الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عصر النهضة.. دراسات ومناقشات(3)

3ـ الدراسة الثانية.. المثقفون العرب والغرب

صدر هذا الكتاب (المثقفون العرب والغرب) باللغة الإنجليزية سنة 1970م، وفي وقتها كان الدكتور هشام شرابي يعمل أستاذاً في جامعة جورج تاون الأمريكية، التي منحته إجازة عن واجباته التدريسية العادية لإتمام هذا الكتاب، وفي العام نفسه أصدر الترجمة العربية للكتاب في بيروت، وضم لها مقدمة خاصة بها.
في مقدمة الترجمة العربية للكتاب، شرح شرابي أنه كتب الصفحات الأخيرة منه في أيام حزيران التي وصفها بالسوداء، وكان لديه آنذاك، كما كان لزملائه وإخوانه الأساتذة والطلبة العرب في أمريكا، اختيار واحد حسب قوله، إما الاستسلام لليأس والضياع، أو الاستمرار، وفي روتين العمل اليومي، كانت كل دقيقة مرت عليه في الساعات السبع التي كان يقضيها يوميًّا في الكتابة، تتطلب منه كل جهده وإرادته للمتابعة والاستمرار، الذي يعده نوعاً من الانتصار.
حاول شرابي في هذا الكتاب، إظهار ما اسماه التطور الأيديولوجي في العالم العربي الحديث، في ضوء التطور الاجتماعي والاقتصادي، وتبيان العلاقات الأساسية التي تربط كل فكر سياسي أو فلسفي أو ديني بالمصالح التي ينبثق منها، ويعبر عنها هذا الفكر، ليس من خلال البحث التجريدي النظري، بل بالعودة إلى التيارات والقوى التاريخية التي رسمت وشكلت تاريخ نهضتنا.
إن الهم الأساسي عند شرابي في هذا الكتاب حسب قوله، هو أن يقدم إطاراً فكريًّا يمكننا بواسطته أن نعالج واقعنا الاجتماعي والتاريخي بروح وطريقة علميتين، من أجل أن نتوصل إلى موقف نقدي تجاه تاريخنا ومجتمعنا.
ويرى شرابي أن اليقظة العربية، وهو التعبير الذي استعمله المثقفون العرب لنعت عملية التحديث، لم تكن وليدة وعي فجائي عفوي، إنما كانت نتيجة التحدي الذي فرضه الغرب على المستويات كافة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية، والذي بدأ في القرن التاسع عشر، وأن هذا الكتاب في نظره، هو محاولة لدراسة هذا التحدي، وتحليل الاستجابة العربية له، على مستوى الوعي الفكري.
وفي نظر شرابي أن اليقظة العربية كعملية تحديثية، ظهرت في ظل أوضاع معينة، ومرت بمراحل محددة، وهذا الكتاب حسب قوله، سيركز على المرحلة الأولى التي بدأت أواخر القرن التاسع عشر، وامتدت إلى أوائل القرن العشرين، وتحديداً ما بين (1875-1914م)، ويرى شرابي أن هذه المرحلة أساسية لأنها أرست أسلوب التطورات اللاحقة، وأثرت فيها تأثيراً عميقاً.
وباقي المراحل الأخرى، يصنفها شرابي على هذا النحو: المرحلة الثانية وتمتد ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتتميز بسيطرة الغرب المباشرة على العالم العربي، وتنتهي مع بداية الثورة العربية ضد الغرب، والمرحلة الثالثة تبدأ من نهاية الحرب العالمية الثانية، وتتضمن تحرر العالم العربي سياسيًّا من الغرب، ورفضه لقيم البرجوازية الغربية وثقافتها.
وخلال المرحلة الأولى انحصر تأثير الحضارة الغربية، والتغيير الذي أحدثه في قلب العالم العربي، أي في مصر ومنطقة الهلال الخصيب، لهذا اكتسبت تجربة التغيير الاجتماعي في هذه المنطقة جذورها العميقة، وبعد الحرب العالمية الأولى أخذ التحديث في الانتشار إلى أجزاء العالم العربي الأخرى، وما أن هدأت الحرب العالمية الثانية حتى تغلغل التحديث في أكثر أجزاء العالم العربي ابتعاداً، مثل ليبيا واليمن ومنطقة الخليج والجزيرة العربية.
وعن منهجه في البحث، يقول شرابي: إنه حاول دراسة التغيير من وجهة التاريخ الفكري، ونظر إلى مثقفي تلك المرحلة عبر أدوارهم كمعلقين على تجربة جيلهم ومفسرين لها، وليس من خلال أعمالهم، لهذا فإن دراسته تركز على الظروف التي تمت خلالها الاتصالات، وعلى الأشكال التي اتخذتها، وهذا ما دفعه إلى أن يعتني عناية خاصة، بالمكونات الاجتماعية والنفسية للأفكار.
أما الوجه المميز لهذه الدراسة، فيتحدد في نظر شرابي، في الجهد المبذول لفهم التغيير الاجتماعي في إطار صلته بالمضمون الواضح للوعي المعاصر، واعتبار أن اللجوء إلى التحليلات الاجتماعية والنفسية لهذا النمط من الدراسات، يعمق الفهم أكثر من اتِّباع الأسلوب الوصفي.
ومن ناحية البنية التركيبية، فإن الدراسة تتكون من مقدمتين وثمانية فصول، عالجت الموضوعات الآتية: (انبثاق طبقة المثقفين العرب، الأسس النظرية للنزعة الإصلاحية في الإسلام، أيديولوجية الإصلاح الإسلامي، البنية الاجتماعية والفكرية للمثقفين المسيحيين، الأيديولوجية الاجتماعية للمثقفين المسيحيين، بروز العثمانيين المسلمين، المثقفون العرب والعمل السياسي، المثقفون العرب والغرب)1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة الكلمة، مجلة فصلية، السنة الحادية والعشرون، العدد 84، صيف 2014م / 1435هـ