آية الله العظمى الشيخ محمد أمين زين الدين رحمه الله
هو الشيخ محمد أمين عبد العزيز بن زين الدين بن علي زين الدين البحراني البصري.
عالم فقيه و مدرس و كاتب و شاعر أديب .
ولد في نهر خوز - البصرة في 19 شعبان سنة 1332 و نشأ بها على والده رحمه الله فتعلم المقدمات .
هاجر إلى النجف سنة 1351 هـ ليكمل دروسه في الحوزة العلمية عند اساتذتها الأعلام و هم : الشيخ محمد طاهر الخاقاني و الشيخ ضياء الدين العراقي و الشيخ محمد حسين الأصفهاني و السيد محسن الحكيم و غيرهم .
استقل بالبحث و التدريس و تخرج عليه جمع من الأفاضل و العلماء .
شارك في الأندية الأدبية و نظم الشعر .
إهتم بمعالجة قضايا الأمة من خلال كتاباته ، فكتب بحوثاً إسلامية مختلفة نشرت في الصحف العراقية و العربية .
رجع إليه بالتقليد أهالي البحرين و الخليج و بعض أهالي البصرة .
من مؤلفاته :
كلمة التقوى .
الأخلاق عند الإمام الصادق عليه السلام .
رسالات السماء. إلى الطليعة المؤمنة .
العفاف بين السلب و الإيجاب .
من أشعة القرآن .
مع الدكتور أمين ردَّ به على المهدي و المهدوية .
الإسلام: ينابيعه ، مناهجه ، غاياته .
توفي بالنجف الاشرف يوم الخميس 30 صفر سنة 1419 هـ و دفن به قدس سره .
كثر السؤال من بعض الأبناء عن آيات الهدى والضلال في القرآن الكريم ، وكثر الاستفهام عن معناها ، وعمّا يتلقفه بعض الأذهان من دلالتها على معنى الجبر على الهدى لبعض الناس ، والجبر على الضلال لبعضهم .
وطرائق القرآن في الاستدلال على هذه العقيدة هي طرائقه في الاستدلال في كل موضع , وحججه عليها هي حججه في الإشراق وقوة العرض وبداهة المقدمات , والقرآن حين يحتج لإثبات أمر لا يبقى فيه منفذاً للشك ولا مورداً للانتقاض .
و القرآن بعيد الآفاق ، عميق الأغوار لا ينتهي الباحث إلى غور منه الا ويجد أن وراءه أغواراً أبعد ، ولا يسمو إلى أفق الا ويرى أن فوقه آفاقاً أسمى وأوسع وأعظم . وتسمو آفاق الكتاب العزيز وتسمو، وتبعد أغواره وتعمق، وينقلب البصر وهو حسير، ويرجع الفكر مبهوراً يسبّح بعظمة القرآن، و يلهج باكبار رسوله (صلى الله عليه و آله).
في ذكرى القرآن و هي هذه اليد المبرورة المشكورة التي اغنت الإنسان ان يفكر في تقرير قاعدة ثابتة لحياته ، وفي وضع مبدأ حكيم لاجتماعه ، وفي تشريع دستور لحكومته ، وفي سنّ أنظمة مفصّلة عادلة لاقتصاده وسياسته ومعاملاته وحدوده وحقوقه ، وفي انشاء مناهج لتربيته و أخلاقه و سلوكه : ان يلتجىء في قوانين حياته إلى عقول محدودة ، وأن يشتقّها من نظرات ضيّقة وملابسات مخصوصة .
نورٌ يهدي من ظلام ، وإبانة تنقذ من حيرة ، وهداية تبلغ بالمرء سبيل السلامة ونهج الاستقامة . من الله بارىء النور والظلام ، و ربّ الحرب والسلام . . . من الله ـ سبحانه ـ مصدر هذا النور الهادي ، ومنبع هذا الرواء الهانىء . . .
في القرآن دعوة حثيثة إلى العلم يجدها القارىء المتدبّر في آياته . . دعوة حثيثة إلى العلم بجميع فروعه ، وبجميع اختصاصاته ، و بشتّى اتجاهاته . وهو يفتنّ في أساليب هذه الدعوة ، ويفتنّ في الحث عليها ، ويكثر من تكرارها ، وتكرار الحث عليها حتى لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته عن ذكرها مرة واحدة على أقل تقادير .
الدين ضرورة يقتضيها تنظيم الكون ، وتنظيم الحياة ، وتنظيم سلوك الإنسان الفرد وسلوك الإنسان الأمة ، وتنظيم علائقه بعضه ببعض وفرده بالمجتمع ، وتوثيق روابطه بالكون ، وتوثيق صلته العظمى برب الكون .
ستدرك البشرية رشدها ، وستنال هداها يومها ذاك وما هو منها ببعيد . لقد سار الركب مع العلم وسار مع العقل ، والعلم والعقل مؤمنان لا محالة وان طال بهما الطريق.
وبُعث محمد ( صلى الله عليه و آله ) ليحقّق الأمنية لكل أولئك للفرد، وللمجتمع ، والتأريخ. وبُعث محمد ( صلى الله عليه و آله ) ليحقق الغاية الكبرى التي أرادها الله من إحداث الكون وإيجاد الحياة ، وإنشاء الإنسان. وبعث محمد ( صلى الله عليه و آله ) ليكون أعظم رسول بأعظم رسالة، وأكبر داعٍ إلى اكبر دعوة.
واستقبل محمد (صلى الله عليه و آله) علياً (عليه السلام) ، وابتسم النبيّ ، وابتسم الوصيّ ، وابتسم الكون ، والتقت الشفاه الكريمة في قبلة حبيبة . . نعم ، في فناء الله وفي ظلّ بيته كان لقاؤهما الأول . . ها هنا . .
الإسلام كله، من مبدئه إلى ختامه . . من أول حرفٍ منه إلى آخر نقطة، بجميع مجملاته ومفصّلاته، يبدأ في شكل عقيدة يتلقّاها الفكر، ويطمئن إليها القلب، وتُشرق بها الروح، وتمتلئ بها آفاق النفس . . عقيدة راسخة ثابتة، بالله (عز وجل)، وبرسوله (صلى الله عليه وآله)، وكتابه، وبما أنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) من حكمة، وما أنزل في الكتاب من حكم.
الإنسان اعجز من أن يصف محمداً ( صلى الله عليه و آله )
طمع كثيرون من كُتّاب السير وأدباء التحليل أن يضعوا صورة جامعة تحيط بجوانب العظمة من شخصيّة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، أو بأكثر الجوانب منها ، وجهدوا أن تكون الصورة صادقة تمام الصدق ، مطابقة كمال المطابقة ، تخيل لمن قرأ أو استمع أنه يشاهد ، وتبدي لمن غاب كأنه حاضر .
وطفقوا يرسمون الخطوط ، ويدققون الملامح ، وينتقون الألوان ، ويجمعون الشوارد والشواهد ، مما يرون ومما يسمعون ، ومما يخالون ويتصوّرون ، والحقائق بمنأىً عن هذا الجمع العامل الكادح ، تعجب لهم أن يحاولوا تعريف مالا يعرفون ، وتمثيل مالا يدركون .
الإمامة والعصمة في الإسلام ـ وهي الفكرة التي أردت أن أتحدث لكم عنها في هذه الليلة المباركة ، فكرة عريقة في القدم ، عريقة في الاصالة ، ارتبطت بالعقيدة ، وبالنظام وبالنهج ، ارتباطاً قوياً مكيناً ، حتى لا يمكن التفكيك ولا يمكن الفصل ، وكيف يمكن فصل جزء من كله ؟ . وأقول : كيف يمكن أن ينفك أو يفصل جزء من كله ، ولا أعني الأجزاء التي يمكن الاستغناء عنها في بناء المركّبات ، فقد قلت : إنها مرتبطة بالعقيدة وبالنظام وبالمنهج ، وأجزاء العقيدة والنظام والمنهج أجزاء مقوّمة لا يمكن الاستغناء عنها أبداً ، وسأوضح أبعاد قولي هذا في غضون الحديث ـ إن شاء الله ( تعالى ) ـ .
أخــي : هـذه النتائج التي يملك العقل الحصيف أن يصل إليها بفطرته ، وبالذخائر الضرورية التي أعدّت له في تكوينه ، أترى فيها ظلا من الريب ، أم ترى فيها شيئاً من الغموض ؟ . تأمـل فيها ملياً وقلّب وجوه النظر ما شئت ، ثم اقرأ هذه السورة القصيرة من قرآن محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ 1 .
والوجدان لدى وفرة من الناس مصدر من مصادر التدليل ، وقوة من قوى الحكم على الأشياء بالخطأ أو الصواب . ويغلو بعضهم فيرى أن الدين حكر على الوجدان! . هذه المنطقة على الخصوص دون غيرها من آفاق النفس الإنسانية هي مولده الحقيقي ومقره الدائم على ما يرى هؤلاء . ويجني الجاني في رأيهم على الدين إذا أراد أن ينقله إلى الفكر أو يتطلبه منه أو يستعين به على إثباته . وهي دون ريب فكرة غريبة عن هذي البلاد وعن هذا الدين . فكرة بلاد استعصى عليها أن توفق دينها مع العقل . وعز عليها أن تتبع عقلها بلا دين ، فأفردت لكل منهما منطقة من النفس ، وطمعت أن تحل المعضلة بهذا التقسيم . أما أن العقل قد يرى من حقه أن يتمرد على هذه الحدود فيجمع الأسلاك والأشواك ويقتحم منطقة الدين ، وأن الدين قد يثأر لقداسته وحرمته من هذه الجرأة فيهاجم العقل . وأما أن الإنسان يعيش ما يعيش قلق النفس مزدوج الشخصية يحمل في أغوار نفسه خصمين متناحرين لا ينتهي خصامهما ولا يهدأ تناحرهما ، ويتنازع قياده طول دهره قلب مؤمن وعقل ملحد! .
لقد مات من غبر من الناس ، وسيفنى الموجود منهم ، وسيلحق بالقافلة من سيوجد بعد ، نعم وستطوى هذي الحياة وتنطمس معالمها وتعفى آثارها ، فهل هذه هي النهاية الأخيرة ؟ إذن فأين جلبة تلك الأحكام ؟ وأين قعقعة تلك الحجج ؟ . الأحكام التي وضعها الشرع والحجج التي أقامها العقل وعضدتها الفطرة . . إن الله حكيم . . . ولا حد لحكمته . وإن الله عدل . . . ولا منتهى لعدله . وان الله غني . . ولا منقطع لغناه . ولا مراء في ذلك كله . والله هو مشرّع الدين لهذا الإنسان . وفروض الدين إنما هي أوامره ، ومحرمات الدين إنما هي منهياته، وحدود الدين إنما هي حرماته . ولا ريب في شيء من ذلك كله أيضاً . فلو قدرنا أن الموت هو النهاية . هو النهاية الكبرى ، التي ليست ورائها منقلب وليس بعدها مصير لخوى تشريع الله من الحكمة ولحاف عدل الله في الجزاء أو قصرت ملكته عن الوفاء .
دعونا يا أدعياء . . دعوا الإسلام يضمد جراحه ، و يؤلّف شتاته . . دعوا المسلمين يُجمعوا أمرهم ، و يوحّدوا كلمتهم ، و يثبّتوا أقدامهم . . دعونا يا أدعياء . . دعوا دين الله يأسُ جراحه التي تركتها المناحرات الشديدة بين أبنائه ، و الغارات اللئيمة من أعدائه . دعوا الغيارى من أنصار الله ، و حملة الحقُّ ، تنبه الراقدين ، و تدعو الشاردين ، فقد هدّد الحق ، و أنذرت الكرامة ، و اقتحمت الحدود ، ولم يبق مساغ للغفلة ، ولم يبق مجال للإبطاء . دعوا أنصار الله الغيارى تجمع أوصال الأمةِ المتفرقة ، و تؤلفّ قواها المبعثرة ، و تسمعها ـ من جديد قولة الله ( تعالى ) في كتابه العزيز :
اخذت اليراع بيدي لأملي عليه من أحاديث الذكرى كما عوّدته وكما عوّدني ، فانتقض من محاولتي واضطراب وقال . أمحاباة في ذكرى الرسول ، ومجاملة مع الحق ؟ فاسكتني لأنني علمت أن الحق ما يقول ، واقسم علي أن ارسلها كلمةً عاتبة موجّهة ، تتضمن اعترافاً بالتقصير في الذكرى ، وفي حقّ صاحبها العظيم . سنقول : إنها ذكرى النور ، وسيردّد بعضنا قول احمد سوقي : ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء . والحق هو ذلك ، ولكن ما جدوانا نحن ، إذ كنا نُطبق أعييننا عن النور لنسير في الظلام ؟! . وسنقول : انها ذكرى الهدى الذي عمّ ، والرشد الذي انتشر ، وشمل الأقطار . وان الحق هو ذلك ، ولكن ما انتفاعاً نحن إذ كنّا نوقِر أسماعنا ، ونقفل أفئدتنا لنعيش في تيه ؟! .
تعوّدت أن أتحدث إليكم في أمثال هذه المناسبة الكريمة عن تراث النبوة في هيكل الإمامة ، وعن طبيعة الخلافة الراشدة ، وسمة الخليفة الراشد في نظر البرهان ، ومن نصّ القرآن . . . أتحدّث بهذا لا لأثبت أن الخلافة بعد علي ( عليه السلام ) لا يستحقّها غير ولده الحسن ( عليه السلام ) ، فهذا شيء لا يفتقر إلى الإثبات ، ومن مؤسفات الحقائق أن يضطر قائله إلى برهان . بل لأحاكم التأريخ في سقطته عام الجماعة ، ماذا لوّن من حقائق ، وماذا من أخطاء . . . تعودت أن أتحدث إليكم عن هذه المآسي ، فهل تسمحون لي أن أنصرف بكم ـ هذا اليوم ـ إلى طرف آخر من الحديث . . إلى لون طريف من هذه المزالق التي تضعها الأهواء في طريق الآراء . أود أن أتحدث إليكم ـ أيها السادة ـ عن آيتين كريمتين ، قال سياق القرآن الكرم ، وقال المفسرّون كلهم ـ على تفرّق مذاهبهم ـ ، وقال علماء الحديث . . جميعهم ـ على تنوّع مشاربهم ـ : إن الآيتين إنما ذكرتا أهل البيت ( عليه السلام ) ، خاصّة النبي ( صلى الله عليه و آله ) الزكية ، ولُحمته القريبة ، وتقول الأهواء : إنما عَنتا أناساً آخرين !! .
إذا كانت الذكرى لعظماء الرجال إشادة بما رسموا للأمم من مجد ، وتخليداً لما أسّسوا و بنوا لهم من سؤدد ، فمن أحقّ بالخليد من ذكراك يا أبا الأمجاد ، ويا مؤسّس العظمات ، ويا ملتقى العبقريات ؟. وإذا كانت ذكريات العظماء ، تسجيلاً من الأمّة لفضلهم ووفاء منها بحقّهم ، فمن أولى من حقّك بوجوب الوفاء ، ومن أجدر من أياديك بوجوب التسجيل يا فاتح الخير ، ويا قائد البركة ويا رائد الرحّمة وخازن المغفرة ؟. وإذا كانت ذمة للحق ، وأمانة للتأريخ ، على البشرية أن تؤدّيها ، وأن تعتزّ بها ، فمن أجدر بهذه الخصائص من ذكراك يا دليل الحقّ ، و يا مصدر العِزّ و يا باني التأريخ ؟. وإذا كانت الذكرى تجديداً لميثاق الأمة لقائدها ، وتوثيقاً لصلتها برائدها ، وتوكيداً لعهده الذي أخذه عليها أن تتّبع خطوة ، وأن تلتزم هداه ، وتقتفي نهجه ، فمن أحرى من ميثاقك بأن يجدّد ، ومن أحرى من أمتك بأن تشدّ صلتها بك يا مصدر القوة ويا معدن العزة ويا رائد الكرامة ؟.