حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هذا هو صلاح الدين
نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كثيراً ما يتحدث من يقرأ كتب التاريخ الإسلامي، عن أن علاقة الشيعة بصلاح الدين الأيوبي، في ذلك الوقت، لم تكن علاقة طيبة. حيث إن الشيعة لم يناصروا صلاح الدين، ولم يساعدوه في الوقوف في وجه الصليبيين، ومن جانب آخر يقول قراء كتب التاريخ: إن الأيوبي قد انتقم من الشيعة شر انتقام.
سماحة السيد العاملي إنني ارتأيت أن أوجه لكم طلباً بهذا الشأن يتضمن توضيح تفاصيل العلاقة بين صلاح الدين الأيوبي والشيعة في ذلك الوقت وما حدث بينهما.
نسألكم الدعاء.
Answer:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن ما ورد في هذا السؤال من ادعاء: أن الشيعة لم يناصروا صلاح الدين على الصليبيين، محض خيال، وليس له أي نصيب من الحقيقة، بل هو محض تجن على أهل الحق..
بل إن النصوص التاريخية تصرح: بأن العاضد الفاطمي استصرخ نور الدين زنكي ليساعده في إنقاذ المسلمين من شر الإفرنج، فأمده بأسد الدين شيركوه، فقدم مصر بعسكر كثير، وكان معه صلاح الدين، فانتصر شيركوه على شاور الذي كان قد تحالف مع الفرنجة، فخلع عليه العاضد الفاطمي وأكرمه، واستوزره، فمات بعد شهرين وخمسة أيام، فاستوزر بعده صلاح الدين..
فاغتنمها هذا فرصة، فشرع بتدبير الأمور لنفسه، وساس الأمور بطريقة غريبة، وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، وأقطع أصحابه البلاد، وأضعف أهل مصر، وأبعدهم، واستبد بالأمور، ومنع العاضد من التصرف..
وعرف الناس أنه يدبر لإزالة تلك الدولة، وأخذ ما عند الأمراء، وأخرجهم من بيوتهم، وأعطاها لأقاربه وأصحابه..
فلما كان في سنة ست وستين، عزل قضاة الشيعة، ومن ذلك الوقت اختفى مذهب الشيعة إلى أن نسي من مصر، ثم قبض على من تبقى من الأمراء، وأنزل أصحابه في دورهم في ليلة واحدة، فأصبح البلد وفيه من البكاء والعويل ما يذهل، وتحكَّم أصحابه في البلد بأيديهم، وأخرج إقطاعات سائر المصريين لأصحابه، وقبض على القصور وسلمها لقراقوش، وأزال شعار الدولة، وخطب لخليفة بغداد.. 1.
ثم إنه بدأ سياسته القاسية ضد الشيعة، واضطهدهم، وقتل زعماءهم، وأبعد أهل الرياسة فيهم، بذرائع واهية، واستناداً لفتاوى حاقدة ومتعصبة، وواجههم بأصعب وأشق أنواع العقوبة والتعذيب.
بل هو قد عالج اعتراضات الناس بأساليب لا إنسانية مفعمة بالحقد، وبالجريمة إلى حد أنه كان يصلب فئات كثيرة ويعلِّقهم [أي يشنقهم] بعمائمهم، وكان يحرق مناطق واسعة فيها الألوف من البيوت ـ يحرقها ـ بما ومن فيها من أطفال ونساء، وشيوخ، ليكسر شوكة المعترضين عليه..
لذلك تعددت التحركات التي تهدف إلى الاعتراض على سياسات صلاح الدين، واختلفت مواقعها. فكان يواجهها بشراسة، وقسوة بالغة..
وبعد هذا، فمن الذي يجرؤ على التخلف عن النفير الذي يطلقه صلاح الدين، في أي زمان، وهم يرون أفاعيله بالناس، وسياساته فيهم، التي هي سياسة الاستئثار بكل شيء..
ولكي تكتمل الصورة نشير إلى بعض النصوص، ولكن في ثلاثة اتجاهات، هي التالية:
ألف ـ صلاح الدين في حروبه
إن عالماً من الناس، كان ولا يزال مبهوراً بصلاح الدين على اعتبار أنه بطل تحرير القدس من أيدي الصليبيين، وقد اطراه محبوه أيما إطراء، وعظموه أشد تعظيم من أجل ذلك فيما زعموا..
ولكن فريقاً آخر من الباحثين ليس فقط لم يتحمس لذلك، لا كثيراً ولا قليلاً، بل هو قد زاد عليه بأن سجل تحفظات مثيرة جداً على واقع وسلوك هذا الرجل، وعلى حقيقة نواياه وارتباطاته، وقد ساق على تحفظاته هذه الكثير من الشواهد الظاهرة، والدلائل القوية القاهرة التي تفرض على كل منصف أن لا يتجاهلها، إذا كان بصدد إصدار حكم يستند إلى البينات والوقائع..
ونحن لسنا بصدد إنجاز بحث حول هذا الموضوع، وإنما نريد فقط الإشارة إلى طبيعة تحفظات هؤلاء الباحثين فنقول:
إننا بالنسبة للحروب مع الصليبيين نلاحظ أموراً كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1 ـ إن نور الدين زنكي قد طلب إلى صلاح الدين أن يزحف من مصر، ويزحف هو من الشام، فيطبقان على الصليبيين من جهتين، ويتم القضاء عليهم، وينتهي أمرهم من المنطقة بذلك.. فرفض صلاح الدين ذلك.
2 ـ بل إنه حين نازل صلاح الدين الإفرنج في حصن الشوبك وحصرهم، وطلبوا الأمان، واستمهلوه عشرة أيام، علم بذلك نور الدين، فسار عن دمشق إلى بلاد الإفرنج، ليدخل إليها من جهة أخرى، ويقضي بذلك عليهم.
فقيل لصلاح الدين، متى زال الإفرنج عن الطريق، وأُخِذَ ملكهم، لم يبق بمصر مقام مع نور الدين، وإن جاء نور الدين إليك وأنت ههنا، فلا بد من الاجتماع به، وحينئذ يكون هو المتحكم فيك بما شاء..
فما كان من صلاح الدين إلا أن رحل عن الشوبك عائداً إلى مصر، ولم يأخذه من الإفرنج، وكتب إلى نور الدين يعتذر، وأطال الاعتذار، فلم يقبلها نور الدين منه الخ.. 2.
فاعتقاده: أن زوال الصليبيين يجعله هو تابعاً لنور الدين، دفعه إلى صرف النظر عن منازلة الإفرنج، وإفشال خطة نور الدين، وحفظ وجود الإفرنج في المنطقة..
3 ـ ولما شعر أن نور الدين عازم على القدوم إلى مصر، لكي يؤدبه، احتمى منه بالصليبيين. وقد نص على ذلك ابن الأثير، وابن العديم، وأبو شامة وغيرهم..
4 ـ إنه حين شعر أن الخليفة الناصر العباسي عازم على إرسال جيشه إلى فلسطين، ليتعاون مع جيش صلاح الدين على تحريرها تماماً من الصليبيين، رفض ذلك، لأنه اعتقد أن ذلك يفقده بعض السلطة، ويجعله والياً للخليفة، وتابعاً له..
5 ـ سعى لإقامة صلح مع الإفرنج، ووسَّط أخاه العادل ليبرم ذلك الصلح معهم.. واهتم أخوه أيضاً بالزواج من أخت ملكهم.. وكان في نفس الوقت يظهر للناصر أنه شديد في حربه للإفرنج، ومستمر فيها، ويخبره بتوالي الانتصارات له عليهم، مع أنه كان يفاوضهم على الصلح.. فكانت نتيجة صلحه معهم هي أن أعاد إلى الصليبيين معظم فلسطين ما عدا القدس، فقد أرجع إليهم حيفا، والرملة، واللد، ويافا 3.
وقد صرح ابن شداد بأنه في سنة 588 نزل للإفرنج عن البلاد..
ويقول أيضاً ص 259: إن الإفرنج هم الذين شرطوا على صلاح الدين إبقاء يافا في أيديهم..
فإذا كان هو المنتصر وهم المهزومون، فكيف يملي المهزوم شروطه على المنتصر..
ويقول المقريزي: إنه أعطاهم من يافا إلى عكا، إلى صور، وطرابلس، وإنطاكية.. 4.
ويقول العماد الأصفهاني: إنه جعل لهم من يافا إلى قيسارية، إلى عكا، إلى صور، ولم يكن لهم ذلك من قبل.. 5.
ولا ندري السبب في أنه دفع أعظم الأثمان لأخذ تلك البلاد من أيدي الإفرنج، ثم عاد فأرجعها إليهم، وأرجع إليهم معظم فلسطين إلا أقل القليل، من دون أي ثمن، ووفق شروطهم هم، من دون زيادة، أو نقيصة..
ولا ندري لماذا لم يجعلوا مدينة القدس في جملة مطالبهم؟! وهل كان سوف يعطيهم إياها أيضاً لو أنهم كانوا قد طلبوها؟!
6 ـ لقد قسَّم صلاح الدين البلاد بين إخوته، وأولاده، وقد نتج عن هذا التقسيم منازعات فيما بين هؤلاء الورثة الطامحين، واستنصر بعضهم على البعض الآخر بالصليبيين، فكانت النتيجة هي أن ابني أخيه، وهما الكامل والأشرف، سلما إلى الصليبيين القدس نفسها، مع جزء من أرض فلسطين يمتد من الساحل إلى بيت المقدس، وذلك في سنة 625، كما أن الملك العادل، قد سلمهم الناصرة أيضاً..
ب ـ صلاح الدين واليهود
فيما يرتبط بعلاقات صلاح الدين باليهود، نقول:
1 ـ إن الموسوعة اليهودية تقول عن صلاح الدين: إن موقفه من اليهود شديد التسامح، وأنه أصدر عام 1190 م. مرسوماً دعا فيه اليهود إلى الاستيطان في القدس..
وقد ذكر أن الحاخام الحريزي قد زار القدس سنة 1216 م. [وكان صلاح الدين قد مات سنة 1193] فوجد فيها جماعة يهودية معتبرة، مكونة من مهاجرين من فرنسا، والمغرب، وسكان عسقلون السابقين..
2 ـ إنه كان يستطب موسى بن ميمون، ويرى له.. [أي يرى له مقاماً].. مع أن موسى هذا هو من أعظم الشخصيات اليهودية على الإطلاق.. وكان ابن المالي وهو أحد مستشاري صلاح الدين، زوج أخت ابن ميمون، وابن ميمون زوج أخت ابن المالي.. 6.
3 ـ ويقول ول ديورانت وغيره، إن صلاح الدين الذي أعدم السهروردي متهماً إياه بالخروج عن الدين لم يسمع أي شكوى في حق ابن ميمون.. 7.
كما أنه هو نفسه قد أقنع صلاح الدين بإعادة اليهود إلى القدس بعد فتحها..
4 ـ ويقول جورج طرابيشي: إن شهرة ابن ميمون التي لفتت أنظار البلاط الأيوبي إليه «أتاحت له أن يجمع بين رعاية السلطان صلاح الدين، ورعاية نخبة المجتمع القاهري» 8.
5 ـ ويقولون أيضاً: «استخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط صلاح الدين لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد، وابتناء كُنُس ومدارس» 9.
6 ـ يقول صالح الورداني: «.. تروي لنا كتب التاريخ: أن الصليبيين كانوا يخرجون من بيت المقدس بعربات محملة بالنفائس، والجواهر، والذهب، ومعهم أطفالهم ونساؤهم، ومتعلقاتهم، وكذلك اليهود. وهم حين دخلوا بيت المقدس جعلوا الدماء تجري فيها كالأنهار، ولم يرحموا طفلاً، ولا شيخاً، ولا امرأة.
فعل هذا صلاح الدين مع الصليبيين واليهود، ولكنه لم يفعله مع المسلمين من الشيعة، فقد بطش بهم البطشة الكبرى، وفعل بهم ما تقشعر له الأبدان».. 10.
ج ـ تعصب الجبابرة
وحين تصل النوبة إلى الشيعة، فإن ذلك المتسامح يصبح وحشاً كاسراً، وبلاء عظيماً، حيث نرى: بالإضافة إلى ما قاله صالح الورداني آنفاً ـ نرى ـ دلائل أخرى على معاملة صلاح الدين الأيوبي للشيعة في مصر بقسوة بالغة، حيث يقولون:
1 ـ إنه «أخذ يعمل على تحويل الناس شيئاً فشيئاً عن المذهب الشيعي إلى مذهبه، وهو مذهب السنة».. 11.
2 ـ عزل قضاة الشيعة 12، وفرض المذهب الشافعي، فتظاهر الناس في تلك السنة بمذهب الشافعي، واختفى مذهب الشيعة إلى أن نسي من مصر.. وألغى مجالس الدعوة، وأزال أصول المذهب الشيعي، مثل الأذان بحي على خير العمل، وأزال النقش الذي كان على العملة، وهو: «علي ولي الله».. 13.
3 ـ وكَّل القاضي الفاضل مهمة اختيار الكتب الصالحة من مكتبة قصر الخلافة الفاطمية، التي كان فيها عشرات، أو مئات الألوف من المجلدات، فأحرق ما يدعو إلى التشيع.. 14.
4 ـ قال السيوطي: «وأخذ صلاح الدين في نصر السنة، وإشاعة الحق، وإهانة المبتدعة، والانتقام من الروافض، وكانوا بمصر كثيرين».. 15.
5 ـ وقال المقريزي: «حمل صلاح الدين الناس كافة على عقيدة الأشعري في مصر وبلاد الشام، ومنها إلى أرض الحجاز، واليمن، وبلاد المغرب، حتى أصبح الاعتقاد السائد بسائر هذه البلاد بحيث إن من خالفه ضرب عنقه».. 16.
وقال أيضاً عن صلاح الدين، وأولاده: «عقدوا الخناصر، وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه الخ..» 17.
وعلى كل حال، فإن هناك أموراً كثيرة تدخل في هذا السياق، وتظهر مدى قسوة صلاح الدين ضد الشيعة على الخصوص، وتبيَّن بعض خططه لإطفاء نورهم، وإبادة خضرائهم..
ولعل فيما ذكرناه كفاية، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 18..
- 1. راجع الخطط للمقريزي، والنجوم الزاهرة، والأعلاق الخطيرة، والشيعة في مصر للورداني وغير ذلك..
- 2. راجع: الكامل لابن الأثير دار صادر ج 11 ص 371 حوادث سنة 567 هـ وراجع النجوم الزاهرة ج 6 ص 21 و22 ومفرج الكروب ج 1 ص 221 والسلوك لمعرفة دول الملوك ج 1 ص 44 ـ 50.
- 3. راجع: الأعلاق الخطيرة لابن شداد ص 173 ـ 184 و256.
- 4. الخطط والآثار ج 2 ص 235 وراجع مجلة العربي العدد 149.
- 5. الفتح القسي ص 604.
- 6. راجع فيما تقدم في الفقرة رقم 1 و2 كتاب صلاح الدين الأيوبي لحسن الأمين من ص 137 إلى ص 140.
- 7. راجع المصدر السابق ص 141 عن قصة الحضارة ج 14 ص 121.
- 8. معجم الفلاسفة ص 31.
- 9. راجع: صلاح الدين الأيوبي تأليف حسن الأمين ص 140 عن معجم الفلاسفة ص 32 وغيره..
- 10. الشيعة في مصر ص 58.
- 11. راجع: صلاح الدين الأيوبي لقدري قلعجي ص 210.
- 12. الخطط للمقريزي ط دار صادر ج 2 ص 233.
- 13. راجع: الخطط للمقريزي ج 1 ص 158 و159، ومفرج الكروب ج 1 ص 198 وانظر النجوم الزاهرة ج 5 ص 334.
- 14. صلاح الدين الأيوبي لقدري قلمجي ص 216.
- 15. حسن المحاضرة ج 2 ص 25.
- 16. الخطط للمقريزي ج 4 ص 192 و193.
- 17. الخطط للمقريزي ط دار صادر ج 2 ص 358 وقال في صفحة 273: { فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاده حتى يكفر من خالفه.. }.
- 18. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (396).