حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ظلال التشيع في السودان
بعد أن انتبهت من الغفلة وبدأ نور الحقيقة يكشف عن الواقع التفت إلى مجتمعي في السودان الذي يتميز بالبساطة والفطرية والأخلاق الدينية ، فوجدت أن هنالك أشياء أخرى بدأت تظهر لي بعد استبصاري وهو أن الخلفية الثقافية التي بني عليها الشعب السوداني نمط سلوكه وطريقة تفكيره خلفية شيعية بلا أدنى شك، لاحظت ذلك في كل مفردة من مفردات الحياة العامة في الشارع السوداني بل إن معظم معتقداتهم تهتف بأن للتشيع جذورا عميقة في السودان وأذكر أن أحد الإخوة قال لي : ـ إن الصوفية ثمرة التشيع أو هم فرعان لأصل واحد بل الصوفية هم الشيعة في ثوب سني فقلت له : إذا السودان بلد شيعي انحرف به التيار.
وباطلاعي على التاريخ وجدت إشارات تبين هذه الحقيقة ، وأعتقد أن الدولة الفاطمية التي قامت في مصر لها الأثر في ذلك ، إذ أن حوض النيل الذي يربط بين مصر والسودان كان من العوامل المساعدة لانتقال التشيع إلى السودان في عهد الدولة الفاطمية وهي دولة شيعية .. وحب أهل البيت (ع) وما يرتبط بهم من عقائد بصورة مجملة من الثوابت الفكرية المشتركة بين مصر والسودان ومقامات أهل البيت (ع) في مصر وتسيير القوافل من السودان لزيارتها شاهد على ذلك حتى قال أحد المشايخ في السودان ويدعى محمود البرعي وله قصائد كثيرة في مدح أهل البيت (ع) في إحدى قصائده « مصر المؤمنة بأهل الله » ويقصد أنها مؤمنة بأهل البيت (ع).
ولا أحد ينكر عمق المحبة لأهل البيت (ع) في مصر والسودان ، وأنا لا أستطيع أن أحصر كل تلك المظاهر ذات الجذور الشيعية ولكن ما وجدناه من آثار يدل على أن الشيعة انتقلوا إلى السودان يوما ما وكرسوا في نفوس الأجيال محبة أهل البيت (ع) دون أن يعلنوا عن عمق معتقدهم وربما يكون ذلك تخوفا بعد أن تذوق الشيعة الأمرين على طول التاريخ. ومما نستظهره من كتب التاريخ أن اعتماد الدولة الفاطمية في جيشها كان على السودانيين وكان الحرس الخاص لخلفائها منهم ، يقول ابن الأثير في تاريخه وهو يصف ما فعله صلاح الدين الأيوبي في أعوان الفاطميين إن مؤتمن الخلافة ـ كان من السودانيين ـ حاول أن يقضي على صلاح الدين الأيوبي قبل أن يسيطر تماما على البلاد ويهلك الحرث والنسل فعلم صلاح الدين بما دبر له فتربص بمؤتمن الخلافة واسمه جوهر حتى قتله ثم يقول ابن الأثير فغضب السودان الذين بمصر لقتل مؤتمن الخلافة ، فحشدوا وجمعوا فزادت عدتهم على خمسين ألفا وقصدوا حرب الأجناد.
وقع القتال « وكثر القتل في الفريقين فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين فركبهم السيف وأخذت عليهم أفواه السكك ... (إلى أن يقول) فأبادهم بالسيف ولم يبق منهم إلا القليل الشريد » 1.
إذا لقد كان للسوادنيين حظوة في عهد الفاطميين ولم يكن ما حدث لهم إلا لأنهم تبنوا مشروع الدولة الفاطمية وهو الدعوة لأهل البيت (ع) ومقاومتهم لصلاح الدين الأيوبي المناوئ للشيعة أكبر دليل على ذلك « وقد كانت الثورة ضد صلاح الدين من قبل الجند الفاطمي وأكثرهم من السودانيين »2.
ويبدو لي أن لغلظة صلاح الدين وتحامله على الشيعة 3 دور في اختفاء المظهر الشيعي المعلن ، ولا أشك كما ذكرت أن التوجه في السودان كان شيعيا ولكن بمرور الزمن وتوافد التجار العرب باتجاهاتهم المختلفة والخوف من سطوة الأيوبي كل ذلك كان له الأثر في تغيير الأجيال اللاحقة.
إن معرفة وصلة السودانيين بأهل البيت (ع) تتجلى في عدة مظاهر منها 4.
1_الولاء الديني والسياسي.
إن قطاعا كبيرا من الشعب السوداني ينتمي إلى طوائف صوفية تقود العمل السياسي والديني والتي غالبا ما يكون زعماؤها ممن ينتسبون إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والارتباط العاطفي لهذا القطاع العريض بهذه الطرق على أساس أنهم ينتسبون إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، ولا توجد طريقة صوفية في السودان يجهل منتسبوها أهل البيت (ع) بل ويكنون لهم حبا واحتراما جما وللدلالة على ذلك نشير إلى بعض ما ورد في كتب الشريف يوسف الهندي مؤسس الطريقة الهندية كنموذج حي لما أسلفنا :
(اللهم إنما نحمدك بجميع محامدك السنية ونسألك بذاتك وصفاتك والكتب القديمة والأديان. أن تصلي وتسلم على محمد وآله وصحبه في كل طرفة عين ، وعلى صالح آبائه وأزواجه وأبنائه والإخوان ، وعلى إمام الأئمة علي وسيدتنا فاطمة اللذين تخيرت منهما الذرية ، وابنيهما سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي نبي هذه الأمة الحسنان ، وعلى أئمتنا علي زين العابدين ومحمد باقر العلوم الدينية وجعفر الصادق وموسى الكاظم قادة الإنس والجان وعلي الرضا ومحمد الجواد الهداة الهادية المهدية وعلي الهادي والحسن العسكري الخالص وارثي أسرار النبوة وعلوم القرآن وإمامنا المهدي صاحب البشارة الفاطمية الذي لا خير في العيش ولا في الحياة بعده لأهل الإيمان (نقلا عن المولد الكبير ص 72 الشريف يوسف الهندي). ولم يكتف المؤلف بذكر أهل البيت (ع) ضمن مؤلفاته النثرية بل ضمنهم مجموعة من قصائده نذكر قصيدة جاء فيها:
الحسنين والإمام والزهراء في القتام زين العابدين تمام القادات الهمام
الكاظم للكلام والراضي بالقسام الهادي للأنام والباقر للظلام
آل البيت يا غلام أصل الدين والنظام في المبدأ والختام بهم نيل المرام
ويقول في أخرى :
سفن النجاة للملا بشهادة النص الأتم هم النهى هم البهى هم التقى أهل الشيم
هم الشفاعة في غد هم السقاية في الملم هم الهداية حاضرة والنور والقصد الأعم
الطاهرون من سوء أرجاس اللمم
والبيت الأخير دليل على اعتقاد الشاعر بعصمة أهل البيت (ع) عن اللمم فضلا عن غيرها من الذنوب والكبائر.
وهنالك الكثير من شعراء الصوفية الذي تخصصوا في مدح آل البيت (ع) وهذا أحدهم يسمى البرعي ومعروف في السودان يقول :
هم أهل البيت الواضح سرهم زرهم بمحبة لتنال من برهم
سيدي الحسين الثائر درهم وعلي زين العابدين حبرهم
جعفرنا الصادق مع موسى صدرهم أستاذنا الباقر في العلم بحرهم
في البر وبحرهم لله درهم
2_بعض الأسماء المنتشرة في السودان
إن أهل البيت (ع) اختصوا بألقاب لم تكن معروفة من قبلهم وارتبطت بهم ارتباطا وثيقا وتناقلها محبوهم وأتباعهم جيلا بعد جيل وصارت أسماء متداولة وهي المرتضى (علي) والزهراء وبتول (فاطمة) حسن وحسين زين العابدين (السجاد) ، الباقر ، الصادق ، الكاظم رضا الهادي والمهدي وهذه الأسماء نجدها منتشرة في السودان بكثرة تلفت النظر. وربما يكون انتشار اسم المهدي نسبة لمحمد أحمد المهدي الذي قام بثورة ضد الأتراك وطردهم من السودان وكون حكومة إسلامية وذلك باعتبار أنه المهدي المنتظر ، وأيا كان سبب انتشار الاسم يبقى جذر الاعتقاد بولاية أهل البيت (ع). وكل الأسماء المذكورة نجدها في السودان أكثر من الدول العربية الأخرى مما يدلل على عمق محبة السودانيين لأهل بيت النبوة (ع).
3_كما أن هنالك العديد من القبائل التي تدعي انتسابها لأهل البيت (ع)
ولا يعنينا البحث عن صحة مدعاهم وإنما نورد ذلك لدلالته على صدق قولنا حول عمق معرفة ومحبة الناس لأهل البيت (ع) ومن هذه القبائل العبدلاب ويذكرون أن نسبهم ينتهي إلى الإمام محمد التقي بن علي الهادي ، وقبيلة الركابية التي يرجع نسبها كما يذكرون إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم وهنالك أيضا قبيلة الجعافرة التي تنتسب إلى الإمام جعفر الصادق (ع) ... وغيرها من القبائل.
4_الثقافة الشعبية
إذا أراد أحد السودانيين أن يعبر عن مدى مظلوميته وبالغ الحيف الذي وقع به يقول : (أنا مظلوم ظلم الحسن والحسين) وربما لا يدرك البعض رغم ترداده لهذه المقولة من الذي ظلم الحسن؟ ومن الذي ظلم الحسين؟ وكيف ظلما إنما هو يردد جزءاً من الموروث الثقافي الشعبي في السودان ، ومن ناحية أخرى لا يكاد أحد منا في صغره لم يسمع شيئا من أبويه أو جدية عن سيف علي الكرار وشجاعة حيدر الكرار وشعر المدائح السوداني يفيض بهذه المعاني.
- 1. الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج 11 ، ص 346 ـ 347.
- 2. الدولة الفاطمية في مصر د. جمال الدين سرور ص 132.
- 3. يقول الدكتور محمد جمال الدين سرور في كتابه الدولة الفاطمية في مصر ص 135 لما أيقن صلاح الدين أن سلطته قد استقرت وجه اهتمامه إلى القضاء على المذهب الشيعي في مصر فأنشأ سنة 566 مدرسة لتدريس المذهب الشافعي وأخرى لتدريس المالكي وعزل قضاة الشيعة .. ونفس الكلام يورده ابن الأثير في تاريخه ج 11 ص 366. ولصلاح الدين الأيوبي الكثير من المجازر وسفك الدماء وانتهاك حرمات شيعة أهل البيت (ع) يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه الشيعة والحاكمون ص 192.
- 4. مقاطع من دراسة للكاتب السوداني الطيب أحمد حسن في مجلة أهل البيت (ع) العدد الأول بيروت تحت عنوان أهل البيت (ع) تراث المسلمين في السودان.