حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الاختلاط بين الجواز والحرمة
قبل كل شيء لا بد من الإشارة ولو إجمالاً الى أن سيرة المسلمين كانت قائمة على عدم الإختلاط بين الرجل والمرأة بشكل عام منذ أن أوحى الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بهذا الدين العظيم، وكان عدم الإختلاط هو الموافق للإحتياط الشرعي من جهة، ولمنع ما يمكن أن يحصل من مفاسد إجتماعية أخلاقية وتربوية كما كان يحصل في المجتمعات غير الإسلامية، من جهة أخرى.
وكان الإختلاط في الإسلام محصوراً في مجالات محددة من أهمها الإختلاط بين المحارم الذين لا يترتب على إجتماع النساء والرجال أية مفاسد لوجود الضوابط الشرعية الكابحة والمانعة بنحو الغالب من حصول انحرافات في هذا المجال كما قالت الآية الكريمة (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء...) لأن الأصناف التي ذكرتها الآية من الرجال ممن يحرم على المرأة الزواج بهن، ولذا لا خوف من الوقوع في المحظور إذا حصل إختلاط في هذا المجال.
ومع مرور الأجيال والقرون والإبتعاد عن زمن التشريع تحول عدم الإختلاط من كونه تقليداً دينياً ناتجاً عن ضوابط شرعية صار مجرد عادة عرفية مما صار يسمح بحصول إختلاط نسبي في مناسبات محددة خصوصاً مع عدم وجود الحكم الإسلامي الملتزم، وأول ما بدأ مثل هذا الإختلاط في مجالس الخلفاء والأمراء حيث كانوا يتمتعون بغناء المغنيات ورقص الجواري في حضورهن وحضور شخصيات أخرى تكون موجودة في مجالس أولئك الذين يحكمون باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وكان هذا النحو من الإختلاط هو بداية التصدع لمقولة عدم الإختلاط بين المسلمين.
ولا بد من الإلتفات الى أن عدم الإختلاط لم يكن يعني أن تظل المرأة حبيسة المنزل، بل كانت تخرج الى قضاء حاجاتها الخاصة أو حاجاتها المنزلية من الأسواق والمحال التجارية وتقوم بالزيارات مع زوجها أو محارمها الى الجيران والأصدقاء، أو في المناسبات المختلفة، ولكن مع الحفاظ على عدم الإختلاط ضمن المنازل أو الأماكن المخصصة للإجتماعات العامة وما شابه ذلك.
وكذلك لا بد من الإنتباه الى نقطة جوهرية وهي أن عدم الإختلاط كان يمارس في بعض جوانبه بطريقة سلبية حرمت المرأة من العديد من حقوقها الثابتة في الإسلام ومن أهمها التعليم وتلقي الثقافة الإسلامية، إلا في حالات نادرة وشاذة، وكذلك منع المرأة من القيام بالنشاط السياسي والإقتصادي والتجاري، حيث أن دورها في هذا المجال يكاد يكون مفقوداً لمن يطالع كتب السيرة والتاريخ عند المجتمعات الإسلامية في عصور ما قبل القرن العشرين الميلادي.
مما سبق يمكن القول بأن مسألة المرأة المسلمة من حيث الإختلاط لم تكن ممنوعة منه بالمطلق كما لم يكن مباحاً لها بالمطلق كذلك، إنما كان الإختلاط محدوداً بحالات معينة ومحدودة، وإن كنا نعتقد أن الفهم الخاطئ والممارسة الخاطئة لعدم الإختلاط قد حرمت المرأة من العديد من حقوقها الثابتة في الإسلام.
وقد بدأت مسألة الإختلاط بالظهور بشكل بارز وصارت ظاهرة في مجتمعنا الإسلامي بعد الغزو الإستعماري الذي استطاع السيطرة على بلادنا الإسلامية، وبدأ بفرض مفاهيمه وأساليب ومناهج حياته على المسلمين، ومنذ ذلك الوقت الذي نستطيع أن نحدد وقته وهو "نهاية الحرب العالمية الأولى" بدأت المرأة بتشجيع من الثقافة الغربية بالخروج من عزلتها وبدأت بممارسة الإختلاط مع الرجل في المدارس والعمل الإجتماعي والتربوي والصحي والتعليمي والسياسي نوعاً ما، وكان ذلك ما يشبه الثورة على التقاليد الإسلامية، لأن المرأة عندما إختلطت مع الرجل انطلقت في ذلك من المفهوم الغربي حيث تخلت عن حجابها وسترها، وشرعت بتقليد المرأة الغربية في التبرج وإظهار الزينة، وكأنها بذلك تريد أن تنتقم لنفسها من المسار السابق الذي كان يفرض عليها قيوداً مشددة عند الخروج من منزلها للإختلاط ضمن الحالات المحدودة التي ذكرناها.
وهذا النمط من الإختلاط الذي قلدت فيه المرأة المسلمة الأجنبيات هو الذي نتج عنه الكثير من المفاسد الإجتماعية والأخلاقية والتربوية والسلوكية حيث لم نعد نقدر على تمييز المرأة المسلمة من غيرها حتى ضمن مجتمعاتنا الإسلامية، ظناً منها أن عدم الإختلاط كان هو السبب المباشر في حرمان المرأة من الكثير من حقوقها في العهود السابقة، وأن الطريقة الغربية التي أعطت الحرية المطلقة للمرأة في التعلم والعمل هي الطريقة الصحيحة، لأن المرأة في الغرب أخذت في تلك المجتمعات مكانة معينة وتبوأت مراكز مسؤولة في الدولة والمؤسسات والشركات، وأن الإختلاط بالرجل هو الذي أوصلها الى ذلك المقام الذي فرضت نفسها فيه على تلك المجتمعات.
وخلاصة الكلام في هذه المسألة أن الإسلام لا يتوافق مع الإختلاط كيفما كان، ولا يرضى بالإختلاط بالمطلق بمعنى أن يكون متحرراً من القيود والضوابط الشرعية والأخلاقية والسلوكية، بل يقبل الإسلام بأن تكون المرأة عنصراً فاعلاً ومساهماً في المجتمع وفي العديد من المجالات التي يمكن للمرأة أن تعمل فيها، لكن مع مراعاة ضوابط الإختلاط من الحجاب والإلتزام بالآداب والأخلاق الإسلامية التي تصون المرأة ولا تخرج بها عن الدائرة الإنسانية التي تشترك فيها مع الرجل ليتعاونا لما فيه مصلحة الإسلام والأمة الإسلامية.
ونحن كمسلمين لا يمكن أن نقبل بأي شكل من الأشكال أن تكون حرية المرأة في الإختلاط مشابهة لنمط الإختلاط عند العالم غير المسلم الذي أخرج المرأة عن إنسانيتها وجعلها سلعة مبتذلة هدفها إغواء الرجل وإثارة شهواته وملذاته كما هو حاصل حالياً، مع ما ترتب على ذلك من دمار وتخريب لنظام القيم الإنسانية والأخلاقية للعلاقات بين الرجل والمرأة في العالم الغربي والعالم غير الإسلامي عموماً ممن سار على طريقة المستعمرين وسمح للمرأة بالإختلاط من دون قيود إنسانية أو ضوابط أخلاقية ودينية.
وكلنا يعلم من خلال ما يرى ويسمع مقدار الفساد والإنحلال الأخلاقي والتربوي والسلوكي وتدمير قيم العائلة والأسرة وتفككها نتيجة لإباحة الإختلاط من دون أي قيود أو ضوابط، فلم يعد هناك في عالم الغرب من حياة أسرية وعائلية وإجتماعية، بل مجتمع مفكك يتصرف فيه كل فرد وفق حريته الشخصية من دون حدود على الإطلاق.
فالإختلاط على مقاعد الدراسة منذ المراحل الأولى للتعليم وحتى الجامعة، والإختلاط في المناسبات الدينية والإجتماعية وغيرها قد كان له أكبر الآثار تدميراً للعالم الغربي الذي لم يكن يملك بالأصل عقيدة متينة وشريعة تحدد لكل فرد رجلاً كان أو امرأة دوره في المجتمع، وحصل بسبب ذلك الإنحراف والفساد والتحلل والعبث واللغو الذي صار مسيطراً على حياة تلك المجتمعات التي فقدت معنى الإنسانية والقيم والمبادئ الناتجة عنها.
من خلال كل ما سبق يمكن القول إن نظرة الإسلام الى المرأة في هذا المجال هو أن (المرأة لا يجب أن تكون محبوسة في البيت الأبوي أو الزوجي، ولا أن تكون منفلتة من كل الضوابط بحيث تخرج الى المجتمع من دون الإلتزام بالقواعد الشرعية، فلا حبس بالمطلق ولا إختلاط بالمطلق) وهذا يعني أن تأخذ المرأة دورها في المجتمع الإسلامي، وأن تنال حقوقها في التعليم والعمل ضمن المجالات القادرة على العطاء فيها من دون الإختلاط إن أمكن ذلك، أو مع الإختلاط ولكن مع ضوابطه الشرعية والأخلاقية والأدبية صوناً لعفة المرأة وحيائها اللذين إن فقدتهما صارت معرضة للضياع والسقوط في المحذور الشرعي والإجتماعي والأخلاقي.
ولتوضيح الصورة أكثر نذكر بعض الإستفتاءات الموجّهة الى سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" مع الأجوبة عليها وهي التالية:
س – 238 – ما حكم الدخول الى الكلية أو الجامعة حيث يسبب ذلك اختلاطه مع نساء متبرجات يحضرن هناك للدراسة؟
ج – لا مانع من دخول المراكز التعليمية للتعليم والتعلم، ولكن يجب على النساء والبنات حفظ الحجاب، وعلى الرجال الإمتناع عن النظر الى ما لا يجوز لهم النظر إليه وعن الإختلاط الموجب لخوف الفتنة والفساد.
س – 239 – هل يجوز للمرأة أن تتعلم السياقة مع رجل أجنبي وبمعونته في مكان مخصص لتعليم السياقة علماً بأن المرأة محافظة على حجابها وعفافها الشرعي؟
ج – لا مانع من تعلمها السياقة بمعونة وإرشادات رجل أجنبي إذا كان مع المحافظة والمواظبة على الحجاب والعفاف ومع الأمن من المفاسد، ولكن مع ذلك الأولى أن يكون معها أحد من محارمها، بل الأولى أن يكون تعلمها بواسطة أحد من محارمها محل ومكان الرجل الأجنبي.
س -240 – يلتقي الشباب الطلبة في المدارس والجامعات مع الفتيات وبحكم الزمالة والدراسة يتحدثون معهم في مسائل الدرس وغيرها وربما تحدث بعض المفاكهة والضحك بينهم ولكن بدون ريبة وتلذذ، فهل يجوز ذلك؟
ج- لو كان مع مراعاة الحجاب وبلا قصد الريبة ومأموناً من المفاسد فلا بأس به، وإلا فلا يجوز.
س- 299 – هل يجوز للنساء المشاركة في مراسم الإستقبال والترحيب التي تقوم بها الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها للترحيب وتقديم الزهور للوفود؟ وهل يصح تبرير إستقبال النساء للوفود الأجنبية وتقديم الزهور اليهم مع عدم مرافقة النساء لتلك الوفود، بأننا نريد أن نظهر للبلاد غير الإسلامية حرية واحترام المرأة في المجتمع الإسلامي؟
ج – لا وجه لدعوة النساء للمشاركة في مراسم الإستقبال والترحيب بالوفود الأجنبية، ولا يجوز ذلك اذا كان موجباً للمفاسد ونشر الثقافة غير الإسلامية المعادية للمسلمين.
س- 303 – لمواجهة الغزو الثقافي على مجتمعنا الإسلامي ما هو واجب المرأة في الوقت الحاضر؟
ج – أهم واجباتها هو الإحتفاظ بالحجاب الإسلامي والتحرز عن الملابس التي تعد تقليداً للثقافة الغربية.
والحمد لله رب العالمين1.
- 1. نقلا عن موقع سبل السلام لسماحة الشيخ محمد التوفيق المقداد (حفظه الله).