الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كرامات طلحة

نص الشبهة: 

ويذكرون لطلحة بن عبيد الله أيضاً في أحد كرامات كثيرة، نذكر منها:

Answer: 

1 ـ أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد سماه في أحد ب‍ (طلحة الخير)؛ لأنه أنفق سبعمائة ألف درهم 1.

ولا ندري كيف وعلام أنفق طلحة سبعمائة ألف درهم، التي كانت تكفي لتجهيز جيش بكامله، يكون أضعاف أضعاف جيش المسلمين في أحد ؟! أوليس قد جهزت قريش جيشاً مؤلفاً من ثلاثة أو خمسة آلاف مقاتل معهم ثلاثة آلاف بعير، ومئة فرس، وسبعمائة دارع بخمسة وعشرين ألف دينار ؟! 2. أي بما يساوي ثلث المبلغ الذي يُدَّعى أن طلحة قد أنفقه ؟
وعلى أبعد الأقوال: إنها أنفقت خمس مئة ألف درهم.
ومن الواضح: أن سبعمائة ألف درهم في تلك الأيام تعدل ميزانية دولة بكاملها.
وكيف نصدق ذلك، ونحن نرى ابن سعد يروي في الطبقات عن أنس: أن أبا بكر استعمله على الصدقة، فقدم وقد مات أبو بكر، فقال عمر (رض): يا أنس، أجئتنا بالظهر ؟
قلت: نعم.
قال: جئتنا بالظهر، والمال لك.
قلت: هو أكثر من ذلك.
قال: وإن كان هو لك. وكان المال أربعة آلاف فكنت أكثر أهل المدينة مالاً 3.
فإذا كان أنس أغنى أهل المدينة بالأربعة آلاف، وذلك في زمان عمر، الذي اتسع فيه الأمر على الناس، وحصلوا على الأموال الكثيرة.
فهل يمكن أن نصدق أن مهاجرياً قدم المدينة بلا مال، يصير من الثراء بحيث يبذل سبعمائة ألف درهم بعد فترة وجيزة جداً من قدومه ؟!. ولا سيما في وقت كان يعاني فيه المسلمون صعوبات جمة، حتى إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يربط الحجر على بطنه من الجوع (راجع حديث الغار، حين البحث في ثروة أبي بكر).
ولماذا لم تنزل في طلحة آية تشيد بهذه الفضيلة له، كما نزلت في علي «عليه السلام» حينما تصدق بالخاتم في الصلاة 4 وحينما تصدق بأربعة دراهم ؟! إلى آخر ما تقدمت الإشارة إليه 4.
وبذلك يعلم أيضاً: مدى صحة الأرقام الخيالية التي تذكر عن تجهيز عثمان لجيش العسرة، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه. وسنتعرض لذلك كله في مواضعه إن شاء الله تعالى.

2 ـ وأما روايات شلل إصبع طلحة، وما أصابه في أحد، فهي متناقضة؛ فلا ندري هل شلت إصبعه؟ أو إصبعاه؟ أو يده؟ أو قطعت إصبعه؟! ثم هنالك الخلاف في عدد الجراح التي أصابته.

ونحن لا ننكر أن يكون طلحة قد أصيب ببعض الجراح. لكن ذلك لا يلزم منه عدم فراره.
بل يستظهر المظفر: أن شلل يده قد كان حين الفرار، أو بسبب آخر.
وقد يستظهر ذلك من تعبير الشعبي ب‍ـ (زُعِم) في قوله: (وزُعِم: أن طلحة وقى رسول الله بيده ؛ فضرب، فشلت) 5 فيظهر أن الشعبي يشك في ما زُعم. وأما ما زعمه البعض من أنه «صلى الله عليه وآله» قد مسح على جسد طلحة، ودعا له بالشفاء، والقوة 6، فلا ندري ما نقول فيه، ونحن نرى أن يده لم تشف، ولم يستجب الله ذلك الدعاء.
ولكن الذي شفي بدعاء النبي «صلى الله عليه وآله» حقاً هو أمير المؤمنين «عليه السلام» كما تقدم.

3 ـ ويقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» قد وقع في إحدى الحفر التي حفرها أبو عامر الفاسق مكيدة؛ فرفعه طلحة، وأخذ بيده علي «عليه السلام».

وزاد في الاكتفاء: فقال «صلى الله عليه وآله»: من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة 7.
ولا ندري لماذا اختص طلحة الفار من الزحف بهذا الوسام، دون علي «عليه السلام»، الذي لم يثبت أحد سواه، مع أنهما شريكان في مساعدته «صلى الله عليه وآله» على النهوض ؟!. ثم إن كل من يعثر ويقع، فإن من معه يبادرون إلى مساعدته، ومعاونته على النهوض ؛ ولا يعتبرون ذلك عملاً عظيماً يستحق وساماً كهذا.

4 ـ ويقولون: ولما أصاب النبي «صلى الله عليه وآله» ما أصابه، جعل طلحة يحمله، ويرجع القهقهرى. وكلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب. أخرجه الفضائلي 8.

ونحن لا نصدق أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تقهقر وفر كما تقهقر غيره، وأخلى ساحة القتال.
وقد تقدم تكذيب الإمام الصادق «عليه السلام» لذلك.
كما أننا لا نرى أن ما جرى للنبي «صلى الله عليه وآله» قد أفقده القدرة على المشي ؛ ولذا فنحن لا نفهم وجه الحاجة لأن يحمله طلحة ثم يضعه ليدافع عنه.
كما أننا لا نعرف أين ذهب عنه «صلى الله عليه وآله» أصحابه الثلاثون الذين فاؤوا إليه، ثم لحقهم من لحقهم ؟!
وأين كان عنه سلمان، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، وعمار، وأخوه ووصيه علي بن أبي طالب «عليه السلام» ؟!
ولم لا يدافعون عنه، ويحمونه من ملاحقة المشركين، حتى يضطر طلحة لأن يرجع القهقرى، وهو حامل رسول الله «صلى الله عليه وآله». ثم يدافع عنه كلما أدركه أحد من المشركين ؟!
كما أنه لم يثبت تاريخياً عودة من كانوا في أعلى الجبل إلى ساحة الحرب ـ وطلحة منهم ـ بل الثابت خلافه، كما سنرى إن شاء الله.

إشارة هامة

ويقولون: «إنه لما كانت وقعة أحد اشتد الأمر على طائفة من الناس، تخوفوا أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي، فآوي إليه، وأتهود معه، لعله ينفعني إذا وقع أمر، أو حدث حادث.
وقال الآخر: أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني في الشام، وأتنصر معـه، فأنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ... 9» 10.
وقد روى ابن طاووس في الطرائف، والعلامة في نهج الحق هذه الرواية عن السدي، الذي روى عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم وغيرهما. وقد صرح السدي بأن الرجلين هما عثمان وطلحة. وأنهما استأذنا النبي «صلى الله عليه وآله»، وألحا عليه في ذلك.
كما أن رواية أخرى عن عكرمة تقول: «كان طلحة والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام» 11، فقد صرحت الرواية باسم طلحة في تفسير نفس هذه الآية.
والرجل الآخر قد اختلف فيه، فقال عكرمة هو الزبير، وقال السدي هو عثمان.
ثم إن لطلحة هذا هنات وهنات، ومواقف عجيبة وغريبة، ويكفي أن نذكر: أن عمر بن الخطاب قد أخبر حين حضرته الوفاة بأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» مات وهو عليه ساخط، لأنه قال: «إنه سيتزوج نساء النبي من بعده، فنزلت فيه: ﴿ ... وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ... 12 » 13.
ومن أراد المزيد، فليراجع قاموس الرجال وغيره ؛ ليقف على بعض مواقف طلحة وأفاعيله. وحسبنا ما ذكرناه هنا، وقد يأتي المزيد مما يتعلق بهذا الموضوع إن شاء الله 14.

  • 1. تاريخ الخميس ج1 ص432، والسيرة الحلبية ج2 ص238.
  • 2. تقدم ذلك في فصل: قبل نشوب الحرب، فراجع.
  • 3. حياة الصحابة ج2 ص235، وكنز العمال ج5 ص405.
  • 4. a. b. تقدمت المصادر لذلك في أواخر الجزء الثالث من هذا الكتاب في فصل: هجرة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» حين الحديث عن ثروة أبي بكر.
  • 5. راجع: تاريخ الخميس ج1 ص431.
  • 6. دلائل الصدق ج3ص 259 بتصرف.
  • 7. تاريخ الخميس ج1 ص430.
  • 8. تاريخ الخميس ج1 ص437.
  • 9. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 51، الصفحة: 117.
  • 10. تفسير ابن كثير ج2 ص68، وتفسير الخازن ج1 ص503، والدر المنثور ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي.
    وراجع: ودلائل الصدق ج3 ص204، وطرائف ابن طاووس ص494، وقاموس الرجال ج5 ص169 عنه.
  • 11. راجع: الدر المنثور ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن المنذر.
  • 12. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 53، الصفحة: 425.
  • 13. الغدير ج10 ص127، وتفسير القرطبي ج14 ص228، وعن فيض القدير ج4 ص290، وتفسير ابن كثير ج3 ص506، وتفسير البغوي ج5 ص225، وتفسير الخازن ج5 ص225، وتفسير الآلوسي ج22 ص74، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص60 وج3 ص170. وليراجع الدر المنثور ج5 ص214 عن ابن أبي حاتم عن السدي وعن عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن سعد.
  • 14. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السابع.