الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

قال الله تعالى: {اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء}، فهذا نص في ابطال اتباع احد دون رسول الله؟

نص الشبهة: 

قال الله تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ... ، فهذا نصٌّ في إبطال اتّباع أحد دون رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

Answer: 

إنّ هذا السؤال أشبه بسؤال الخوارج حيث قاموا في وجه عليّ وعامّة المسلمين رافعين شعارهم «لا حكم إلاّ لله» وقال علي (عليه السلام) في جوابهم: كلمة حق يراد بها باطل، ولعلّ جامع الأسئلة لم يجد أفضل من ابن حزم الّذي برّر قتل ابن ملجم للإمام علي (عليه السلام) بأنّه تأوّل واجتهد فجاء بكلامه الطويل في فصل عقده باسم باب الإمامة والمفاضلة، وحاصل ما طعن به مذهب الشيعة هو ما يلي: قال الله تعالى:﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ... 1، فهذا نص في إبطال اتّباع أحد دون رسول الله، وإنّما الحاجة إلى فرض الإمامة لينفذ الإمام عهود الله تعالى الواردة إلينا من عبد فقط، لا لأن يأتي الناس بما لا يشاؤونه في معرفته من الدين الّذي أتاهم به رسول الله، ووجدنا علياً (رضي الله عنه) إذا دُعي إلى التحاكم إلى القرآن أجاب وأخبر بأنّ التحاكم إلى القرآن حق، ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإمام لقال علي حينئذ كيف تطلبون تحكيم القرآن وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله 2.
والآن نجيب عن هذا الإشكال: لو كان الاتباع منحصراً بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فما معنى قوله سبحانه:﴿ ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... 3 فإن قال: إنّ إطاعة ولي الأمر هي طاعة نفس الرسول ولذلك لم يكرر الفعل وقال:﴿ ... وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... 3دون أن يقول: «وأطيعوا أُولي الأمر» فنحن نقول بمثل ذلك فإنّ إطاعة الإمام نفس إطاعة النبي فإنّه لا يحكي إلاّ سنّة النبي وفعله وتقريره، ويُعد اتّباعه اتّباعاً للنبي.
والرجل لبعده عن العراق الّتي كان معقل الشيعة زعم أنّ اتّباع الإمام في عرض اتّباع الرسول وغفل عن أنّهم شعبة منهم.
ثم إنّ المراد من اتبّاع الأئمة هو أخذ العلوم عنهم بحكم أنّ الأئمة هم أحد الثقلين، فهم أعدال القرآن وقرناؤه، فمن اتّبعهم وأطاعهم فقد أطاع النبي واتّبعه، ومن أطاعه واتّبعه فقد أطاع الله سبحانه.
فلننظر إلى حياة المسلمين بعد الرسول، فقد واجهتهم مسائل مستجدة وحوادث لم يكن لها جواب في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن هو المجيب عن هذه الأسئلة؟ والمفروض أنّه لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، فبما أنّ الإسلام دين مكتمل الأركان فلابد أن يكون هناك جماعة لهم تربية إلهية ووعي خاص يجيبون عن هذه الأسئلة المستجدة، والقائم بهذا عند الشيعة هو الإمام.
نعم قام القوم في مقام الإجابة عن هذه الأسئلة بتأسيس قواعد أُصولية تتكفل بالإجابة عنها، كالقياس والاستحسان وفتح الذرائع وسدها، إلى غير ذلك من القواعد الّتي ما أنزل الله بها من سلطان، وبذلك استغنوا عن الرجوع إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم عيبة علم الرسول ومعادن حكمه.
فاتّضح من ذلك أنّ كلاًّ من الفريقين لابد لهم من مرجع في الأُمور المستجدة، فالمرجع عند الشيعة هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، والمرجع عند غيرهم هم الفقهاء الذين يستنبطونها من تلك القواعد.
فإن كان اتّباع الفقهاء حسناً فليكن اتّباع أهل البيت (عليهم السلام) أولى، وإن كان مذموماً مرفوضاً واتّباعاً لغير الله ـ كما زعم ابن حزم ـ فالواجب على السلفيّين رفض مشايخهم قبل أن يعترضوا على الشيعة 4.