حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الشروط الشرعية للباس المسلم والمسلمة
مما لا شك فيه أن الإسلام دين شامل للحياة، فلا يهتم بجانب على حساب جانب آخر، بل يعطي لكل جانب حقه من الرعاية والإهتمام من خلال إبراز دوره والأحكام المرتبطة به حتى يكون هناك تكامل وانسجام بين كل المفاهيم الإسلامية التي لا تقبل الإنفصال أو الإنفكاك عن بعضها البعض.
من هنا إهتم الإسلام عبر أحكامه وأنظمته بظاهر الإنسان وباطنه، وعمل على أن تكون شخصية المسلم متكاملة من كل النواحي.
ومن أهم المظاهر الخارجية للمسلم هي "مسألة اللباس " الذي هو ستر لجسد كلٍّ من الرجل والمرأة بين أفراد المجتمع، لأن اللباس حاجة ضرورية عند بني البشر لستر عوراتهم عن أعين الناظرين، ولذا نرى أن كل شعوب الأرض تستر أجسادها وإن كان ذلك يختلف من شعب لآخر تبعاً لقناعاته الفكرية أو أساليبه العملية في هذا المجال.
بينما اللباس الشرعي في الإسلام له شروط ومواصفات لا بد من توافرها حتى يكون مقبولاً ومنسجماً مع قناعته الإسلامية، وشروط اللباس منها ما هو مشترك بين الرجل والمرأة ومنها ما هو مختص بالرجال ومنها ما هو مختص بالنساء.
أولاً : الشروط المشتركة
- يحرم العري بالمطلق لكل من الرجل والمرأة في الإسلام، لأن العري هو مظهر من مظاهر الجاهلية ، فضلاً عن كونه يذهب بقيمة الإنسان وما يمثله من قيم ومُثل ومبادئ سامية، وهو عبارة عن التنزل من مرتبة الإنسانية الى مرتبة الحيوانية والبهيمية، والإنسان بطبعه ينفر من هذا المنظر الذي يتنافى وقيمة الإنسان، وإن كان للأسف صار موجوداً في عالمنا اليوم في بعض بلاد العالم البعيدة عن الإلتزام بالقيم الإلهية والشرائع السماوية.
- يحرم لباس الشهرة لكل من الرجل والمرأة، بمعنى أن يلبس الرجل اللباس الخاص بالمرأة، أو تلبس المرأة اللباس الخاص بالرجل، لأن لكل منهما نوعاً خاصاً من الثياب ينسجم مع طبيعته التكوينية، فإذا غيَّر لباسه فهذا يعتبر في نظر الإسلام منافياً للأخلاق والحشمة والمروءة، فمثلاً اذا لبس الرجل العباءة الخاصة بالنساء سوف يكون محل سخرية واستهزاء في نظر المجتمع، وكذا لو لبست المرأة القميص والبنطال سوف تكون محلاً لذلك أيضاً، لأن لباس الشهرة فيه تشبٌّه من الرجل بالمرأة، ومن المرأة بالرجل، وهذا أمر محرم في الإسلام، فضلاً عن كونه مدعاة للفساد ومظنة للإنحراف والشواذ، وهذا ما نراه للأسف أيضاً في بعض بلاد الغرب الذي يستبيحون كل شيء خصوصاً عبر الإدعاء بأن هذا تعبير عن الحرية الشخصية طالما أن الأمر لا يعتبر تعدياً على الآخرين كما يتوهمون ، ولذا نرى انتشار الشواذ في تلك البلاد الغارقة في ظلمة الجهل بالله والإنحراف عن خطه المستقيم، حتى صار عندهم جمعيات تدافع عن الشاذين ومن أبرز علاماتهم أن الرجال يلبسون ثياب النساء، والنساء تلبسنَ ثياب الرجال وكأنه أمر عادي لا غرابة فيه ولا استهجان.
- يحرم لبس الألوان الفاقعة الملفتة للنظر جداً سواء من جانب الرجل أو المرأة، خصوصاً الألوان الحمراء والصفراء وما كانت من اللون الزهري، وكل ما كان على شاكلة هذه الألوان، لأنها لا تنفك عن لفت نظر النساء إذا لبسها الرجل، وعن لفت نظر الرجال إذا لبستها النساء، بينما يريد الإسلام من أتباعه أن يكون لباس الجنسين محتشماً يعبر عن الإنتماء والهوية، وهذه الأصناف من اللباس منافية للحشمة، وخصوصاً أنها من نوع الألبسة التي لها دلالاتها الخاصة من جهة إثارتها للطرف الآخر لما تحمله من مغريات في ألوانها الفاقعة التي لها جوها الخاص وظروفها الضيقة جداً في الإسلام كما في حالة الزوجين في حياتهما الخاصة والحميمية جداً لا غير.
- يحرم على كلٍّ من الرجل والمرأة لبس الثياب المغصوبة أي "المأخوذة من الناس من غير وجه حق كاللباس المسروق أو اللباس المشتري مع عدم نية دفع ثمنه أو المأخوذ قهراً من الناس"، فهذا اللباس المغصوب وإن كان مستوفياً للشروط الشرعية إلا أنه حرام شرعاً لأنه يتنافى مع حكم الإسلام بحرمة السرقة والغصب والإستيلاء على أموال الناس بغير وجه حق، وهذا الشرط مهم جداً لأنه يؤدي في حال عدم التزامه أن تصبح صلاة الجنسين في اللباس المغصوب باطلة شرعاً، وهذا ما يتنافى مع الشخصية المسلمة التي ينبغي أن يكون ظاهرها مؤشراً الى حسن باطنها المراد به الإيمان والإستقامة والتقوى والتزام الأحكام الإسلامية بدقة وأمانة واضحة.
- يحرم على المسلم رجلاً كان أو إمرأة أن يلبس لباس خاص بالكفار سواء بكل أصنافهم، أو لبس صنف معين منهم، فمثلاً لا يجوز للمسلم أن يلبس اللباس الخاص بالبوذيين أو السيخ أو اللباس الخاص بالثقافات المعادية للإسلام كبعض أنواع الموديلات الحديثة الخاصة بالرجل أو المرأة في عالم الغرب والتي عندما يلبسها المسلم لا تدل على هويته وشخصيته، لأن تقليد الآخرين في لباسهم هو نوع من التبعية لهم والترويج لعقائدهم الفاسدة ولو بطريقة غير مباشرة، بل يجب على المسلم الإلتزام بلباسه الشرعي في أي مكان تواجد فيه للدلالة على شخصيته المستقلة التي لا تقبل الذوبان أو الإتباع للثقافات والفلسفات والعقائد الأخرى.
ثانياً : الشروط الخاصة بلباس الرجل
- يحرم لبس الذهب الخالص للرجال حرمة مطلقة، فلا يجوز أن يكون في لباس الرجل أي نوع من الذهب مثل الساعة أو الخاتم أو الإسورة أو العقد وحتى أزرار الثياب وكذلك الملابس التي قد تكون أحياناً منسوجة بخيوط من ذهب، لأن مثل هذا الباس هو دليل على التجبر والإستكبار عند الرجل وهو داخل نوعاً ما في مدلول الآية الكريمة﴿ ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 1 لأن لبس الذهب هو نوع من الإكتناز من جانب الرجل لحرمته وعدم جوازه، وحكم حرمة الذهب لا تجري على ما يسمى بـ "الذهب الأبيض" – البلاتين – لأن هذا المعدن ليس له الصفة الطاغوتية للذهب عبر التاريخ ولذا يجوز لبسه ولا إشكال فيه.
- يحرم على الرجل لبس الثياب المصنوعة من الحرير الخالص أو الذي تكون غالبيتها من الحرير، سواء كان نوع اللباس خارجياً كالقميص والبنطال أو كان داخلياً كالسروال وما شابه ذلك، لأن لباس الحرير فيه أيضاً نوع من الدلالة على العجب والخيلاء والتباهي وهذه أمور يكرهها الإسلام ويرفض أن يكون المسلم الملتزم متصفاً بها لأنها تتنافى مع أخلاقية الإسلام وسلوكية المسلم المفترض فيه أن يكون قدوة ونموذجاً للبشر في بساطة عيشه وتواضعه وعدم تعلُّقه بهذه الدنيا الفانية والزائلة.
- يجب أن يكون اللباس للرجل المسلم محتشماً يتلاءم مع قناعاته الإيمانية فلا يلبس السروال القصير كما يفعل الشباب الطائش المقلِّدون للثقافة الغربية المتحللة، أو أن يفتح أزرار قميصه ليبدو صدره ويظهر للناس لأن هذا المظهر فيه نوع من الخفة والمهانة وهتك الحرمة للمؤمن، بينما المؤمن مطالَبٌ بأن يصون نفسه من أية مذلة أو مهانة، كما يجب على المسلم أن تكون ألبسته واسعة فضفاضة نوعاً ما بحيث لا تبرز معالم جسده خصوصاً في أماكن العورتين، وليس كما يفعل بعض المغرورين ممن يلبسون البنطال الضيق الذي يظهر تفاصيل عوراتهم من دون حياء أو خجل، وكأن الواحد منهم يسير في غابة أو في مكان مقفر لا يراه فيه أحد.
ثالثاً : الشروط الخاصة بلباس المرأة
- أن يكون لباس المرأة ساتراً لكل جسدها ما عدا الوجه والكفين حيث يجوز لها إظهارهما ولا يجب عليها سترهما، ويجب أن يكون اللباس غير شفاف بحيث لا يرى الناظر ما تحت الثياب وإلا صار لبسه حراماً لأنه لا يكون ساتراً لمفاتن المرأة وجسدها،وقد قال تعالى في ذلك﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ 2. فالستر للمرأة هو حصانة لها وهو الموافق لفطرتها وطبيعة تكوينها لما ميزها الله له من حياء وعفة وخجل، بحيث لا تسمح لها هذه الأشياء الجميلة من أن تبرز جسدها وتعرض مفاتنها أمام الغريب أو القريب من غير المحارم، وبهذا تفترق المرأة المسلمة عن نساء الآخرين الذين لا يشترطون في لباس المرأة هذا الشرط الشرعي مما أدى مع مرور الزمن الى الإباحية المطلقة التي نراها اليوم بحجة حرية المرأة أو تحررها لا فرق، وصارت سلعة معروضة للبيع أو الشراء في سوق النخاسة العالمي الجديد والذي هو أسوأ من الأزمنة التي كانت تباع فيها المرأة، لأنه في تلك الأزمنة وإن كانت المرأة تباع أحياناً لكنها كانت مصانة ومحفوظة في إنسانيتها وعفتها وطهارتها وليس كما هو حال المرأة اليوم.
- أن يكون ثوب المرأة الساتر لجسدها واسعاً فضفاضاً لا تظهر معه تفاصيل الجسد كما تفعل بعض البنات ذلك للتباهي بجسدهن، فاللباس الفضفاض يبعد أعين الفضوليين والفاسقين ممن لا يلتزمون بالآداب والأخلاق الإسلامية، ولكن مما يؤسَف له اليوم أن بنات المسلمين ونساءهم لا يتورعون عن هذه الأنواع المخجلة من الثياب ولا يستحين من إظهار وسط أجسادهن وكأن الأمر عادي جداً ولا غبار عليه من دون عفة أو حياء تقليداً لنهج المرأة الغربية التي باعت نفسها للشيطان وأتباعه.
- يحرم على المرأة التزين أيضاً وهو من توابع اللباس كلبس الخاتم والإسورة والعقد وكذلك وضع مساحيق للتجميل على وجهها خصوصاً على العينين أو الشفتين أو الخدين، لأن هذا يتنافى مع كرامة المرأة المسلمة وعفتها مع التزامها بالإسلام وأحكامه في هذا المجال، لأن التزين له حالات محدودة يجوز للمرأة فيها فعل ذلك، كما في تزين المرأة المتزوجة لزوجها، أو كما في حفلات الأعراس الخاصة بالنساء فقط من دون الإختلاط بالرجال، أو في داخل منزلها مع عدم وجود من يحرم إليها التزين أمامه.
أما التزين والخروج به من المنزل فهو هتك لحرمة المرأة المؤمنة ومظنة السوء من جانب الساقطين والمنحرفين، وهو قد يكون مدعاة لفسادها لا سمح الله إذا تم إغراؤها بنحو من الأنحاء بجمالها أو بزينتها، وخصوصاً إذا لم تكن الضوابط الشرعية قوية ومستحكمة في عقلها وقلبها.
هذا هو بنحو الإجمال ما ينبغي للمسلم رجلاً كان أو إمرأة أن يلتزم به في لباسه الذي يلبسه في المجتمع، وهذه الشروط لو تحققت كاملة في مجتمعاتنا الإسلامية لقطعنا دابر الفساد الأخلاقي والسلوكي والتربوي، ولحافظنا على مجتمعاتنا من هذه العيوب والمفاسد التي ابتلانا الله بها عندما انحرفنا عن ديننا وأخلاقياتنا.
ولكن ما نشهده اليوم من نهضة دينية شملت حتى اللباس الشرعي للرجل والمرأة نأمل لها أن تستمر حتى نعود الى الوضع الطبيعي والسليم لنكون مجتمعاً إسلامياً نموذجياً ومتميزاً.
والحمد لله رب العالمين.3
- 1. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 34، الصفحة: 192.
- 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 59، الصفحة: 426.
- 3. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ:السبت, 15 شباط/فبراير 2014.