حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
ما المقصود بالخشوع في الصلاة ؟
المقصود بالخشوع الذي حثَّ عليه القرآن الكريم و دعت اليه الأحاديث الشريفة هو الانقطاع إلى الله عَزَّ و جَلَّ و التوجه القلبي اليه حال الصلاة، مضافاً إلى الخضوع التام المستولي على البصر خاصةً و على كافة أعضاء الأعضاء و الجوارح بصورة عامة.
و بكلمة أخرى فإن الخشوع في الصلاة حالة ناتجة عن المعرفة و الإيمان بالله عَزَّ و جَلَّ و نتيجة الخشوع هو الإقبال التام على الصلاة بالقلب و الجوارح، و عدم الالتفات يميناً أو شمالاً بالنظر إلى الأطراف أو التفكر في غير الصلاة.
الخشوع في القرآن الكريم
الخشوع من وجهة نظر القرآن الكريم على نوعين:
- الخشوع النابع عن الإيمان و المعرفة و هو الذي ذكره الله عَزَّ و جَلَّ و أثنى عليه في قوله: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ 1 بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ.
- الخشوع النابع عن الخوف و الذل و الذي ذكره الله جَلَّ جَلاله في قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ 2 يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا.
و نجد أيضاً في الأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام هذا التقسيم: "... اَللّهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ خُشُوعَ الايمانِ قَبْلَ خُشُوعِ الذُّلِّ فِي النّارِ..." 3.
الاحاديث الشريفة و الخشوع في الصلاة
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أنَّهُ قَالَ: "بُنِيَتِ الصَّلَاةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ:
- سَهْمٌ مِنْهَا إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ.
- وَ سَهْمٌ مِنْهَا الرُّكُوعُ.
- وَ سَهْمٌ مِنْهَا السُّجُودُ.
- وَ سَهْمٌ مِنْهَا الْخُشُوعُ".
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا الْخُشُوعُ؟
فَقَالَ: "التَّوَاضُعُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُقْبِلَ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ كُلِّهِ عَلَى رَبِّهِ، فَإِذَا هُوَ أَتَمَّ رُكُوعَهَا وَ سُجُودَهَا وَ أَتَمَّ سِهَامَهَا صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاءِ لَهَا نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَهَا، وَ تَقُولُ حَافَظْتَ عَلَيَّ حَفِظَكَ اللَّهُ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الصَّلَاةِ ... " 4.
و كان مما أوصى به الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لكميل 5 أنه قال :
" يَا كُمَيْلُ : لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُصَلِّيَ وَ تَصُومَ وَ تَتَصَدَّقَ ، الشَّأْنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِقَلْبٍ نَقِيٍّ ، وَ عَمَلٍ عِنْدَ اللَّهِ مَرْضِيٍّ ، وَ خُشُوعٍ سَوِيٍّ.
وَ انْظُرْ فِيمَا تُصَلِّي ، وَ عَلَى مَا تُصَلِّي ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهِهِ وَ حِلِّهِ فَلَا قَبُولَ.
يَا كُمَيْلُ : اللِّسَانُ يَنْزَحُ الْقَلْبَ ، وَ الْقَلْبُ يَقُومُ بِالْغِذَاءِ ، فَانْظُرْ فِيمَا تُغَذِّي قَلْبَكَ وَ جِسْمَكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَالًا لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ تَسْبِيحَكَ وَ لَا شُكْرَك " 6.
أسباب و موانع الخشوع في الصلاة
لا شك أن الخشوع في الصلاة ليس جرعة يتجرعها الإنسان فيصبح خاشعاً، بل هو نتيجة طبيعية للايمان و المعرفة كما أشرنا إلى ذلك، فمن أراد الخشوع لزم عليه أن يوفر أسباب الخشوع أولاً و يتخلص من الأمور التي تشكل عقبة أمام وصول الإنسان إلى حالة الخشوع و حضور القلب و الانقطاع إلى الله عَزَّ و جَلَّ في الصلاة و في غيرها من العبادات بل في كل لحظات الحياة.
و لعل أهم سبب يُعين الإنسان على الوصول إلى حالة الخشوع في الصلاة هو الإقبال بقلبه كُلِّه على الله و قطع الصلة بينه و بين كل ما يدور حوله حال كونه في الصلاة، و هذا الأمر لا يتسنى للإنسان حتى يُعطي الصلاة حقها.
رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السَّلام أنه قَالَ: " ... وَ حَقُّ الصَّلَاةِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا وِفَادَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنْتَ فِيهَا قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ قُمْتَ مَقَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ الرَّاغِبِ الرَّاهِبِ الرَّاجِي الْخَائِفِ الْمُسْتَكِينِ الْمُتَضَرِّعِ الْمُعَظِّمِ لِمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسُّكُونِ وَ الْوَقَارِ وَ تُقْبِلَ عَلَيْهَا بِقَلْبِكَ وَ تُقِيمَهَا بِحُدُودِهَا وَ حُقُوقِهَا .. " 7.
و رَوى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أنَّهُ قَالَ: "الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ اخْتِلَاسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِيَّاكُمْ وَ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُقْبِلُ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا الْتَفَتَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ، عَمَّنْ تَلْتَفِتُ- ثَلَاثاً- فَإِذَا الْتَفَتَ الرَّابِعَةَ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" 8.
- 1. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، من بداية السورة إلى الآية 3، الصفحة: 342.
- 2. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 108، الصفحة: 319.
- 3. يمكن مراجعة هذا الدعاء في كتاب : الإقبال بالأعمال الحسنة : 78 ، للسيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس ، المولود سنة : 589 هجرية بالحلة / العراق ، و المتوفى سنة : 664 هجرية ببغداد ، و المدفون في حرم الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية ، طبعة : دار الكتب الإسلامية ، طهران / إيران ، و كذلك في كتاب : المصباح:602 ، للشيخ تقي الدين ابراهيم بن علي العاملي الكفعمي ، المولود سنة : 840 هجرية بكفر عيما بجبل عامل ، و المتوفى بها و المدفون بها أيضا سنة : 905 هجرية ، الطبعة الثانية ، طبعة : انتشارات الرضي ( الزاهدي ) ، سنة : 1405 هجرية ، قم / إيران .
- 4. مستدرك وسائل الشيعة : 4 / 103 ، للشيخ المحدث النوري، المولود سنة: 1254 هجرية، و المتوفى سنة: 1320 هجرية، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة : 1408 هجرية، قم / إيران.
- 5. هو كُمَيْل بن زياد بن سُهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد ، وُلِد باليمن سنة سبع قبل الهجرة ، أسلم صغيراً و أدرك النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) ، و قيل أنَّه لـم يره ، ارتحل مع قبيلته إلى الكوفة في بدء انتشار الإسلام ، كان من سادات قومه ، و كانت له مكانة و منـزلة عظيمة عندهم ، و كان ( رحمه الله ) من ثقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و خواصِّه و عاملهُ على " هيت " ، ثار على الحجاج بن يوسف الثقفي و قاتل قتالاً شديداً ، رَوَى عَنْ أمير المؤمنين أحاديث كثيرة أشهرها دعاء الخضر الذي إشتهر به ، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي لحُبه و وِلائه لأمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، راجع : الإرشاد ( للمُفيد ) : 1 / 327 ، و الموسوعة الرجالية الميسرة ( معجم رجال الوسائل ) : 2 / 42 ، برقم : ( 4594 ) ، الطبعة الأولى سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، قم / إيران ، و شرح نهج البلاغة : 17 / 149 ، لأبن أبي الحديد .
- 6. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 74 / 417 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
- 7. من لا يحضره الفقيه : 2 / 619 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران ، و وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 15 / 173 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
- 8. قرب الإسناد للحميري:150، الطبعة الأولى سنة: 1413 هجرية، مؤسسة آل البيت، قم/ايران.