الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل امر جعفر الصادق امراة بتولي ابي بكر و عمر و انه كان يسمي ابي بكر بالصديق؟

نص الشبهة: 

تروي بعض كتب الشيعة عن جعفر الصادق أنّه قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر: أأتولاّهما؟ قال: تولّيهما. فقالت: فأقول لربّي إذا لقيته إنّك أمرتني بولايتهما؟ قال لها: نعم. كما ذُكر أنّ الإمام الصادق يسمّي أبا بكر بالصدِّيق. فما هو رأي الشيعة بأبي بكر؟

Answer: 

ذكر في السؤال روايتين وقبل القيام بدراسة الرواية الأُولى نقوم بذكر نصها كما وردت في الكافي لكي يتبين للمطالع مقدار التغيير والخيانة الّتي أقدم عليها جامع الأسئلة، لأنّه اكتفى بما وجده على صفحات الانترنت ولم يكلف نفسه عناء البحث ليأخذ الرواية من مصدرها المعتبر، وعمله هذا خيانة تتنافى مع الأمانة العلمية والنزاهة والموضوعية.
روى الكليني بسنده عن أبي بصير قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخلت عليه، أُم خالد الّتي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيسرُّك أن تسمع كلامها؟ فقلت: نعم، فقال: أمّا الآن فأذن لها، قال: و أجلسني معه على الطنفسة ثمَّ دخلتْ فتكلّمتْ فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما فقال لها: تولّيهما؟ قالت: فأقول لربّي إذا لقيته إنّك أمرتني بولايتهما قال: نعم.
قالت: فإنَّ هذا الّذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النّوا يأمرني بولايتهما فأيهما خير وأحبُّ إليك ؟ قال: هذا والله أحبُّ إليَّ من كثير النوا وأصحابه، إنَّ هذا يخاصم فيقول: ﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ 1 ﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 2  ﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 34.
نقول: إنّ من أمعن في الرواية يجد أنّ الإمام (عليه السلام) حينما دعا المرأة لحب الرجلين فإنّما كان ذلك لمصلحة سياسية، لأنّ أُم خالد كانت من حاشية الوالي والمتقربين إليه، فلو أمرها بخلاف ما أمرها به فلربّما أخبرت المرأة الوالي وهذا ربّما يسبّب خطراً على الإمام.
ويشهد على ذلك أنّ المرأة لمّا قالت إنّ أبا بصير يدعوها إلى عدم حبهما وان كثير النّوا يدعوها إلى خلاف ذلك، رجّح الإمام قول أبي بصير على قول كثير النّوا، وفي هذا دلالة واضحة على أنّ أمرها بحب الرجلين في البداية كان من باب المداراة والتقية السياسية وإلاّ لما رجح قول أبي بصير على قول الغير ولما أجلس أبا بصير على فراشه وهذا يدل على صلة قريبة تربط أبا بصير بالإمام (عليه السلام).
وبعبارة أُخرى: أنّ التعارض بين صدر الرواية وذيلها واضح حيث إنّ الصدر يدل على أمره بالحب والذيل يدل على خلافه، والجمع هو ما ذكرنا فإنّ المرأة في أوّل الأمر ذكرت المسألة على وجه الإجمال ورأى الإمام المصلحة في مجاراتها وعقيدتها، ولمّا كشفت عن وجه الحقيقة وأنّها قد سألت أبا بصير وكثير النّوا وذكرت أنّ رأييهما مختلفان، فعندئذ لم يجد الإمام بُداً من بيان الحقيقة وأن يبين بطريقة ذكية أنّ الحق مع أبي بصير.
أمّا الرواية الثانية فقد ذكرها الإربلي في كشف الغمة عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن حلية السيوف، فقال: لا بأس به، قد حلّى أبو بكر الصديق سيفه، قلت: فتقول: الصديق؟ قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة وقال: نعم الصدّيق، نعم الصدّيق، نعم الصدّيق فمن لم يقل له الصدّيق فلا صدّق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة 5.

إن دراسة هذه الرواية لا تسمح لصاحب الأسئلة بأن يحتجّ ويستدلّ بها، وذلك لوجود أمرين هما:

  1. الحديث من جهة السند ضعيف حيث نقله عليّ بن عيسى الإربلي 5 كما ذكرنا وهو من رجال القرن السابع حيث توفّي سنة 693 هـ، وقد نقله عن عروة بن عبد الله الذي كان حيّاً في أيّام الإمام الباقر (عليه السلام) (57 ـ 114 هـ). فكيف ينقل شخص من القرن السابع عن شخص كان يعيش في القرن الثاني؟ وعليه فلا يمكن الاستدلال والاستناد إلى حديث هذا سنده!.
  2. يوجد في رجال الشيعة (من الرواة) من اسمه عروة بن عبد الله بن قشير الجعفي، وهو الوحيد الذي يحمل هذا الاسم، وقد عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) ولكنّه مجهول بالكامل 6. أمّا في رجال السنّة فهو أيضاً يسمّى بعروة بن عبد الله بن قشير الجعفي، ويُكنّى بـ (أبي سهل)، حيث ينقل الحديث عن عبد الله بن الزبير بواسطة رجل تتلمذ على يد عبد الله بن الزبير، وبما أنّه ينقل الحديث عن عروة بن الزبير فهو قريبٌ له من الناحية السلوكيّة وانحرافه عن أهل البيت(عليهم السلام)، لِعِلْمِنا بانحراف آل الزبير عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولذلك لا يمكن الاستناد إلى حديث ينقله شخص كهذا!! 7.

أضف إلى ذلك أنّه يوجد في متن الحديث مالا يصح نسبته للباقر(عليه السلام)، كما قرأت في نص الرواية. فهذا العمل غير مناسب لمقام الإمام الباقر(عليه السلام) ووقاره وأخلاقه، والإفراط في المبالغة أكثر من الحدّ اللازم، وهذا دليل على أنّ عروة بن عبد الله ـ تلميذ عبد الله بن الزبير ـ هو من قام بوضع الحديث ونسبه إلى الإمام الباقر (عليه السلام) 8.