Posted: 7 years ago
Total votes: 71
القراءات: 10879

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تنزيه آدم عليه السلام

نص الشبهة: 

مما تعلقوا به قوله تعالى في قصة آدم (ع): ﴿ ... وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ . قالوا و هذا تصريح بوقوع المعصية التي لا تكون إلا قبيحة، وأكده بقوله ﴿ ... فَغَوَىٰ ، وهذا تصريح بوقوع المعصية، والغي ضد الرشد.

Answer: 

يقال لهم أما المعصية فهي مخالفة الأمر، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالمندوب معا، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة، ويكون بمواقعتها تاركا نفلا وفضلا وغير فاعل قبيحا، وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب.
فإن تسمية من خالف ما أمر به سواه كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهرة، ولهذا يقولون أمرت فلانا بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني، وإن لم يكن ما أمره به واجبا، وأما قوله ﴿ ... فَغَوَىٰ 1، فمعناه أنه خاب، لأنا نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم. فإذا خالف الأمر ولم يصر إلى ما ندب إليه، فقد خاب لا محالة، من حيث أنه لم يصر إلى الثواب الذي كان يستحق بالامتناع، ولا شبهة في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة. قال الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
فإن قيل: كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية؟ أو ليس هذا يوجب أن توصف الأنبياء (ع) بأنهم عصاة في كل حال، وأنهم لا ينفكون من المعصية لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب؟
قلنا: وصف تارك الندب بأنه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدى به عن موضعه.
ولو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الأولى والأفضل، ولم يجز إطلاقه أيضا في الأنبياء (ع) إلا مع التقييد لأن استعماله قد كثر في القبائح، فإطلاقه بغير تقييد موهم، لكنا نقول: إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبايح فلا يجوز ذلك، وإن أردت أنهم تركوا ما لو فعلوه استحقوا الثواب وكان أولى فهم كذلك.
فإن قيل: فأي معنى لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ﴾ 2وأي معنى لقوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ 3فكيف تقبل توبة من لم يذنب؟ أم كيف يتوب من لم يفعل القبيح؟
قلنا: أما التوبة في اللغة: الرجوع، ويستعمل في واحد منا وفي القديم تعالى. والثاني أن التوبة عندنا وعلى أصولنا فغير موجبة لإسقاط العقاب، وإنما يسقط الله تعالى العقاب عندها تفضلا، والذي توجبه التوبة وتؤثره هو استحقاق الثواب، فقبولها على هذا الوجه إنما هو ضمان الثواب عليها.
فمعنى قوله تعالى: ﴿ ... فَتَابَ عَلَيْهِ ... 2 أنه قبل توبته وضمن له ثوابها، ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم عليه السلام صغيرة من هذا الجواب، لأنه إذا قيل له كيف تقبل توبته وتغفر له معصيته؟ قد وقعت في الأصل مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب، لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه، والتوبة قد تحسن أن تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه، ويكون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها أو كونها لفظا، كما يحسن أن تقع ممن يقطع على أنه غير مستحق للعقاب، وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شئ يستحقه من العقاب، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم تكن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب.
فإن قيل: الظاهر من القرآن بخلاف ما ذكرتموه، لأنه أخبر أن آدم عليه السلام منهي عن أكل الشجرة بقوله: ﴿ ... وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 4وبقوله: ﴿ ... أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ... 5؟ وهذا يوجب بأنه (ع) عصى بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بأن ترك مأمورا به.
قلنا: أما النهي والأمر معا فليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر، فإنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه.
فإذا قال تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة، ولم يكره قربها، لم يكن في الحقيقة ناهيا، كما أنه تعالى لما قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 6، ولم يرد ذلك، لم يكن أمرا.
فإذا كان قد صح قوله ﴿ ... وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ ... 4إرادة لترك التناول، فيجب أن يكون هذا القول أمرا، وإنما سماه منهيا عنه، ويسمى أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي، لأن النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل، وتزهيدا في الفعل نفسه.
ولما كان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في تركه، جاز أن يسمى نهيا. وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا قد أمرت فلانا بأن لا يلقى الأمير، وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه، ويقول نهيتك عن هجر زيد وإنما معناه أمرتك بمواصلته، فإن قيل ألا جعلتم النهي منقسما إلى منهي قبيح ومنهي غير قبيح، بل يكون تركه أفضل من فعله، كما جعلتم الأمر منقسما إلى واجب وغير واجب.
قلنا الفرق بين الأمرين ظاهر، لأن انقسام المأمور به في الشاهد إلى واجب وغير واجب غير مدفوع، ولا خاف، وليس يمكن أحد أن يدفع أن في الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب، وفيها ما لا يكون كذلك.
فإذا كان الواجب مشاركا للندب في تناول الإرادة له واستحقاق الثواب والمدح به، فليس يفارقه إلا بكراهة الترك.
لأن الواجب تركه مكروه والنفل ليس كذلك. فلو جعلنا الكراهة تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم تعالى، وكذلك النهي.
كما جعلنا الأمر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب، لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول، فإن قيل: فما معنى حكايته تعالى عنهما قولهما: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ... 7 وقوله تعالى: ﴿ ... فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 4.
قلنا: معناه أنا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة، وحرمناها الفايدة الجليلة من التعظيم من ذلك الثواب، وإن لم يكن مستحقا قبل أن يفعل الطاعة التي يستحق بها، فهو في حكم المستحق، فيجوز أن يوصف بذلك من فوت نفسه بأنه ظالم لها، كما يوصف من فوت نفسه المنافع المستحقة. وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ ... فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 4.
فإن قيل فإذا لم تقع من آدم عليه السلام على قولكم معصية، فلم أخرج من الجنة على سبيل العقوبة وسلب لباسه على هذا الوجه؟ ولولا أن الاخراج من الجنة وسلب اللباس على سبيل الجزاء على الذنب، كما قال الله
تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ... 8 وقال تعالى في موضع آخر: ﴿ ... فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ... 9؟.
قلنا: نفس الإخراج من الجنة لا يكون عقابا، لأن سلب اللذات والمنافع ليس بعقوبة، وإنما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة.
وكذلك نزع اللباس وإبداء السوأة.
فلو كانت هذه الأمور مما يجوز أن تكون عقابا ويجوز أن يكون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلى غيره، بدلالة أن العقاب لا يجوز أن يستحقه الأنبياء عليهم السلام.
فإذا فعلنا ذلك فيما يجوز أن يكون واقعا على سبيل العقوبة، فهو أولى فيما لا يجوز أن يكون كذلك، فإن قيل فما وجه ذلك إن لم تكن عقوبة؟.
قلنا: لا يمتنع إن يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم عليه السلام في الجنة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة، فمتى تناول منها تغيرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة.
وكذلك القول في سلب اللباس حتى يكون نزعه بعد التناول من الشجرة هو المصلحة كما كانت المصلحة في تبقيته قبل ذلك، وإنما وصف إبليس بأنه مخرج لهما من الجنة من حيث وسوس إليهما وزين عندهما الفعل الذي يكون عنده الإخراج، وإن لم يكن على سبيل الجزاء عليه لكنه يتعلق به تعلق الشرط في مصلحته، وكذلك وصف بأنه مبدئ لسوأتهما من حيث أغواهما، حتى أقدما على ما سبق في علم الله تعالى بأن اللباس معه ينزع عنهما، ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم عليه السلام صغيرة لا يستحق بها العقاب من مثل هذا التأويل، وكيف يجوز أن يعاقب الله تعالى نبيه بالإخراج من الجنة أو غيره من العقاب، والعقاب لا بد من أن يكون مقرونا بالاستخفاف والإهانة، وكيف يكون من تعبدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل مستحقا منا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة: وأي نفس تسكن إلى مستخف بقدره مهان موبخ مبكت؟ وما يجيز مثل ذلك على الأنبياء (ع) إلا من لا يعرف حقوقهم ولا يعلم ما تقضيه منازلهم.
حول إيحاء إبليس لحواء بتسمية ولدها عبد الحارث:
(مسألة) فإن قال قائل فما قولكم في قوله تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 10أو ليس ظاهر هذه الآية يقتضي وقوع المعصية من آدم (ع) لأنه لم يتقدم من يجوز صرف هذه الكناية في جميع الكلام إليه إلا ذكر آدم (ع) وزوجته، لأن النفس الواحدة هي آدم وزوجها المخلوق منها هي حواء.
فالظاهر على ما ترون ينبني عما ذكرناه، على أنه قد روي في الحديث أن إبليس لعنه الله تعالى، لما أن حملت حواء عرض لها وكانت ممن لا يعيش لها ولد.
فقال لها أحببت أن يعيش ولدك فسميه عبد الحارث، وكان إبليس قد سمي الحارث، فلما ولدت سمت ولدها بهذه التسمية. فلهذا قال تعالى: ﴿ ... جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ... 11.
(الجواب): يقال له قد علمنا أن الدلالة العقلية التي قدمناها في باب أن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الكفر والشرك والمعاصي غير محتملة، ولا يصح دخول المجاز فيها.
والكلام في الجملة يصح فيه الاحتمال وضروب المجاز، فلا بد من بناء المحتمل على ما لا يحتمل، فلو لم نعلم تأويل هذه الآية على سبيل التفصيل، لكنا نعلم في الجملة أن تأويلها مطابق لدلالة العقل.
وقد قيل في تأويل هذه الآية ما يطابق دليل العقل ومما يشهد له اللغة وجوه.
(منها) أن الكناية في قوله سبحانه: ﴿ ... جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ... 11غير راجعة إلى آدم (ع) وحواء، بل إلى الذكور والإناث من أولادهما، أو إلى جنسين ممن اشترك من نسلهما.
وإن كانت الكناية الأولى تتعلق بهما ويكون تقدير الكلام: فلما آتى الله آدم وحواء الولد الصالح الذي تمنياه وطلباه جعل كفار أولادهما ذلك مضافا إلى غير الله تعالى.
ويقوى هذا التأويل قوله سبحانه: ﴿ ... فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 11.
وهذا ينبئ على أن المراد بالتثنية ما أردناه من الجنسين أو النوعين، وليس يجب من حيث كانت الكناية المتقدمة راجعة إلى آدم (ع) وحواء، أن يكون جميع ما في الكلام راجعا إليهما، لأن الفصيح قد ينتقل من خطاب مخاطب إلى خطاب غيره، ومن كناية إلى خلافها.
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ 12 ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ ... 13فانصرف من مخاطبة الرسول صلى الله عليه وآله إلى مخاطبة المرسل إليهم، ثم قال: ﴿ ... وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ... 13 يعني الرسول، ثم قال ﴿ ... وَتُسَبِّحُوهُ ... 13يعني مرسل الرسول.
فالكلام واحد متصل بعضه ببعض والكناية مختلفة كما ترى.
وقال الهذلي: يا لهف نفسي كأن جدة خالد *** وبياض وجهك للتراب الأعفر
ولم يقل بياض وجهه.
وقال كثير: أسيئ بنا أو أحسني لا ملومة *** لدينا ولا مقلية إن تقلت
فخاطب ثم ترك الخطاب.
وقال الآخر: فدى لك ناقتي وجميع أهلي *** ومالي أنه منه أتاني
ولم يقل منك أتاني.
فإن قيل: كيف يكنى عمن لم يتقدم له ذكر؟.
قلنا: لا يمتنع ذلك، قال الله تعالى: ﴿ ... حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ 14 ولم يتقدم للشمس ذكر، وقال الشاعر: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بي الصدر ولم يتقدم للنفس ذكر.
والشواهد على هذا المعنى كثيرة جدا على أنه قد تقدم ذكر ولد آدم (ع)، وتقدم أيضا ذكرهم في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... 15 ومعلوم أن المراد بذلك جميع ولد آدم عليه السلام.
وتقدم أيضا ذكرهم في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا ... 11لأن المعنى أنه لما أتاهما ولدا صالحا. والمراد بذلك الجنس، وإن كان اللفظ لفظ وحدة. وإذا تقدم مذكوران وعقبا بأمر لا يليق بأحدهما، وجب أن يضاف إلى من يليق به.
والشرك لا يليق بآدم عليه السلام، فيجب أن ننفيه عنه، وإن تقدم ذكره وهو يليق بكفار ولده ونسله فيجب أن نعلقه بهم.
(ومنها) ما ذكره أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، فإنه يحمل الآية على أن الكناية في جميعها غير متعلقة بآدم (ع) وحواء، فيجعل الهاء في ﴿ ... تَغَشَّاهَا ... 15 والكناية في ﴿ ... دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا ... 15و ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ... 11راجعين إلى من أشرك.
ولم يتعلق بآدم (ع) من الخطاب إلا قوله تعالى: ﴿ ... خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... 15قال: والإشارة في قوله: ﴿ ... خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... 15إلى الخلق عامة.
وكذلك قوله: ﴿ ... وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... 15ثم خص منها بعضهم، كما قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ... 16فخطاب الجماعة بالتسيير، ثم خص راكب البحر.
وكذلك هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها، وهما آدم وحواء.
ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل فلما أعطاه إياه، أدعى له الشركاء في عطيته. قال وجايز أن يكون عنى بقوله: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... 15المشركين خصوصا، إذا كان كل بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها، ويكون المعنى في قوله تعالى: ﴿ ... خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... 15.
وهذا قد يجئ كثيرا في القرآن وفي كلام العرب.
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ... 17والمعنى فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.
وهذا الوجه يقارب الوجه الأول في المعنى وإن خالفه في الترتيب.
(ومنها) أن تكون الهاء في قوله: ﴿ ... جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ ... 11راجعة إلى الولد لا إلى الله تعالى، ويكون المعنى أنهما طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح، فشركا بين الطلبتين.
ويجري هذا القول مجرى قول القائل: طلبت مني درهما فلما أعطيتك شركته بآخر، أي طلبت آخر مضافا إليه. فعلى هذا الوجه لا يمتنع أن تكون الكناية من أول الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحواء عليهما السلام.
فإن قيل: فأي معنى على هذا الوجه لقوله: ﴿ ... فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 11وكيف يتعالى الله عن أن يطلب منه ولد بعد آخر.
(قلنا) لم ينزه الله تعالى نفسه عن هذا الإشراك، وإنما نزهها عن الإشراك به، وليس يمتنع أن ينقطع هذا الكلام عن حكم الأول، ويكون غير متعلق به، لأنه تعالى قال: ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ 18فنزه نفسه تعالى عن هذا الشرك دون ما تقدم، وليس يمتنع انقطاع اللفظ في الحكم عما يتصل به في الصورة، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب 19، لأن من عادة العرب أن يراعوا الألفاظ أكثر من مراعاة المعاني، فكأنه تعالى لما قال جعلا له شركاء فيما آتاهما، وأراد الاشتراك في طلب الولد، جاء بقوله تعالى عما يشركون على مطابقة اللفظ الأول، وإن كان الثاني راجعا إلى الله تعالى، لأنه يتعالى عن اتخاذ الولد وما أشبهه.
ومثله قول النبي قد سئل عن العقيقة فقال:"لا أحب العقوقة، ومن شاء منكم أن يعق عن ولده فليفعل ". فطابق اللفظ وإن أختلف المعنيان وهذا كثير في كلامهم.
فأما ما يدعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه، لأن الأخبار يجب أن تبنى على أدلة العقول، ولا تقبل في خلال ما تقتضيه أدلة العقول.
ولهذا لا تقبل أخبار الجبر والتشبيه، ونردها أو نتأولها إن كان لها مخرج سهل.
وكل هذا لو لم يكن الخبر الوارد مطعونا على سنده مقدوحا في طريقه، فإن هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع، لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا في قول البغداديين.
وقد يدخل الوهن على هذا الحديث من وجه آخر، لأن الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما رواه خلف بن سالم عن إسحاق بن يوسف عن عوف عن الحسن في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ... 11قال هم المشركون.
وبإزاء هذا الحديث ما روي عن سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم، من أن الشرك غير منسوب إلى آدم وزوجته عليهما السلام وأن المراد به غيرهما وهذه جملة واضحة 20.