لماذا لم تتحقق أهداف الأنبياء ؟

دور الانبياء في هداية الانسان :
الحقيقة أن الحكمة الإلهية اقتضت بالنسبة إلى الإنسان أن يكون حراً ينتخب طريقه و يختاره بنفسه ، كل ما هنالك أن دور الأنبياء هو تبيين الطريق و دلالة الإنسان و إرشاده إلى ما فيه خيره و صلاحه ، و لقد سهَّل الله تعالى على الانسان سلوك طريق السعادة و الخير و الصلاح ببعثه للانبياء ( عليهم السلام ) و وفَّر للناس أقرب الطرق و أضمنها لسلوك طريق السعادة و الخير و الصلاح ، و أعفاهم عن تحمُّل عناء الخوض في وادي النظريات المتصورة التي لا تكاد توصل الانسان إلى نتيجة دونما دليل يدلُّه على الحقيقة و يختصر له الطريق و يُجَنِّبه الضياع في المتاهات اللامتناهية .
حرية الانسان في الاختيار :
ثم أن الله جل جلاله لم يُرد للناس أن يكونوا مجبورين على سلوك طريق السعادة و مرغمين على أن يكونوا كلهم ملتزمين بتعاليم السماء ، بل منحهم قدرة الانتخاب و الاختيار على أن يكونوا مسؤولين عن نتائج هذا الانتخاب .
مضافاً الى أن المقصود من منحهم حق الاختيار هو امتحان الناس ، و إلى هذا تشير الآيات القرآنية التالية :
1. قال الله تعالى في القرآن الكريم : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا 1 .
2. و قال الله تعالى : ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ 2 .
3. و قال عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 3 .
4. و قال سبحانه : ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ 4 .
و يؤكد القرآن على أن الله تعالى لو أراد أن يحقق السعادة و الهداية للإنسان ـ بسلب الاختيار منه ـ لكان قادراً على ذلك ، لكن حكمته اقتضت أن يكون الإنسان حراً في الانتخاب و الاختيار ، و إلى هذا تشير الآيات التالية :
1. قال الله تعالى في القرآن الكريم : ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ 5 .
2. و قال تعالى : ﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ 6 .
3. و قال عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ 7 .
4. و قال جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ 8 .
5. و قال سبحانه و تعالى : ﴿ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ 9 .
6. و قال عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 10 .
7. و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ 11 .
8. و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ 12 .
9. و قال جَلَّ جَلالُه : ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ 13 .
من آثار دعوة الانبياء :
هذا و لو تعمقنا قليلاً في حياة الانسان في العصر الحاضر ـ مثلاً ـ لوجدنا أن هذا الانسان رغم أنه لم يأخذ بكل تعاليم الانبياء و إرشاداتهم فأن ما يحمله هذا الانسان من الأفكار النيرة و الصفات الايجابية و الأخلاق الفاضلة اليوم ليست إلا جزءاً مما تركه الانبياء ( عليهم السلام ) و لولا تلك الجهود الجبارة التي بذلها الانبياء لضل الانسان قابعاً في ظلمات الكهوف لا يهتدي لأبسط الامور .