الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

صلاة الجمعة في ايران.. بعيون صحفي فلسطيني

لا تزال ايران ومنذ قديم الأزمان متحفا تاريخيا وثقافيا وعقائديا مفتوحا على كل الصعد، واليوم تتعزز فيها القيم والشعائر وفق المدرسة الاسلامية التي مصدرها الرسول محمد”ص” وامتدادا بواسطة أئمة أهل بيته عليهم السلام، الذين مثلوا على مر التاريخ الاسلامي منذ وفاته المعارضة الدائبة للسلطات الحاكمة. ومذ أقمت في الجمهورية الاسلامية قبل أكثر من عام وأنا أقارن وأقارب مندهشا بينها وبين الدول الاسلامية الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالتفسير الديني، والشؤون العبادية والسياسية. واليوم أسجل شهادتي حول “صلاة الجمعة” في هذا البلد الذي يساهم فقهاء الدين بقوة في ادارته.

استفتاء أسبوعي على شرعية النظام

بحسب الفقه الشيعي لا تقام هذه الصلاة الا بوجود الحاكم العادل، ويعتبر مراجع الشيعة الحديث المشهور:”صلوا خلف كل بر وفاجر” من الأحاديث الموضوعة المكذوبة، ولذلك استؤنفت هذه الصلاة كواحدة من نتائج نجاح الثورة الإسلامية. وفي بدايات تأسيس ايران الجديدة بقيادة الامام الراحل الخميني برزت الى الظهور كعامل ثوري يشد الجماهير الى بعضها البعض ويشدها الى قيادتها، لا سيما والمصلون فيها على مستوى كل محافظات البلاد بالملايين، وهم من المؤمنين بالنظام الاسلامي الذي يشرف عليه “الولي الفقية” المنوط به تعيين أئمة الجمعة، وهذه حقيقة لا نبالغ فيها، فالفرد الشيعي عندما يظن عدم العدالة والنزاهة في “امام الجمعة والجماعة” معذور شرعا من الاقتداء به، وبالتالي لن يستطيع الاعلام المعادي القول إن الايرانيين مجبرون على التجمهر كما تصور “قناة العربية السعودية” مثلا حشود اليمنيين المليونية الداعمة لأنصار الله، والهاتفة بالموت لأمريكا واسرائيل بانها تتم بالاجبار والتهديد والوعيد.
في شق من خطبة الجمعة يستعرض الخطيب هنا تشخيصا للموقف الاسلامي، وتحليلا للأحداث، وهو ما يعرف بالخطبة السياسية في مقابل الثانية المسماة عبادية، وقد يتعجب البعض إذا عرف أن حشود هذه الصلوات ساهمت بدرجة كبيرة في اعادة بناء الجيش بعد سقوط الشاه من خلال المتطوعين والكفاءات، ومنهم  تشكلت قوات التعبئة والحرس الذين هزموا قبل أكثر من ثلاثين عاما الحرب الأمريكية على وطنهم، يوم تبناها الجناح الصدامي في حزب البعث العربي، وبتمويل سعودي خليجي، واستخدم نفط المسلمين في أبشع وسائل التوحش ضد الشعبين العراقي والايراني آنذاك.

الامام الخميني، ملهم التجديد

في رسالته الفقهية “تحرير الوسيلة” التي تمثل آراءه كمجتهد ومرجع تقليد قبل وفاته؛ يؤكد الامام الخميني على أن خطيب الجمعة ينبغي أن يذكر في ضمن خطبته ما له علاقة بالمصالح الاسلامية، وما يجري في العالم، وما يحتاج اليه المسلمون في استقلالهم، والتحذير من تدخل الدول المستعمرة في أمورهم السياسية والاقتصادية، فالجمعة كما يراها -رحمه الله- على الصعيد الخارجي رمز الإستقلال، وعلى الصعيد الداخلي رمز الوحدة والإئتلاف، وهو فهم فريد لرسالة صلاة الجمعة قلّ من الفقهاء المسلمين من يؤكد عليه، ومن المؤسف في بلادنا الاسلامية أن تتحول “شعيرة الجمعة” لتجمع أسبوعي تبريري لسلوك الظالمين، والدعاء لهم بالرحمة والتوفيق!!

مظهر الوحدة الاسلامية ودعاة الفرقة

مقارنة الجمعة في مساجد ايران شيعيها وسنيها مع تلك التي تقام حتى في الحرمين الشريفين باشراف مباشر من الحكومة السعودية الوهابية تكشف لنا الفارق من حيث انجاز الغرض العبادي والسياسي المطلوب من هذه الشعيرة وفق الفقه الاسلامي المجمع عليه، في تماهٍ مع السلوك الأموي قديما والذي استغل هذه الشعيرة بشكل رخيص وصل لدرجة الاستفادة من منبر الرسول “ص” لتزوير التاريخ،  وتشويه سيرة بيت النبوة ومعدن الرسالة،  اذ كان لعن “علي بن ابي طالب” جزءا من طقوس الجمعة الأموية، وهو الذي تمثل مرجعيته وفق النصوص المتواترة بين المسلمين معيارا للايمان أو النفاق.
أليس من نكد الزمان وتصهين بعض العرب أن ينادى من منبر مكة المشرفة أن الحرب في منطقتنا هي حرب طائفية بين جناحي المسلمين السنة والشيعة؟! الخطاب ذاته يا للأسف في الحج، ومراسم الأعياد، وقد هالني حجم الحقد والبغضاء ودعوات التفرقة والتنابز بالألقاب وانا أتابع صفحات التواصل الاجتماعي لخطباء جمعة سلفيين سعوديين لا شغل لهم الا الهجوم على أتباع مدرسة اهل البيت “ع”، بينما يصلي السنة الايرانيون في مساجد الشيعة ضمن مناطق الغالبية الشيعية بما في ذلك صلوات الجمعة، ويصلي الشيعة في مساجد اخوانهم السنة حيث مدن التمركز لأهل السنة.

القوة العادلة الانسانية

من مظاهر ما يتميز به منبر الجمعة الشيعي عموما؛ توكأ الخطيب على “بندقية أو سلاح” بمثابة رمز قوة يبعث في الذهن ما يوحي بالاستعداد والجهوزية المستمرة ضد المعتدين.
ومن اللفتات الانسانية في ايران مشاركة السجناء في صلاة الجمعة ببعض المناطق مع مراقبتهم، فيتعرفون على المسائل السياسية والاجتماعية، مما يساهم في اصلاح  السجين، ويقول المسؤولون هنا إن هذا الفعل ليس الا تأسيا بسيرة علي بن ابي طالب زمن خلافته.

أمل ورجاء

ليت المؤسسات الدينية في أوساطنا السنية تعيد لصلاة الجمعة وخطبتها دورها الاجتماعي، وتنقذها من هذا الواقع المرير؛ دعاية للمستبدين، مكتوبة من جهات عليا! مكررة المضامين،  سطحية مكانها مساحات أخرى غير صلاة المسلمين الأسبوعية الاستراتيجية 1.

  • 1. المصدر: صحيفة رأي اليوم.