السائل:
العمر:
المستوى الدراسي:
الدولة:
المدينة:
هل الأنبياء أحياء ؟ و هل أعمالنا تعرض على نبي الله محمد صلى الله عليه و اله ؟
السوال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الانبياء أحياء ؟ و هل أعمالنا تعرض على نبي الله محمد صلى الله عليه و اله ؟
Answer:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، و بعد :
لا شك و أن الموت قانون إلهي شامل لما سوى الله جَلَّ جَلالُه ، فليس من شك أن الأنبياء ( عليهم السلام ) يموتون كما يموت سائر الناس من دون استثناء ، و هذا ما تؤكده الآيات القرآنية الكريمة :
1. قال الله عَزَّ و جَلَّ : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ... } [1] .
2. قال الله جَلَّ جَلالُه : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [2] .
3. قال الله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } [3] .
4. قال الله عَزَّ ذكره : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } [4] .
ليس الموت نهاية الحياة :
لكن ينبغي التنبيه على أن الموت ليس نهاية الحياة ، و أن الإنسان لا ينعدم بالموت بل ينتقل بالموت إلى حياة أخرى تسبق الحياة الآخرة تُسمى بالحياة البرزخية ، إلا أننا نجهل حقيقة هذه الحياة ، و هذه الحياة هي التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله : { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [5] .
و رُوِيَ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ أَنه قَالَ :
خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) إِلَى الظَّهْرِ ـ أي ظهر الكوفة ـ فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلَامِ [6] كَأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقْوَامٍ ، فَقُمْتُ بِقِيَامِهِ حَتَّى أَعْيَيْتُ ، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ، ثُمَّ قُمْتُ حَتَّى نَالَنِي مِثْلُ مَا نَالَنِي أَوَّلًا ، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ، ثُمَّ قُمْتُ وَ جَمَعْتُ رِدَائِي .
فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ ، ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ .
فَقَالَ لِي : " يَا حَبَّةُ إِنْ هُوَ إِلَّا مُحَادَثَةُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤَانَسَتُهُ " .
قَالَ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ ؟
قَالَ : " نَعَمْ ، وَ لَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ " .
فَقُلْتُ : أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ ؟
فَقَالَ : " أَرْوَاحٌ ، وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَّا قِيلَ لِرُوحِهِ الْحَقِي بِوَادِي السَّلَامِ ، وَ إِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ " [7] .
موت الناس و موت أولياء الله :
لكن يبدو أن هناك فرقاً بين موت عامة الناس و بين موت أولياء الله ، حيث نجد القرآن الكريم لا يَعُدُّ الشهداء أمواتاً ـ رغم موتهم حسب مقاييسنا ـ و ينهانا عن عدِّهم كذلك فيقول : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } [8] .
و قال عَزَّ ذكره : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [9] .
و من الواضح أن الأنبياء ليسوا بأقل من الشهداء ، بل إنهم أعظم شأناً و أرفع منزلة من الشهداء ، و الشهداء هم الذين يلتحقون بالأنبياء و ليس بالعكس .
قال الله جَلَّ جَلالُه : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [10] .
عرض أعمال الناس على النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) و الأئمة ( عليهم السلام ) :
قال الله عَزَّ و جَلَّ : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [11] .
وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) [12] ، قَالَ : " تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّ صَبَاحٍ أَبْرَارُهَا وَ فُجَّارُهَا فَاحْذَرُوهَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ } " وَ سَكَتَ [13] .
وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : { اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ } ؟
قَالَ : " هُمُ الْأَئِمَّةُ " [14] .
----------------------------------------
[1] سورة آل عمران ( 3) ، الآية : 185 .
[2] سورة الرحمن ( 55 ) ، الآية : 26 و 27 .
[3] سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 30 .
[4] سورة آل عمران ( 3) ، الآية : 144 .
[5] سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 99 و 100 .
[6] وادي السَّلام إسمٌ للوادي الكبير الواقع بالجانب الشمالي الشرقي من مدينة النجف الأشرف في العراق ، و وادي السَّلام هذا هو مقبرة عظيمة جداً ، و ربما عُدَّت أكبر مقبرة في العالم ، أو من أكبر مقابر العالم نظراً لمساحتها الواسعة .
و هذه المقبرة بقعة مباركة تضمُّ مرقد النبيين هود و صالح ( عليهما السلام ) ، كما تضمُّ قبور عدد كبير من أولياء الله الصالحين و العلماء الأبرار و المؤمنين الشيعة الذين دفنوا هناك منذ أن عُرف قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) في النجف الأشرف في سنة 170 هجرية .
و منذ أكثر من ألف سنة و الشيعة تجهد في نقل جثث و رفاة موتاهم من شتى بلدان العالم إلى وادي السلام لِما وردت في فضيلته روايات كثيرة تدل على قدسيته و كرامته .
[7] الكافي : 3 / 243 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
[8] سورة آل عمران ( 3) ، الآيات : 169 ـ 171 .
[9] سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 154 .
[10] سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 69 .
[11] سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 105 .
[12] أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
[13] الكافي : 1 / 219 .
[14] الكافي : 1 / 219 .