الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما النسئ الذي هو زيادة في الكفر ؟

نص الشبهة: 

" المسألة السابعة عشرة " تتعلق بالنسئ قال: ما النسئ الذي هو زيادة في الكفر، الذي قال الله تعالى فيه ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ... . (قال) : وهل كان له عند العرب قبل الإسلام نظام يدور عليه حساب السنين.

Answer: 

(فأقول): النسئ مصدر كالنذير والنكير معناه التأخير، والمراد منه هنا تأخير الاشهر الحرم وغيرها من الأشهر القمرية عما رتبها الله سبحانه عليه، فان العرب علموا انهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية فانه يقع حجهم تارة في الصيف، وتارة في الشتاء، وكان يشق عليهم الاسفار، ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات، لان سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون الا في الاوقات اللائقة الموافقة فعلموا ان بناء الامر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسية، ولما كانت السنة الشمسية زائدة عن السنة القمرية بمقدار معين احتاجوا إلى الكبيسة، وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة امران.
احدهما: انهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهرا بسبب اجتماع تلك الزيادات.
والثاني: انه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمرية إلى غيره، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة، وبعده في المحرم، وبعده في صفر، وهكذا في الدور، حتى ينتهي بعد مدة مخصوصة مرة اخرى إلى ذي الحجة، فحصل بسبب الكبيسة هذان الامران الزيادة في عدة الشهور، وتأخير الحرمة الحاصلة لشهر إلى شهر آخر. هذا كله مما أفاده الامام فخر الدين الرازي 1 قال: والحاصل ان بناء العبادات على السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا، وبناءها على السنة الشمسية يفيد رعاية مصالح الدنيا، والله تعالى امرهم من وقت إبراهيم واسماعيل ببناء الامر على رعاية السنة القمرية، فهم تركوا امر الله في رعاية السنة القمرية، واعتبروا السنة الشمسية رعاية لمصالح الدنيا، وأوقعوا الحج في شهر آخر سوى الاشهر الحرم، فلهذا السبب عاب الله عليهم وجعله سببا لزيادة كفرهم وانما كان ذلك سببا لزيادة الكفر، لان الله تعالى أمرهم بايقاع الحج في الاشهر الحرم، ثم انهم بسبب هذه الكبيسة اوقعوه في غير هذه الاشهر، وذكروا لاتباعهم ان هذا الذي عملناه هو الواجب، وان ايقاعه في الشهور القمرية غير واجب فكان هذا انكارا منهم لحكم الله مع العلم به، وتمردا عن طاعته وذلك يوجب الكفر باجماع المسلمين، فثبت ان عمله في ذلك النسئ يوجب زيادة في الكفر(قال الرازي): واما الحساب الذي به يعرف مقادير الزيادات الحاصله بسبب تلك الكبائس فمذكور في الزيجات.
(قال): واما المفسرون فانهم ذكروا في سبب هذا التأخير وجها آخر 2 فقالوا ان العرب كانت تحرم الشهور الاربعة، وكان ذلك شريعة ثابتة من زمن ابراهيم واسماعيل عليهما السلام، وكانت العرب اصحاب حروب وغارات فشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة اشهر متوالية لا يغزون فيها، وقالوا: ان توالت ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئا لنهلكن، وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم.
(قال): قال الواحدي واكثر العلماء على ان هذا التأخير ما كان يختص بشهر واحد، بل كان ذلك حاصلا في كل الشهور(قال الرازي) هذا هو الصحيح على ما قررناه.
(قال): واتفقوا انه عليه الصلاة والسلام لما أراد ان يحج حجة الوداع عاد الحج إلى شهر ذي الحجة في نفس الامر، فقال عليه السلام. الا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والارض السنة اثنا عشر شهرا. اراد ان الاشهر الحرم رجعت إلى مواضعها، هذا كلام الرازي نقلناه على طوله لما فيه من الفوائد، ولا منافاة بينه وبين ما قاله غيره من المفسرين كما لا يخفى.

تنبيه

ان من احاط علما بما نقلناه عن العرب من ترتيب حسابهم في نسيئهم على السنة الشمسية دون القمرية يعلم الوجه في اتخاذ الائمة الشهور الرومية في حساب تلك السنين، ولا يعجب منهم كما عجب موسى جار الله إذ يقول: ذكر الوافي في الكتاب الخامس في ص 45 ان حساب الشهور كان عند الائمة روميا.
(ثم قال): ما وجه اتخاذ الائمة حساب الروم وشهورهم وسنيهم، وحساب العرب وتاريخ الهجرة كان عربيا اه‍. ولعل هذا الرجل يراجع ما نقلناه عن الرازي ليعلم الوجه في ذلك 3.

  • 1. في معنى الآية من تفسيره الكبير ص 434 من جزئه الرابع في تفسير سورة التوبة.
  • 2. الوجهان وجيهان ولا منافات بينهما.
  • 3. أجوبة مسائل جار الله، بقلم سماحة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، الطبعة الثانية 1373 ه‍ مطبعة العرفان ـ صيدا. 1953 م، ص 144 ـ 148، المسألة السابعة عشرة.