حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
تنزيه سليمان عن الشح وعدم القناعة
نص الشبهة:
ما معنى قول سليمان عليه السلام : ﴿ ... رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ أو ليس ظاهر هذا القول منه ( ع ) يقتضي الشح والظن والمنافة لأنه لم يقنع بمسألة الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه ؟
Answer:
قد ثبت أن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته ، لا سيما إذا كانت المسألة ظاهرة يعرفها قومهم .
وجايز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان ( ع ) أنه إن سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين والاستكثار من الطاعات ، وأعلمه أن غيره لو سأل ذلك لم يجب إليه من حيث لا صلاح له فيه .
ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول اللهم اجعلني أيسر أهل زماني وارزقني مالا يساويني فيه غيري إذا علمت أن ذلك أصلح لي وأنه أدعى إلى ما تريده مني ، لكان هذا الدعاء منه حسنا جميلا وهو غير منسوب به إلى بخل ولا شح . وليس يمتنع أن يسأل النبي هذه المسألة من غير إذن إذا لم يكن شرط ذلك بحضرة قومه ، بعد أن يكون هذا الشرط مرادا فيها ، وإن لم يكن منطوقا به ، وعلى هذا الجواب اعتمد أبو علي الجبائي .
ووجه آخر : وهو أن يكون عليه السلام إنما التمس أن يكون ملكه آية لنبوته ليتبين بها عن غيره ممن ليس نبيا .
وقوله ﴿ ... لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ... ﴾ 1 أراد به لا ينبغي لأحد غيري ممن أتى مبعوث إليه ، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين ( ع ) . ونظير ذلك أنك تقول للرجل أنا أطيعك ثم لا أطيع أحدا بعدك ، تريد ولا أطيع أحدا سواك . ولا تريد بلفظة بعد المستقبل ، وهذا وجه قريب .
وقد ذكر أيضا في هذه الآية ومما لا يذكر فيها مما يحتمله الكلام أن يكون ( ع ) إنما سأل ملك الآخرة وثواب الجنة التي لا يناله المستحق إلا بعد انقطاع التكليف وزوال المحنة ، فمعنى قوله لا ينبغي لأحد من بعدي أي لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد من حيث لا يصح أن يعمل ما يستحق به لانقطاع التكليف .
ويقوي هذا الجواب قوله ﴿ ... رَبِّ اغْفِرْ لِي ... ﴾ 1 وهو من أحكام الآخرة . وليس لأحد أن يقول إن ظاهر الكلام بخلاف ما تأولتم ، لأن لفظة بعدي لا يفهم منها بعد وصولي إلى الثواب . وذلك أن الظاهر غير مانع من التأويل الذي ذكرناه ، ولا مناف له . لأنه لا بد من أن تعلق لفظة بعدي بشئ من أحواله المتعلقة به ، وإذا علقناها بوصوله إلى الملك كان ذلك في الفايدة ومطابقة الكلام كغيره مما يذكر في هذا الباب .
ألا ترى أنا إذا حملنا لفظة بعدي على نبوتي أو بعد مسألتي أو ملكي ، كان ذلك كله في حصول الفايدة به ، يجري مجرى أن تحملها إلى بعد وصولي إلى الملك . فإن ذلك مما يقال فيه أيضا بعدي .
ألا ترى أن القائل يقول دخلت الدار بعدي ووصلت إلى كذا وكذا بعدي ، وإنما يريد بعد دخولي وبعد وصولي وهذا واضح بحمد الله 2.