الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الفقه الإسلامي وحقوق الإنسان

بين الفقه وحقوق الإنسان هناك ارتباط وثيق، لدرجة قد يعتبر موضوع حقوق الإنسان من موضوعات الفقه الأصلية، وهذا ما يراه بعض الفقهاء الذين وجدوا أن هذا الموضوع متداخل مع جملة من مباحث الفقه كالعبادات والمعاملات من العقود والإيقاعات والأحكام وغيرها، وإذا كان هذا الموضوع حديث الإنفراد إلا أنه قديم الموضوع والبحث، ولذا أكثر الفقهاء من ذكر الحقوق في مختلف الكتب.
ومن وجه آخر لهذه العلاقة، وفي سياق دفاعه عن نظام الحقوق في الإسلام يرى الدكتور مراد هوفمان في كتابه (الإسلام كبديل) الصادر سنة 1993م، أن من الخطأ الاستنتاج أن هناك نقصاً في الحماية القانونية للفرد في الفقه الإسلامي، فعدم تسليط الضوء نظرياً على مسألة حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي يعود إلى طريقة التنظيم، وإلى تقاليد هذا الفقه، فبما أن لكل الحقوق في الفقه الإسلامي المستنبطة من القرآن الأهمية نفسها، فلا يوجد لها في العادة فصل مستقل في كتب الفقه ومصادره، بل نجدها منتشرة في الفصول المختلفة تبعاً لموضوعها، مثلاً في قانون الأحوال الشخصية، وفي القانون الجنائي والقانون الاقتصادي.
وفي ساحة الفكر الإسلامي المعاصر هناك من يؤيد الطريقة السائدة والقديمة في الفقه الإسلامي حيث تتوزع مسائل الحقوق وحقوق الإنسان على مختلف أبواب الفقه، وهناك من يؤيد تخصيص باب مستقل لهذا الموضوع يدرس ضمن أبواب الفقه المتعددة.
يأخذ بالرأي الأول الباحث المصري الدكتور جمال الدين عطية الذي يجد في هذه المنهجية أنها توفر إمكانات للتطبيق، وحسب قوله: لا نجد باباً خاصاً في كتب الفقه الإسلامي أو السياسة الشرعية أو غيرها من علوم الشريعة مختصاً بحقوق الإنسان، ذلك أن الشريعة قد اهتمت بمعالجة كل حق في موضعه من الباب الفقهي الذي يتعلق به، حتى يأخذ وضعه العملي في جسم الشريعة، وبالتالي في التطبيق في حياة الناس وهو المقصد الأساس للشريعة.
ويأخذ بالرأي الثاني الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى جانب آخرين، وفي هذا الشأن يرى الشيخ شمس الدين أن موضوع حقوق الإنسان لم يتبلور في بحث فقهي واحد، وفي باب من أبواب الفقه كما هو متعارف في تصنيف الفقه وتقسيماته، ومن هنا نقترح أن تقوم المعاهد والجامعات العلمية في مستوياتها الدنيا والعليا بالتوفر على مثل هذا البحث بعنوان كتاب حقوق الإنسان.
ولا شك في أهمية وضرورة أن يأخذ هذا الموضوع مكانته الحيوية في منظومة الفقه الإسلامي ويخصص له باب يعنى به، وذلك لأهميته المتعاظمة عالمياً من جهة، ولارتباطه الوثيق بأي مشروع حضاري إسلامي معاصر من جهة ثانية، ولكثرة الابتلاء به في المجال العربي والإسلامي من جهة ثالثة.
ويتأكد هذا الموقف عند معرفة أن الفقه الإسلامي له إسهاماته وإضافاته الهامة والثرية في مختلف مجالات العلوم وقضايا الحياة، ويمثل ثروة ضخمة جداً تعتبر من أهم كنوز المعرفة الإسلامية والحضارة الإسلامية، ولعله حسب رأي الدكتور عبد المجيد الشرفي في كتابه (الإسلام والحداثة) الصادر سنة 1991م، أنه لا توجد حضارة ركزت على الناحية التشريعية تركيز الحضارة الإسلامية، حيث كانت جميع أعمال المسلم البالغ وحركاته وسكناته تخضع لأحكام الحلال والحرام والمندوب والمكروه والمباح.
وهذا يعني أن بإمكان الفقه الإسلامي أن يمثل رافدا حيويا لموضوع حقوق الإنسان، وكل ما يتصل به من قضايا ومفاهيم1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 21 يناير 2010م، العدد 15853.