الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اسس العلاقة الزوجية

نص الشبهة: 

ما هي الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات الزوجية حتى تكون لدينا حياة قويمة فهل هي الحقوق والواجبات أم أن هناك شيئاً آخر ؟! . .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فقد ذكرت في كتاب : « تفسير سورة هل أتى » بعض ما يفيد في هذا المجال ، ونحن نورد لكم نبذة منه ، وهي التالية :
ورد عنهم صلوات الله وسلامه عليهم : « تهادوا تحابوا ، فإن الهدية تذهب بالضغائن » 1 .
إذ إن الذي يقدم الهدية ، هو الذي يحب من أخذ الهدية ، ولعله لأن المعطي إنما يبذل له ما حصله بجهده وعرقه ، أو ببذل ماء وجهه ، أي : أن جزءاً من كيانه ، ووجوده قد تجسد بهذا النتاج . والإنسان يحب نفسه ، وكل متعلقاتها, ويتعامل مع كل ما يعود إليها ، أو يرتبط بها ، بصورة أكثر حميمية ، وانجذاباً ، من تعامله مع الأغيار .
وهذا يشير إلى أنه حين أمرنا الله تعالى بالبذل للآخرين ، فإنما أراد منا أن ننظر إليهم ، وأن نتعامل معهم على أنهم جزء من كياننا ومن وجودنا ، وما ذلك إلا لأن تعاملنا هذا سيغيِّر الكثير الكثير من طبيعة حياتنا ، وعلاقاتنا ومواقفنا من بعضنا البعض .
أما من يأخذ الهدية ، فقد يكون في حرج وضيق ، حين يفكر بأن المعطي قد يمنَّ عليه بما أعطاه ، ويذكِّره به حتى بالسلام ، وفي البسمة واللفتة ، والنظرة ، وقد تذهب به أفكاره وخيالاته كل مذهب ، ليصل إلى حد أن يفكر بأن يبعده عنه ، ويتخلص منه ، ولو بالأسلوب السيء والمهين . وقد شاع وذاع القول : « إتق شر من أحسنت إليه » .
وشاهد آخر على ذلك ، هو أن الله سبحانه يقول: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 2.
فإن الله سبحانه حين شرع أحكام الزواج ، لم يذكر واجبات وأحكاماً إلزامية خاصة بهذا الواقع الجديد ، سوى عدد يسير ، ربما لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة . . واكتفى فيما عدا ذلك بالأحكام العامة , الشاملة لكل مسلم . .
مع أن الاحتكاك في الحياة الزوجية فيما بين الزوجين ، يفوق ما يكون في أية حالة أخرى . . والأجواء في داخل البيت الزوجي ، مهيأة للتدخل في كل شيء يمكن تصوره في مجال تعاطي إنسان مع إنسان آخر . .
وذلك من أعظم الدلائل على أن هذا الدين هو من عند الله تعالى . . وهو من مظاهر الإعجاز التشريعي ، الدال على أن واضعه هو الله العالم بالسرائر . . حيث إن هذا التشريع يبين : أنه تعالى لا يريد بناء الحياة الزوجية على أساس مصلحي ، أو تجاري ، أو سياسي ، أو على أساس الخضوع والانقياد لظروف اجتماعية ، أو غيرها . . لأن المتوقع في هذه الحال هو أن تنتهي العلاقة بمجرد فقدان تلك المصلحة ، أو انتهاء ذلك الظرف السياسي ، أو الاجتماعي ، أو غيره . . أو إذا وجد أي من الشريكين مورداً آخر أكثر ربحاً ، وأعظم فائدة ونفعاً .
كما أنه لا يريد أن يقيم العلاقة على أساس اقتضاء الغريزة والحب الشهواني ، فإن تأثيره سيتضاءل أيضاً إلى حد التلاشي التام ، حينما تفقد الغريزة فاعليتها ونشاطها ، أو حينما تخبو جذوة الشهوة ، لأي سبب كان . .
بل يريد أن يقيمها على أساس أقوى من ذلك كله ، يستطيع أن يكون هو الحاكم ، والمؤثر ، في مختلف الظروف والأحوال ، ألا وهو الحب الإنساني ، والنظرة الإيمانية . .
فكان أن سعى إلى إثارة المشاعر الإنسانية ، في كلا الطرفين ، تجاه الطرف الآخر ، وهيأ المناخ لتمازج تلك المشاعر ، لتنتج من ثم حباً إنسانياً صافياً وخالصاً ، يحمل في داخله معنى القيمة ، ومعنى الإخلاص ، ويتنامى في ظل الرعاية الإلهية ليلتقي بالوجدان ، فيهبه حياة ، ويقظة دائمة ، ويتأصل ، ويتجذر ، ويتعمق بالإيمان ، والتقوى . . ويصان ويحفظ في ظل الإحساس بالرقابة الإلهية والوجدانية .
ومن هنا نجد : أن التشريع الإلهي لم يقم نظام الحياة الزوجية ، على أساس الحق والعدل . وقهر الطرف الآخر به ، وفرضه عليه . . إذ إنه لم يشرع واجبات كثيرة يمكن المطالبة بها لأي منهما ، وذلك الذي شرعه وفرضه فعلاً ، لن يحقق لهما الراحة ، والسعادة ، والهناء ، إلا بقدر ما يحجزهما عن العدوان والتظالم فيما بينهما ، حين تبلغ بهما الأمور إلى الخطوط الحمراء ، حيث يكمن الخطر ، وتتعمق الهاوية السحيقة .
ولسوف يدركان من خلال التجربة العملية : أن هذا ليس هو طريق نيل السعادة ، بل إن لنيلها وسائل وطرقاً أخرى لا بد من البحث عنها . .
ولن يطول بهما المقام ، إذ سيدركان : أنه لا بد لهما من العودة إلى ما يريد الله لهما أن يعودا إليه ، ألا وهو التوادّ ، والتراحم ، حسبما أشارت إليه ، الآية الكريمة: ﴿ ... وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ... 2 إن المنقذ والملاذ هو الحب الإنساني ، لا الحب الغريزي والشهواني ، الذي يضج في داخل ذاته ، وليس هو في الحقيقة إلا تعبيراً آخر عن الأنا الطاغي ، والمتمرد ، الذي يضج في داخل ذاته ، ويريد أن يستأثر باللذة ، وأن يسعد بها ، بأية قيمة وبأي ثمن .
والحب الإنساني والإيماني : لا يرضى بديلاً عن أن يصبح كل من الزوجين جزءاً من شخصية الطرف الآخر ، ومتمماً لكيانه ، ووجوده : ﴿ ... مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... 2 .
ولكن الله سبحانه لا يريد أن يوجد هذا الحب بصورة إعجازية ، وبجبرية قاهرة . . وإنما يريد لهما أن يقوما معاً بتهيئة أسباب وجوده ، وموجبات نشوئه . وأن ينتجاه بصورة طبيعية ، وأن يتنامى في داخل ذاتهما ليصبح جزءاً من التكوين الحقيقي لشخصيتهما الإنسانية .
وقد اعتمد من أجل تحقيق ذلك عنصر التضحية المتبادلة ، والتي تكون عن إرادة واختيار ، ومن منطلق المعرفة ، والوعي ، والإدراك لحقيقة حاجاتهما الحياتية ، في مختلف المجالات . .
فحين يشعر كل من الزوجين بضعف الطرف الآخر ، وبحاجته للمساعدة والرعاية ، فستتحرك مشاعر الرحمة فيه ، وسيدعوه ذلك لمد يد العون له . حتى إذا تكرر هذا العون ، والتعاهد له مرة بعد أخرى ، فإن ذلك سيجعله يتعلق به ، لأن جزءاً من جهده ، ومن عرقه ، قد تجسد فيه ، وسيزداد هذا التعلق على مر الأيام تبعاً لتكرر ذلك بسبب اقتضاء الطبيعة الإنسانية له . .
ولعل هذا يفسر لنا سرَّ شدة تعلق الأم بطفلها ، فإن سببه هو مدى ما تبذله من جهد في مساعدته ، وهي ترى ضعفه وحاجته ، فتسهر عليه ، وتتحمل الكثير من المشاق في سبيله .
أما الأب فإن ما يبذله من جهد وتضحيات مباشرة في سبيل الطفل ؛ لا يصل إلى حد ما تبذله أمه ، فلذا كان من الطبيعي أن يزيد تعلقها العاطفي بالولد ، عن مستوى التعلق العاطفي لأبيه به . .
وبذلك يتضح ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ ... وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ... 2 فإن المودة ـ كما قالوا 3 ـ هي الحب الظاهر أثره في مقام العمل . .
غير أن علينا أن لا ننسى أن هذا الحب قد يفقد بعض توهجه ، بسبب ضعف أو فقد بعض موجباته ، التي تسللت إلى عناصر الإلزام في قرار الزواج ، مما له صفة غرائزية ، أو ذوقية ، نشأت عن ملاحظة حالة جمالية معينة ، فيكون ضعف تلك الموجبات سبباً في بعض الخفوت ، وضعف التأثير في الحركة العملية ، والسلوكية ، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى تدخل العنصر الثاني ، وهو الرحمة ، التي هي انفعال نفساني ، قوامه رقي في الإدراك الإنساني ، وشفافية ، وصفاء ، وتألق ، في روح الإنسان ونفسه . .
نعم تأتي هذه الرحمة الإنسانية لتكون هي الضمانة الحقيقية لبقاء هذه العلاقة الرحيمة ، والحميمة ، والصادقة ، محتفظة بقوتها ، وبحيويتها . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 4 . .

  • 1. بحار الأنوار ج 72 ص 44 .
  • 2. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 21، الصفحة: 406.
  • 3. عن كنز الفوائد للكراجكي .
  • 4. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة السابعة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1423 ـ 2002 ، السؤال (398) .

تعليق واحد