحّ لنا طريق تام إلى عهد الأشتر بطريق الطوسي في الفهرست.

إلا أنّ هذا التصحيح يواجه عدّة مشاكل وهي:

المشكلة الأولى: إنّ في السند ابن أبي جيد، وهذا الشخص مبنيةٌ وثاقته على جملة من النظريات الرجالية التي لم نلتزم بها في البحث الرجالي، مثل كونه من مشايخ الإجازة، أو كونه كثير الرواية ووقوعه كثيراً في الطرق، أو كونه من مشايخ النجاشي، وهي نظريات لم تصحّ عندنا كما حققناه مفصّلاً في محلّه.

وقد حاول السيد كاظم الحائري تجاوز هذه الإشكالية عبر نظرية التعويض السندي 39، وقد فصّلنا البحث في هذه النظرية في دراساتنا الرجالية، ولم تثبت صحّتها عندنا.

المشكلة الثانية: وقوع الحسين بن علوان الكلبي في السند ولم تثبت وثاقته عندنا؛ لأنّ كلمة «ثقة» الواردة في ترجمته عند الشيخ النجاشي لا يحرز رجوعها إليه حيث قال: «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي، وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة، رويا عن أبي عبد الله، وليس للحسن كتاب والحسن أخصّ بنا وأولى…» 40. فإنّ التوثيق كما يحتمل عوده إلى الحسين، ولو بشاهد أنه المترجم في هذا النصّ، يحتمل أيضاً عوده إلى الحسن ولو بشاهد أنه قال بعده: «رويا»، مما يشير إلى انتهاء الحديث عن الحسن والعودة إلى الاثنين معاً، وإلا لقال: روى هو وأخوه. وأمّا قوله بعد ذلك بأنّ الحسن أخصّ بنا وأولى، فلا يصلح قرينةً ـ كما ذهب إليه بعضهم 41ـ لإرجاع التوثيق إلى الحسن؛ لأنّ هذه الجملة تتحدّث عن الاتجاه المذهبي الانتمائي للحسن الكلبي فيما التوثيق يحكي عن الجانب الإخباري عنده، بل هذه الجملة شاهد أنّ النجاشي في هذه الترجمة قد أكثر من التحدّث عن الحسن، فلا يصحّ الاعتماد على كون الحسين صاحب الترجمة لإرجاع التوثيق إليه. ونحن لا نجزم الآن بعود التوثيق إلى الحسن بل يكفي التردّد، ومعه لا تثبت وثاقة الحسين بن علوان الكلبي إلا بناءً على مثل تفسير القمي وليس بثابت، ما لم يصرّ شخص بأنّه في هذه الحال حيث يتردّد التوثيق نجري قانون تنجيز العلم الإجمالي بلحاظ الأخبار الإلزامية التي ينقلها الحسن أو الحسين.

المشكلة الثالثة: وبصرف النظر عن الإشكاليتين المتقدّمتين في السند، ولو فرضنا صحّة سند الطوسي المذكور في الفهرست، إلا أنّ الطوسي لم يرو لنا العهد الذي وصله بهذا الطريق، ومعه كيف نعرف أنّ عهد الأشتر الذي وصل إلى الشيخ الطوسي (460هـ) بهذا الطريق مطابقٌ في فقراته جميعاً ـ ولا أقلّ الفقرة موضع الشاهد ـ لما هو موجود في نصّ العهد في كتاب نهج البلاغة للشريف الرضي (413هـ)؟

وقد حاول السيد كاظم الحائري طرح محاولة هنا لم يظهر عليه تبنّيها بشكل حاسم، وهي أنّ تعبير الشيخ الطوسي في الفهرست بأنه أخبرنا بالعهد فلانٌ عن فلان «إشارة إلى نفس هذا العهد الذي لم يُعرف إلا بالنسخ المألوفة، فيثبت ما اتفقت عليه النسخ» 42.

إلا أنّ هذا الكلام غير واضح، فإنه لا يحرز أنّ الرضي في نهج البلاغة قد اختار النسخة المعروفة المشهورة بحسب نظر الشيخ الطوسي، لاسيما وأنّ منهجه ليس حديثياً تاريخياً توثيقياً وإنما هو لغوي بلاغي، فلعلّه اختار من بين صيغ هذا العهد أفضلها بلاغةً وجمالاً وقام بنقلها في النهج. علماً أنّ الإشارة إلى العهد لا تمنع عن احتمال وجود بعض الاختلافات في نسخه بحيث لا نعرف أيّ نسخةٍ هي النسخة الواصلة إلى الطوسي، كما أنه من الممكن أن تشتهر صيغةٌ في زمان الطوسي ثم لا نجد لها حضوراً بعد ذلك، كيف وقد بذل الشيخ محمد باقر المحمودي جهداً مشكوراً في تتبّع مصادر هذا العهد ومن رواه، ولم يذكر سوى بعض الكتب القليلة التي لا تصنّف من الدرجة الأولى في مجال الحديث والتاريخ مثل نهج البلاغة وتحف العقول ودعائم الإسلام وفتوح الشام و… 43. وكما يحتمل أنّ الطوسي أشار لما هو موجود في هذه الكتب كذلك يحتمل أنّ كتباً أو نسخاً أخرى كانت موجودةً وذهبت هي التي قصدها، علماً أن مجرّد إشارته إلى العهد لا يعني اشتهاره بصيغة واحدة.

لهذا، فإذا نقل الطوسي عن عهد الأشتر شيئاً برواية الأصبغ بن نباتة أمكن الأخذ به وتصحيحه، وإلا فلا، وهذا المقطع موضع الشاهد لم يرد في كتب الطوسي لا الفقهية ولا الحديثية ولا القرآنية، مع أنه لو كان عنده لناسب أن ينقل عنه هذا الدليل في مباحثه الفقهية في الاحتكار، كما لم يذكره في كتبه الحديثية.

لهذا، لا نجد صحيحاً الاستدلال هنا بعهد الأشتر إلا بنحو التأييد.

4 ـ صحيحة سالم الحناط،قال: قال لي أبو عبد الله: «ما عملك؟»، قلت: حنّاط، وربما قدمت على نَفَاق 44، وربما قدمت على كساد فحبست، فقال: «فما يقول من قِبَلَك فيه؟»، قلت: يقولون: محتكر. فقال: «يبيعه أحد غيرك؟» قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً. قال: «لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبي فقال: يا حكيم، إياك أن تحتكر» 45.

فإنّ ظاهر «إياك»، وكذلك ما كان مقابل «لا بأس» هو الحكم بالحرمة. واستشهاد الإمام بالفعل والنهي النبوي شاهدٌ على عدم الاختصاص بحكيم بن حزام. وقد ذكر بعض الفقهاء في محاولة للجواب عمّن فهم الكراهة من هذه الرواية 46، أنّ ورود تعبير مثل «لا بأس وإياك» في الدلالة على المكروهات لا يمنع كون ظاهرها الأوّلي هو الحرمة وإنما أفادت الكراهة في مواردها بقرينة 47.

وقد حاول المحقّق الإصفهاني جعل الرواية في سياق بيان موضوع الاحتكار وهو وجود الباذل وعدمه، لا في مقام بيان الحكم حتى يفهم منها التحريم أو الكراهة 48. إلا أنّ كلامه غير واضح من جهة أنّ الحديث النبوي الذي ينقله الإمام هنا كان في مقام بيان أصل الحكم لحكيم بن حزام فيؤخذ به، كما أنّ كونه في مقام بيان الموضوع لا ينافي الاستدلال بالحديث إذا كانت فيه إفادات المفروغية عن الحرمة، وليس المقام مقام الاستناد إلى الإطلاق حتى يقال ما ذكره الإصفهاني، علماً أنّ عملية الاستفصال التي مارسها الإمام إلى جانب ارتكاز الذمّ في العرف بحسب نقل الراوي كلّه يساعد على التحريم أكثر منه على الكراهة.

5 ـ صحيحة الحلبي،عن أبي عبد الله أنه سئل عن الحكرة، فقال: «إنما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس لسلعتك الفضل» 49، وزاد في الكافي والتهذيب: وسألته عن الزيت فقال: «إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» 50.

ودلالة هذه الصحيحة على التحريم قائمة على المفهوم، على أساس إثبات البأس في غير حالة البذل، والبأس هو العذاب، فتكون ظاهرةً في التحريم 51. ولعلّ إشكال المحقّق الإصفهاني المتقدّم أظهر هنا، من حيث احتمال كون الحكم المفروغ عنه هو الكراهة، فيكون الحديث تفصيلاً في مورد تحقّق الكراهة، والاستدلال مبنيٌّ على أنّ البأس دالّ على الحرمة، وهو ما رفضه بعضهم في المسألة مثل المحقق الخراساني 52.

6ـ خبر أبي مريم،عن أبي جعفر قال: قال رسول الله : «أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً، يريد به غلاء المسلمين، ثم باعه فتصدّق بثمنه، لم يكن كفارة لما صنع» 53.

فإنّ لسان التشديد الوارد في هذا الحديث النبوي ظاهرٌ جلي في رتبة الحرمة حتى أنه لو تصدّق به ما كان كفارة على صنعه، فهو من حيث الدلالة جيد، خلافاً للمحقق العراقي الذي لم يفهم من هذا اللون من البيان إفادة الحرمة 54، لكنّ سنده ضعيف بجهالة علي بن محمد بن الزبير الكوفي القرشي وغيره.

7 ـ خبر يعلي بن أمية،عن رسول الله أنه قال: «احتكار الطعام في الحرم إلحادٌ فيه» 55. والإلحاد ميلٌ من الحقّ إلى الباطل، فيكون الحديث دالاً على التحريم كما فهمه بعضهم.

ويناقش أولاً:إنّ الحديث ضعيف السند بموسى بن باذان الذي لم يرد فيه توثيق 56، إضافة إلى طعنهم في جعفر بن يحيى بن ثوبان 57.

ثانياً:إنّ احتمال الاختصاص بالحرم واردٌ؛ وقد عُلم من الشرع أنّ هناك بعض الأحكام الخاصّة بالحرم، فلعلّ الشريعة نهت عن الحكرة في هذه الأماكن المقدّسة التي تعجّ بالناس؛ إذ قد يوجب ذلك صدّ الناس عن زيارتها، لا لحرمة الاحتكار في نفسه.

8 ـ خبر ابن عمر،عن النبي أنه قال: «من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه…» 58. فإنّ هذه البراءة والقطيعة التامّة بينه وبين الله تعالى دليلٌ على شدّة مبغوضية هذا العمل وحرمته.

إلا أنّ المشكلة في سند هذا الحديث، فإن فيه أبا بشر الأملوكي وقد ضعّفه بعضهم 59، كما أنّه مرفوع من ابن عمر.

9 ـ خبر أبي أمامة،قال: نهى رسول الله أن يحتكر الطعام 60. وهو دالٌّ على الحرمة بمقتضى تعبير النهي، وفي السند عبد الرحمن بن يزيد ولم تثبت وثاقته.

10 ـ ما جاء في مجموعة ورام بن أبي فراس،عن النبي ، عن جبرئيل قال: «اطّلعت في النار فرأيت وادياً في جهنم يغلي، فقلت: يا مالك، لمن هذا؟ فقال: لثلاثة: المحتكرين، والمدمنين الخمر، والقوادين» 61.

والدلالة واضحة بعد ثبوت العذاب الكاشف عن الجرم، لكنّ الحديث لا سند له.

11 ـ خبر أبي هريرة،قال: قال رسول الله : «يحشر الحكارون وقتلة الأنفس إلى جهنم في درجة واحدة» 62.

والدلالة جيدة بمقدار حرمة كثرة الاحتكار المستفاد من صيغة التشديد والمبالغة (حكّار)، لا حرمة مطلق الاحتكار، كما أنّ السند غير تام، فنحن نتوقّف في حديث أبي هريرة، وقد وصف الذهبي هذا السند بأنّ فيه انقطاعاً 63.

12 ـ خبر عمر بن الخطاب،قال: سمعت رسول الله يقول: «من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس» 64. وقد وصف سند هذا الحديث بالصحيح أو الحسن ورجاله بالموثقين 65. ودلالته مبنية على أنّ مثل هذه العقوبات الدنيوية كافية في إثبات الحرمة وليس كذلك، لكن لا بأس بدلالة الحديث من خلال تعبير «ضربه» الذي يفيد معنى العقوبة والعذاب.

13 ـ خبر هشام بن عروة، عن أبيه، عن جدّه،قال: قال رسول الله : «من احتكر فوق أربعين يوماً فإنّ الجنّة توجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام، وإنه لحرام عليه» 66.

والحديث كما هو واضح تعبيرٌ عن إبعاد المحتكر عن الجنّة، في إشارة إلى شدّة مبغوضية فعله وحرمة ما أقدم عليه. لكنّ مشكلة هذا الحديث أنّ مصدره كتاب الأعمال المانعة من الجنّة لجعفر بن أحمد القمي، وهذا الرجل حاول المحدّث النوري توثيقه إلا أنه لم تثبت وثاقته عندي، فضلاً عن أنّ هذا الكتاب لا نملك سنداً صحيحاً إليه، وإنما نقل هذا الخبر منه العلامة المجلسي في البحار.

إلى غير ذلك من الروايات المتفرّقة الدالّة ـ ظهوراً أو إشعاراً ـ على مبغوضية الاحتكار في الجملة، وغالبها ضعيف السند، وبعضها لا يدلّ؛ لهذا لا حاجة للتعرّض لها.

ونخلص من عرض هذه النصوص، إلى أنّ الرواية الثانية (وسندها صحيح بطرق الجمهور) والرابعة والخامسة ـ إلى حدّ ما ـ والثانية عشرة تامّة السند والدلالة، وسائر الروايات مؤيّدة لها ممّا كان فيه دلالة، فإذا أمكن تحصيل وثوق واطمئنان من خلال أربع روايات، اثنتان منها تامة السند بطريق الشيعة واثنتان كذلك بطريق السنّة، إضافة إلى تردّد هذه الروايات كلّها بين المصادر الشيعية والسنية فبها، وإلا كانت هذه الروايات مؤيدةً للحرمة في مورد الإضرار بمن يحرم الإضرار به.

وقد ذهب العلامة مغنية والشيخ شمس الدين إلى كون الروايات هنا متواترة بالمعنى أو تكاد، لاسيما وأنّ في بعضها ما يفهم منه ارتكاز التحريم في وعي المتشرّعة والسائلين 67، وكلامه واضح الضعف.

الدليل الرابع:ما استدلّ به بعض الفقهاء، من الاستناد في الحكم بالتحريم إلى إجبار الحاكم المحتكر على البيع، فإنه لا معنى لإجباره على البيع إذا كان الاحتكار مكروهاً فقط، بل هذا خلاف قانون السلطنة، فيكون ترخيص الشريعة في إجبار الحاكم على البيع كاشفاً عن حرمة الفعل على المحتكر، وأنّ هذا الإجبار كان انطلاقاً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 68.

وقد نوقش في هذا الدليل:

أولاً: بما ذكره السيد العاملي، من أنه لا يمكن الاستناد إلى الإجبار هنا؛ لأنّ الإجبار متفقٌ عليه، أما التحريم فمختلف فيه، كما أنه قد يقع الجبر على أمرٍ مستحبّ كزيارة النبي 69.

وأجيب بأنه لا مانع من وجود اختلاف في شيء، لكن يستدلّ لأحد وجهي الخلاف بأمر آخر متفق عليه، ومجرّد أنّ الفقهاء لم يلتفتوا إلى ذلك وأنّ القائلين بالكراهة لم ينتبهوا إليه لا يدلّ على ما يريد، على أنه لم نفهم وجه الجبر على المستحبّ إلا إذا تعنون المستحب بعنوان ثانوي يخرجه عن الاستحباب 70. وسيأتي بعض ما يفيد قريباً.

ثانياً: ما ذكره المحقق الإصفهاني من أنّ الاحتكار إما أن يقصد به الامتناع عن البيع أو حبس الطعام في مقابل إخراجه إلى السوق:

فعلى الأول يكشف الإجبار ـ من باب الأمر بالمعروف ـ عن حرمة الامتناع عن البيع الذي هو الاحتكار؛ إذ لا إلزام على غير الواجب، لكن من الممكن أن يكون الإجبار لمصلحة الرعية لا من باب الأمر بالمعروف، ويشهد له أنه ليس لغير الحاكم فعل هذا، والأمر بالمعروف لا يختصّ بالحاكم، وعليه لا يكون الإجبار كاشفاً عن حرمة الاحتكار.

وعلى الثاني لا يكشف الإجبار عن حرمة الاحتكار، نعم لما كان الإخراج إلى السوق مقدّمة للبيع أمكن أن نستكشف إلزامه بالبيع ووجوب البيع عليه، ومن ثم يكون وجوب الإخراج من باب الوجوب المقدّمي، ومعه فلا منافاة بين كراهة الشيء في ذاته وإباحته كذلك وبين عروض الوجوب المقدّمي عليه 71.

وأجيب بأنّ الحبس لا موضوعية له في تعريف الاحتكار لغةً وعرفاً، وإنما يراد منه الامتناع من البيع، وعليه نستفيد من الإجبار أنّ الاحتكار حرام؛ لأنّ مجرّد عدم جواز الإجبار على غير الحاكم لا يدلّ على أنّ الحالة التي نحن بصددها ليست من موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ في الأمر بالمعروف ثمة موارد لا تجوز إلا بإذن الحاكم، كما في الجرح والقتل بل والضرب عند بعض الفقهاء، فلا مانع من افتراض كون الحالة من الأمر بالمعروف وكونها خاصّة ـ على المستوى التنفيذي ـ بالحاكم.

بل حتى لو تخطّينا مجال الأمر بالمعروف، يمكن القول بأنّ الحاكم الشرعي عندما يكون معصوماً تكون وظيفته الأوّلية بيان الحكم الشرعي الواقعي، وحتى لو كان بصدد إصدار حكمٍ حكومي، فإنّ هذا يعني أنّ الاحتكار حرام بالحكم التنظيمي السياسي الولايتي، إذ لو لم يكن محرّماً في هذه الحال لما جاز الإجبار على تركه حتى من الحاكم 72.

لكنّ هذا الجواب غير واضح، وذلك:

أ ـإنه قد وقع خلط في البحث هنا بين مطلق الحاكم وبين تفسير المنع الصادر عن النبي بأنه منع ولايتي حكومي، فنحن لا نبحث في أنّ المنع الصادر عن النبي كان بياناً لحكم واقعي وأنّ الإجبار وقع في هذا السياق، وإنما نتحدّث عن أنّ إعطاء مطلق الحاكم الشرعي صلاحية الإجبار على البيع بوصف هذا الإعطاء حكماً أولياً تبليغياً، هل يكشف عن حكم أوّلي آخر هو حرمة الاحتكار على المواطنين أنفسهم أم لا؟ فكأنّه حصل خلطٌ بين موضوعين.

ب ـإنّ صيرورة الفعل في مورد الحكم الحكومي حراماً بحرمة تدبيرية إنما يعني تحقق ملاك التحريم لا فعليّته؛ لأنّ الفعلية مرتبطة بما بعد صدور الحكم من الحاكم لا قبل ذلك، ومعنى منح الشريعة الحاكم صلاحيةَ الإجبار أنّ بإمكانه تشخيص المصالح التي تفسح له بالإجبار بما يتبع نظره في الأمر، فقبل صدور الحكم منه كيف نعلم حرمة الاحتكار بنفسه على المكلّف حتى نطلق حكماً بحرمة الاحتكار في نفسه ولو بصرف النظر عن الإجبار الفعلي؟!

هذا على تقدير حصر صلاحيات الحاكم بما كان معنوناً بعنوان إلزامي، أما بناء على الولاية العامة للفقيه فإنّ بإمكان الفقيه الإجبار إذا رأى مصلحةً ولو لم تبلغ في حدّ نفسها حدّ الإلزام، بل كانت مصلحة بنحو الأفضل للمجتمع، فيجوز له الإجبار حتى لو كان الفعل غير محرّم في تلك الحال على مستوى مصالحه ومفاسده.

نعم، لو كان الحكم هو أنه يجب على الحاكم مطلقاً إجبار المحتكرين لا أنه من صلاحياته، وكان هذا حكماً أولياً، كشف ذلك ـ عرفاً وعقلائياً ـ عن الإلزام على المستوى الأولي في حقّ المحتكر أيضاً.

وعليه، فإشكال المحقق الإصفهاني من هذه الزاوية في محلّه، ومن ثمّ لا يصحّ الاستدلال على حرمة الاحتكار بالترخيص للحاكم في الإجبار على البيع.

الدليل الخامس: ما ذكره بعض فقهاء أهل السنّة، من أن الاحتكار ظلمٌ، وذلك أنّ ما هو موجود في المصر قد تعلّق به حقّ العامّة، فالحبس منع للعامّة من حقّهم، فيكون ظلماً، والظلم محرّم 73.

وكأنّ هذا الدليل يريد أن يجعل دخول سلعةٍ في سوق مدينةٍ من المدن يصيّر هذه السلعةَ مورداً للحقّ العام لا الخاص، ولا يقصد بذلك خروجها من الملكية الخاصّة إلى الملكية العامة، وإنما تعلّق حقّ لهم بتوفرها بين أيديهم ولو مقابل ثمن، من هنا فلا معنى للإشكال الذي ذكره بعضهم هنا بأنه لا دليل على ثبوت ملكية أو سلطنة للعامة على ما ملكه الفرد بالملكية الخاصّة، وأنّ مبادئ التعاون والتعاضد والتكافل غاية ما تفيد رجحان البذل لا وجوبه مع حرمة الاحتكار 74.

وعليه، لا يبعد صحّة هذا الدليل هنا، بمعنى أنّ الارتكاز العقلائي في مجال الحاجيات الضرورية في السلع قائمٌ على المنع من الاحتكار، إذا كانت معروضةً في السوق، ثم قام شخص بجمعها واحتكارها، وليس هذا المنع إلا لأنّ الذهن العقلائي يرى للناس حقاً في هذه السلعة أن تعرض في الأسواق، ولذلك يمكن أخذ البناء العقلائي هنا معيناً في توضيح جهة الحقّ العام هنا، بما لا يضرّ بملكية الفرد الخاصّة، بأن نطالبه بعرضها للبيع بصرف النظر عن السعر الذي يضعه لها؛ لأنّ موضوع السعر يظلّ مسألةً أخرى تحتاج إلى أدلّتها، ولو راجعنا البناء العقلائي في باب التجارات لوجدناه يذمّ بشدّة الاحتكار ويراه فعلاً ظالماً. وما نقوله ليس راجعاً إلى قاعدة حرمة الضرر والإضرار بحيث تكون مقيّدةً لقانون السلطنة، بل هو أمرٌ آخر يُصرف النظر فيه عن قضية الضرر، فتأمّل جيداً.

وبهذا ظهر أنّ الاحتكار حرامٌ في الجملة، إلا أنّ هذه النتيجة لا يمكنها أن تكون نهائيةً قبل استعراض أدلّة الفريق الآخر القائل بكراهة الاحتكار كراهةً تنزيهية لا تحريمية، لهذا نعرّج على النظرية التالية هنا لننظر في مضمونها ومعطياتها إن شاء الله تعالى.

2ـ  نظرية كراهة الاحتكار، وقفات وتأملات

ذهب بعض الفقهاء المسلمين إلى القول بكراهة الاحتكار كراهةً لا تبلغ حدّ الحظر والمنع والتحريم 75، ولكن في صحّة هذه النسبة إلى بعض الفقهاء نظر، فالشيخ المفيد في المقنعة عبّر كالتالي: «والحكرة احتباس الأطعمة مع حاجة أهل البلد إليها وضيق الأمر عليهم فيها، وذلك مكروه» 76، وقال الشيخ الطوسي: «وأما الاحتكار فمكروه في الأقوات إذا أضرّ ذلك بالمسلمين، ولا يكون موجوداً إلا عند إنسانٍ بعينه» 77.

وفي مثل هذه النصوص يستبعد إرادتهم للكراهة المصطلحة، إذ مع إضرارها بالمسلمين كيف يتصوّر جوازها؟! لهذا يحتمل في بعض الكلمات إرادة التحريم من الكراهة، كما هو ليس بالأمر الغريب في استخدامات القدماء للتعابير والمصطلحات. ولكنّ بعض الكلمات واضحة في وجود القول بالكراهة 78.

وعلى أية حال، فقد ذكر لصالح القول بالكراهة عدّة أدلّة، هي:

1ـ الاستناد إلى الأصل العملي

الدليل الأوّل: ما ذكره العلامة الحلي وغيره، من الاستناد إلى الأصل، وأنه عدم التحريم 79.

ومن الواضح أنّ هذا الدليل مبنيٌّ على إبطال تمام أدلّة القول بالحرمة، وقد تقدّم أنّ بعضها دالّ ومفيد للحرمة في الجملة فلا مورد للأصل هنا.

وقد علّق العلامة شمس الدين هنا بأنه حتى لو لم يثبت أيّ من أدلّة التحريم مع ذلك لا يصحّ الاستناد إلى أصالة البراءة هنا؛ لأنّ أصل البراءة واردٌ مورد الامتنان على الأمّة والإرفاق بها، فلابد في جريانه من أن لا يؤدّي إلى خلاف هذا الإرفاق، وفي موردنا وإن كان أصل البراءة واقعاً لصالح المحتكر ومساعداً له، لكنه على خلاف الإرفاق على الأمّة ومناقضاً للامتنان على عامّة الناس بعد أن كان الاحتكار مضراً بهم أو موجباً للشدّة والضيق عليهم، وفي مورد تعارض الامتنان يقدّم ما هو في الصالح العام بعد كون المحتكر مذموماً على فعله بالإجماع 80.

وهذا الكلام صحيح، وقد ذكره الأصوليون أيضاً عند كلامهم عن حديث الرفع الذي يعدّ من أشهر الأحاديث النبوية المستدلّ بها على البراءة الشرعية، وما ذكره الأصوليون هناك في محلّه، من حيث سياق الحديث في تعبيره «عن أمتي» ونحو ذلك. لكن هل يعني ذلك أنّ أصل البراءة امتنانيٌّ مطلقاً؟

يبدو لي أنه لابد للخروج بهذه النتيجة من ملاحظة نوعية الأدلّة التي تسوق إلى أصل البراءة، فإذا التزمنا بالبراءة العقلية، فإنّ مقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، أنّ تمام الموضوع هو عدم البيان المتحقّق في مثل موردنا، فلا معنى لفرض الامتنان فيه، فإذا لم يكن حديث الرفع شاملاً لمقامنا؛ لما بيّنه العلامة شمس الدين، لكنّ هذا لا يعني عدم شمول البراءة العقلية للمورد، وحتى البراءة الشرعية ببعض ألسنتها مثل: ﴿ ... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا 81. لا تفيد ذلك؛ فإذا بني على أنّ المدرك الوحيد للبراءة هو حديث الرفع وأمثاله ممّا كان مسوقاً مساق الامتنان لم يمكن إجراء البراءة هنا، وإلا فلا موجب للمنع عن إجرائها في المقام.

قد تقول: لا معنى بعد البراءة العقلية لأصل الامتنان في حديث الرفع، ولعلّ في ذلك نقداً متنياً على هذا الحديث نفسه أو بطلاناً للإشكال المتقدّم.

والجواب: إنّ الرفع قد يعبّر عن عدم الوضع في المورد الذي يمكن فيه الوضع، فالمولى سبحانه يمكنه أن يضع المؤاخذة في مورد عدم العلم بأن يجعل الاحتمال منجزاً، كما جعل الظنّ منجزاً، فيكون الامتنان في أنّه لم يجعل ذلك عليهم مع أنّ نطاق مولويته يسمح له بذلك، وهذا لا يبطل مضمون القاعدة العقلية؛ لأنها تقضي بعدم العقاب حيث لا بيان، فيمكن للمولى البيان في أنه يرى تمام الاحتمالات منجّزة ويخرج المورد عن تحت القاعدة بالحكومة أو الورود، دون إبطال القاعدة نفسها، فالامتنان يكون بذلك، وعليه فيبقى الامتنان في حديث الرفع على حاله من هذه الجهة في أنه لم يجعل التنجيز في مورد عدم البيان مع قدرته على البيان وفرض التنجيز في نهاية المطاف.

قد تقول: حتى على هذا الفرض، كيف يمكنه أن يمتنّ في مورد يكون في عدم بيانه ووضعه التنجيز ضررٌ على فريقٍ من المسلمين كما في مثل موردنا؟ الأمر الذي يكشف أنّ مثل هذا المورد ليس مشمولاً للامتنان، ومعناه أنّه مشمول للتنجيز فيكون نفس سياق الامتنان هذا بعينه بياناً يمنع سائر أدلّة البراءة عن الشمول للمورد.

والجواب: إنّ ظاهر مثل حديث الرفع هو الامتنان بنوع رفع المؤاخذة في حال الجهل، فهذا الأمر هو في حدّ نفسه منّة يمكن الامتنان بها على الأمة، ولا يعني ذلك ملاحظة تمام المصاديق والحالات التي تجري فيها أصالة البراءة، وإنما يلاحظ نوع هذا الأمر، وإلا لزم عدم إجراء البراءة في كلّ الموارد المالية كالخمس والزكاة والخراج والصدقات والنفقات؛ لأنّ الامتنان هنا وإن كان لصالح صاحب المال لكنّه يفوّت على المحتاجين أو من هم مورد النفقة كسباً، فكيف يمتنّ عليهم بتفويت ربحٍ كان سيعود لهم؟

إنّ الامتنان هنا نوعي في مورد نوعي، ولا يصحّ فيه تطبيق الأسلوب التجزيئي الفردي، ومعه يكون دليل البراءة هنا ببعض مستنداته على الأقلّ شاملاً المقام لولا الأدلة التي ساقها أنصار نظرية تحريم الاحتكار، والتي منها عدم جواز الإضرار بالغير.

2ـ مرجعية الأحاديث الخاصّة

الدليل الثاني: خبر الحلبي، عن أبي عبد الله، قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام يتربّص به، هل يجوز ذلك (هل يصلح ذلك)؟ فقال: «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلاً ولا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام» 82.

حيث استدلّ بهذا الخبر على الكراهة، انطلاقاً من طبيعة التعبير بالكراهة فيه 83، حيث الأصل فيه الكراهة المصطلحة 84، بل عدوله عن تعبير «لا يجوز» كما هو وارد في السؤال إلى تعبير يكره، قرينة على إرادة الكراهة المصطلحة 85.

وهذا الخبر صحيح السند على المشهور، وفي طريقه إبراهيم بن هاشم. وقد نوقش في استفادة الكراهة منه بأنّ الكراهة هنا لا يراد منها المعنى الاصطلاحي بمعنى الكراهة التنزيهية، وإنما تستخدم في المعنى اللغوي؛ لأنّ المعنى الاصطلاحي متأخّر عن عصر النصّ، والمعنى اللغوي لها هو المبغوضية التي يمكنها أن تستوعب الحرمة والكراهة معاً 86، بل شدّة الشيء من سنخه بخلاف ضعفه كما يقولون فلا يستفاد منها الكراهة حتى تقف في معارضة الروايات والأدلّة السابقة، ما لم يبرز شاهدٌ على إرادة الكراهة المصطلحة، فغاية ما في هذا الخبر أنه بنفسه لا يفيد الحرمة، لا أنه يفيد الكراهة المصطلحة.

بل قد يبرز شاهد على إرادة الحرمة هنا، وفقاً لما أفاده الشيخ الأنصاري 87، من حيث إنها فرضت حالتين: الأولى حالة وجود الطعام ونفت فيها البأس، والثانية حالة عدم وجوده وأثبتت فيها الكراهة، ولابد أن يكون المراد بالبأس في الحالة الأولى النافية للبأس هو التحريم لا الكراهة؛ لأنّ الكراهة ثابتة على الاحتكار الذي يكون مع وجود الطعام فلا معنى لنفيها، فيكون ذلك شاهداً ـ بالمقابلة ـ على إرادة التحريم في الحالة الثانية.

وقد أفاد الإمام الخميني هنا أيضاً وجهاً لاستفادة الحرمة، وهو أنّ نفس البأس في جواب: «هل يصلح» أو «هل يجوز» يراد به الجواز، والمفهوم منه هو عدم الجواز عند عدم الشرط الذي هو وجود الطعام الذي يسع الناس، وهذا يعني أنّ قوله: «يكره» بعد ذلك يكون تعبيراً آخر عن المفهوم الثابت للجملة الأولى والمفيد للحرمة، على أنه من البعيد جداً عن مذاق الشارع الحكم بكراهة الاحتكار الموجب لترك الناس ليس لهم طعام 88.

ويظهر من الحرّ العاملي أنّ روايات الحرمة تصلح قرينةً على إرادة الحرمة من الكراهة هنا 89، فكأنه أقرّ بدلالة الخبر في حدّ نفسه على مطلق الكراهة، واستعان بالقرينة الخارجية لفهم التحريم منه.

وتوجد لدينا بعض التعليقات هنا لا بأس بالإشارة إليها:

أولاً: إنّ استشهاد بعضهم بعدول الإمام عن تعبير «لا يجوز» إلى تعبير «يكره» لاستفادة الكراهة المصطلحة، غير صحيح، فإنه بصرف النظر عن قضية النقل بالمعنى، لا يفيد هذا الكلام إلا إذا كان تعبير «يكره» ظاهراً في الكراهة المصطلحة، وإلا كان جواب الإمام بهذه الطريقة في محلّه بعد المقابلة مع الجملة الأولى التي نفت البأس، إذ المقابلة بنفسها بعد عموم معنى الكراهة تكون قرينةً على إفادة التحريم.

ثانياً: إنّ هناك فرقاً بين أن تفيد هذه الرواية الكراهة فتعارض دليل الحرمة وبين أن لا تفيد الحرمة، فإذا قصد المحقّق الأردبيلي من أنّ الأصل في هذا التعبير هو الكراهة المصطلحة هو ظهوره فيها فهذا غير معلوم، بل لم نعرف مراده من الأصل هنا، وإن قصد أنّ أقصاها إفادة الكراهة كونها القدر المتيقّن من تعبير الكراهة، والباقي منفي بالأصل، فهذا لا بأس به في نفسه، لكنه لا يلغي دلالة سائر الأدلّة على التحريم، لعدم نهوضه نفياً يقابل إثبات التحريم فيها.

ثالثاً: إنّ ما ذكره الشيخ الأنصاري، من أنّ الكراهة ثابتة للاحتكار مع وجود الطعام، جاعلاً ذلك قرينةً في الحديث على إفادة الحرمة.. لا نسلّم به؛ إذ ما هو المدرك للقول بكراهة الاحتكار مع وجود الطعام في السوق؟ بل صدق الاحتكار عليه محلّ نظر.

من هنا، فهذه الرواية إن لم تدلّ على الحرمة ـ لما قاله الإمام الخميني أو الحرّ العاملي ـ فلا أقلّ من دلالتها على مبدأ المبغوضية الأعم، فلا تثبت الكراهة في مقابل أدلّة الحرمة بادّعاء ظهورها فيها.

3ـ مستند قاعدة السلطنة

الدليل الثالث: الاستدلال بقاعدة السلطنة، وأنّ الناس مسلّطون على أموالهم، مما يجيز للمالك أن يبيع وأن يمتنع من البيع، مما يكشف عن جواز الاحتكار 90، وهي معتضدة بنصوص الاتّجار والحزم والتدبير و.. 91.

وأجيببأنّ هذه القاعدة محكومة لما دلّ على المنع أو الإلزام من جهة تصرّف مالي معين؛ بعد كون سلطنة المولى سبحانه على المال متقدّمةً على سلطنة العبد، ويكون دليل التحريم هنا ـ كرفع السلطنة عند العارض ـ كافياً لتقييد السلطنة 92. فمثل قاعدة نفي الضرر تتقدّم على قاعدة السلطنة لحكومتها على جميع الأدلّة الأولّية، إن لم نقل إنّ قاعدة السلطنة تفيد السلطنة في خصوص الانحاء المشروعة من التصرّفات فلا يمكن إجراءها في الحالة التي نحن فيها بعد الشك في المشروعية 93.

وبهذا يظهر أنّ الصحيح هو القول بحرمة الاحتكار إذا أفضى إلى الضرر والتضييق على الناس، اعتماداً على حرمة الإضرار بالغير مع النصوص المتقدّمة التي نفهم القدر المتيقن الموثوق بصدوره منها في خصوص هذا المورد 94 95.

 

  • 1. انظر: الأنصاري، المكاسب 4: 363؛ والخوئي، مصباح الفقاهة 3: 813.
  • 2. انظر: حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة 3: 357.
  • 3. انظر: الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع 11: 94 ـ 95.
  • 4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 29، الصفحة: 83.
  • 5. a. b. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 7، الصفحة: 546.
  • 6. القران الكريم: سورة المعارج (70)، الآية: 17 و 18، الصفحة: 569.
  • 7. القران الكريم: سورة الهمزة (104)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 601.
  • 8. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 128، الصفحة: 99.
  • 9. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآية: 12، الصفحة: 564.
  • 10. القران الكريم: سورة الفجر (89)، الآية: 20، الصفحة: 593.
  • 11. القران الكريم: سورة المعارج (70)، الآية: 20 و 21، الصفحة: 569.
  • 12. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 34، الصفحة: 192.
  • 13. انظر: علي الشفيعي، الاحتكار وما يلحقه من الأحكام والآثار: 14 ـ 16، مؤسّسة انتشارات خوزستان، إيران، 1419هـ؛ وأسامة السيد عبد السميع، الاحتكار في ميزان الشريعة الإسلامية: 45.
  • 14. انظر: محمد بن أحمد النراقي، مشارق الأحكام: 265؛ وأسامة السيد عبد السميع، الاحتكار في ميزان الشريعة الإسلامية: 79 ـ 90؛ وهوشنك شامبياني، احتكار، مجلّة ماهنامة دادرسي، العدد 5 ـ 6: 15، من عام 1997م.
  • 15. كأنّما تريث الشيخ أبو طالب تجليل التبريزي في صدق عنوان الإضرار هنا وجعله من نوع عدم النفع، ثم قرّب الإضرار فانظر له: التعليقة الاستدلالية على تحرير الوسيلة: 401؛ وصدق الإضرار واضح بعد خسارة الناس أموالها بسبب الغلاء.
  • 16. انظر: كاشف الغطاء، شرح القواعد: 87، ط الذخائر؛ وحسن بن جعفر كاشف الغطاء، أنوار الفقاهة (كتاب المكاسب): 147؛ ومحمد حسين كاشف الغطاء، وجيزة الأحكام 2: 20.
  • 17. الكافي 5: 165؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 266؛ والاستبصار 3: 114؛ وسنن الدارمي 2: 249؛ وسنن ابن ماجة 2: 728؛ والبيهقي، السنن الكبرى 6: 30.
  • 18. انظر: المزي، تهذيب الكمال 20: 434 ـ 445.
  • 19. انظر ـ على سبيل المثال ـ : آل عصفور البحراني، الأنوار اللوامع 11: 96؛ والمحقق العراقي، شرح تبصرة المتعلّمين 5: 120 ـ 121.
  • 20. كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 266؛ والاستبصار 3: 114؛ وتهذيب الأحكام 7: 159.
  • 21. صحيح مسلم 5: 56؛ وسنن ابن ماجة 2: 728؛ وسنن أبي داوود: 134؛ وسنن الترمذي 2: 369.
  • 22. صحيح مسلم 5: 56؛ والبيهقي، السنن الكبرى 6: 29؛ والمعجم الكبير 20: 455.
  • 23. النيسابوري، المستدرك 2: 12.
  • 24. انظر: العلامة الحلي، نهاية الإحكام 2: 513؛ وجامع المقاصد 4: 40؛ ومسالك الأفهام 3: 191؛ وشمس الدين، الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 162؛ والخميني، كتاب البيع 3: 605.
  • 25. انظر: مجمع الفائدة والبرهان 8: 22.
  • 26. انظر: جواهر الكلام 22: 480.
  • 27. القمي، مباني منهاج الصالحين 7: 357.
  • 28. انظر: شمس الدين، الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 163.
  • 29. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 82، الصفحة: 370.
  • 30. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 29، الصفحة: 238.
  • 31. نهج البلاغة 3: 100.
  • 32. انظر : اقتصادنا: 692.
  • 33. الخميني، كتاب البيع 3: 603 ـ 604.
  • 34. المنتظري، رسالة في الاحتكار والتسعير: 21 ـ 22.
  • 35. راجع: حيدر حب الله، حجية السنّة في الفكر الإسلامي، قراءة وتقويم: 120 ـ 124، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2011م.
  • 36. راجع: المصدر نفسه: 517 ـ 569.
  • 37. المصدر نفسه: 663 ـ 740.
  • 38. المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 4: 305؛ والمحمودي، نهج السعادة 5: 125؛ والخميني، كتاب البيع 3: 603.
  • 39. كاظم الحائري، القضاء في الفقه الإسلامي: 52.
  • 40. رجال النجاشي: 52.
  • 41. الحائري، القضاء في الفقه الإسلامي: 65 ـ 66؛ والخوئي، معجم رجال الحديث 5: 376.
  • 42. الحائري، القضاء في الفقه الإسلامي: 66.
  • 43. المحمودي، نهج السعادة 5: 124 ـ 125.
  • 44. أي الرواج.
  • 45. الكافي 5: 165؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 266؛ والاستبصار3: 115؛ وتهذيب الأحكام 7: 160.
  • 46. مثل الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 8: 23؛ والخراساني، حاشية المكاسب: 139.
  • 47. انظر: الخميني، كتاب البيع 3: 602؛ والمنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 2: 631 ـ 632؛ وشمس الدين، الاحتكار: 169 ـ 170.
  • 48. الإصفهاني، حاشية المكاسب 3: 419 ـ 420.
  • 49. الصدوق، التوحيد: 389 ـ 390؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 266.
  • 50. الكافي 5: 165؛ والاستبصار 3: 115؛ وتهذيب الأحكام 7: 160.
  • 51. انظر: النراقي، مستند الشيعة 14: 45.
  • 52. الخراساني، حاشية المكاسب: 139.
  • 53. الطوسي، الأمالي: 676.
  • 54. العراقي، شرح تبصرة المتعلّمين 5: 121.
  • 55. سنن أبي داوود 1: 449؛ والجامع الصغير 1: 41.
  • 56. انظر: تهذيب الكمال 29: 38.
  • 57. راجع: ميزان الاعتدال 1: 420.
  • 58. مسند أحمد 2: 33؛ والمستدرك 2: 11 ـ 12.
  • 59. انظر: الهيثمي، مجمع الزوائد 4: 100.
  • 60. المستدرك 2: 11؛ والبيهقي، السنن الكبرى 6: 30؛ والكوفي، المصنّف 5: 47؛ والمعجم الكبير 8: 188؛ ومسند الشاميين 1: 339؛ والاستذكار 6: 410.
  • 61. تفصيل وسائل الشيعة 17: 426، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح11.
  • 62. ابن عدي، الكامل 2: 78؛ وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 61: 311.
  • 63. سير أعلام النبلاء 8: 528.
  • 64. سنن ابن ماجة 2: 729؛ ومنتخب مسند عبد بن حميد: 34 ـ 35.
  • 65. انظر: فتح الباري 4: 291؛ والقول المسدّد في الذبّ عن المسند لأحمد: 35.
  • 66. بحار الأنوار 100: 89؛ وجامع أحاديث الشيعة 18: 66.
  • 67. محمد جواد مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق 3: 142؛ وشمس الدين، الاحتكار: 172 ـ 173.
  • 68. انظر: الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 3: 17؛ والأنصاري، المكاسب 4: 367، 373؛ وشمس الدين، الاحتكار: 173 ـ 178؛ وآل عصفور البحراني، الأنوار اللوامع 11: 97.
  • 69. مفتاح الكرامة 12: 361؛ وانظر: كاشف الغطاء، شرح القواعد: 88، ط الذخائر.
  • 70. شمس الدين، الاحتكار: 174.
  • 71. الإصفهاني، حاشية المكاسب 3: 420 ـ 421.
  • 72. شمس الدين، الاحتكار: 175 ـ 178.
  • 73. راجع: بدائع الصنائع 5: 129؛ والقادري الحنفي، تكملة البحر الرائق 2: 370؛ وحاشية ردّ المحتار 6: 719.
  • 74. شمس الدين، الاحتكار: 179.
  • 75. انظر: الحلبي، الكافي في الفقه: 283؛ وشرائع الإسلام 2: 275؛ ومختلف الشيعة 5: 38؛ ومفتاح الكرامة 12: 353.
  • 76. المفيد، المقنعة: 616.
  • 77. المبسوط 2: 195.
  • 78. انظر: العلامة الحلي، تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 93؛ وقواعد الأحكام 2: 11.
  • 79. انظر: مختلف الشيعة 5: 38؛ والفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 3: 16.
  • 80. شمس الدين، الاحتكار: 158.
  • 81. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 15، الصفحة: 283.
  • 82. الكافي 5: 165؛ والاستبصار 3: 116؛ وتهذيب الأحكام 7: 160؛ وعوالي اللئالي 3: 207.
  • 83. انظر: تذكرة الفقهاء 12: 166؛ ومختلف الشيعة 5: 38 ـ 39؛ والجزائري، التحفة السنية: 226.
  • 84. مجمع الفائدة 8: 21.
  • 85. راجع: مفتاح الكرامة 12: 354؛ ورياض المسائل 8: 173.
  • 86. انظر: ابن فهد الحلي، المهذب البارع 2: 369؛ ومصباح الفقاهة 3: 815.
  • 87. المكاسب 4: 366؛ وانظر: الخوانساري، جامع المدارك 3: 141.
  • 88. الخميني، كتاب البيع 3: 607 ـ 608؛ والمنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 2: 633؛ وفقه الصادق 15: 178.
  • 89. تفصيل وسائل الشيعة 17: 424.
  • 90. مختلف الشيعة 5: 39؛ ومجمع الفائدة والبرهان 8: 21؛ ومفتاح الكرامة 12: 353؛ ورياض المسائل 8: 172.
  • 91. جواهر الكلام 22: 478.
  • 92. المهذب البارع 2: 369.
  • 93. شمس الدين، الاحتكار: 158 ـ 160.
  • 94. مقتبس من بحث "فقه الاحتكار في الشريعة الاسلامية".
  • 95. المصدر: الموقع الرسمي للأستاذ حيدر حب الله حفظه الله.