حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
عقوبة القتل في الاسلام
قال الله تعالى في محكم كتابه﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ... ﴾ 1... وقال أيضاً﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ 2.
وقال تعالى﴿ ... مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ... ﴾ 3، وقال تعالى﴿ ... وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ 4 وقال تعالى﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... ﴾ 4.
وكذلك ما ورد في السنة النبوية الشريفة وأحاديث الأئمة (ع) ما يدل على حرمة القتل وأنه من أكبر الذنوب بعد الكفر، فقد ورد عن رسول الله (ص) الكثير نقتصر منها على ما يلي:
- أعثر الناس من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه.
- لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً.
- أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء.
- أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابنا آدم فيقضى بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد.
- لا يغرنكم ربح الذراعين بالدم فإن له عند الله قاتلاً لا يموت، قالوا: يا رسول الله (ص) وما قاتل لا يموت؟ فقال: "النار".
- لا يوفّق قاتل المؤمن متعمداً للتوبة "الإمام الصادق" (ع).
- من قتل مؤمناً متعمداً أثبت الله على قاتله جميع الذنوب، وبرئ المقتول منها، وذلك قول الله عز وجل (إني أريد أن تبؤ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار) الإمام الباقر (ع).
من مجموع الآيات والروايات يتبين لنا أن القتل هو عبارة عن سفك دم إنسان بريء من دون سبب أو لسبب لا يوجب القتل عادة لأنه ليس من موجبات القتل كما حصل مع ابني آدم النبي(ع) عندما قدما قرباناً الى الله فتقبل من احدهما وهو " هابيل " ولم يتقبل من الآخر وهو "قابيل" مما أدى إلى أن يحقد على أخيه ويقتله، أو لأن له ديناً عليه ولم يرده إليه فيقتله مثلاً، أو لمشاجرة بسيطة فيقتل أحدهما الآخر، أو لأسباب أخرى عديدة تحصل بين الناس مما يؤدي إلى أن يقتل بعضهم البعض الآخر.
والمهم من كل ما تقدم أن نبين أقسام القتل وما هو الموقف الشرعي من كل قسم منه، ومن هنا نقول إن أقسام القتل ثلاثة:
أولاً: القتل العمد وهو عبارة عن إزهاق نفس بدون سبب أو مبرر شرعي وكان القاتل متعمداً فعل القتل كما لو تعمد إطلاق النار عليه أو صدمه بسيارة بطريقة قاتلة أو تعمد طعنه بسكين حتى فارقت روحه جسده أو ألقاه من مكان عالٍ موجب للقتل عادة أو حبسه في مكان لا يوجد فيه طعام وماء حتى مات أو غير ذلك من الأسباب الكثيرة المؤدية إلى القتل.
والقاتل عمداً حكمه في الإسلام هو القتل مساواة بالمقتول، ولكن للقتل العمد شروطاً لا بد من حققها وهي:
أولاً: أن يكون قاصداً للقتل كما ذكرنا في الأمثلة السابقة.
ثانياً: أن يكون بالغاً عاقلاً فلا يُقتص من الصبي والمجنون لعدم كونهما مكلفين شرعاً بالأحكام.
ثالثاً: أن يكون المقتول محقون الدم أي (محترم الدم) أي لا توجد جناية بحقه موجبة للقتل كسبّ النبي (ص) أو كان القتل دفاعاً عن النفس.
وكذلك لا بد من إثبات القتل بالأدلة الشرعية وهي التالية:
أولاً: الإقرار أي أن يعترف الإنسان بأنه قتل إنساناً بريئاً، ولكن اختلف العلماء هل يكفي الإقرار مرة واحدة أو لا بد من التكرار مرتين، وإن كان ما ورد في الروايات يشير إلى كفاية الإقرار مرة واحدة كما في الرواية عن الإمام الصادق (ع) (من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حقوق الله مرة واحدة... فعلى الإمام أن يقيم عليه الحد...) وعن الإمام الصادق (ع) (أتى أمير المؤمنين (ع) برجل وجد في خربة وبيده سكين ملطخ بالدم، وإذا رجل مذبوح يتشحط في دمه فقال له الأمير (ع) ما تقول؟ قال: أنا قتلته. قال (ع) إذهبوا به فأقيدوه به).
ولكن يعتبر في المقر بالقتل أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً وقاصداً لما يقول من فعل القتل الموجب للقصاص.
ثانياً: البينة الشرعية وهي عبارة عن شاهدين عدلين وأن يكونا رجلين فلا تكفي شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات إلى الرجل.
ولكن يشترط في البينة أن تكون قد رأت فعل القتل وأن يكون هناك تطابق في قول الشاهدين، فلو اختلفا بحيث أن أحدهما شهد أن القتل حصل صباحاً والآخر أن القتل حصل ظهراً سقطت شهادتهما عن الاعتبار الشرعي ولا يثبت القتل بالشهادتين المتناقضتين.
ثانياً: القتل الخطأ الشبيه بالعمد:
وهو عبارة عن أن يقوم شخص ما بفعل ضد آخر لكن هذا الفعل لا يؤدي إلى القتل عادة فصودف أن مات الشخص الآخر فهذا من نوع القتل الخطأ الشبيه بالعمد كما لو كان يضرب شخصاً من باب التأديب فمات، أو أخطأ الطبيب في العلاج من دون قصد الإيذاء فهنا يكون القتل شبيهاً بالعمد لأنه تعمد العلاج لكن لم يتعمد القتل.
ثالثاً: القتل الخطأ المحض: وهو أن يكون قاصداً لفعل ما كالصيد مثلاً فظن أن هناك طائراً في شجرة فأطلق النار فتبين أن هناك إنساناً فمات، فهذا القتل خطأ محض، إذ أن القاتل ليس قاصداً للقتل أصلاً ولو كان يعلم بوجود إنسان في الشجرة لما أطلق النار بل توقف، أو كمن كان يرمي حجراً إلى مكان لا يتواجد فيه أحد عادة فصدف مرور شخص فأصابه وقتله فهذا أيضاً من الخطأ المحض.
وفي هذين النوعين (الخطأ الشبيه بالعمد) و (الخطأ المحض) لا يجوز الاقتصاص من القائل، فقط يجب دفع الدية ولكن على نحوين:
الأول: في الخطأ الشبيه بالعمد الدية على القاتل نفسه.
الثاني: في الخطأ المحض الدية على أقرباء القاتل من طرق الأب كالأخوة والأعمام.
أما القتل العمد فحكمه هو القتل حصراً إلا أن يقبل أولياء الدم بالمصالحة عبر أخذ الدية من القاتل والعفو عن قتله.
من هنا نقول إن على الإنسان المسلم أن يتمالك نفسه في كثير من الأمور التي تحدث عادة في المجتمع من مشاحنات ومشاجرات ومشاكل حتى لا يقع نتيجة الغضب أو الحقد أو الحسد إلى فعل ما يؤدي إلى القتل حيث لا ينفع بعده الندم لأن ما حصل قد حصل ولأن الإنسان لا يمكنه العودة بالزمن إلى الوراء لتدارك ما حصل.
فجريمة القتل كبيرة عند الله خصوصاً مع التعمد والقصد إليه من دون سبب موجب فهو مؤدٍ إلى غضب الله وسخطه وعذابه العظيم كما ورد في الآيات والروايات.
والحمد لله رب العالمين5.
- 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 92، الصفحة: 93.
- 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 93، الصفحة: 93.
- 3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 32، الصفحة: 113.
- 4. a. b. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 33، الصفحة: 285.
- 5. نقلا عن موقع سبل السلام لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد (حفظه الله).