الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الرد على اباطيل عثمان الخميس حول أن القول بكفر الصحابة يتسبب في انعدام الثقة بالقرآن لأن الصحابة هم نقلة القران

نص الشبهة: 

قال عثمان الخميس: (إذا كان الصحابة كفاراً خاصة المشهورين منهم ، وهم نقلة القرآن فكيف يثق الشيعي بنقل من يعتقد كفره) (من القلب إلى القلب صفحة 12 .).

الجواب: 

أقول:
أولاً: في كلامه هذا يتهم عثمان الخميس الشيعة بالقول بكفر الصحابة وهذا من جملة أكاذيبه وافتراءاته عليهم، فالشيعة الإمامية الإثنا عشرية لا يكفرون صحابة النبي صلى الله عليه وآله، نعم هم لا يقولون بعدالتهم أجمعين، لأنّه لا يوجد دليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة على عدالتهم جميعاً، بل الأدلة على خلاف ذلك، وقد فندنا جميع الأدلة التي استشهد بها عثمان الخميس على عدالة جميع الصحابة في كتابه الآخر حقبة من التاريخ وبيّنا وهنها وعدم دلالتها على هذه العدالة المزعومة وذلك في ردّنا عليه في هذا الكتاب تحت عنوان: (رد أباطيل عثمان الخميس حول عدالة الصحابة) فمن أراد التوسع حول هذه المسألة فعليه مراجعة هذا القسم من الكتاب، لكن نقول هنا:
إن موقف الشيعة من الصحابة ونظرتهم لهم هو موقف القرآن الكريم منهم ونظرته لهم، فالقرآن الكريم يصنف الصحابة الذي كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أصناف مختلفة، فهو يتكلم عن السابقين الأولين والمبايعين تحت الشجرة والمهاجرين المهجرين عن ديارهم وأموالهم، وأصحاب الفتح إلى غير ذلك من الأصناف المثالية الذين يثني عليهم ويذكرهم بالفضل والفضيلة، ويذكر القرآن الكريم في مقابل هؤلاء المجموعات مجموعات أخرى من الصحابة كالمنافقين المعروفين عند النبي صلى الله عليه وآله الظاهر نفاقهم عنده وعند المؤمنين، وهؤلاء أنزل الله عز وجل في حقهم سورة كاملة ذمّهم وفضحهم فيها، وهي سورة (المنافقون).
ومنهم ـ أي الصحابة ـ المنافقون المتسترون في نفاقهم إلى درجة أن النبي صلى الله عليه وآله لا يعرفهم يقول تعالى عن هؤلاء: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ 1.
ومنهم: ضعفاء الإيمان إذا سمعوا نبأً دنيوياً عن تجارة أو غير ذلك يسارعون إلى الخروج من المسجد والرسول صلى الله عليه وآله قائم خطيباً على المنبر يقول تعالى عن هؤلاء: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ 2.
ومنهم من قال الله تعالى عنه: ﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ... 3.
ومنهم من قال الله في حقّه: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ... 4.
إذا فالصحابة فيهم المؤمنون الذين مدحهم الله في كتابه، وفيهم المنافقون والفاسقون وغيرهم، هذه نظرة القرآن الكريم لأولئك الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله فمثلهم مثل غيرهم من المسلمين فيهم الصالح وغير الصالح، المؤمن وغير المؤمن، والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كانت شرفاً للمسلم إلاّ أنها لا تعطيه العصمة ولا تكون موجبة للسعادة والدخول إلى الجنة دون أن يمتلك العبد التقوى التي تؤهله إلى نيل السعادة بالدخول إلى الجنة.
يقول السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي رحمه الله: (إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه أوسط الآراء، إذْ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم قالوا بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة بعدالة كل فرد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ورآه من المسلمين مطلقاً واحتجوا بحديث كل من دبّ أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين.
أما نحن فإن الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنها ـ بما هي ومن حيث هي ـ غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤهم وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال.
فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أمّا البغاة على الوصي أخي النبي وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن أرطاة وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى يتبين أمره) 5.
ثانياً: قلنا فيما سبق أن القرآن الكريم كان مدوناً في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومحفوظاً في صدور الكثير من الصحابة بما فيهم ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وانتقل كتابة ومشافهة إلى الأجيال اللاحقة وكثرت نسخه وكثر حفاظه، وهذه القراءة المشتهرة في الخليج العربي ومصر والشام وإيران وباكستان والهند وتركيا واليمن والعراق كانت مشهورة في زمان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ولم نجد أنهم نهوا شيعتهم عن قراءة القرآن الكريم بهذه القراءة، ولو وجد مثل هذا النهي منهم عليهم السلام لانتشر وتناقلته الشيعة ووجد له أساس في رواياتهم، وهذا يدل على أنّهم عليهم السلام قد أقرّوا هذه القراءة المشتهرة في الجزيرة العربية وما حولها من المدن والبلدان، وإقرارهم حجة، وهو دليلنا على صحة هذه القراءة، بل نجد في بعض الروايات أنّ بعضهم عليهم السلام نهى من كان يقرأ بعض آيات القرآن الكريم بالقراءة الشاذة وأمره بلزوم القراءة المشتهرة بين الناس.
ومما يؤكد أن أئمتنا عليهم السلام قد أقرّوا هذه القراءة المشهورة أنهم عليهم السلام أرجعوا فقهاء المذهب في حال تعارض الروايات إلى عرض الروايات على الكتاب المجيد، فما وافقه يؤخذ ويعمل به وما خالفه يرد ويضرب به عرض الجدار إذا لم يمكن تأويله بما لا يخالف الكتاب المجيد، فعن الإمام الصادق عليه السلام بسند صحيح أنه قال: (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه) 6 ومما لا شك فيه أن الإمام الصادق عليه السلام يريد بالقرآن هذا القرآن الموجود في أيدي الناس والمنتشر بينهم، إذ لو كان يريد غيره لبينّه وأرشد إليه، وهذا دليل آخر على أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام قد أقرّوا هذه القراءة للكتاب المجيد.
ثالثاً: إن عثمان الخميس نسي أو تناسى أن رواياتهم الصحيحة المروية في كتبهم المعتبرة لديهم هي التي نسبت إلى جماعة من الصحابة التحريف في آيات كتاب الله المجيد.. وتدليلاً على ذلك أذكر بعض الأمثلة:
أخرج ابن حبّان في صحيحه رواية بسنده عن سعيد بن جبير ـ والرواية طويلة ـ قال في آخرها: (... وكان ابن عبّاس يقرأ: وأما الغلام كان كافراً وكان أبواه مؤمنين، ويقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) 7.
وفي صحيح البخاري روى بسنده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقرأ: (أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين) 8.
وفي مكان آخر يقول البخاري: (قال سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وكان يقرأ: وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين) 9.
وروى الحميدي في مسنده عن سعيد بن جبير أنه قال: (وكان ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين) 10.
وروى مسلم في صحيحه عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقرأ: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافراً) 11.
وأخرجه الترمذي في سننه، وقال: (هذا حديث حسن صحيح) 12، وصححه أيضاً الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح سنن الترمذي 13.
فهذه الرّواية الصحيحة المروية في أكثر من صحيح من صحاح أهل السنة والتي هي صحيحة عندهم تنسب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس أنه كان يقرأ القرآن الكريم على خلاف ما أنزل الله سبحانه وتعالى، فعبارة (فكان كافراً) ليس لها وجود في القرآن، والآية في المصحف الشريف ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ 14، والآية الثانية لفظها الصحيح هو ﴿ ... وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا 15 وليس (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) كما كان يقرأ ابن عباس حسب ما أفادته هذه الرّواية.
وأخرج البخاري في صحيحه 16، ومسلم في صحيحه 17، وابن حبّان في صحيحه 18، والبيهقي في سننه 19، وابن جرير الطبري في تفسيره 20 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ واللفظ للبخاري ـ قال: (لمّا نزلت وأنذر عشيرتك ورهطك منهم المخلصين).
وعبارة (ورهطك منهم المخلصين) ليست من أبعاض القرآن الكريم فليس لهذه العبارة وجود في المصحف الشريف، فهذه الرّواية الصحيحة تنسب أيضاً إلى ابن عباس أنه كان يدّعي أنّ هذه العبارة نزلت بمعية قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 21.
وفي رواية أخرجها الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقرأ: (فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولاً في العذاب المهين) وقال الحاكم عن هذه الرواية: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) وقال الذهبي في التلخيص: (صحيح) 22.
والآية في المصحف هكذا: ﴿ ... فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ 23.
وهذه الرواية الصحيحة تنسب إلى ابن عبّاس أنّه كان يقرأ بعض آيات القرآن الكريم على خلاف ما هو موجود في المصحف الشريف!
فهذه الروايات الثلاث مروية عن سعيد بن جبير، وسعيد بن جبير ذهب الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء 24 إلى أنّه ولد في أيام خلافة الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، وقد تولى الإمام عليه السلام الخلافة في سنة 35 هجرية، فلو فرضنا أن سعيد بن جبير ولد في هذه السنة ـ أعني سنة 35 هـ ـ وأنه سمع من عباس ذلك وعمره سبع سنوات، فإن سماعه ذلك منه يكون في سنة 42 هـ، الأمر الذي يعني أن ابن عباس بقي يقرأ بعض آيات القرآن الكريم على خلاف ما هو موجود في المصحف الشريف إلى ما بعد ثلاثين سنة من وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله! وإلى ما بعد إثني عشر سنة من جمع عثمان بن عفان الناس على مصحف واحد!.
وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عطاء عن ابن عباس: (أنه كان يقرأ هذه الآية: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... 25 [وهو أب لهم] ﴿ ... وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ... 25)،قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) 26.
فهذه الرواية التي صححها الحاكم تنسب إلى ابن عباس أنه اضاف إلى الآية الكريمة ما ليس منها، فعبارة (وهو أب لهم) لا وجود لها في المصحف الشريف!
وروى عبد الرّزاق الصنعاني في مصنفه بسند صحيح عن ابن جريح قال أن عطاء أخبره أنّه سمع ابن عباس يقرأ: ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ... 27 ـ إلى أجل ـ ﴿ ... فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... 27.
وفي رواية أخرى صحيحة تنسب إلى ابن عباس أنه كان يقسم أن الآية الكريمة نزلت وفيها عبارة (إلى أجل مسمى)، ففي تفسير الطبري قال: (حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ... 27، قال ابن عباس (إلى أجل مسمى)، قال قلت: ما أقرؤها كذلك، قال: والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات) 28.
فهذه الرواية الصحيحة تنسب إلى الصحابي الجليل ابن عباس أنّه كان يدّعي بأن عبارة «إلى أجل مسمى» من أبعاض القرآن الكريم، وهي لا وجود لها في المصحف الشريف.
ونسبت رواياتهم الصحيحة إلى ابن عباس أنه كان يضيف إلى قوله تعالى: [ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدث ]، قال السيوطي في الدّر المنثور: (أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث)) 29.
وقال ابن حجر في فتح الباري: (قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ ... 30 كان ابن عباس زاد فيها (ولا محدث) أخرجه سفيان ابن عيينة في أواخر جامعه، وأخرجه عبد بن حميد من طريقه وإسناده إلى ابن عباس صحيح ولفظه عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث)) 31.
وفي تغليق التعليق لابن حجر العسقلاني: (قال عبد بن حميد في تفسيره حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن نميلة عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس يقرأ (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) إسناد صحيح، وكذا رواه سفيان بن عيينة في أواخر جامعه) 32.
وعبارة (ولا محدث) لا وجود لها في المصحف الشريف، ولكنهم لما أن وجدوا أن هذه العبارة لا وجود لها في القرآن، وأن روايتهم الصحيحة التي رواها ثقاتهم تنسب إلى صحابي من الصحابة أنّه كان يقرأ بعض آيات القرآن الكريم على خلاف ما هو موجود في المصحف الشريف، وبدل أن يطرحوا هذه الرّواية ويردّوها على رواتها زعموا ـ وبدون دليل ـ أن عبارة «ولا محدث» تم نسخها، ونحن لا نعلم وجه الحكمة في نسخ هذه اللفظة ما دامت تكشف عن حقيقة ثابتة صحيحة أخبر الله تعالى عزّ وجل بها نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله؟!
إضافة إلى ذلك فإن الذي روى هذه القراءة عن ابن عباس هو عمرو بن دينار، وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ 33 أنه من مواليد عام 46 للهجرة المباركة، فلو احتملنا أنه سمع ذلك من ابن عباس وعمره سبع سنوات فإن سماعة ذلك منه يكون في عام 53 للهجرة المباركة، أي بعد أكثر من أربعين سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله فهل كان ابن عباس لا يعلم بهذا النسخ وعلمه علماء السنيين بعد مئات السنين؟!
وادّعوا على الصحابي عبد الله بن مسعود أنه كان لا يقول بقرآنية المعوذتين وكان يحكهما من المصحف، قال السيوطي: (أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي صلى الله عليه وآله أن يتعوذ بهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما) 34.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (وعن عبدالرحمن بن يزيد يعني النخعي قال: كان عبدالله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى) قال الهيثمي: (رواه عبدالله بن أحمد والطبراني ورجال عبدالله رجال الصحيح ورجال الطبراني ثقات) 35.
وقال الهيثمي أيضاً: (وعن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي صلى الله عليه وآله أن يتعوذ بهما وكان عبدالله لا يقرأ بهما) قال: (رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات) 35.
وقال السيوطي: (وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، فأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه) 36.
ونحن نستبعد جداً أن يكون عبد الله بن مسعود لا يعلم بقرآنية المعوذتين، ونذهب إلى رأي من قال بأن ذلك مكذوب وموضوع عليه، فقد ذهب إلى بطلان ذلك على ابن مسعود جماعة من علمائهم، ولم يعيروا تلك الروايات الصحيحة التي تثبت ذلك عليه أية أهمية بل طرحوها وصرّحوا ببطلانها، قال النووي: (أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منها شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح) 37.
وقال الفخر الرّازي: (نقل في الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن، واعلم أن هذا في غاية الصعوبة لأنا إن قلنا إن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون سورة الفاتحة من القرآن فحينئذ كان ابن مسعود عالماً بذلك فإنكاره يوجب الكفر أو نقصان العقل، وإن قلنا إن النقل المتواتر في هذا المعنى ما كان حاصلاً في ذلك الزمان فهذا يقتضي أن يقال إن نقل القرآن ليس بمتواتر في الأصل وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، والأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل كاذب باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة) 38.
وقال ابن حزم: (هذا كذب على ابن مسعود وموضوع وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عنه وفيها المعوذتان والفاتحة) 39.
إذاً فإن بعض أولئك الرواة الثقات عندهم هم الذين وضعوا ذلك على عبد الله ابن مسعود، فطعنوا في هذا الصحابي حين كذبوا عليه ونسبوا إليه ما لم يقله أو يفعله وحاولوا الطعن في كتاب الله عزّ وجل حين إدّعوا على لسان واحد من كبار قراء الصحابة أنه يزعم بأن المعوذتين ليستا بقرآن، وبهذا يتبين من هو الذي يطعن في كبار الصحابة ومن هو الذي يحاول الطعن في الكتاب المجيد!
وفي مجمع الزوائد للهيثمي قال: (عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب حدّث أنّه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاستكتبتني حفصة مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأملها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلمّا بلغتها جئتها بالورقة أكتبها فيها فقالت أكتب (حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)) 40.
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال: (أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، قالت: إذا بغلت هذه الآية فآذني:﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ... 41 فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ «حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين» قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم) 42.
وعبارة (وصلاة العصر) ليست من أبعاض القرآن الكريم، ولا وجود لها في المصحف الشريف، فهذه رواياتهم الصحيحة تنسب إلى زوجتي النبي الأكرم صلى الله عليه وآلهـ حفصة وعائشة ـ أنهما كانتا تزعمان قرآنية العبارة المذكورة، وأنها جزء من الآية الكريمة.
وعليه فلا يخلو الأمر إما أن تكون هذه الزّيادة من القرآن الكريم أو أنها ليست كذلك، فإن لم تكن من القرآن ـ وهو كذلك قطعاً ـ فإن روايات أهل السنة الصحيحة التي رواها ثقاتهم تتهم عائشة وحفصة بزيادة ما ليس من القرآن الكريم فيه، وهذا طعن في عائشة وحفصة، ومن ذلك يعرف أن روايات أهل السنة هي التي تطعن في زوجات النبي صلى الله عليه وآله، أو أنّ عائشة وحفصة بريئتان من ذلك وأن ما ورد في هذه الروايات موضوع ومكذوب عليهما من قبل بعض الرواة الذين هم ثقاة عندهم! ومنه يعلم أنّ ثقاة رواة أهل السنة هم الذين يتهمون زوجات النبي صلى الله عليه وآله ويطعنون فيهن وفي القرآن الكريم.
وإما أن تكون هذه الزيادة من أبعاض القرآن الكريم ـ وهي ليست كذلك قطعاًـ ولكنها أسقطت من المصحف أيام جمع عثمان الناس على مصحف واحد، وفي هذا اتهام للصحابي عثمان بن عفان أنه أنقص من القرآن ولم يكتب أو يسجل في مصحفه القرآن كاملاً، وعليه تكون روايات أهل السنة هي التي تزعم نقص القرآن وتتهم الصحابة بالتحريف فيه!
وكذبوا على الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فنسبوا إليه أنّه كان يقرأ القرآن الكريم على خلاف ما هو موجود في المصحف الشريف، فقد روى الحاكم النيسابوري في مستدركه وروى غيره أن علياً عليه السلام قرأ: (والعصر ونوائب الدهر إنّ الإنسان لفي خسر) 43، وعبارة (ونوائب الدهر) لا وجود لها في المصحف الشريف وليست جزءاً من سورة العصر.
فهذه الرواية الصحيحة عندهم تطعن في الإمام علي عليه السلام والذي هو أفضل الصحابة جميعاً حيث تنسب إليه أنّه كان يحرّف في كلام الله ويقرأه على غير ما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله.
ونسبوا إلى عائشة أيضاً أنّها قالت: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن) 44، وليس في القرآن الكريم إشارة أو ذكر لهذه الرضعات الخمس التي زعمت عائشة ـ حسب ما نسبوا إليها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهنّ مما يقرأ من القرآن الكريم.
ورووا أنّ عمر بن الخطاب قال: (إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم فقرأنا بها وعقلناها ووعيناها فأخشى أن يطول بالناس عهد فيقولوا إنّا لا نجد آية الرجم فتترك فريضة أنزلها الله تعالى، وإنّ الرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف) 45.
فهذه الرّواية الصحيحة تنسب إلى عمر أنّه كان يدّعي أنّ مما نزل من القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وآله آية الرجم للزاني المحصن من الرجال والنساء، بل ذكروا أن عمر أتى بآية الرجم عند الجمع الأول للقرآن الكريم في عهد أبي بكر فطلب منه زيد بن ثابت أن يأتي بشاهد آخر على أنها من القرآن فلم يستطع ذلك، كما ذكروا أنه بقي مصرّاً على أنها من القرآن حيث رووا أنه قال: (لولا يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي)! 46.
الأمر الذي يدل على أنّ عمر بن الخطاب كان يعتقد بأن القرآن الكريم ناقص من آية الرجم وأنها جزء من القرآن الكريم ولولا خوفه من الناس لأثبتها في المصحف!
ومن الصحابة الذين نسبت إليهم روايات أهل السنة التحريف في القرآن الكريم الصحابي أبو الدرداء، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن (الأعمش، عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال: كلنا، قال: فأيكم أحفظ؟ فأشار إلى علقمة قال كيف سمعته يقرأ ﴿ ... وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ 47 قال علقمة: [ والذكر والأنثى ] قال أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﴾ 48 والله لا أتابعهم) 49.
فانظر كيف ينسبون إلى أبي الدرداء أنّه حرّف في آية من آيات القرآن الكريم وقرأها على خلاف ما أنزل الله عزّ وجل، وزعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقرؤها كذلك محرّفة، وتدّعي روايتهم الصحيحة السالفة أنّه رفض رفضاً قاطعاً أن يقرأ الآية على حسب ما هي مثبتة في المصحف الشريف.
ولو أردنا أن نستقصي ما رواه ثقاتهم! وما أخرجه علماؤهم في صحاحهم ومسانيدهم وكتب السنن والحديث لديهم وكذلك كتب التفاسير وعلوم القرآن من أمثال هذه الروايات التي تنسب إلى بعض الصحابة أنّهم قرؤوا القرآن على خلاف ما جاء في المصحف الشريف، أو ما تنسبه بعضها إلى بعض الصحابة من أنهم ادّعوا وجود آيات ليس لها وجود في المصحف لاحتجنا أن نسوّد الكثير من الصفحات، ولكننا نكتفي بما ذكرناه منها ففيه الكفاية.
والخلاصة: فإنه يظهر من كل الرّوايات الصحيحة التي نقلناها من كتب أهل السنة أن رواياتهم التي رواها ثقاتهم هي التي تطعن في القرآن الكريم وتطعن في الصحابة أيضاً لأنها تنسب إلى بعضهم التحريف في بعض آيات الكتاب المجيد وإلى بعضهم ادّعاء وجود آيات ليست من كلام الله عزّ وجل.
وذكر عثمان الخميس أنّ من القائلين بالتحريف الشيخ المفيد والملا محسن الكاشاني 50، وهذا افتراء وبهتان منه على هذين العلمين، ومن أكاذيبه على علماء الشيعة، والحق أنما ممن صرّح بعدم وقوع التحريف في الكتاب المجيد، فالشيخ المفيد يقول: (وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب) وكلامه هذا صريح في أنّه ينفي عن القرآن الكريم التحريف وأنّه لم ينقص من سورة أو آية أو كلمة.
أما الملا محسن الكاشاني فإنه قال بعد أن نقل جملة من الرّوايات الموهمة بوقوع التحريف: (ويرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذ على هذا يحتمل كل آية منه تكون محرّفة ومغيّرة وتكون على خلاف ما أنزله الله، فلم يبق له حجة أصلاً فتنقضي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به.
أيضاً قال عزّ وجل: ﴿ ... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 51 فكيف تطرّق إليه التحريف والنقصان والتغيير؟!
وأيضاً قال الله عزّ وجل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 52 وأيضاً قد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم السلام عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بين أيدينا محرّفاً مغيّراً فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله، ويخطر بالبال في دفع الإشكال ـ والعلم عند الله ـ أنّ مرادهم عليهم السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر، فمعنى قولهم: كذا أنزلت، أن المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره، وليس المراد أنّها نزلت كذلك في اللفظ فحذف ذلك إخفاءً للحق وإطفاءً لنور الله.
ومما يدل على ذلك ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه كتب في رسالته إلى سعد الخير، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية...) فهذا الإيراد منه على تلك الروايات الموهمة بالتحريف واضح في أنّه استدلال على نفي التحريف عن كتاب الله المجيد..
وذكر الشيخ عثمان الخميس العلامة النوري الطبرسي على أنّه أحد علماء الشيعة القائلين بالتحريف وأشار إلى كتابه فصل الخطاب وأنّه ألفه في إثبات التحريف في القرآن كل ذلك منه تشنيعاً على الشيعة، والحق أن الشيخ النوري عليه الرّحمة لم يكن مراده من تأليف كتاب فصل الخطاب أن يقول بأن القرآن الموجود في أيدينا محرّف بتبديل أو زيادة، وإنما مراده أن يقول بأن بعض الكلمات أو آيات القرآن قد أسقطت من القرآن الموجود بين أيدينا، قال تلميذه الشيخ آغا بزرك الطهراني أثناء كلام له عن كتاب فصل الخطاب: (... أثبت فيه عدم التحريف بالزيادة والتغيير والتبديل وغيرها مما تحقق ووقع في غير القرآن ولو بكلمة واحدة لا نعلم مكانها، واختار في خصوص ما عدا آيات الأحكام وقوع تنقيص عن الجامعين، بحيث لا نعلم عين المنقوص المذخور عند أهله، بل يعلم اجمالاً من الأخبار التي ذكرها في الكتاب مفصّلاً ثبوت النقص فقد، وردّ عليه الشيخ محمود الطهراني الشهير بالمعرّب برسالة سمّها (كشف الارتياب عن تحريف الكتاب) فلما بلغ ذلك الشيخ النوري كتب رسالة فارسيّة مفردة في الجواب على شبهات كشف الارتياب... وكان ذلك بعد طبع (فصل الخطاب) ونشره، فكان شيخنا يقول: لا أرضى عمّن يطالع فصل الخطاب ويترك النظر إلى تلك الرسالة.
ذكر في أول الرسالة الجوابية ما معناه: إن الاعتراض مبني على المغالطة في لفظ التحريف، فإنّه ليس مرادي من التحريف التغيير والتبديل، بل خصوص الإسقاط لبعض المنزّل المحفوظ عند أهله، وليس مرادي من الكتاب القرآن الموجود بين الدفتين فإنّه باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان، لم يلحقه زيادة ولا نفصان، بل المراد الكتاب الإلهي المنزّل.
وسمعت عنه شفاهاً يقول: إني أثبت في هذا الكتاب أنّ هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باق على ما كان عليه في أول جمعه كذلك في عصر عثمان، ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل كما وقع على سائر الكتب السماوية، فكان حريّاً بأن يسمّى (فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب) فتسميته بهذا الاسم الذي يحمله الناس على خلاف مرادي خطأ في التسمية، لكني لم أرد أن يحملوه عليه، بل مرادي إسقاط بعض الوحي المنزل الإلهي، وإن شئت قلت اسمه ” القول الفاصل في إسقاط بعض الوحي النازل“) 53.
والقول بأن هناك قرآناً أسقط من المصحف الشريف ولم يودع فيه ليس هو مذهب الشيخ النوري فقط بل هو مذهب بعض الصحابة، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه بسنده عن يوسف بن مهران: (أنه سمع ابن عباس يقول أمر عمر بن الخطاب منادياً فنادى أن الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس لا تخدعن عن آية الرجم فإنها قد نزلت في كتاب الله عز وجل وقرأناها ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد صلى الله عليه وسلم...) 54.
وعن ابن عمر قال: (لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر) 55.
وعن حذيفة قال: (ما تقرؤون ربعها يعني براءة، وإنكم تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب) 56.
وقال أبي بن كعب عن سورة الأحزاب: (لقد رأيتها وإنها لتعدل البقرة ولقد قرأنا فيما قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) 57.
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: (بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) 58.
وأخرج مسلم وغيره عن عائشة أنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) 59.
وعن عائشة قالت: (لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها) 60.
ولقد ادّعى علماء أهل السنة نسخ الكثير من القرآن المنزّل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وأنّه لم يسجل من جملة القرآن الموجود في المصحف الشريف، وهذا عنهم مشهور معلوم لا أعلم له منهم منكراً، وقولهم هذا متوافق مع ما قاله الشيخ النوري الطبرسي، والفرق إنما هو في التسمية فهو سمّاه تحريفاً وهم سمّوه نسخاً.
وافترى عثمان الخميس على الشيخ النوري ونسب إليه أنّه قال بأن في القرآن الكريم آيات سخيفة فقال: (إن حسين النوري الطبرسي قال عن القرآن الكريم أن فيه آيات سخيفة والعياذ بالله، أمسلم هذا !!؟) 61.
فالشيخ النوري عليه الرّحمة لم يقل أن في القرآن الكريم الموجود في أيدي المسلمين فعلاً فيه آيات سخيفة كما افترى عليه عثمان الخميس، وإنما قال إن الاختلاف بالقراءات الذي جاءت من عند قراء القرآن والتي لغاها عثمان بن عفان، تلك القراءات كانت من عند غير الله لأن بعضها كان سخيفا وليس معجزا وهذا صحيح لا ينكر 62.

  • 1. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 101، الصفحة: 203.
  • 2. القران الكريم: سورة الجمعة (62)، الآية: 11، الصفحة: 554.
  • 3. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 11، الصفحة: 512.
  • 4. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 74، الصفحة: 199.
  • 5. أجوبة مسائل جار الله صفحة 14ـ 15.
  • 6. وسائل الشيعة 27 / 1118 حديث رقم: 33362.
  • 7. صحيح ابن حبّان 14 / 107 حديث رقم: 6220 وقال محقق الكتاب الشيخ شعيب الأرنؤوط عن هذا الخبر: (إسناده صحيح على شرط مسلم).
  • 8. صحيح البخاري 3 / 1246.
  • 9. صحيح البخاري 4 / 1752.
  • 10. مسند الحميدي 1 / 182.
  • 11. صحيح مسلم 4 / 1850 حديث رقم: 2380.
  • 12. سنن الترمذي 5 / 309 حديث رقم: 3149.
  • 13. صحيح سنن الترمذي 3 / 276 حديث رقم: 3149.
  • 14. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 80، الصفحة: 302.
  • 15. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 79، الصفحة: 302.
  • 16. صحيح البخاري 4 / 1902 حديث رقم: 4687.
  • 17. صحيح مسلم 1 / 193 حديث رقم: 208.
  • 18. صحيح ابن حبان 14 / 487 حديث رقم: 6550.
  • 19. السنن الكبرى للبيهقي 9 / 7 حديث رقم: 17503.
  • 20. تفسير الطبري 19 / 121.
  • 21. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 214، الصفحة: 376.
  • 22. المستدرك على الصحيحين 4 / 446 رواية رقم: 8222، وأخرجها الطبراني في المعجم الكبير 11 / 451 رواية رقم: 12281، والطبري في تفسيره 22 / 74، وأبو نعيم في حلية الأولياء 4 / 304.
  • 23. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 14، الصفحة: 429.
  • 24. سير أعلام النبلاء 5 / 301.
  • 25. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
  • 26. المستدرك على الصحيحين 2 / 450 رواية رقم: 3556، وأخرجه البيهقي في سننه 7 / 69 حديث رقم: 13198.
  • 27. a. b. c. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
  • 28. تفسير الطبري 5 / 12، ورواها أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحن 2 / 334 رواية رقم: 3192، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال الذهبي في التلخيص: (على شرط مسلم).
  • 29. الدر المنثور 6 / 65.
  • 30. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 52، الصفحة: 338.
  • 31. فتح الباري 7 / 51.
  • 32. تغليق التعليق 4 / 65، وانظر أيضاً تفسير أبو الليث السمرقندي 2 / 466، وتفسير القرطبي 12 / 79 ـ 80.
  • 33. تذكرة الحفاظ 1 / 113.
  • 34. الدر المنثور 8 / 683.
  • 35. a. b. مجمع الزوائد 7 / 149.
  • 36. الإتقان في علوم القرآن 1 / 213.
  • 37. فتح الباري 8 / 743.
  • 38. تفسير الفخر الرازي 1 / 178.
  • 39. الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1 / 213، البرهان في علوم القرآن للزركشي 2 / 128.
  • 40. مجمع الزوائد 6 / 320 و 7 / 154، وقال الهيثمي: (رواه أبو يعلى ورجاله ثقات) مسند أبي يعلى 13 / 50 رواية رقم: 7129، صحيح ابن حبان 14 / 228 رواية رقم: 6323.
  • 41. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 238، الصفحة: 39.
  • 42. صحيح مسلم 2 / 112، وأخرجه أيضاً مالك في الموطأ 1 / 138، وأحمد بن حنبل في مسنده 6 / 73 و 6 / 178.
  • 43. المستدرك على الصحيحين 2 / 582 رواية رقم: 3971، وقال: «هذا حديث الإسناد ولم يخرجاه»، وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح»، كنز العمال 2 / 601 رواية رقم: 4848، تفسير الطبري 30 / 372 رواية رقم: 29342 و 30 / 373 رواية رقم: 29343، تفسير الدر المنثور للسيوطي 6 / 392 وقال: وأخرج الفريابي وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والحاكم عن علي... وذكره، ومثله ذكر العلامة الشوكاني في فتح القدير 5 / 492.
  • 44. صحيح مسلم 2 / 1075 رواية رقم: 1452، المسند المستخرج على صحيح مسلم 4 / 125 رواية رقم: 3398، صحيح ابن حبّان 10 / 36 رواية رقم: 4222 السنن الكبرى للنسائي 3 / 298، رواية رقم: 5448، سنن البيهقي الكبرى 7 / 453 رواية رقم: 15397، مسند أبي عوانة 3 / 119، مسند الشافعي 1 / 220 موطأ مالك 2 / 608، سنن الدارمي 2 / 209 رواية رقم: 2253.
  • 45. مسند أحمد بن حنبل 1 / 40 رواية رقم 276 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط عن إسناد هذه الرواية: (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
  • 46. صحيح البخاري 6 / 2622.
  • 47. القران الكريم: سورة الليل (92)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 595.
  • 48. القران الكريم: سورة الليل (92)، الآية: 3، الصفحة: 595.
  • 49. صحيح البخاري 4 / 1889 رواية رقم: 4660.
  • 50. ذكر ذلك في هامش صفحة 14 من كتابه من القلب إلى القلب.
  • 51. القران الكريم: سورة فصلت (41)، الآية: 41 و 42، الصفحة: 481.
  • 52. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 9، الصفحة: 262.
  • 53. الذريعة إلى تصانيف الشيعة 16 / 231.
  • 54. مصنف عبد الرزاق 7 / 330 برقم: 13364.
  • 55. الاتقان في علوم القرآن 2 / 25، الدر المنثور 2 / 298، روح المعاني للألوسي 1 / 25.
  • 56. المستدرك على الصحيحين 2 / 361 برقم: 3274، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: (صحيح)، المعجم الأوسط 2 / 85 برقم: 1330، ونقله عن المعجم الأوسط الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 28 وقال: (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات).
  • 57. المستدرك على الصحيحين 4 / 400 برقم: 8068، وقال الحاكم النيسابوري: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
  • 58. صحيح مسلم 2 / 726 برقم: 1050.
  • 59. صحيح مسلم 2 / 1075 برقم: 1452، صحيح ابن حبّان 10 / 36 برقم: 4222، السنن الكبرى للنسائي 3 / 298 برقم: 5448، المجتبى من السنن للنسائي 6 / 100 برقم: 3307، سنن الترمذي 3 / 456، مسند أبي عوانة 3 / 118 برقم: 4421.
  • 60. سنن ابن ماجة 1 / 625 برقم: 1944.
  • 61. من القلب إلى القلب صفحة 14.
  • 62. هذا الموضوع رَدُّ على شبهة طرحها عثمان الخميس ضمن مجموعة من الشبهات الأخرى التي أثارها ضد مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، و قد قام سماحة الشيخ حسن عبد الله العجمي بالرد عليها، و هذا الرد هو أحد تلك الردود، هذا و قد نُشرت مجموع هذه الردود في الموقع الرسمي لسماحته.