حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
لا يمكن القول بأن القوانين الحقوقية تستند الى حقائق عينية
نص الشبهة:
كما إن القوانين الحقوقية تتضمن اثبات الحق لمن له الحق، فهي كذلك تثبت، تصريحاً أو تلميحاً، واجباً او تكليفاً على الطرف الاخر، اي الذي عليه الحق. و بناءً على ذلك يمكن اعتبار جميع القوانين الحقوقية متضمنة مفهوم «التكليف» و ما اشبه ذلك. و من وجهة اخرى اننا نعلم ان امثال هذه المفاهيم قيّميّة تتباين مع المفاهيم الواقعية، لان المفاهيم الواقعية تتحدث عن امور خارجية و لها جانبها الوصفي، اما المفاهيم القيميّة فان لها صفة الامر و التكليف.
و استناداً الى هاتين المقدمتين يتضح لنا بانه لا يمكن القول بأن القوانين تدل على حقائق، كما لا يمكن اعتبارها من المفاهيم الوصفية. فمثلاً القول بان: «الانسان خلق حرّاً، و له القدرة على الاختيار» لا يؤدي بنا الى استنتاج «أن الانسان يجب ان يعيش حرّاً، و أن حق الحرية ثابت لكل إنسان» و ذلك لان احد شروط صحة البرهان و الاستنتاج هو أن النتيجة لا تتضمن مفهوماً زائداً على المفاهيم التي تتألف منها المقدمات. و في الوقت الذي لا تشتمل فيه العبارات الوصفية على مفهوم «الوجوب» نجد ان التعابير التي تدل على الامر، كالصيغ الحقوقية، تتضمن مثل هذا المفهوم.
و الخلاصة ان التعابير الحقوقية لا تدل على حقائق عينية، و لا يمكن استنتاجها من القضايا الوصفية التي تدل على حقائق. و عليه، لا يمكن القول: بأن القوانين الحقوقية تستند الى حقائق عينية.
Answer:
و لكي يتضح الردُّ على هذه الشبهة لابد من الاشارة الى نقطتين اثنتين:
الاولى: هي ان المقصود بالحقائق القائمة بذاتها، و التي هي مرتكز القواعد الحقوقية، ليس أمراً خارجيا، بل المقصود هو الصفات التي ينتزعها العقل من الاشياء و الاشخاص و العلائق بينها، كعلاقة التأثير و التأثر بين أفعال الانسان الاختيارية و النتائج المترتبة عليها ، سواء أكانت نتائج مادية و دنيوية و اجتماعية، ام نتائج نفسية و معنوية و أخروية، فهذه العلائق تعتبر من الحقائق القائمة بذاتها، و ان لم نستطع اعتبارها من «الاشياء الخارجية». فالحقائق الفلسفية و حقائق ماوراء الطبيعة، والتي ترد في مفاهيم فلسفية خاصة، تعتبر من جملة الحقائق القائمة بذاتها. و عليه، فان هناك حقيقة قائمة بذاتها في قولنا: «لابدّ من رعاية الحدود و الضوابط اذا ما اريد للنظام الاجتماعي ان يستتب»، و ذلك لان التمسك بالحدود و التعليمات هو علة استتباب النظام، و لا شك في ان وجود العلة ضروري لتحقق المعلول، تلك الضرورة التي تسمى في المصطلح الفلسفي باسم «الضرورة بالقياس» و تعتبر من الحقائق القائمة بذاتها، و ذلك لان النظام في المجتمع، في العالم العيني الخارجي، لا يتحقق من دون التقيّد بالقوانين المقررة. و أن لهذه القضية حقيقة قائمة بذاتها كالحقائق القائمة بذاتها في القضايا الطبيعية و الرياضية، مثل ضرورة وجود الماء لحياة النباتات، و ضرورة تربيع ضلع المربع للحصول على مساحته.
والثانية: هي أن القضايا المنطقية فيها، بالاضافة الى الاجزاء الملفوظة، أجزاء غير ملفوظة تدل على الكيفية النسبية، و تسمى في المصطلح المنطقي «مادة القضية» والتي يمكن تبيانها على انها «جهة القضية»، بل يمكن اعتبارها ركناً من أركان القضية. فمثلاً يمكن أن نقول: «وجود الكائنات الحية على الاجرام السماوية الاخرى ممكن»، حيث دل هذا الـ«ممكن» على الكيفية النسبية بين «الكائن الحي» و «وجوده على الاجرام السماوية» و من ثم ظهر بصورة مفهوم مستقل هو «محمول القضية».
يتضح لنا من خلال هاتين النقطتين ان القضايا الحقوقية تبين، في الواقع، علاقة العلية بين انواع افعال الانسان الاختيارية. فتحقق الاهداف الحقوقية و صحتها منوط باكتشاف الصيغة الكاملة لعلّتها والمعرفة الدقيقة للعناصر بالتعرف على الأجزاء و الشروط و الموانع. غير أن اكتشاف الصيغة الكاملة ليس ميسوراً دائما عن طريق المعرفة الدقيقة وذلك لكثرة العوامل و المتغيرات و انواع الصراع الموجود بين المصالح و المفاسد، الامر الذي ينشأ عنه هذا الاختلاف الكثير في وجهات النظر. و اذا ما قلنا بضرورة تضمين النظام الحقوقي في مجمل النظام القيّمي الشامل، و بالتنبّه الى الاهداف الاخلاقية، اتضحت صعوبة ذلك الاكتشاف اكثر، و بذلك يمكننا ان نصل الى النتيجة القائلة بأن عقل البشر الذي يعوزه التكامل و التجربة أضعف من أن يستطيع ان يعرض نظاما حقوقيا متكاملاً قيّمياً يحقق الكمال النهائي و السعادة الابدية. و من هنا تتضح الحاجة الماسّة الى الوحي و الحقوق الالهية.
ويمكن من خلال النقطة الثانية حل مسألة «التكليف»، اذ أن القضايا الوصفية، اذا اشتملت على رابطة العلّية، تضمنت «الضرورة بالقياس» التي هي مادة القضية، و ان مفهوم ضرورة هذا التضمين لمقدمات القياس هو الذي يظهر بالنتيجة بصورة مفهوم «التكليف». إن اهمال هذه الدقائق المنطقية ادى الى ان يظن بعضهم بان استنتاج الاحكام القيمية و الحقوقية من القضايا الوصفية المستحيلة. ولابد من الانتباه الى أن استنتاج «ضرورة المعلول» يتوقف على تحقق «جميع أجزاء العلّة التامة»، بخلاف ضرورة وجود كل أجزاء العلة لتحقق المعلول. و اذا جاء في مقدمات القياس بعض العلّة التامة، فلا يمكن أن نستنتج منها ضرورة المعلول. ان المغالطات التي تنشأ من استنتاج القضايا الاخلاقية و الحقوقية من خلال القضايا العلمية، انما تحصل بسبب وضع جزء من العلّة موضع العلّة بالكامل، وهو موضوع لا يمكن بحثه في مقالة موجزة كهذه.1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة آیة الله مصباح الیزدي بتصرف يسير.