حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الفوارق بين النظام الإسلامي و الأنظمة الوضعية
من هذه الفوارق أن وجود الجمعيات أو الأحزاب السياسية ضرورة أساسية في عمل الأنظمة التحررية ، بحيث لا تستقيم الحياة السياسية إلا بوجودها . أما في النظام السياسي الإسلامي فلا ضرورة لوجودها ، بل يشكل نشازاً و عبئاً يعيق تطبيق النظام الإسلامي ، و العلة في ذلك طبيعة النظامين :
1 ـ فمصدر النظام الإسلامي هو الله سبحانه و تعالى الذي وضع قواعده رحمة بالخلق و أرسل الأنبياء ( عليهم السلام ) ليبشروا به و ختمهم بمحمد ( صلى الله عليه و آله ) ، و معه صراط الله المستقيم و شريعته الشاملة لكل شؤون الحياة ، القادرة على إصلاح البشرية كلها ، أوحاها الله إلى نبيه و أمره أن يعمل بها بعد أخذ موافقة المحكومين التعاقدية عليها ، و هي حكماً في مصلحة عباد الله الذين خلقهم و أحبهم .
أما الأنظمة الوضعية السائدة في العالم ، فإن أنصارها يفخرون بأنه مصدرها الأساسي مجموعة من الفلاسفة و المفكرين من أشهرهم : جون لوك ، و منتسكيو ، و روسو ، و فولتير ، و كانت ، و آدم سمث ، و ريكاردو ، و مالتوس ، و جان باست ساى ، و فردريك باسيا و بنتام . فقد طرح كل واحد من هؤلاء رأياً أو فكرة أو نظرية اعتبرت فيما بعد مقدسة ، و جرى تركيبها فنشأ النظام التحرري الرأسمالي الوضعي .
فجون لوك مثلاً : قال بوجود نوعين من القوانين : طبيعية و وضعية ، و أن الطبيعية كانت كافية ، لكن لأن الإنسان ينشد الكمال فوضع صيغه بين الجماعة المحكومة و الفرد الحاكم هي العقد الإجتماعي ، و منه انبثقت فكرة السلطة المقيدة أصلاً بالقوانين الطبيعية ، كقانون العدل . و يجب أنه تتوزع السلطات بين عدة أطراف منعاً للإستبداد في السلطة ، كما يجب الفصل التام بين الكنيسة و السلطة ، لأن منبع القوانين هي الأرض و ليست السماء !!
أما منتسكيو : فأكد وجود قوانين طبيعية و نواميس حتمية ، و ضرورة وجود قوانين وضعية يصل إليها الإنسان بالفكر ، كما نادى بضرورة الفصل بين السلطات .
و أما رومو ، فنادى بنظرية العقد الإجتماعي و مبدأ المساواة ، و بما أن المساواة اختلت لبغي القوي علي الضعيف ، دخلت الجماعة بعقد إجتماعي بإرادتها لتحقيق المساواة . و القانون و السلطة و الدولة ليست إلا ثمرة إرادت الأفراد و حصيلتها .
و أكد على أن الإرادة العامة أعلى سلطة في المجتمع ، فلا يجوز أن يقام عليها رقيب . و لذلك نادى بالديمقراطية المباشرة .
ثم نشأت حركة فكرية فلسفية قامت على أساس التحالف بين المفكرين و الطبقة البرجوازية ضد السلطة المطلقة للملوك ، و توغلت في أوساط الشعوب ، و نسفت الأساس الفكري الذي قام عليه الحكم المطلق المتحالف مع علماء الكنيسة .
ثم تكون هذا النظام وشق طريقه في الحياة السياسية في بريطانيا ، و الولايات المتحدة ، ثم انتشر في كل أوروبا وفي أكثرية دول العالم الثالث .
و هؤلاء الفلاسفة بشر ، يحتمل منهم الخطأ والصواب ، ولم يقل أحد إنهم أنبياء أو معصومون من الخطأ ، بل يؤكد كل الذين يتبنون النظام التحرري أنه نظام وضعي مادي بحت ، يقوم على استبعاد الجانب الروحي والأخلاقي من الإنسان و المجتمع .
2 ـ و هناك اختلاف جوهري آخر ، و هو شمول الشريعة الإسلامية و نقص القوانين الوضعية ، فالشريعة الإسلامية بمجموعها تبين كيف وجدت الحياة ، و لماذا ، و كيف تنتهي ، و كيف ينظر الإنسان الى الكون و الحياة ، فهي نظام للفرد كفرد ، و للمجتمع كمجتمع ، و للسلطة كسلطة ، و للجنس البشري كله ، تنظم حياتهم على انفراد وعلاقاتهم مع بعضهم ، ومع خالقهم ومع العالم المحيط بهم ، و ترفدهم جميعاً بدعوة متعززة بدولة ، متعززة بأهداف و مثل عليا . فللفرد هدف ، و للمجتمع هدف ، و للسلطة هدف ، و للجنس البشري هدف ، و كلها تصب في مكان واحد دلهم عليه خالقهم و واضع شريعتهم ، وحدد السبل والأساليب اللازمة للوصول إلى هذه الأهداف .
3 ـ تمتاز شريعة الإسلام بأنها عقيدة عالمية تضع الحلول المناسبة لقضايا العالم ، وأنها مسندة بالقرآن و هو كلام الله ، و بسنة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، فتطبيقها مؤيد بزاجر دنيوي هو العقوبة على مخالفتها ، و زاجر ذاتي وهو شعور الإنسان برقابة الله على سلوكه .
و رغم شمول هذه الشريعة ، إلا أنها تمتاز على القوانين الوضعية بأنها لا تغرق الإنسان بمئات المصادر و المراجع و القوانين ، لأن لها مصدراً واحداً هو القرآن الكريم ، و هذا القرآن لابد له من بيان يقيني لأنه عام ، و كان الشخص المخول بالبيان هو الرسول ( صلى الله عليه و آله ) أو الإمام الشرعي الذي اختاره الله و بايعته الأمة ، و بذلك يكون للأمة مرجع واحد اختاره الله و رشحه ، و تعاقدت معه الأمة بالإجماع و بايعته » 1 .
أما الأنظمة التحررية الرأسمالية فالشريعة أو القانون النافذ فيها من صنع السلطة التشريعية التي انتخبها جزء من الجسم الإنتخابي ، و قامت بوضع كافة القوانين و الأنظمة ، و عند ما تنتهي ولاية الأشخاص الذين يشكلون السلطة التشريعية و يأتي آخرون ليحلوا محلهم يكون بإمكان الهيئة الجديدة أن تعدل أو تبدل القوانين و الأنظمة ، فكل هيئة تشريعية مخولة بوضع القانون أو تعديله أو تبديله .
4 ـ هنالك اختلاف آخر بين النظام الإسلامي و الأنظمة الرأسمالية في تعدد السلطة و وحدتها ، ففي النظام الرأسمالي تتعدد السلطة فتكون : سلطة تشريعية و سلطة تنفيذية تختارها السلطة التشريعية و تعمل برضاها و موافقتها ، و سلطة قضائية مستقلة تقوم بحل بعض المنازعات وفقاً لأحكام القانون الذي وضعته السلطة التشريعية .
أما في النظام السياسي الإسلامي ، فهناك وحدة في السلطة ، فالإمام وحده هو الذي يتولى الوظيفة التنفيذية و القضائية وحده ، و يستعين بمن يشاء لإنجاز هاتين المهمتين ، و هو الذي يحدد النص الشرعي الواجب تطبيقه على الواقعة موضوع الخلاف ، أما الشريعة فهي محسومة لأنها بكاملها من الله تعالى ، و مهمة الإمام و المجتمع تنحصر في تطبيقها بكل دقة و إخلاص .
5 ـ و هنالك اختلاف آخر بين النظامين ، و هو الفرق في مؤهلات و كفاءات من يتولى السلطة ، ففي الأنظمة التحررية الرأسمالية لا يشترط فيه شروط خاصة ، و يكفي أن يكون مجيداً للقراءة و الكتابة ، فيكون عضواً في هيئة السلطة التشريعية ، أو رئيساً لها أو وزيراً في السلطة التنفيذية . كذلك لا يشترط فيه أن يكون مقبولاً من كل الشعب أو حتى نصفه ، فلو شارك في الإنتخاب مليون من عشرة ملايين ، فلا أحد في النظام التحرري يسأل عن التسعة ملايين الذين لم يمارسوا حقهم في الانتخاب ، و لا أحد يعنيه أمرهم ! فقط يتحدث المجتمع عن الذين فازوا في الإنتخابات و يسمون أنفسهم ممثلي المجتمع مع أن الذين انتخبوهم لا يتجاوزوا عشرة بالمئة !
أما في النظام السياسي الإسلامي فيجب وجوباً على كل بالغ ذكراً كان أم أنثى أن يتعاقد شخصياً مع الإمام الذي اختاره الله ، و أن يضع يده بيد الإمام كناية عن تمام التعاقد ، و لا يجوز لأحد أن يتخلف عن بيعة الإمام ، و إذا تخلف أحد سأل الإمام عن أسباب عدم بيعتهم ، و الخلاف تحله أحكام الشريعة الإسلامية ، و من واجب جميع المسلمين أن يقبلوا حكم الشريعة ، بدلاً من الرأي .
و إذا بايع المسلمون الإمام فالعلاقة بينهم لا تنتهي ، فلا حواجز بين الإمام و بين المسلم بل بإمكان كل أحد أن يجتمع مع الإمام و يسمعه رأيه و يشكو له ، و يطلب منه تلبية حاجاته ، هكذا فعل رسول الله ، و هكذا فعل الإمام علي .
ثم إن الإمام لا يعيش حياة مرفهة و في قصر منيف ، إنما يجب عليه وجوباً أن يعيش بمستوى معيشة أقل واحد من رعيته ، و هكذا فعل رسول الله ، وأمير المؤمنين علي 2.