حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مفطرات الصوم
من المعلوم عند المسلمين قاطبة أن شهر رمضان المبارك هو "شهر الله" الذي دعانا فيه إلى ضيافته لكي نصوم ونصلي وندعو ونسبّح ونحلّق في الأجواء الإيمانية والروحية والأخلاقية ليكتسب المسلم من خلال هذا العيش الروحي في رحاب شهر رمضان القوة والإرادة على المستوى النفسي والسلوكي ليكون المسلم مثالاً يحتذى بفعله وقوله وتصرفاته.
ولا شك أن الصوم هو عملية تربوية متكاملة تبدأ بالروح ولا تنتهي عند حدود الجسد، بل ينبغي أن يستمر تأثير هذه العملية إلى ما بعد انتهائها من خلال الصوم ليبقى شهر رمضان مستمراً بروحه وأهدافه في باقي أشهر السنة.
ولا ريب أن الإسلام قد فرض على المسلم عندما يصوم أن يمتنع عن أشياء محددة لفترة محددة من كل يوم تمتد من "طلوع الفجر" إلى "دخول الليل" حيث يحرم على الصائم أن يفعل أياً من الأمور المفطرة التي سوف نذكرها تباعاً.
لكن قبل البدء بذكر المفطرات واحداً واحداً لا بد من ذكر الشروط التي تجعل الصوم صحيحاً ومجزياً عند الله تعالى وهي:
1 – الإسلام: فلا يصح الصوم من غير المسلم وإن كان الكافر مأموراً بالصوم أيضاً إلا أنه لا يصح منه بسبب كفره وعدم تحقق نية القربة إلى الله عز وجل.
2 – البلوغ: وهو الوصول إلى سن التكليف الشرعي وهو عند الفتى "خمسة عشرة عاماً هجرياً، وعند الفتاة" تسع سنوات هجرية"، أما قبل هذه السنة لا يجب الصوم وإن كان يستحب للأهل تعويد أبنائهم على الصوم مبكراً قبل البلوغ ليتمكنوا من الصوم بعد البلوغ بشكل جيد كما أشارت إلى ذلك الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام).
3 – العقل: فلا يجب الصوم على المجنون لأنه غير مكلف شرعاً بسبب جنونه.
4- عدم المرض: وهو يعني أن المسلم إذا كان مريضاً بحيث إذا صام يزداد مرضه، أو كان عنده استعداد قوي للمرض وصام صار مريضاً فعلياً، بشرط أن يكون هذا المرض مانعاً من الصوم كالقرحة مثلاً، أو المضطر لاستعمال دواء خلال فترات معينة من النهار ولا يمكن الشفاء بدونه، فمثل هؤلاء لا يجب عليهم الصوم، لكنهم يعيدون صيام الأيام التي أفطروها بعد انتهاء شهر رمضان إن استطاعوا.
5 – عدم السفر: وكذلك إذا كان الإنسان ينتقل مسافراً من مكان إلى آخر، وكان تنقله لغير العمل كما لو كان للدراسة أو التدريب أو للنزهة هرباً من الصوم فهؤلاء جميعاً لا يصومون ويجب عليهم قضاء الأيام التي أفطروها بعد انتهاء شهر رمضان. نعم لو كان يسافر من أجل العمل وكسب لقمة العيش، وكان لا يقيم في منزله عشرة أيام متواصلة ولا يبقى في سفره في مكان واحد عشرة أيام متواصلة أيضاً، أو كان يبقى في عمله وسفره أكثر من عشرة أيام لكن دون البقاء في مكان واحد أكثر من عشرة فهؤلاء يجب عليهم الصوم وصلاة التمام بشكل عادي.
وأما المفطرات التي يحرم على الصائم تناولها أو فعلها فهي التالية:
1 – 2 – الأكل والشرب: ولو بمقادير قليلة فإنهما يفطران الصائم، حتى لو فرضنا أن الصائم ابتلع عمداً ما يبقى بين أسنانه من الطعام القليل "البقايا" فهو يفطر بهذا الفعل، وسواء أكل أو شرب ما كان متعارفاً بين الناس أو أكل وشرب ما لم يكن متعارفاً بينهم.
3 – الجماع: وهو فعل محرم على الصائم أثناء صومه، وسواء وطأ الإنسان امرأة أو رجلاً أو صبياً أو حتى حيواناً سواء أنزل أو لم ينزل منه المني فهو مفطر بالمطلق في تلك الحالات.
4 – الاستمناء: وهو أن يعبث الإنسان بآلته الجنسية حتى ينزل المني فهذا الفعل مفطراً وموجب للقضاء أيضاً كما في سائر المفطرات، وكذلك لو علم الإنسان أنه إذا تخيّل أثناء صومه امرأة ما أو نظر إلى شيء مثير للشهوة وأنزل المني فصومه يبطل أيضاً لأنه كان يعلم بذلك.
5 – تعمد البقاء على الجنابة إلى حين طلوع الفجر: وهذا يحدث مع الشخص الذي يجنب ليلاً فيتقاعس عن الغسل وينام إلى أن يستيقظ وكان يعرف أنه يستيقظ عادة لكن غلبه النوم فلم يستيقظ قبل الفجر صح صومه ويغتسل نهاراً ولا شيء عليه، لكن لو فرضنا أنه نام بنية الاستيقاظ ثم قام من نومه فلم يغتسل ثم نام مرة ثانية ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فهذا يبقى صائماً ثم يقضيه بعد ذلك، لكن بقاؤه على الصوم في هذه هو من باب مجرد الإمساك عن المفطرات لا بنية الصوم. أما لو نام بعد الجنابة ثم استيقظ ثم نام ثم استيقظ ثم نام وهذا كله قبل الفجر، ثم لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر يبقى ممسكاً وعليه القضاء والكفارة أيضاً، ويلحق بالبقاء على الجنابة البقاء على حدث الحيض والنفاس عند المرأة، بمعنى أنه إذا طهرت المرأة ليلاً من الحيض أو النفاس فلم تغتسل قبل طلوع الفجر فكل التفاصيل الواردة في الجنابة واردة أيضاً في الحائض والنفساء تماماً.
6 – تعمد الكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) وكل الأنبياء(عليهم السلام): والكذب عليهم بمعنى أن ينقل الإنسان الصائم آية من القرآن وهو يعلم أنها ليست بآية أما لو كان مشتبهاً أو معتقداً بأنها آية فصومه صحيح، أو نقل حديثاً وهو يعلم أنه كاذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو عن الأئمة(عليهم السلام) كذلك.
7 – الارتماس للرأس في الماء: وارتكاب هذا الفعل مفطر بمعنى إذا غمس الصائم رأسه في الماء كله دفعة واحدة فهذا الفعل مفطر للصوم. نعم لو رمسه في غير الماء كما في عصير الليمون وما شابه لا يفطر.
8 – إيصال الغبار الغليظ إلى الفم: وهذا الغبار هو الغبار الكثيف كغبار الكنس أو الطحين أو نشارة الخشب وكل ما هو من هذا القبيل، فإذا فرضنا أن الصائم قام بإيصال هذا الغبار إلى فمه وحلقه بطل صومه كما سوف نبين لاحقاً.
9 – الحقنة بالمائع ولو كانت لمرض أو ضرورة: وهذا يحدث عند حصول حالات آلام حادة عند الصائم فيضطر إلى القيام بحقن نفسه بحقنة للتخلص من الألم، فهذا الفعل مفطر ولو كان الصائم مضطراً إليه فعلاً. أما الحقنة بالجامد المسماة في عرفنا "التحميلة" فليست مضطرة أبداً.
10 – تعمد القيء: وهو فعل يمارسه الصائم أحياناً لضرورة صحية كاضطراب في المعدة أو ما شابه ذلك، وهذا الفعل مبطل للصوم، أما لو حصل الشيء وحده بلا فعل من الصائم فيبقى صومه صحيحاً شرط أن لا يبتلع عمداً ما يخرج من معدته إلى فمه، أما لو عاد وابتلعه بطريقة غير إرادية منه يبقى صومه صحيحاً.
ملاحظة مهمة: كل المفطرات إنما تبطل الصوم إذا وقع ارتكاب أحد المفطرات على وجه التعمد جاهلاً كان بأن الذي يستعمله هو من المفطرات أو لم يكن جاهلاً، نعم لو ارتكب أحد المفطرات نسياناً أنه صائم يبقى صومه صحيحاً مطلقاً ولا يجب القضاء ولا الكفارة في هذا المورد.
وجوب الكفارة: إذا ارتكب الصائم أحد المفطرات التي ذكرناها عمداً وجب عليه التكفير عن هذا الفعل، والكفارة هي أحد أمور ثلاثة – صيام ستين يوماً – أو – إطعام ستين مسكيناً – عن كل يوم، مضافاً إلى قضاء اليوم أو الأيام التي أفطرها عمداً.
هذه هي بنحو مجمل ومختصر مفطرات شهر رمضان المبارك وهي التي يجب على الصائم اجتنابها ليكون صومه صحيحاً من الناحية الفقهية والشرعية.
وفقنا الله لصيام شهر الله ولنيل بركاته وتحصيل مغفرة الله العلي القدير
والحمد لله رب العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.