تقيمك هو: 5. مجموع الأصوات: 29
نشر قبل سنتان
القراءات: 2476

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من فكرة المدنية إلى فكرة الحضارة

من الملاحظات التي تجدر الإشارة إليها، والتوقف عندها، في دراسة الخطاب الفكري عند مالك بن نبي، تلك الملاحظة التي تتعلق بالتحول الحاصل من فكرة المدنية إلى فكرة الحضارة.
ما قبل مالك بن نبي كانت المدنية هي الفكرة السائدة والمتداولة في خطابات وأدبيات المنتسبين إلى ما عرف بفكر الإصلاح والنهضة، ابتداء من الشيخ الأزهري الشهير رفاعة الطهطاوي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وكتابه (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية) الصادر سنة 1869م، والذي عالج فيه مسائل التمدن والعمران، واتصالا بالوزير خير الدين التونسي وكتابه (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) الصادر سنة 1867م، الذي عالج فيه مسائل الإصلاح والتمدن، مرورا بالشيخ محمد عبده وكتابه (الإسلام دين العلم والمدنية)، الذي عالج فيه نفي التعارض بين الدين والمدنية، ومرورا أيضا بالكاتب السوري رفيق العظم وكتابه الذي يتجلى من عنوانه (البيان في التمدن وأسباب العمران) الصادر سنة 1877م، والكاتب المصري محمد فريد وجدي وكتابه (المدنية والإسلام) الصادر سنة 1898م، وصولا إلى العقد الأول من القرن العشرين مع الشيخ الأزهري طنطاوي جوهري وكتابه (نهضة الأمة وحياتها) الصادر سنة 1908م، والشيخ اللبناني مصطفى الغلاييني وكتابه (الإسلام وروح المدنية) الصادر سنة 1908م.
في هذه الكتابات التي تنسب إلى أدب عصر النهضة، كانت المدنية هي الفكرة السائدة والأكثر حضورا وتداولا في التعبير عن حالة النهوض والتقدم، وصفا وتفسيرا وتحليلا وتطلعا، وكنت قد عالجت هذه القضية، وبرهنت عليها في دراسة بعنوان: (الإسلام والمدنية.. تقدم وتراجع فكرة المدنية في مرحلتي الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر)، شاركت بها في مؤتمر (اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث)، عقد في الإسكندرية، ونظمته مكتبة الإسكندرية في 19 يناير 2009م.
هذا ما قبل مالك بن نبي، ومعه تحول الاهتمام من فكرة المدنية إلى فكرة الحضارة، ويعد ابن نبي أحد أكثر المفكرين المعاصرين الذين دفعوا نحو الاهتمام بفكرة الحضارة، وبشكل يمكن أن يؤرخ له في تاريخ تطور علاقة الفكر الإسلامي المعاصر بفكرة الحضارة، التطور الذي دفع بالمنحى الحضاري لأن يكون أحد الاتجاهات القائمة والمؤثرة في ساحة ومسلكيات الفكر الإسلامي المعاصر، وهو المنحى الذي ينتسب إليه أولئك الذين اتخذوا من فكرة الحضارة والعمل الحضاري، هما واهتماما لهم في النظر والعمل الفكري والثقافي.
والمجال الإسلامي المعاصر كان بأمس الحاجة لهذا النمط من التطور، الذي يدفع به نحو الاقتراب من فكرة الحضارة، والارتقاء نحو الاهتمام بمشكلات الحضارة، وهي المشكلات التي درسها وعالجها ابن نبي تحليلا وتركيبا، ومن الأبعاد والزوايا المختلفة، النفسية والاجتماعية والتاريخية، وبالاستناد على قاعدة المقارنة بين المجتمعات في حالة التقدم، والمجتمعات في حالة التخلف، وهي المشكلات التي بإمكانها حين معالجتها، أن تغير وجهة العالم الإسلامي.
والمفارقة اللافتة في هذا الشأن، أن ابن نبي ما زال إلى اليوم، يمثل المحطة الأهم في تطور علاقة الفكر الإسلامي بفكرة الحضارة، وهذا ما يؤكد الحاجة الفعلية والمستمرة نحو الاقتراب من أدبه وخطابه الفكري والثقافي، لتعميق المعرفة بفكرة الحضارة من جهة، ولتوثيق علاقة الأدب الإسلامي بهذه الفكرة من جهة أخرى1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ السبت 3 أغسطس 2013م، العدد 17143.