حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
هل أن كل ما نتوصل إليها بواسطة أدوات المعرفة قابلة للإتباع ؟
المعرفة المعتبرة و المعترف بها اسلامياً لدى علماء الكلام في مجال العقيدة و التي يجب الأخذ بها هي تلك المعرفة القائمة على الأسس التالية :
1. أن تكون المعرفة الحاصلة قطعية بحيث يمكن الجزم بها ، أما المعارف الظنية أو الوهمية أو الشكية فلا اعتبار لها .
و في هذا المجال يقول الله العظيم في قرآنه الكريم : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ 1 .
و يقول سبحانه و تعالى أيضا و هو يذمّ الذين يتبعون الظن : ﴿ أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ 2 .
و يقول عز مِن قائل أيضا : ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ 3 .
فكل معرفة خارجة عن إطار العلم القطعي مرفوضة عند الإسلام و عند المتكلمين في مجال العقيدة ، و لذلك فإننا نرى أن كثيرا من الآيات الكريمة تنتقد و تذم المقتفين سنن الآباء و الأجداد بلا دليل قطعي واضح ، و بلا علم بصحة أدلة الآباء و الأجداد .
و بهذا الشأن يقول الله العظيم : ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ 4 .
و يقول عز و جل : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾ 5 .
و هكذا فان الإسلام يدين المنطق القائم على تقديس مذهب الآباء و الأجداد ـ لكونهم آباء و أجداد لا لصواب منطقهم ـ لأن ذلك ينفي دور العقل الإنساني و يرفض تطور التجارب البشرية ، و يصادر الموضوعية في معالجة قضايا السلف ، و الغريب أن هذا المنطق الجاهلي يسود حتى اليوم على العالم ، و يظهر تارة على شكل عادات و تقاليد خرافية مطروحة باسم " آثار الآباء " ، و تارة باسم الحفاظ على المآثر القومية و الوطنية ، لذا فيجب عدّ هذا المنطق الرجعي من أسباب انتقال الخرافات من جيل للآخر ، و من الواضح أنه ليس المقصود طبعاً هجرة تقاليد الآباء و عاداتهم كلها ، بل الصحيح هو تحليل عاداتهم و أخذ ما انسجم منها مع العقل و المنطق و طرح ما يُنافي العقل منها .
إذن فالعادات و التقاليد المنسجمة مع العقل و المنطق يمكن عَدُّها تراثا قوميا يستحق الحفظ ، أما الاستسلام التام و التقليد الأعمى لطريقة الآباء و الأجداد فليس له مبرر و هو الرجعية بعينها .
2. أن تكون المعرفة نابعة عن أدوات المعرفة الحسيّة و القلبية أو العقلية ، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم : ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ 6 .
فالسمع و البصر هما رمزا الأدوات الحسيّة ، كما أن الفؤاد هو كناية عن العقل و الإدراكات الصحيحة الفكرية ، فالحس و العقل هما المعتمدان عند المتكلمين من بين أدوات المعرفة لأنهما الأكثر صوابا و الأعظم نتيجة ، ذلك لأن العلم لا يحصل إلا عن طريق الفؤاد أي العقل .
ثم انه لا شك و إن معرفتنا للعالم الخارجي لا تحصل بصورة مباشرة و إنما تتم عن طريق السمع و البصر و ذلك بعد التقاط المعلومات الصوتية و التصويرية و إرسالها إلى عقولنا بغية فهمها و تحليلها و الاستنتاج منها .
- 1. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 285 .
- 2. القران الكريم : سورة يونس ( 10 ) ، الآية : 66 ، الصفحة : 216 .
- 3. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 527 .
- 4. القران الكريم : سورة الزخرف ( 43 ) ، الآية : 22 و 23 ، الصفحة : 490 .
- 5. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 170 ، الصفحة : 26 .
- 6. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 78 ، الصفحة : 275 .