الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما هو التجديد الديني في قضايا المرأة؟

هل توقف التجديد الديني في قضايا المرأة؟ وهل وصلنا إلى حالة من الانسداد ولم يعد أمامنا إلا تكرار واجترار ما لدينا وتقليده وإتباعه، وليس بالامكان أبدع مما كان؟ أم أن التجديد الديني مازال ممكناً في قضايا المرأة؟ وكيف ننهض بهذا التجديد؟
لقد برهنت بعض المحاولات الفكرية الجديدة في نطاق الفكر الديني، على أن التجديد في قضايا المرأة مازال ممكناً. ونحن بأمس الحاجة إلى مثل هذا التجديد لإصلاح أوضاع المرأة والنهوض بها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لتستعيد المرأة ثقتها بذاتها، وبقدرتها على بناء مستقبلها، وحتى تتحول إلى طاقة فاعلة ومشاركة في التقدم الاجتماعي.
وقد وجدت أن التجديد الديني ليس ممكناً في قضايا المرأة إلا إذا انطلقنا من إعادة ربط كرامة المرأة بفكرة الحقوق إلى جانب العفة. لأن الخطاب الإسلامي سابقاً كان يكتفي بربط كرامة المرأة بالعفة فقط، ولا يعتني كثيراً بالحقوق. في المقابل كانت الخطابات غير الإسلامية تربط كرامة المرأة بالحقوق، ولا تعتني كثيراً بالعفة.
من هنا نشأ السجال النقدي، والصدام الثقافي والاجتماعي بين تلك الخطابات، التي ظهر عليها الاختلال حين حصل الفصل بين العفة والحقوق.
وهذا الاختلال جاء متأثراً بطبيعة السياق التاريخي الحديث الذي ساهم بقوة في تكوينات الرؤية عند تلك الخطابات حول المرأة وقضاياها.
فالخطابات الإسلامية منذ بداية القرن العشرين إلى ما بعد منتصفه ـأي ما بين فترة الاستعمار الأوروبي وما بعده، وما قبل قيام الدولة العربية الحديثة وما بعدهاـ هذه الخطابات وجدت نفسها أنها أمام مجتمعات مهددة في هويتها وتراثها وقيمها وأخلاقها في ظل هيمنة وسيطرة الاستعمار الأوروبي على هذه المجتمعات، واستمر الشعور بالخوف والخطر حتى بعد قيام الدولة العربية التي ورثت مرحلة ما بعد الاستعمار، حين تخلت هذه الدولة عن المرجعية الإسلامية في صياغة أنظمتها وقوانينها التشريعية والحقوقية. وفي ظل هذا الشعور بالخوف والتهديد والخطر تشكلت الرؤية الثقافية والاجتماعية عند الخطابات الإسلامية حول المرأة ومن هنا جاء التمسك بفكرة العفة بعيداً عن الاهتمام بفكرة الحقوق.
أما الخطابات غير الإسلامية فقد تشكلت رؤيتها الثقافية والاجتماعية على أساس العلاقة والارتباط بمرجعيات الثقافة الأوروبية التي كانت ترفع شعارات تحرير المرأة والتقدم بها، والدفاع عن حقوقها، ومن هنا جاء ربط كرامة المرأة عند هذه الخطابات بفكرة الحقوق.
أما اليوم فلم يعد كافياً ولا حتى مجدياً أن تكتفي الخطابات الإسلامية بربط كرامة المرأة بالعفة فحسب، وإنما بحاجة إلى أن تطور من رؤيتها، وتضيف إلى جانب العفة فكرة الحقوق. وهذا الربط بحاجة إلى تأسيس وتقعيد وتأصيل يتجاوز إشكالية التعارض أو التصادم بين العفة والحقوق. بمعنى أن المطالبة بالحقوق لا ينبغي أن يفهم بأنه يتعارض مع عفة المرأة، بقدر ما ينبغي أن يفهم بأن كرامة المرأة وعفتها لا تتحقق وتكتمل إلا بالحقوق.
كما لا ينبغي أن يفهم من هذا الربط على أنه نوع من النزعة التوفيقية أو التلفيقية، لأن فكرة الحقوق هي فكرة أصيلة وعميقة في الشريعة الإسلامية. ولن ننتظر تغييراً في إصلاح واقع المرأة والنهوض بها إذا لم يتحقق إدماج العفة والحقوق، في النظر إلى كرامة المرأة، وهذا الربط سيكون مصدر التجديد الديني في قضايا المرأة1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 29 يونيو 2005م، العدد 14186.