حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
قضايا المرأة وتجديد مناهج النظر
منذ ظهور الدولة العربية الحديثة التي ورثت مرحلة ما بعد الاستعمار الأوروبي في المنطقة العربية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ظلت أوضاع المرأة تتطور وتتحرك بعيداً عن القاعدة المرجعية الإسلامية. المرجعية التي تخلت عنها الدولة العربية في بناء وتكوين وصياغة أنظمتها ومؤسساتها وتشريعاتها، ولم تجعل منها مرجعية دستورية شاملة على مستوى المجتمع والسلطة والدولة. لذلك كانت الأرضيات والمناخات الثقافية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية التي فرضتها الدولة العربية الحديثة تدفع باتجاه قطع العلاقة المرجعية بين المرأة والدين، وتجعلها في حالة اغتراب عن الفكر الديني، وأكثر قرباً وانسجاماً مع القاعدة الفكرية الغربية التي كانت تتباهى بشعار تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها وحرياتها وتقدمها.
أمام هذا الواقع وجد الفكر الديني نفسه في موقف الدفاع عن الذات، والحفاظ على الهوية والتشبث بها، والتمسك بالتقاليد والدفاع عنها، لأنه لا يستطيع مناهضة الواقع المتغرب المفروض من مؤسسات الدولة، ولا يمتلك القدرة في التأثير على تلك الأوضاع أو تغييرها. لهذا فإن الرؤية التي تشكلت في الفكر الديني حول المرأة كانت متأثرة بتلك الوضعيات والمناخات، ومحرضة على الانكماش والانغلاق، وباعثة على الممانعة والحذر. ودفعت بالفكر الديني في أن يكون شديد التمسك بالتقاليد والموروثات الاجتماعية والدينية، وشديدة الحساسية تجاه المحاولات التي تقترب من قضايا الإصلاح والتجديد لأوضاع المرأة، حتى لو جاءت من داخل الفكر الديني نفسه.
أما اليوم فقد تغيرت تلك الوضعيات والمناخات التي تأثر بها الفكر الديني في المراحل السابقة، كما تغيرت رؤية المرأة لنفسها، وأصبحت أكثر وعياً بذاتها، وبنظرتها لمستقبلها. وبدأت تبحث لنفسها عن فرص التقدم في المجالات العامة، ولم تعد تقنع بالأدوار التقليدية والضيقة والمحدودة، أو بتلك الوصاية الشديدة والشاملة عليها من الرجل، فهي اليوم أكثر تعليماً وتدريباً وخبرة وثقافة من السابق. وقد تقلصت تلك المسافات المتباعدة التي كانت تفصل تقدم الرجل وتميزه عن المرأة ، أو حين كان يحتكر لنفسه فرص التقدم ويحجبها عن المرأة. كما أنها باتت أكثر وعياً وإدراكاً لمفاهيم الحرية والعدالة والمساواة. وهي المفاهيم التي تجعلها تصطدم ببعض التقاليد الاجتماعية، وتدفعها لنقد موروثات قديمة، وعدم الانسجام أحياناً مع بيئات لا تقدر لها طموحاتها، أو تعترف لها بكفاءتها.
هذا الواقع الجديد للمرأة ينبغي تفهمه والإلتفات إليه، والانطلاق منه، والتأسيس عليه. وينبغي أيضاً أن يحرض على القيام بمراجعات جديدة لمنهجيات النظر في قضايا المرأة. لهذا فإن أمام الفكر الديني خياران، إما أن يستمر على منهجه القديم، وخطابه الدفاعي والاحتجاجي، والاكتفاء بالحديث عن مكانه ومنزلة المرأة في الإسلام، وتركيز النقد على النموذج الغربي للمرأة. وهذا الخيار ليس كافياً في بناء شخصية المرأة والارتقاء بها، ولم يعد فعالاً وكافياً حتى في حماية المرأة مع ما يشهده العالم من تطورات مذهلة في تكنولوجيا الاتصالات وتقنيات المعلومات وشبكات الإعلام، ومع بروز تيار العولمة الكاسح والمخيف.
أما الخيار الثاني فهو أن يتحول الفكر الديني من موقف الدفاع السلبي إلى موقف الدفاع الإيجابي وذلك من خلال تجديد مناهج النظر لقضايا المرأة، والتركيز على قضية تعليمها بأعلى المستويات، وتدريبها لاكتساب الخبرات العالية. فحماية المرأة ليس بالجهل أو المعرفة المحدودة، وليس بالتضييق عليها، وتحجيم طموحها، وإغلاق فرص التقدم أمامها، وإنما حمايتها بالعلم، وفتح فرص التقدم والمشاركة أمامها.
فالفكر الديني معني في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى في أن يتفهم الواقع الجديد الذي تعيشه المرأة اليوم، ويتفهم طموحاتها ونظرتها إلى مستقبلها، ويكون ضامناً لهذا المستقبل، وباعثاً على تقدمها في ميادين العلم والعمل1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد (حفظه الله) نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 28 ابريل 2004م، العدد 13759.