حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الفرق بين شروط الظهور وعلامات الظهور
لا بدّ من التفريق بين شرط الظهور وعلاماته، فالشرط هو توقّف الظهور على تحقّقه، وعلاقته بالظهور، علاقة العلّة بالمعلول، والسبب بالمسبّب، والشرط بالنتيجة.
أي دون تحقّق الشرط يتعذّر حينئذٍ تحقّق الظهور.
إنّ الظهور أمرٌ أراده الله تعالى أن يجري بحسب الأسباب الطبيعيّة بعيداً عن الإعجاز الذي يُلقي معه أي احتمالٍ أو سببٍ طبيعي يمكن تحصيله ليتحصّل بذلك الظهور... تماماً كما أراد تعالى أن تجري دعوات الأنبياء والمصلحين حسب المقتضيات الطبيعيّة ليكون ذلك أبلغ في التمحيص والإمتحان، وإذا تدخّلت المعجزة في دعوات الأنبياء توقّفت معها جهودهم، وانتهى بذلك التمحيص والاختبار الذي يتعرّض إليه أتباعهم أو مناوؤهم، لذا فإنّ الحكمة في الدعوات الإصلاحيّة للرسالات السماويّة لابدّ أن تتّصف بالاختبارات المهمّة لاُمّة ذلك النبيّ أو أتباع ذلك المصلح، وهكذا هي دعوة الإمام المهدي عليه السلام، فإنها حصيلة رسالات الأنبياء، ودعاوى الإصلاح جميعاً معها، فلابدّ من أن تجري حسب المجريات الطبيعيّة والأسباب المتعارفة...نعم، لا يمكننا أن ننكر ما للإعجاز الإلهي من مدخليّةٍ في تحقّق الظهور، إلاّ أنّه بنحو جزء العلّة وليس العلّة التامّة الكاملة.
فالشرط هو ما يتوقّف في تحقّقه؛ تحقّق الظهور، ودونه فلا يمكن أن يتحقّق أي مظهرٍ من مظاهره.
إنّ شروط الظهور تتعاضد لتجتمع كوحدة متكاملةٍ لا تتخلّف في إنجاح الظهور وتحقّقه، وأهمّها:
أوّلاً: وجود القائد المصلح الذي سيملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا القائد يجب أن تتحقّق فيه مواصفات القيادة العالميّة، وهي لا يمكن إيجادها إلاّ فيمن اختاره الله واصطفاه، ولابدّ من كونه معصوماً منصوصاً عليه، وكلّ ذلك لا يتحقّق إلاّ في شخص الإمام المهدي عليه السلام الذي حاز على كلّ هذه الشرائط والخصوصيّات، وبدون ذلك فلا يتسنّى لأي قائدٍ مصلحٍ أن يقوم بمهمّة الإصلاح العالمي الذي يقود العالم إلى شواطئ العدل والأمان، ويشيع باُطروحته السلام في ربوع الأرض المقهورةِ بالظلم والجور والعدوان.
ثانياً: الاُطروحة الإلهيّة، ومعنى ذلك: أن تكون هناك اُطروحة إصلاحٍ عالميةٍ إلهيّة يتكفّلها طرحٌ سماوي يتيح للعدل أن ينتشر في ربوع الأرض، ويستبدل الظلم بالعدل، والجور بالقسط، ويحقّق السلام للجميع وأن يعيش العالم تحت مظلّةٍ واحدةٍ، وهي مظلّة الإسلام الذي يتعهّد بصياغة نظامٍ عالميٍ جديد مبنيّ على العدل والسلام، ويُبعد كلّ اُطروحةٍ وضعيّةٍ من شأنها تعزيز مفاهيم السطوة والنزاع من أجل البقاء على حساب كلّ القيم، وبذلك ستغيب مظاهر العنف والقوّة، وتحلّ محلّها مظاهر الحبّ والوئام بين بني البشر جميعاً. وبالتأكيد فإنّ ذلك لا تحقّقه أيّة اُطروحةٍ مهما بلغت من التكامل في تحقيق السلام عدا شعاراتها التي ترفعها لاستقطاب مناصرة الآخرين، حتّى أنّ كثيراً من هذه الاُطروحات لا تمتلك سوى (لافتات السلام) لتختفي وراءها من أجل تحقيق أغراضها الخاصّة، وتبقى شعارات العدل مرفوعةً دون أدنى تطبيق.
ومن خلال طرح مفاهيم المهدويّة واليوم الموعود، فإنّنا نجد أنّ اُطروحة النظام العالمي الجديد الذي يحقّق معه العدل متوفّراً في هذه الاُطروحة الإلهيّة، وذلك لتعهّدها إلى معالجة مواطن الخلل الذي يعتري الرؤية الوضعيّة لأيّة اُطروحة اُخرى، والعمل على الحدّ من مظاهر النزاع المسلّح والتنافس غير المشروع، والسعي لصهر أيّة رؤيةٍ إصلاحيّة في بوتقتها للخروج بصيغةِ إصلاحٍ موحّدٍ يضمنُ للجميع العيش بسلام.
ثالثاً: تفشي مظاهر الجور والظلم والعدوان وشيوع مفاهيمها، فالاُطروحة الإلهيّة التي أشرنا إلى شرط توفّرها لتحقّق الظهور مبنيّةٌ على أساس حالة العنف والعدوان، وغياب لغة الحوار التي من شأنها أن تخفّف من حدّة هذا الصراع المسلّح. فالظلم الذي يُشاع في كلّ الأرض سيكون موجباً لأنْ يتطلّع الجميع للمصلح العالمي الذي يملأها قسطاً وعدلاً، وستتفاقم المشاكل الإنسانيّة نتيجةً للتنافس الذي يسود مفاهيم الدول أو المجموعات أو التكتّلات أو المنظّمات أو حتّى على مستوى الأفراد، وبالتأكيد فإنّ ذلك سيدفع الجميع إلى انتهاج سياسة العنف والإبادة _ كما هو معروفٌ اليوم _ للحصول على أكبر قدرٍ ممكن من المصالح غير المشروعة، وستكون المبادئ والقيم في حالة تسيّبٍ يتيحُ للجميع ارتكاب كلّ ما هو محظور، وممارسة كلّ ما هو غير مشروع تنفيذاً لتوجّهات المصالح الخاصّة والشخصيّة دون مراعاة أدنى قيم الإنسانيّة، وسيكون الإنسان أداة تنفيذ للرغبات الطائشة والمشتهيات الجامحة التي تُطيح بأيّة اُطروحة يرفعها البعض من أجل السلام، وبذلك ستكون الحاجة إلى الإصلاح هدف الجميع، وهم ينشدون الإنسانيّة التي سرقتها اُطروحات الأنظمة الوضعيّة المتاجرة بإنسانيّة الإنسان، وسيلجأ الجميع إلى اُطروحة إلهيّة تضمن لهم العدل بدل اُطروحة الجور، والأخاء بدل العنف والعدوان، وهذه الاُطروحة المنشودة هي الاُطروحة المهدويّة الهادفة للعدل والسلام.
رابعاً: تحقّق الأنصار، وهذا شرطٌ لابدّ من توفّره لليوم الموعود؛ إذ أنّ ظهور الإمام عليه السلام منوطٌ بمقدار الأنصار المبايعين له على السلم والموت، فتحقّق أي مشروعٍ إصلاحي لابدّ أن يكون له من الأنصار ما يتيح له النجاح، فكيف بمشروعٍ إصلاحي ثوري يقوم على مبدأ التغيير لأكثر مفاصل الحياة، فضلاً عن تغيير لأكثر المفاهيم المتعارفة لدى الجميع، والخروج على العالم باُطروحاتٍ إصلاحيّةٍ ثوريةٍ تكفل معها قلب القيم والمفاهيم التي راجت لدى الجميع، ومعلومٌ أنّ ذلك سيكون بمثابة صدمة لكلّ الحركات المنكفئة على مفاهيمها الخاصّة التي ترتطمُ بالقيم الإنسانيّة المعهودة، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ مواجهةً تحدث بين أتباع هذه الاُطروحات الوضعيّة وبين أنصار الاُطروحة المهدويّة التي من شأنها أن تحقّق نصراً كاسحاً على جميع الجبهات. إذن فتحقّق الأنصار الذين يتمتّعون بمواصفاتٍ خاصّة رهينٌ بإنجاح اُطروحة الظهور، وبدونها فستعاني هذه الاُطروحة من الصعوبات التي تودي بها، وسهولة التصدي لها واستئصالها، وبذلك فلا يمكن تحقق هذا الأمل المنشود مع غياب الذين يستوعبون التغييرات الاصلاحية التي تأتي بها اُطروحة الإمام المنتظر عليه السلام.
خامساً: القواعد الشعبيّة المناصرة، وهي غير الأنصار المشار إليهم آنفاً، فإنّ أنصار الإمام عليه السلام الثلاثمائة والثلاثة عشر _ كما أكّدتها روايات الظهور _ هم القيادات العالمية التي تقود حركة الإمام عليه السلام، وهذا لا يتحقّق إلاّ بوجود قواعد شعبيّة تترقّبُ الحدث الجديد، ومعلومٌ أنّ هذه القواعد الشعبيّة قد اُعدّت سلفاً لاستيعاب الاُطروحة المهدويّة بمقدارٍ يضمن معه تلقّي هذه الاُطروحة، وهذا لا يتأتّى إلاّ بخلق قواعد شعبيّة تتعاطى مع الأخبار المهدويّة المبثوثة في صحاح الفريقين، أي التثقيف المسبق للقواعد الشعبيّة التي ترنو إلى ذلك اليوم الموعود سيجد ضرورته حيال تعزيز الفكرة المهدويّة المنشودة، ومعلوم أنّ الشيعة الإماميّة ستشكّل النسبة الكبرى، بل النسبة كلّها من أجل تعبئتها لهذا اليوم المنشود، والسبب في ذلك كما نرى:
١ _ أنّ الشيعة الإماميّة أكثر قبولاً لاُطروحة التغيير المهدوي؛ وذلك للمعاناة التي لاقتها الشيعة الإماميّة على طول امتداد تاريخهم المضرّج بالدماء، وإبعادهم عن مراكز الحكم سيخلق لديهم وجداناً مقهوراً، وضميراً مغلوباً على أمره ينصاعُ دائماً لسطوة الحاكم وقهرهِ، وهذا الشعور من شأنه أن يعزّز التفاؤل باليوم الموعود، اليوم الذي يعمّ العدل به ربوع الأرض، ويعيش الفرد الشيعي فرداً غير مهمّش أو ضميراً معذّباً مقهوراً، بل ستكون له الكلمة كما ستكون له المكانة في هذه الاُطروحة الإلهيّة، من هنا نجد أنّ الوجدان الشيعي سيكون متحفّزاً لهذا التغيير الموعود، وسيكون معبّئاً بشعوره المقهور إلى تبني اُطروحة الإنقاذ.
وهذا بعكس غير الشيعي؛ إذ أنّ الحكومات المتعاقبة منذ السقيفة حتّى الآن ترعرعت في الوسط الحاكم الذي يرى لنفسه الأولويّة في الحكم والتسلّط، وسيكون الفرد غير الشيعي فرداً حاكماً حتّى لو لم يكن في خضمّ القيادات الحاكمة، فمجرّد انتمائه لهذه الطائفة يرى أنّ الحقّ له في الأولويّة بكلّ شيء، فالسطوة والغلبة والقوّة والحكم له، وسيكون غيره ممتهناً مهمّشاً، وبالتأكيد فإنّ الاُطروحة المهدويّة ستعمل على إقصاء هذه الحالة الموروثة والتقليديّة السلطوية، وستتعاطى مع الحكم على أساس العدل، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ هؤلاء سيجدون أنفسهم مستبعدين عن الموروث الحاكمي، وسيكون أحدهم تابعاً بدل أن يكون متبوعاً، فكيف والحال هذه يسعى إلى تحقّق الاُطروحة المهدويّة التي من شأنها إقصاء مظاهر التسلّط والقوّة التي ينتمي اليها؟!
إذن فسيكون الفرد الشيعي ساعياً وراء هذه الاُطروحة المهدويّة الإصلاحيّة، وغيره سيكون ساعياً إلى التصدّي لها بالرغم من أنّ صحاح الفريقين تؤكّد لابدّيّة اليوم الموعود.
٢ _ أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام سعوا إلى تثقيف البنية الشيعيّة بالتثقيف المهدوي، وحثّوا عليهم السلام على متابعة ملامح هذا اليوم الموعود والاستعداد له، وتعبئة جميع طاقات أتباعهم لاستقبال ذلك الأمل المنشود. في حين تسعى الأجهزة الحاكمة إلى تبنّي الاُطروحة المهدويّة بشكل معكوس أو محاولة تحريف المفهوم المهدوي، فقد سعى النظام الأموي من قبل إلى تسييس النصّ المهدوي لصالحه، ومحاولة استخدامه أداة لتنفيذ مآربه السياسيّة الطائشة، فقد أوردت بعض الأحاديث التي تبنّتها المشاريع الأمويّة إلى أنّ عمر بن عبد العزيز هو المهدي الموعود، حتّى أنّهم أوردوا أخباراً عن بعض رواتهم غير مسندةٍ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بل هي مجرّد احتمالات أو آمال يبنيها الراوي ليحاكي التوجّه الأموي أو العقليّة السلفيّة، منها:
روى السيوطي أنّ عمر بن الخطّاب قال: ليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً1.
وروي عن الحسن قوله: إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز، وإلاّ فلا مهدي إلاّ عيسى بن مريم1.
وعن وهب بن منبه: إن كان في هذه الاُمّة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز1.
وأنّ عمر بن الخطّاب كان يقول: من ولدي رجل بوجهه شجّة يملأ الأرض عدلاً1.
هكذا تصوّر المخيلة السلفيّة المهدي، ولعلّ خيبة أمل تستشعرها هذه العقليّة لتبديل النصوص المهدويّة إلى مفاهيمها. هذا من جهة، ومن جهة اُخرى، فإنّ العقليّة السلفيّة عقليةٌ حاكمة تأبى أن تقرأ النصوص المهدويّة في غير صالحها؛ لذا فهي تُمنّي نفسها دائماً بأن تكون لها الحظوة في المهدويّة القادمة لئلا تنقطع أمل النفسيّة السلفيّة عن الحكم، وتجد نفسها بعد ذلك حاكمةً ولو من خلال التراث المهدوي للروايات.
هذا هو الفرق بين القراءتين للنصوص المهدويّة، القراءة الإماميّة وتعاطيها مع فكرة الإمام المهدي عليه السلام، والقراءة السلفيّة ومحاولة تحريف، ومن ثَمّ تدويل النصّ المهدوي لصالح نزعتها الحاكمة.
إلى هنا أمكننا الوقوف على شروط الظهور، فتحقّقها يعني تحقّق الظهور لا محالة، إلاّ أنّنا لا نتجاهل أهمّ الشروط، وهو: الإرادة الإلهيّة التي بإمكانها تقديم أو تأخير الظهور لمصلحةٍ هو يراها جلّت قدرته وعظمت إرادته، فالإمام عليه السلام يتوقّف بعد كلّ ذلك على الأمر الإلهي الذي يأذن به الله تعالى لظهوره عليه السلام، ودونه لا يمكن تحقيق هذا الغرض مطلقاً2.