الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

شراء وقراءة كتب الضلال بين الحلال والحرام

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... 1. هذه الآية تدل على أن الله عزوجل يذم المشتري للحديث اللهوي والعبثي الذي هو عبارة عن الكلام بالباطل الذي هو ضد الحق، والذم الإلهي هنا دال على التحريم، لأنه لو لم يكن محرماً لما كان للذم الإلهي من معنى، ومما لا شك فيه أن كتب الضلال من الحديث اللهوي لأنه يشتمل على الكلام الباطل، ولهذا فيكون شراؤها وبيعها واقتناؤها حراماً شرعاً. ويمكن أن نطبق الحرمة بالطريقة التالية من هذه الآية الشريفة: كتب الضلال من الحديث اللهوي وكل ما كان من الحديث اللهوي فهو حرام... النتيجة: كتب الضلال حرام والحرمة عامة تشمل البيع والشراء والاقتناء والقراءة وما شابه ذلك. وكذلك ما يدل على تحريم كتب الضلال من القرآن: ﴿ ... وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 2 حيث تشير الآية إلى أن الله سبحانه وتعالى أمر بالاجتناب عن قول الزور وجوباً، بناء على أن صيغة (إفعل) في اللغة العربية دالة على الوجوب، ومن الواضح أن كتب الضلال مشتملة على الزور والبهتان والكذب، ولهذا وجب الإجتناب عنها من كل الجوانب، كالاجتناب عن البيع والشراء والاقتناء والقراءة والإهداء. وأما ما يدل على تحريم كتب الضلال من الأحاديث فهو ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية (تحف العقول): (إنما حرّم الله تعالى الصناعة التي يجيء منها الفساد محضاً)، ومن الواضح أن الصناعة الواردة في الحديث بالنسبة إلى كتب الضلال تشمل طباعتها بعد تأليفها وتجليدها، وتعليمها وقراءتها واقتنائها) وهي نوع من الصناعة الفاسدة. وإذا كانت صناعة ما يأتي منه الفساد حراماً فيحرم ثمنه أيضاً تطبيقاً لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (إذا حرّم الله شيئاً حرم ثمنه)، والثمن هنا يعني المتاجرة به بيعاً وشراءً. ومن النصوص الدالة على تحريم كتب الضلال أن كل ما يقوي الكفر، أو ما يؤدي إلى وهن الحق فهو حرام، ولا شك أن كتب الضلال تؤدي إلى تقوية الكفر وإلى توهين الحق، ولذا فهي حرام، والنص هو التالي: (وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله تعالى أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه، إلا في حال تدعو الضرورة إلى ذلك...). والمراد من كتب الضلال ما كان كله مشتملاً على الضلال من دون وجود أي شيء فيه يدل على غير الضلال، والأمثلة كثيرة، ومنها: الكتب الدينية المحرّفة للعقائد السماوية زيادة ونقيصه حتى ضاع النص الأصلي فيهما، وكذلك كتب الفرق الضالة التي لا تؤمن بالأديان السماوية كالبوذية والهندوسية والزرادشتية وكتب الإلحاد التي تنكر أصل وجود الخالق ووحدانيته، وكذلك الكتب التي تدل على الأصنام أو بعض الكواكب كالشمس أو على بعض العقائد الباطنية الفاسدة المنحرفة عن الإسلام أو عن غيره من الأديان. وتحريم هذه الكتب لا يقتصر على ما ذكرناه وهو المجال العقائدي فقط، وهو الجانب الذي ركز عليه فقهاؤنا السابقون، لأن كتب الضلال كانت محصورة فيها تقريباً في زمنهم السابق، أما اليوم فكتب الضلال تتسع لأكثر من الذي ذكره الفقهاء السابقون. ومن أمثلة كتب الضلال الجديدة من هذا الزمن كالكتب الداعية إلى الوسائل الإعلامية التي تبث البرامج الفاسدة والمفسدة وإن لم تكن كتباً، لأن علة التحريم وهي (الضلال) موجودة فيها تماماً، ولأن كتب الضلال صار من الممكن وفق ما أحدثته الثورة التقنية والعلمية من تحويلها إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني كما نرى ذلك في الأفلام التي تتحدث عن كثير مما ذكرنا من كتب الضلال والانحراف. والهدف الأساس من تحريم كتب الضلال هو حفظ المسلمين من أي انحراف قد يحصل لدى ضعاف الإيمان منهم فيما لو كانت هذه الكتب مسموحاً بها، لأن ضعيف الإيمان قد يتأثر بتلك الكتب سلباً، خصوصاً مع جهله بمبادئ الإسلام وأصوله لكونه لم يتعلمها ولم يهتم بها. والمراد من حرمة حفظ كتب الضلال هو إتلافها ومحوها من الوجود بأية طريقة كانت سواء بالتمزيق أو الحرق أو الرمي في الأماكن التي يصعب وصول الناس إليها عادة كالوديان ومجاري الأنهار والبحار، وبكلمة موجزة المطلوب إتلافها بطريقة لا يعود من الممكن الإستفادة منها، ويلحق بها في زماننا إتلاف كتب الفساد والرذيلة وما يدعو إلى التحلل الأخلاقي والسلوكي، وكذلك الأفلام الداعية إلى الفسق والفجور المنتشرة بكثرة في عالم اليوم الذي فقد فيه اكثرية الناس معنى إنسانيتهم وانساقوا وراء الشهوات المحرمة والملذات المكروهة، ويلحق بحكم كتب الضلال أيضاً ما يسمى اليوم بـ (الصحن اللاقط) الذي يستقبل محطات إرسال تلفزيونية من بلدان بعيدة وقريبة لأن غالبية ما يبث من خلاله بالصوت والصورة هو من المحرمات التي لا يخلو النظر إليها من الدعوة والتشجيع على الضلال والحرام. فمن هنا نفهم أن حفظ كتب الضلال وما يلحق بها من مبتكرات العصر الحالي مما يؤدي وظيفة كتب الضلال يحرم اقتناؤها وشراؤها وبيعها وكل أنواع المعاملة بها ولو بنحو الهبة والهدية وما شابه ذلك لأن علة التحريم موجودة فيها جميعاً. نعم هناك حالة واحدة قد استثناها علماؤنا السابقون والحاليون، وهي جواز حفظ كتب الضلال لمن لا يتأثر بها، أو لمن يطالعونها لإبطال ما فيها من عقائد وأفكار وأدلة وبراهين غير صحيحة، وهذا الاستثناء مختص بالعلماء والمفكرين القادرين على حماية أنفسهم من تلك الكتب، لكن هذا الاستثناء لا يشمل بعض ما هو موجود في هذا الزمن والداعي إلى الضلال والانحراف كالأفلام والبرامج الفاسدة والمضلّة والداعية إلى التحلل الأخلاقي والإنساني وتحقير المعاني الإنسانية وتدنيسها لكي تصبح حياة الإنسان شبيهة بالحياة الحيوانية الغريزية كما يقول القرآن الكريم عمن يشجع على ذلك بأنهم ﴿ ... كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا 3، وقد ورد الاستثناء الذي ذكرناه في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: (إلا في حال تدعو الضرورة إلى ذلك)، ومن أبرز الامثلة على ذلك الردود التي قام بها بعض علماء الإسلام رداً على كتاب (آيات شيطانية) لمؤلفه المرتد (سلمان رشدي). ولتوضيخ البحث أكثر نذكر عدة استفتاءات موجّهة إلى سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي دام ظله العالي في هذا المجال: س ـ 103 ـ ما هو حكم مشاهدة برامج التلفزيون التي تلتقط من الأقمار الإصطناعية؟ وما هو حكم مشاهدة ساكني المحافظات المجاورة لدول الخليج للتلفزيون التابع لتلك الدول؟ الجواب: البرامج التي تبث بواسطة الأقمار الإصطناعية الغربية وبرامج أكثر الدول المجاورة بما انها تتضمن تعليم الأفكار الضالة وتزوير الحقائق، وتحتوي على برامج اللهو والفساد، وتكون مما تسبب مشاهدتها غالباً الضلال والوقوع في المفاسد والابتلاء بالمحرم فلا يجوز إلتقاطها ومشاهدتها، نعم لو كانت البرامج برامج قرآنية وأمثالها فلا مانع شرعاً من مشاهدتها. س ـ 116 ـ ما هو حكم قراءة الكتب والاشعار المبتذلة المثيرة للشهوة؟ الجواب: يجب الإجتناب عنها. س ـ 130 ـ ما هو حكم بيع وشراء وإجارة أفلام الفيديو المبتذلة وكذلك الفيديو نفسه؟ الجواب: إن كانت الأفلام تحتوي على الصور الخلاعية المثيرة للشهوة الموجبة للإنحراف والفساد، أو على الغناء أو على الموسيقى المطربة اللهوية المناسبة مع مجالس اللهو والعصيان فلا يجوز بيعها ولا إنتاجها ولا شراؤها ولا إجازتها، ولا إجازة الفيديو للانتفاع بها في ذلك. س ـ 242 ـ ما هو حكم الإطلاع على كتب الضلال وكتب الديانات الأخرى لغرض التعرف على دينهم وعقائدهم المنحرفة وزيادة الإطلاع؟ الجواب: في جواز ذلك لمجرد التعرف وزيادة الإطلاع إشكال. نعم يجوز ذلك لمن يقدر على معرفة وتشخيص ما فيها من الضلال لغرض إبطاله والرد عليه إذا كان من أهله ويطمئن من نفسه بعدم انحرافه عن الحق. س ـ 302 ـ ما هو حكم بيع الصور والكتب والمجلات التي لا تحتوي صراحة على أمور قبيحة ومبتذلة، ولكن تحاول تلميحاً إيجاد جو ثقافي فاسد وغير إسلامي خصوصاً بين الشباب؟ الجواب: لا يجوز شراء وبيع وترويج مثل ذلك مما يهدف إلى انحراف الشباب وإفسادهم ويسبب أجواء ثقافية فاسدة، ويحب التحرز والإجتناب عنها.
والحمد لله رب العالمين4.