الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

فاطمة (ع) بلسان أبيها

ملاحظتان قبل الانطلاق في أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن فاطمة :

الملاحظة الأولى :

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما يتحدث عن فاطمة فإنه لا ينطلق من عاطفة الأبوة وهو القائل فيه البارئ عز وجل﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ 1وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عموم حديثه عن الأشخاص لا يعطي أحدا أكثر مما يستحقه تبعا لعاطفته وحتى لو كان ذلك الإنسان ابنته.

لأننا لو قلنا بذلك لطعنا في نبوته وكلماته القدسية التي نؤمن جميعا بأنها حجة لا زيغ فيها ولا هوى .. قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كنت أكتب كلشيء أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهتني قريش وقالوا تكتب كلشيء سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال : « أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ».

إن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق إلا صدقا وعدلا فلنضع كلماته عن الزهراء نصب أعيننا ونحن نقرأ عن موقفها بعد وفاته ولا نترك للشيطان سبيلا يتسلل منه .. لان فهمنا لهذه النقطة يمهد لنا السبيل لفهم موقف فاطمة (ع).

الملاحظة الثانية :

إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركز في شخصية فاطمة على قدسيتها وخلوصها لله تعالى وقربها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث يجعلك تأخذ الاحساس بأنها جزء منه ما يصيبه كأنما أصابها وما يصيبها كأنما أصابه وأنها تمثله جسدا وموقفا ..

تعبر عنه وهو المعبر عن إرادة الله تعالى وذلك في مجمل أحاديثه عن فاطمة « من أسخط فاطمة فقد أسخطني » « من أغضب فاطمة قد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله » .. وعلى هذا المنوال.

ولقد استوقفني كثيرا محور كلام الرسول عن ابنته والذي كان يدور حول غضبها وسخطها ورضاها وكأنه ـ بأبي وأمي ـ يلمح للأمة بمصيبتها وابتلائها في موقفها من الزهراء .. وهذا لا ولن يخفى على ذوي الألباب المتفتحة والقلوب المفعمة بحب النبي وآله فلماذا يا ترى كان التركيز على هذا المحور بالذات؟! هل يعقل أن يكون ذلك بلا سبب؟! ألا يحمل هذا في طياته دلالات عميقة وإشارات واضحات.

لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبلغ العرب حين يتكلم وأكثر الناس حكمة حينما يفصح كما كان أحسنهم إنصافا للناس.

لقد هيأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس حتى يصدقوا الزهراء حين تنطق وهيأهم لأن يتحاشوا غضبها إذا غضبت وأخبرهم أن أذاها أذى له وهكذا مهمة الأنبياء تربية الأمم حاضرا أثناء حياتهم وتهيئتهم لاستقبال الحوادث المستقبلية بعد رحيلهم .. والنبي وهو أعظمهم خص الزهراء وهو الصادق الأمين بهالة قدسية تحرم على الآخرين هتكها .. ولم يكن ذلك لقرابتها منه بل لأنها أخلصت للحق وذابت في بوتقته فكانت مقياسا ومعيارا للذين سيأتون بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتجلت حكمة الرسول في أحاديثه المختلفة للأمة التي كانت تنظر لواقع المستقبل وهي تحمل في طياتها بصائر تتضح من خلالها الرؤية ، وتحكم بها على أحداث الواقع في أي زمان ومكان. والأمثلة على ذلك كثيرة ، لقد تحدث النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله عن علي بن أبي طالب (ع) حينما قال « علي مع القرآن والقرآن مع علي » لأن معاوية سيأتي يوما ما ويرفع المصاحف على أسنة الرماح طالبا التحكيم بالقرآن كما حدث في صفين حينها ستعرف أين جهة الحق والصدق لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك المعيار فعلي والقرآن لا يفترقان .. كذلك عندما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار « تقتلك الفئة الباغية » فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك مجالا للاعتذار لأولئك الذين قاتلوا في صف معاوية ضد علي ومعه عمار بن ياسر وهكذا أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنطلق من الحاضر لتشخص داء الأمة في المستقبل.

كل ذلك يجعلنا ننظر إلى غضب الزهراء بقدسية وإلى موقفها بتعقل. إنه غضب من أجل الحق وموقف صدق ضد الانحراف.

إننا ننزه الزهراء من أن تغضب في سبيلشيء غير الحق إنه غضب مقدس وصرخة حق مدوية وبعد قليل سينكشف الغطاء وترى لماذا كان هذا الغضب.

وإليك بعضا مما قاله المصطفى في ابنته ربيبة الوحي فاطمة الزهراء (ع) :

١ ـ « فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ».

رواه البخاري في صحيحه باب مناقب قرابة الرسول ج ٤ ص ٢٨١ دار الحديث القاهرة2.

٢ ـ « إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ».

رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة.

وفي رواية « فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها »3.

٣ ـ قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة (ع) :

« إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب مناقب الصحابة ص ١٥٤ وقال عنه حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه4.

٤ ـ جاء في صحيح البخاري كتاب بدء الخليقة في باب علامات النبوة ج ٤ ص ٢٥٠ بسند عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي ما تخرم مشيتها مشية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين؟! ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألتها فقالت : أسر إلي أن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت فقال : أما ترضي أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة فضحكت لذلك5.

وأورد الترمذي في سننه كتاب المناقب عن حذيفة قال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال : من هذا حذيفة؟ قلت : نعم قال : ما حاجتك غفر الله لك ولأمك؟ ثم قال : إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة6.

وجاء في المستدرك ج ٢ ص ٢٩٤ بسنده عن عائشة قالت لفاطمة : ألا أبشرك؟

إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت محمد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسيا بنت مزاحم. وقال عنه الحاكم النيسابوري حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه يقصد بخاري ومسلم.

وجاء في كنز العمال ج ٧ ص ١١١ أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

وذكر محي الدين الطبري حديث أفضل أربع نساء فضلهم الله في ذخائر العقبى ص ٤٤ وأضاف وأفضلهم فاطمة.

٥ ـ عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها7.

٦ ـ أورد السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) قال : وأخرج الطبراني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقا ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة ».

وروى الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٥٦ بسنده عن سعد بن مالك قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل (ع) بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة.

٧ ـ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث. وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ، ذكره ابن حجر في صواعقه ص ١٦٠ كما أخرجه النسائي وجاء في تاريخ بغداد أيضا ج ١٢ ص ٣٣١.

٨ ـ في صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣١٩ عن عائشة أم المؤمنين قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. قالت : وكانت إذا دخلت على النبي قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها الحديث.

رواه أيضا أبو داوود في صحيحه ج ٣٣ في باب ما جاء في القيام. ورواه الحاكم أيضا في مستدرك الصحيحين ج ٣ ص ١٥٤.

٩ ـ جاء في مسند أحمد بن حنبل ج ٥ ص ٢٧٥ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سافر جعل آخر عهده فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة ..

وذكر ذلك الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٤٨٩ ورواه البيهقي في سننه.

١٠ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي وفاطمة والحسنين : أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم رواه أحمد بن حنبل في مسنده ج ٢ ص ٤٤٢ والحاكم في المستدرك ص ١٤٩ وابن الأثير في أسد الغابة ج ٣ ص ١١ و ج ٥ ص ٥٢٣.

١١ ـ في الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٩٠ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق ذكره الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٥٣.

كانت جولتنا مع أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول فاطمة قصيرة مقارنة بما ورد في حقها ولكن هذا القدر يكفي للعاقل حتى يتعرف على الزهراء (ع) التي أحاطتها العناية الإلهية من قبل ميلادها وكانت في جنة الخلد ... هنالك كان المبدأ كما في رواية الإسراء والجنة هي النهاية كما علمت وما بين الانطلاقة الأولى من الجنة والمنتهى فيها كانت حياة الزهراء عظيمة تنبض بكل معاني القيم النبيلة .. فهل من الممكن أن يكون هناك نشاز في منتصف الطريق؟! يقينا لا ، لذلك أوصى الرسول بفاطمة كثيرا وحذر الناس من غضبها الذي يعني غضبه بل وغضب الله عز وجل كما مر وشهدت لها عائشة بأنها أصدق الناس لهجة فهي الصديقة كما أن العناية الإلهية كان لها الدور المباشر في صياغة شخصية الزهراء فصار أذاها أذى الرسول الذي يعني أذى الرسالة ونزل الوحي يجلجل بالتطهير كما جاء في آية التطهير وتأكيدا على قدسية المسير ومباركة الرب لعمل فاطمة وأهل بيتها كانت سورة الإنسان .... وحتى نزداد يقينا بارتباط الزهراء بالوحي واستقامتها كانت المباهلة ثم الزواج المبارك الذي تم في السماء قبل أن يتم في الأراض بأمره سبحانه وتعالى. ورعاية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخاصة بفاطمة حتى إنه عند قدومها يقبلها ويجلسها في مجلسه وكذا العكس .. ولا يخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر إلا أن يكون آخر من يودعه ابنته وأول من يسلم عليه عندما يعود .. هي سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة ، إذا كل فعل تفعله هو فعل أهل الجنة وكل موقف تقفه هو موقف أهل الجنة ولو نظرت في الجنة لرأيت نعيما وملكا كبيرا ويأتي المنادي غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة وتستقر في مقام محمود منه انطلقت وإليه تعود.

هذه المسيرة المقدسة ، وهذه العظمة ألا تدفعنا للوقوف إجلالا وإعظاما لشخصية قدستها السماء وبارك مسيرتها أبوها صاحب رسالة السماء؟ كل ذلك ألا يجعلنا نتوقف قليلا أمام مواقفها؟ يبدوا لي أننا حتى نستوعب كل ذلك نحتاج إلى عقل سليم وقلب مفرغ من الغرور والاستكبار والهوى لقد جسدت الزهراء تعاليم الوحي .. وسارت وفق هداه فكانت من الجنة إلى الجنة وما بين ذلك غضبها هو غضب الله فتأمل وتفكر وتدبر8.

  • 1. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 3 و 4، الصفحة: 526.
  • 2. ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة ص ١٨٨.
  • 3. أورده ابن حجر في صواعقه أيضا ص ١٩٠ وقد جاء هذا الحديث بصيغ مختلفة تعبر عن نفس المعنى في كثير من المصادر مثل مسند أحمد بن حنبل وكنز العمال والإمامة والسياسة لابن قتيبة ... وغيرها.
  • 4. ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٢ ، وابن حجر في الإصابة ج ٥ ص ١٥٦ .. كما جاء في ميزان الاعتدال للذهبي وغيرها من المصادر.
  • 5. وذكره أيضا في باب مناقب قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج ٤ ص ٢٨١ كما رواه مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده.
  • 6. ورواه ابن حجر في الصواعق ص ١٩١ والحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٥١ ، كتاب مناقب الصحابة وقال عنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
  • 7. رواه الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٦٠ وقال حديث صحيح على شرط سلم .. كما ذكره ابن عبد البر في استيعابه ج ٢ ص ٧٥١.
  • 8. كتاب بنور فاطمة اهتديت لكاتبه السيد عبد المنعم حسن.