الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل يوجد تسامح بين المسلمين؟

يذكر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام) كيف أن علماء المسلمين في أواخر القرن الهجري الماضي، قد حددوا مجال التسامح بما يخص المخالفين للمسلمين من جهة الدين. واستحسن الشيخ أبن عاشور هذا التحديد ووافقهم عليه.
وفي هذا النطاق جاءت المناظرة الشهيرة بين الشيخ محمد عبده وفرح أنطون، في بداية القرن العشرين، التي تطرقت إلى موضوع التسامح وعلاقته بالعلم والفلسفة بين المسيحية والإسلام. وفي هذا النطاق أيضا جاء كتاب الشيخ محمد الغزالي الذي حمل عنوان (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام)، إلى جانب أعمال وكتابات أخرى.
ونحن لا نعترض على هذا المعنى بالتأكيد، ولكن وجهة النظر تتعلق بهذا الحصر والتحديد الذي يكاد يغيب فيه عنصر التسامح بين المسلمين أنفسهم مذاهب وجماعات وأفرادا، أو لا يكون مشمولا بهم. وكأن ليس هناك ضرورة أو مبرر للتسامح بين المسلمين، أو ليس هناك موضوع وابتلاء يوجب الحاجة إليه. والحال كما نعلم ليس كذلك على الإطلاق، فواقع المسلمين كما يتراء للجميع يظل شاهدا على حاجتهم الملحة لمفهوم التسامح. المفهوم الذي يكاد يكون غائبا أو مهملا أو منسيا بين المسلمين، وليست له قوة المعنى في حياتهم الفكرية والدينية، وليست له عظمة التجلي، وفاعلية التخلق، خصوصا عندما تشتد الخلافات والنزاعات بين المسلمين، ففي مثل هذه الظروف لا يكون التسامح في العادة هو سيد الموقف، أو النداء الذي يكون عاليا ويصغي إليه الجميع، والسؤال لماذا؟
والعجيب حقا أن من النادر جدا أن تجد كتابا مؤلفا في موضوع التسامح بين المسلمين، ولا أدري إذا كانت هذه الحقيقة تبعث على الدهشة عند الكثيرين من الغيورين على الإسلام ومستقبل المسلمين، أو عند بعضهم على الأقل، فهل يصدق هذا الأمر حقا؟
والإسلام الذي فيه أعظم منابع التسامح، إلى درجة نجد الشيخ أبن عاشور يقول: يحق لنا أن نقول أن التسامح من خصائص دين الإسلام، وهو أشهر مميزاته، وأنه من النعم التي أنعم بها على أضداده وأعدائه، وأول حجة على رحمة الرسالة الإسلامية المقررة بقوله تعالى﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ 1.
والحقيقة أن كل ما في الإسلام من قيم ومبادئ وأخلاقيات ومفاهيم هي من منابع التسامح في الإسلام، والسؤال أين ذهبت هذا المنابع وتجلياتها بين المسلمين، الذين تطحنهم النزاعات والخلافات منذ زمن طويل، وترتفع في حاضرهم عاليا خطابات التكفير، ودعوات العنف، والرغبة في القتل، بصورة هي الأخطر من نوعها في تاريخ المسلمين الحديث. وكأن منابع التسامح قد جفت في الإسلام، أو أن هذه المنابع ليس لها أساس في الإسلام، وكأن الأصل في الإسلام هو التعصب والتطرف والتكفير.
والمشكلة أن تاريخ المسلمين الفكري لا ينقل لنا تراثا لامعا ومتخلقا بالتسامح، بقدر ما ينقل لنا مشاهد ومواقف متفرقة ومتناثرة، وكأنها خارجة عن السياق العام، وليست هي السياق نفسه، وحتى هذه المشاهد والمواقف لا نأتي على ذكرها إلا لماما، ولا نستحضرها بالطريقة التي نبرز فيها عاليا مفهوم التسامح. وإلى اليوم والتسامح لا يشكل في حياتنا الفكرية حضورا متجليا وخلاقا، ينفذ إلى عقولنا بقوة إشعاعه.
وإذا كان التسامح ينبعث في الأمم التي تبتلي بالنزاعات الفكرية، وتظهر فيها الصدامات الدينية، أو الحروب الدينية، فنحن مرت علينا وما تزال تمر علينا مثل هذه النزاعات الفكرية والصدامات المذهبية، فلماذا لم ينبعث التسامح فينا، لذلك جاز لنا التساؤل هل يوجد تسامح بين المسلمين؟2

  • 1. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 107، الصفحة: 331.
  • 2. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 28 ديسمبر 2005م، العدد 14368.