نشر قبل 7 سنوات
تقيمك هو: 5. مجموع الأصوات: 47
القراءات: 7654

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل كربلاء مأساة

نص الشبهة: 

بسمه تعالى هل كربلاء مأساة ؟! أم هي إنجاز سياسي عظيم ؟ . . أم أنها مأساة وإنجاز معاً ؟! إننا نسمع من خطباء المنبر الحسيني ما يوقعنا في حيرة من أمرنا في تفسير هذا الحدث بهذا ، أو بذاك ، أو بهما معاً . .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
فإن ما ورد في السؤال من اختلاف النظرة ، والتعاطي مع قضية كربلاء ، صحيح بلا ريب ، وليس هو موضع مؤاخذة في حد نفسه . . ولكن المؤاخذة إنما هي على الاقتصار والجمود عليه . .
فهناك من يفهم كربلاء ، على أنها قضية سياسية ، تاريخية . ولا بد من تحليلها والتعاطي معها وفلسفتها من خلال هذه النظرة . ويصر على هذا المنحى ، ويعتبره أنه هو الاتجاه العلمي ، والفكري ، والتاريخي ، والسياسي ، والعسكري . ويرى أنه لا بد أن يكون الارتباط بها بمقدار ما يستفيده الإنسان منها في هذا الاتجاه بالذات . .
وهناك من يتعاطى مع كربلاء من حيث هي شعائر ، وعمل عبادي ، والقيام بواجب الحزن والتحزن على المستشهدين فيها . وتعميق الارتباط بأهل البيت [عليهم السلام] من خلال ذلك ، ولأجل ذلك ، فهو يقتصر على عنصر المأساة ، في جميع حالاته ومظاهره ، ثم على رعاية تلك العلاقة الإيمانية بأهل البيت [عليهم السلام] وتعميقها . .
ونقول :
إن مما لا شك فيه أن هذين الاتجاهين ، أساسيان ومهمان جداً في وعينا لمأساة كربلاء ، وليس من الخطأ الاهتمام بهما ، والتركيز عليهما . . لكن الخطأ هو رؤية التنافي فيما بينهما ، والتزام أحدهما ، ورفض الآخر من جهة . . يضاف إليه خطأ آخر ، وهو حصر كربلاء في خصوص هذين الاتجاهين من جهة أخرى . .
والحقيقة هي أن علينا أن نفهم كربلاء على أنها هي الإسلام كله ، بمختلف شؤونه ومجالاته ، ولا يصح تحجيم كربلاء وحصرها في اتجاه خاص ، أو في زاوية بعينها . . ففي كربلاء كل شيء مما تشتهيه أنفس طلاب الحقيقة ، وتسعى إلى نيله عقول أهل الاستقامة على طريق الهدى . . إذ فيها :
العقيدة الإسلامية . .
وفيها الشريعة ، في كثير من مجالاتها . .
وفيها سياسات الإسلام . .
وفيها مفاهيم القرآن . .
وفيها تفسير ، وتأويل آيات من كتاب الله . .
وفيها شذى الإمامة ، وعبق النبوة . .
وفيها مهمات الأنبياء ، وإنجازات الأوصياء ، ومسؤولياتهم وصلاحياتهم . .
وفيها تجليات علوم الأئمة ، ودرجات عصمتهم ، وروائع كراماتهم ، وسائر مواصفاتهم . .
في كربلاء تبنى الشخصية الإنسانية والإسلامية المتوازنة . .
وفيها تصاغ المشاعر ، والعواطف والأحاسيس ، وتنشأ وتتربى وتتكامل ، ويميز فيها الخبيث من الطيب . .
فيها النظرية السياسية ، وفيها المفاهيم العقيدية . .
وفيها الممارسة السياسية ، والموقف العقائدي ، والأخلاقي ، والديني ، والإنساني . .
وليست كربلاء مجرد حدث تاريخي ، سياسي ، عسكري ، ولا هي مجرد مأساة ، لكي تنتهي حينما ننتهي من تقديم بعض التحليلات التاريخية لأسبابها ، ولما نشأ عنها ، أو حينما ننتهي من مراسم العزاء ، أو حين نتوقف عن البكاء . .
ولا هي مجرد نشاط سياسي ، حتى إذا وقفنا على بعض معطياته الفكرية ، لا نعود بحاجة إليه . .
كما أنها ليست مجرد ترف فكري ، تنتهي مفاعيله ، وتنحصر آثاره في حدود ما نرسم لها من آفاق وتصورات . .
إن كربلاء الحسين إنما يجسدها الإمام الحسين [عليه السلام] ، الذي قال عنه النبي الأكرم [صلى الله عليه وآله] : إن الحسين مصباح هدى ، وسفينة نجاة . .
إنه مصباح ينير الدرب للضالين والتائهين في مختلف مواضع التيه والضلال . .
إن الإمام الحسين [عليه السلام] هو النهج الذي تسلكه ، والقاعدة التي تلتزم بها ، لتصل من ثم إلى غاياتك ، وتتلمس التفاصيل من خلال الضابطة والقاعدة التي تعيش آفاقها ، وتستفيد من تجلياتها في كل موقع اشتملت عليه تلك الآفاق ، ولا تغرق في التفاصيل لتضل عن القاعدة ، فلا تجد نور الهداية لتستضيء به .
إننا نحتاج إلى الإمام الحسين [عليه السلام] حاجتنا إلى النور في ظلمة الليل البهيم . .
وذلك كله يجعلنا نفهم أن كربلاء ليست مجرد حدث مسجون في قمقم التاريخ القديم ، نهتم بالبحث عنه ، ثم نودع نتائج بحثنا في بطون الكتب والأسفار ، التي لا يلتفت أحد إليها ، ويعبث بها غبار النسيان ، ويضرُّ بها الهجران ، إلا من بعض زيارات لبعض أساتذة التاريخ القديم في الحوزات الدينية ، أو في الجامعات؛ لحاجة دراساتها الأكاديمية . .
وربما يعطف عليها فريق من الناس ممن عرف عنهم أنهم يعيشون على هامش الحياة ، لأنهم يريدون أن يعيشوا الزهو الفارغ من خلال ذكريات أمجاد الماضي ، التي لم يكن لهم شرف صنعها ، أو الإسهام فيها ، ولا تحملوا عناء شيء مما نشأ عنها من آثار ، وما لحقها من تبعات ، أو ما فرضته من واجبات ومسؤوليات . .
إن كربلاء ـ كما قلنا ـ ليست كذلك ، بل هي الإكسير الذي يعيد صناعة الناس ، ويجعل ترابهم ذهباً ، من خلال ما له من دور كبير في صناعة إنسانيتهم ، وبناء مشاعرهم ، وعواطفهم ، وأحاسيسهم ، وتعريفهم بحقائق دينهم . .
والحمد لله رب العالمين 1 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الرابعة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1423 ـ 2002 ، السؤال (218) .